(خطبة ) العبرة من الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية

خالد الشايع
1444/07/16 - 2023/02/07 17:09PM


           


الخطبة الأولى (العبرة من الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية ) 19/7/1444

الحمد لله العزيز الذي لا يمانع ، القوي الذي لا يغالب ، الحكيم الذي لاينتقد ، الكون كله في قبضته ، يفعل ما شاء و يحكم ما يريد ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له ، سبحانه من إله لا يُدرك كمالُ مدحه ، ولا يَبلغ العبد شكر نعمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي عرف الله بأسمائه وصفاته ، فقرت عينه وسلم أمره لقضاء الله وقدره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله وراقبوه فوالله إن دلائل وحدانية الله ، وعظيم قدرته أعظمُ من أن تحصر ، فمن تأمل فيها بنظر ثاقب وعلم صائب أوشك أن ينقلب من ذلك بقوة الإيمان وعظيم اليقين بالله ، فضلا عن السلامة من الزلل .

معاشر المسلمين : إن الله قوي لا يغالب ، عزيز لا يذل ، حكيم في تدابيره وقدره ، وإن المتصفح لهذا الكون يرى ذلك جليا بلا امتراء ولا ريب .

فأين قوى العالم التي تفخر بقوتها ، ليتعضوا بقدرة الله (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ)

عباد الله : إن هذا الزلزال جند من جند الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو ) وهو من عذاب الله ومن نقمته التي يسلطها على من يشاء من عباده ، والزلزال هو الخسف ، وقد ورد ذلك في كتاب الله وسنة رسوله r قال تعالى (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) وقال (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) وقال (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)

و أخرجه ابن ماجه في سننه من حديث ابن مسعود مرفوعا (بين يدي الساعة مسخ و خسف و قذف ) وأخرج الترمذي من حديث عمران بن حصين مرفوعا ( في هذه الأمة خسف و مسخ و قذف قيل متى ذلك قال :إذا ظهرت القيان و المعازف و شربت الخمور )‌

وأخرج الترمذي من حديث عائشة مرفوعا ( يكون في آخر هذه الأمة خسف و مسخ و قذف قيل : يا رسول الله ! أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا ظهر الخبث ).

فمن هذه الآيات والأحاديث يتبين لنا كيف أن الله هدد عباده بالخسف ، وكيف أن النبي r أنذر الناس أن يخسف بهم إذا ارتكبوا بعض المعاصي .

ومن هذا كله نخلص بفوائد وعبر :

أولاها : أن الله قوي لا يغالب ، ينتقم متى شاء ممن شاء ولا يكرثه شيء ، فقوة الله لا حد لها ، ولا يعجزه شيء (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)

ثانيا : أن الخبث إذا ظهر فإن العقوبة تعم الصالح والطالح ، ثم يبعثون على نياتهم ، ولا ينجوا إلا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي بكر قال صلى الله عليهوسلم : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه )

قال المناوي :

وفيه تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى فكيف بمن أعان؟ نسأل اللّه السلامة . أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف أوحى اللّه إلى يوشع عليه السلام إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يؤاكلونهم ويشاركونهم )، واعلم أنه قد يقوم كثرة رؤية المنكر مقام الارتكاب فيسلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر ورودها على القلب وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئاً فشيئاً إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكر ولا يمر بفكره أنها معاصي لتألف القلوب بها .أهـ

ثالثا : حلم الله على خلقه ، على كثرة عصيانهم ، وأنه يصيب بعض الخلق بهذه المصائب ويجعلهم عبرة لغيرهم ، ولو شاء لعم أهل الأرض بعذابه ولكنه يلطف ويرحم ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً)

رابعا : أن المسلمَ الموقنَ يعلم أن ما حدث بتلك البلاد إنما هو بقدر الله ، وأن أقدار الله لا تنفك عن حكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها .

