خطبة :الصدق مجالات وثمرات

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/04/05 - 2018/12/12 17:11PM

Smiley face

الصدق مجالات وثمرات
للشيخ
السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب... أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب... وأتمَّ نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب...

أرسل الرياح بشرًى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب... وأنزل من السماء ماء، فمنه شجر، ومنه شراب...

جعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولو الألباب... نحمَده تبارك وتعالى على المسببات والأسباب... ونعوذ بنور وجهه الكريم من المؤاخذة والعتاب... ونسأله السلامة من العذاب وسوء الحساب...

وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب... الملك فوق كل الملوك ورب الأرباب.

الحكم العدل يوم يُكشف عن ساق وتوضع الأنساب... غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب...

خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب... خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب...

فمن عمل صالحًا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب... ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المستغفِر التواب... المعصوم صلى الله عليه وسلم في الشيبة والشباب...

خُلُقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب... قدوة الأمم، وقمة الهِمَم، ودرة المقربين والأحباب...

عُرضت عليه الدنيا بكنوزها، فكان بلاغه منها كزاد الركاب... ركب البعير، ونام على الحصير، وخصف نعله ورتق الثياب...

أضاء الدنيا بسنته، وأنقذ الأمة بشفاعته، وملأ للمؤمنين براحته من حوضه الأكواب...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب... ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب...

وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب.

حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن منزلة من منازل أهل الإيمان إنها منزلة الصدق من نزلها فاز في الدارين ونجا.

فالصدق شديد على النفس؛ ولهذا قال ابن القيم: (فحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم، فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل، والرياء والكذب خفيف كالريشة، لا يجد له صاحبه ثقلًا البتة، فهو حامل له في أي موضع اتفق، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة، فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله)

مدح الصدق والصادقين

 أيها الأحباب أحباب رسول الله –صلى الله عليه وسلم-اعلموا ان الله تعالى امتدح الصدق و الصادقين في غير ما آية من القران الكريم فامر الله تعالى المؤمنين بالصدق فال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.

الصدق من صفات الله عز وجل:

قال سبحانه: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾.

الصدق من صفات الأنبياء والرسل: فالصدق من صفات الأنبياء و الرسل قال  ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.

قال إبراهيم –عليه الصلاة و السلام-: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 83، 84]. ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41].

إِسْحَاق وَيَعْقُوب عليهما السلام : ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 49، 50].

إسماعيل-عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 54].

إدريس-عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 56].

يوسف-عليه السلام: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾ [يوسف: 46].

وهذا سيد الأولين وإمام الصادقين صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا ويقينا، كان معروفًا بالصدق في قومه، وقد كان ذلك فيه بمثابة السّجيّة والطّبع فعرف بذلك حتّى قبل البعثة، وكان لذلك يلقّب بالصّادق الأمين، واشتهر بهذا وعرف به بين أقرانه. وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق»، وصدق الله-عزّ وجلّ- إذ قال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2 - 4].

مجالات الصدق

اعلموا علمني الله تعالى ووأياكم أن للصدق مجالات متعددة كلها تنبثق عن الإيمان بالله تعالى واتباع شرعه والسير خلف الأنبياء والمرسلين و هاكم بيانها بحول الله تعالى وطوله:

أولا الصدق مع الله:

الصدق مع الله "ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة: الإيمان والاعتقاد الحسَن ، والطاعات ، والأخلاق ، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، والصادق فيه هو من حققه على الوجه الذي أراده منه ربه تعالى ، ومنه الصدق في اليقين ، والصدق في النية ، والصدق في الخوف منه تعالى ، وليس كل من عمل طاعة يكون صادقا حتى يكون ظاهره وباطنه على الوجه الذي يحبه الله تعالى .

وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة ، وهي قوله عز وجل : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس)ِ ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177 .

، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}. فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل .... ومن صدق الله في جميع أموره صنع له فوق ما يصنع لغيره].أ.هـ([1])

الواقع التطبيقي للصدق مع الله تعالى

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: عمِّي أنس بن النضر -سُمِّيت به- لم يشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبُر عليه، فقال: أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبتُ عنه!! أما والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَرَيَنَّ اللهُ ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أبا عمرو، إلى أين؟ قال[4]: واهًا لريح الجنة!! أجدها دون أُحُد. فقاتل حتى قُتل، فوُجِدَ في جسده بضعٌ وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قالت عمَّتِي الرُّبَيِّعُ بنت النضر: فما عَرَفت أخي إلاَّ ببنانه. ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [سورة الأحزاب: 23] ([2]).

