( خطبة ) العاقبة للدين وأهله

خالد الشايع
1444/08/10 - 2023/03/02 17:44PM

العاقبة للدين وأهله   11/8/1444

الحمد لله ... ، أما بعد .

معاشر المؤمنين : إن المسلم في زحمة الأحداث ، وكثرة النكبات ، والضعف القابع على المسلمين في هذه الأيام ، يصيب ضعاف الإيمان ، ومتذبذبي التوكل بشيء من اليأس والإحباط من عودة الإسلام عزيزا منيعا ، ومن انتفاء الذل الواقع عليهم .

 وإن هذا الشعور أمر خطير قد يؤدي بالإنسان إلى الكفر والعياذ بالله ، (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) .

عباد الله : من اطلع إلى بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المخبرة بعزة الدين بعد ذلته ، وأن العاقبة للمتقين ، زال عنه ما يجد من تلك الوساوس ، (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) .

فهذه الآية دالة بصريح العبارة أن السيطرة هي لهذا الدين وأنه سيظهر ويحكم على كل الأديان ، ولا يظن الظان أن ذلك قد تحقق زمن النبوة بل ما حصل في زمن النبوة هو جزء من هذا الوعد الصادق ، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث عائشة –رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله r : (لا يذهب الليل والنهار حتى تعيد اللات والعزى ، فقالت عائشة : يا رسول الله : إن كنت لأظن حين أنزل الله : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق  ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) أن لك تاماً ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله) .

ومما يدل على أن انتشار الإسلام ليس مخصوصاً بزمن النبوة ، تلك الفتوحات التي حصلت بعد النبي r شرقا وغربا .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث ثوبان t قال r : (إن الله زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها) .

 هذا ولقد كان فتح بلاد الروم وفارس بعد زمن النبوة ، وقد كان المصطفى r قد بشر بذلك ، بل إن من المبشرات في عودة الإسلام وهيمنته على الأديان ، وعودة عز المسلمين بعد ذلهم تلك الفتوح التي أخبر عنها المصطفى r ولم تقع حتى الآن ، فمن ذلك :

ما أخرج الإمام أحمد من حديث أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج كتاباً فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية ؟ فقال : مدينة هرقل تفتح أولاً ، يعني قسطنطينية ، وقد فتحت القسطنطينية وهي الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني في القرن التاسع الهجري .

وسيحقق الفتح الثاني بإذن الله كما أخبر به المصطفى r ألا وهو فتح (رومية) وهي مدينة روما عاصمة إيطاليا الآن .

فمن يمر بخيال فكره أن المسلمين سيملكون إيطاليا وعاصمتها ، وربما قال البعض : فأين القوى العظمى ، نقول له ولأمثاله : إن ذلك لن يتحقق حتى تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة الإسلامية كما أخبر بذلك المصطفى r ، أخرج الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان t قال رسول الله r : (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً عاضاً ، فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت) .

فهذه الخلافة على منهاج النبوة لم تقع حتى الآن ، ولتقعن بإذن الله كما أخبر به المصطفى r ومن الدلائل على عودة الإسلام قوياً عزيزاً ، أن الإسلام سيطأ على الأرض كلها ، حتى لا يبقى بيت إلا دخله الإسلام ، وهذا لم يحدث حتى الآن ، أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث               قال r : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر) .

عباد الله : إن هذه العودة للإسلام تحتاج إلى رجال أخلصوا لله في دينهم ، فأقاموا دين الله وطبقوا شرعه واستعدوا بالعَدد والعُدد ، ولا يكون ذلك بالتواكل وانتظار الفرج من الله بلا بذل للسبب والنهوض إليه بنية ويقين .

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ، ويهتدي فيه أهل معصيتك .

الخطبة الثانية

معاشر المؤمنين : إن من أسباب التخاذل والركون إلى الدنيا ، هو ما أصاب بعض المسلمين من القنوط واليأس من نصر الله ، حتى ظهر للذل أثرا واضح على خلقه وسلوكه بل وكلامه .

وإن الواجب على المسلم أن يعلم علم اليقين أن الله ناصرٌ تدينه وأهله ، ولكن بشرط أن يسعوا إلى النصر (إن تنصروا الله ينصركم ...) ، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ...) .

فإذا سعى العبد وأصلح نفسه واستقام على دينه ، أتاه النصر من الله ، وعلى المسلم أن لا يستعجل النصر ، فإن النصر مع الصبر ، (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ...) .

معاشر المؤمنين : مهما بلغ الضعف بالمسلمين ومهما ابتعدوا عن دينهم ، فلن تخلو الأرض من قام لله بالحجة ، أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية t قال r : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله) .

فإياك عبد الله أن تكون ممن اغتر ببهارج دنيا الكافرين ، وزخارفها ، واعلم أن الإسلام ظاهر على الدين كله ، فيا ليت شعري من هم أولئك الأفذاذ الذين سيظهر الله دينه على أيديهم ؟

معاشر المؤمنين : ألم تعلموا أن المسلمين سيقتتلون مع النصارى وسيهزمونهم ويكسرون الصليب ، أخرج البخاري في صحيحه من حديث عون بن مالك قال r : (أعدد ستا بين بيد الساعة (وذكر منها) ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، فيغدون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) ، وفي رواية في السنن (فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول : غلب الصليب ، فيقوم رجل من المسلمين فيقتله) .

كما أنه لا تقوم الساعة حتى يقتتل المسلمون مع اليهود وينطق الحجر نصرة للمسلمين ، أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال r : (تقاتلون اليهود فتسلطون عليهم حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول الحجر : يا عبد الله : هذا يهودي ورائي فاقتله) .

وفي نهاية الحياة قبل قيام الساعة ، بعد خروج الدجال ، ينزل عيسى بن مريم u فيقتل الدجال ، ولا يقبل إلا الإسلام ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال : (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطاً ، وإماما عادلا ، فكيسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، ويفيض المال ) وفي رواية (ولا يقبل إلا الإسلام) .

وبهذا يظهر لنا جليا أن العاقبة للمتقين ، وأن النصر لهذا الدين ، فلا ينبغي للمرء أن يتطرق إلى قلبه اليأس والقنوط ، ولنعلم أنه يجب على كل مكلف أن يسعى لتطبيق دينه وإصلاح فساد نفسه ، وأن يسعى لإعداد الأهبة لقراع الحق مع الباطل .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة قال r : (لا يزال هذا الدين قائما ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة) .

إذاً فالدين قائم إلى قيام الساعة ، والقتال عليه ماضٍ إلى قيام الساعة ، ولكن قد يتأخر نصر الله أحياناً ، وذلك لحكم عظيمة ، يضيق المقام عن ذكرها ، من أعظمها :

ابتلاء المؤمن وتمحيصه  ، (وليبتلي الله ما في قلوبكم وليمحص ما في صدوركم) .

ومنها كذلك : أن يراجع المسلمون أمر دينهم ويتمسكوا به ، ويعضوا عليه بالنواجذ .

ومنها كذلك : أن يستكينوا لربهم ويتضرعوا إليه ويكثروا من العبادة والدعاء ، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ...) ، (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) .

الله أعذنا من مضلات الفتن ...

 

المرفقات

1677768365_خطبة العاقبة للدين وأهله.docx

المشاهدات 946 | التعليقات 0