خامسا : يظن بعض الناس أن سبب حدوث الزلازل إنما يرجع إلى عملية جيلوجية بحته ، ولا علاقة لها بما يعمل على الأرض ، وهذا قد يكون صحيحا من جهة ولكن لا يعدوا أن يكون أحد الأسباب التي يهيئها الله لحدوث الزلزال ، وإنما السبب الرئيس لحدوث الزلزال هو كما سبق أنه آية من آيات الله يخوف بها عباده ، ويعاقب بها ، كما قال تعالى ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون إهـ

وإن مما يدل على أن هذه الأسباب الجيلوجية ليست بضرورية ، أنهم يذكرون أن أرض الحجاز من أصلب الأراضي وليست معرضةً للزلازل ، وقد ذكر المؤرخون كابن الجوزي في كتابه المنتَظم ، وكذلك المفسرون كابن كثير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور أن المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرات فقال عمر أحدثتم والله لئن عادت لأفعلن ولأفعلن ، في رواية أنه قال إن عادت لا أساكنكم فيها ، وقال قتادة ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه .

سادسا : أن الله يمهل ولا يهمل ، وأن العقوبة إذا حلت بالظالم لم يفلت منها ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى رضى الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ثم قرأ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

اللهم إنا اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين .......

أما بعد فيا أيها المسلمون : من سمع ورأى الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية علم يقينا قدرة الله وقوته التي لا يقف أحد في وجهها ، وترى الناس وقت الزلزال سكارى وماهم بسكارى ، يركضون ولا يدرون أين يتجهون ، صورة مصغرة ليوم القيامة ، هذا زلزال لم يبلغ الدقيقة من الزمن وخلف ذلك الدمار فما بالك بزلزال يستمر ساعات .

إن المسلم في هذه الحياة مُعّرض للنكبات والمصائب وذلك من باب الابتلاء والامتحان (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وقال (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) .

ولله جل وعلا أن يبتلي عباده بما شاء فالخلق خلقه والأمر أمره ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)والناس عند وقوع المصائب والكوارث على قسمين منهم الذي يصبر ويحتسب ، وهذا مثل المؤمن القوي الذي يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه قال علقمة رحمه الله في قوله ()مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم .

وقسم يتضجر ويعترض على القدر ويلقي باللوم على خالقه ومولاه ، ويخرج كلمات السخط والعتاب ، وهذا للأسف هو السائد على الناس إلا من عصم الله.

قال ابن القيم : وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءَه وصفاته وموجبَ حكمته وحمده .أهـ

أخرج الترمذي في جامعه من حديث أنس رضي الله عنه قال صَلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط ).‌

عباد الله : إننا لنسمع من البعض عند حدوث المصائب ما ينقبض له القلب ، ويقشعر له البدن كقول البعض : لماذا أنا الذي أُصاب من بين الناس ، ماذا فعلت حتى يقع علي كذا وكذا ، وما ذنبي ؟ ولربما رمى الله بالظلم فإذا وقعت المصيبة على أطفال مثلا ، تجد البعض يقول بأي جرم أصابهم ذلك وهم أطفال ، ونحوها من الكلمات التي تدل على التضجر وعدم الرضى بأقدار الله .

ولكن من علم أن الله له الحكمة البالغة ، والمشيئة النافذة ، فإنه يقبل على شأنه ، يمسك لسانه ، ويرضى ويسلم .( ولا يظلم ربك أحدا ) ( وما ربك بظلام للعبيد ) ويعلم أن الله لو عذب اهل الأرض كلهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكان متفضلا عليهم ورحمته أوسع لهم .
معاشر المؤمنين : ماهو دورك تجاه إخوانك المنكوبين ، إن لك دورا عظيما ، وذلك بالدعاء لهم ولمنظمات الإغاثة والإنقاذ ، وكذلك التبرع لهم بما تستطيع ، وقد فتحت الدولة مشكورة منصة ساهم لدعم المنكوبين وبإمكانك التبرع عبر تطبيق مصرف الراجحي في التحويل للجمعيات الخيرية وستجد التبرع لمتضرري الزلزال
اللهم إنا نعوذ بك من الغلا والوبا والزنى والربا والزلازل والمحن وسوء الفتن ....

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

اللهم إنا نسألك الرضى بعد القضاء .

اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات ...

اللهم أبرم لهذه الأمة ........

اللهم أنج المستضعفين ....

ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين ..

 

 


       

المرفقات

1675778978_خطبة العبرة من الزلزال الذي ضرب الحدود التركية السورية.docx

المشاهدات 8536 | التعليقات 0