- عن الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي، قال: رِبْعِيُّ بن حِرَاشٍ، تابعي ثقة، لم يكذب قط، كان له ابنان عاصيان زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إنَّ أباهما لم يكذب قط، لو أرسلت إليه فسألتَه عنهما. فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ فقال: هما في البيت. فقال: قد عفونا عنهما بصدقك ([3])

- عن شداد بن الهاد: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أُهَاجِرُ معك. فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزوةٌ غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ، وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرهم، فلمَّا جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسَمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم. فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: "قَسَمْتُهُ لَكَ". قال: ما على هذا اتَّبَعْتُك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه بسهم-فأموت فأدخل الجنة. فقال: "إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ".

فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتِيَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَهُوَ هُوَ". قالوا: نعم. قال: "صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ". ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّمه فصلَّى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ"([4])

الصدق مع النفس

ومن مجالات الصدق أن يكون الإنسان صادقا مع نفسه و لا يخادعها و يتركها تسبح في بحر الأماني و الأهواء ، فكم رأينا و شاهدنا أناسا يكذبون على أنفسهم و يمنونها الأماني الكاذبة  فيزين لنفسه مع حرم الله تعالى

تجده يتعامل بالربا ويكذب على نفسه ويقول ضرورة عصرية ومعاملة بنكية

تجده يسرف على نفسه بالمعاصي ويقول طالما أن القلب أبيض لا يضرك شيء

تجده يترك الجمع والجماعات ويبارز الله في الخلوات بالمحرمات ويقول إن الله غفور رحيم

وهذا هو الكذب بعينه ولكن نتيجته مضرة وعاقبته وخيمة ونهايته أليمة

أيها الإخوة ينبغي علينا أن نكون صادقين مع انفسنا نرى عيوبنا و نقوم بإصلاحها و محاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه يعلم أن النفس خطرها عظيم وداؤها وخيم ومكرها كبير وشرها مستطير فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى داعية إلى الجهل ، قائدة إلى الهلاك تواقة إلى اللهو إلا من رحم الله فلا تترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها ، قادته إلى القبائح ودعته إلى الرذائل وخاضت به المكارة ... وغوائلها عجيبة ونزعاتها مخيفة وشرورها كثيرة فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوي من جحيم  { فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى  [النازعات : 37 - 39] } وعلى النقيض { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى  [النازعات : 40 ، 41] }

قال أبو الدرداء. (رضي الله عنه): لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت نفسه في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا ، ([5])

وقال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه ).. : من مقت نفسه في ذات الله أمنه الله من مقته([6])

**وقال ميمون بن مهران – رحمه الله – لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ([7])

وقال مالك بن دينار – رحمه الله – رحم الله عبدا قال لنفسه النفيسة ألست صاحبة كذا وكذا ثم ذمها ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا . ([8])

وقال قتادة – رحمه الله: ، ( وكان أمره فرطا (سورة : الكهف آية رقم : 28) ) قال : « أضاع أكبر الضيعة أضاع نفسه وعسى مع ذلك أن تجده حافظا لما له ، مضيعا لدينه » ([9])

المجال الثالث: الصدق مع الناس

إخوة الإيمان المجال الثالث هو الصدق مع الناس ويقول ذلك بالصدق في الأقوال والصدق في الأعمال والصدق في الأحوال

فالصدق مع الناس علامة من علامات الإيمان والكذب علامة من علامات النفاق عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة ". رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة.

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الصدق أمانة، والكذب خيانة.

وعن جرير بن عبد الله البجلي ? قال: ((بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)) ([10]) وزاد ابن حبان: ((فكان جرير بن عبد الله إذا بايع أحدا قال: اعلم يا أخي أن ما أخذنا منك خير مما أعطيناك فاختر)) . كل هذا من النصح والصدق للمسلم والصدق مع الناس

واجب علينا إن نربي أبنائنا على الصدق و أن نجنبهم الكذب أخرج أحمد وأبو داود والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ».([11])

 وكم من الأمهات يكذبن على أبنائهن، وكم من الآباء يكذبون على أبنائهم، وما علموا أنهم بذلك يغرسون خلق الكذب في نفوس أبنائهم. فأين الآباء والأمهات من تربية أبنائهم على الصدق؟ والسير بهم في طريق الصادقين؟..

ثمرات الصدق

أيها الآباء الفضلاء: إن للصدق ثمرات أشهى من العسل وعد الله تعالى الصادقين بالحصول عليها و ان يتذوقوا حلاوتها في الدارين الدنيا و الآخرة و إليكم بيان ذلك:

الأول -ثمرات الصدق في الدنيا:

1-الصدق جماع كل البر، والكذب أصل كل الفجور، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَالْبِرُّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَالْفُجُورُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ ثَمَّ اللَّهِ كَذَّابًا» ([12])

2-البراءة من صفة النفاق عن الصادقين؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان))([13])

3-: تفريج الهموم الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المُهلِكات، كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار التي أخرجها البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنه قال بعضهم لبعض: ((...إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدقُ، فليدعُ كلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه))،([14])

 فدعا كل واحد منهم ربَّه بما عمِله من عمل صدَق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان أن جاء الفرج، ففرج لهم فرجة بعد أخرى، حتى خرجوا من تلك المحنة.

قال الربيع بن سليمان:

صبرٌ جميلٌ ما أسرَعَ الفرجَا *** مَن صَدَقَ اللهَ في الأمورِ نَجَا

مَن خشِيَ اللهَ لم ينَلْهُ أذًى *** ومَن رجا اللهَ كان حيثُ رَجَا

ويُحكَى أن هاربًا لجأ إلى أحد الصالحين، وقال له: أَخْفِني عن طالبي، فقال له: نَمْ هنا، وألقى عليه حزمة من خوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه، قال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخَرُ منهم فتركوه، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح.

ويُروَى أن الحجاج بن يوسف خطب يومًا فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: إن أقرَّ بالجنون خلَّصتُه من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليَّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه، خلَّى سبيله.

4-حصول البركة في الأرزاق فعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرَّقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقَتْ بركة بيعهما)([15])

5-إذا أردت أخي الغالي راحة الضمير وصفاء النفس فكن من الصادقين فكن أخي الحبيب من الصادقين واحذر طريق الكاذبين عن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب-رضي الله عنهما-قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ " ([16]).

أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعَلتنا من أمَّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

أما بعد:

ثانيا -ثمرات الصدق في الآخرة

أيها الآباء الفضلاء والإخوة الأعزاء والأبناء النجباء اعلموا أن للصدق ثمرات ممدودة وعطايا غير محدودة ينالها العبد في الدار الآخرة لان الجنة هي دار الصادقين و هاكم بيان ذلك

1-الصدق طريق موصل إلى الجنة فاقرب الطرق إليها طريق الصادقين؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقَ يَهدِي إلى البرِّ، وإن البر يَهدِي إلى الجنة))[رواه البخاري ومسلم].

2-الصدق منجاة في الآخرة كما كان منجاة لهم في الدنيا فلا ينفعك يوم القيامة مال ولا بنون و لكن الذي ينفعك هو الصدق مع الله تعالى قال -تعالى -: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) [المائدة: 119].

3-: الفوز بالجنان و حصول رضى الرحيم الرحمن، قال - تعالى -: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة: 119].

4-بلوغ درجة الشهداء وان مات الصادق على فراشه عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " ([17])

5-شهادة ضمان لدخول جنة الرحمن عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا أَوْعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ " ([18])

[1] - " الفوائد " ( ص 186 ، 187 ) .

[2] - مسلم: كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد (1903)، البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة أحد (3822) بألفاظ أخرى.

[3] - الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 8/433، ابن شرف النووي: بستان العارفين ص14.

[4] - رواه النسائي: كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهداء (1953)، والبيهقي: (2080)، (6608)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3756)، وانظر ابن القيم: زاد المعاد 3/324.

[5] -جامع الأحاديث - (38 / 333) أخرجه ابن عساكر (47/172)وسير أعلام النبلاء - (4 / 539) الحلية 5 / 212.، محاسبة النفس - (رقم 23)

[6] - جامع الأحاديث - (25 / 93)و[كنز العمال 8752] أدب النفوس للآجري - (رقم 6) الزهر الفاتح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح - (1 / 27) حلية الأولياء - (2 / 350) محاسبة النفس - (رقم 22)

[7] المحاسبة لأبن أبي الدنيا رقم 7 ،و الزهد لوكيع - (223)و ذم الهوى - (ص : 43)

[8] المحاسبة رقم 8

[9] - المحاسبة رقم 5

[10] - أحمد (4/365 ، رقم 19265) .

[11] - أخرجه أحمد (3/447 ، رقم 15740) ، وأبو داود (4/298 ، رقم 4991)

[12] - أخرجه البخاري (5/2261 ، رقم 5743) ، ومسلم (4/2012 ، رقم 2607) .

[13] - أخرجه أحمد (2/189، رقم 6768) ، والبخاري (1/21 ، رقم 34) ، ومسلم (1/78 ، رقم 58) ،

[14] - أخرجه أحمد (2/116) (5973. والبخاري (3/119)

[15] - أحمد (3/402 ، رقم 15357) ، والبخاري (2/732 ، رقم 1973) ، ومسلم (3/1164 ، رقم 1532)

[16] - أخرجه: الترمذي (2518 ) ، والنسائي 8/327 وفي "الكبرى" ، له ( 5220 ) .

[17] - أخرجه الدارمى (2/270 ، رقم 2407) وأبو داود (2/85 ، رقم 1520) والترمذي (4/183 ، رقم 1653)

[18] - أخرجه أحمد (5/323 ، رقم 22809) ، وابن حبان (1/506 ، رقم 271) ، والحاكم (4/399 ، رقم 8066)

المرفقات

مجالات-و-ثمرات

مجالات-و-ثمرات

المشاهدات 7893 | التعليقات 0