خطبة : الصدق ( أنواعه ، فضائله ، من أوجه الكذب المباح والمحرم ، كذبة ابريل )

عبدالإله بن سعود الجدوع
1437/06/22 - 2016/03/31 16:52PM
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واصدقوا في أقوالكم وأعمالكم وكل أحوالكم ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا معالصادقين )
والصدق - أيها الكرام - يشمل الصدق مع الله بإخلاص العبادة لله ، والصّدق مع النّفس بإقامتها على شرع الله ، والصّدق مع الخلق في الكلام والوعود والمعاملات ، وهكذا ليكون ظاهر الإنسان كباطنه ، وسرُّه كعلانيته ، ويكفي أن الصدق طريق للجنة فعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدق بر،وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا ،وإن الكذب فجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتبكذاباً ". رواه البخاري ومسلم
بل وفي يوم القيامة عندما يتمنى الإنسان أن يجد ما ينفعه ، سيجد الصدق حاضراً ، يقول الله تعالى : ( هذايوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهاأبدا) أي: أن صدقهم في الدنيا سينفعهم أيما نفع يوم القيامة .
هؤلاء الصادقون يمتازون بأنهم يتصفون بما كان يتصف به النبي صلى الله عليه وسلم – الصادق الأمين – بل ويتصفون بما وصف الله به أنبيائه كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (وَاذْكُرْفِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً)، وقال عن نبيه إسماعيل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَالْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)،وقال عن إدريس: (وَاذْكُرْ فِيالْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً* وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناًعَلِيّاً (
وإذا رغب المسلم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فعليه بالصدق يقول الله جل وعلا ) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَوَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )


إذن - أيها الأفاضل – المسلم يتمسك بالصدق لما له من فضائل ، والصدق منجاة وينجي صاحبه من المضايق والمهالك ، فالثلاثةالذين تخلفوا عن غزوة تبوك تاب الله عليهم لأجل صدقهم ، قال كعب بن مالك رضي الله عنه : يا رسول الله لقد أوتيتُ جدلاً أستطيع أن أتخلصمن موقف ولكن أصدق الله وأرجوا أن يكون خيرا ، فتاب الله عليهم كما قال تعالى ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْعَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْلِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (

وياأيها المباركون : لم يأت في الشرع مشروعية " الكذب " إلا في أمورٍ معينة محدودة لا يترتب عليها أكل حقوق ،ولا سفك دماء ، ولا طعن في أعراض .. ، بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أوإصلاح بين اثنين ، أو مودة بين زوجين
ففي الإصلاح بين المتخاصِمين ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً . رواه البخاري ومسلم
وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب في الحرب ، والكذب ليصلح بين الناس " . رواه الترمذي وحسنه الألباني
قال الشيخ محمد بن عثيمين"رحمه الله" في بيان المراد من الكذب على الزوجة ، قال في باب بيان مايجوز من الكذب في شرح رياض الصاحين : قال: مثل أن يقولَ لها أنتِ عندي غالية وأنت أحب إلي من سائر النساء وما أشبه ذلك وإن كان كاذبا لكن من أجل إلقاء المودة ا.هـ
أيها الصادقون : إن المسلم إذا كذب في غير هذه المواطن الثلاث اتصف بصفات أهل النفاق
يقولصلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا – وذكر منها - إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ" وأشنع الكذب :
1. الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وصاحبه معرَّض للوعيد الشديد ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلىتكفير فاعله .
قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفترواعلى الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( ولم يرد قول الله لايفلحون إلا في موضعين من القرآن كلاهما في مقام خطورة الكذب على الله .
وعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تكذبوا عليَّ؛ فإنه من كذب علي فليلج النار " . رواه البخاري
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كذب عليَّ فليتبوأ مقعدهمن النار " . رواه البخاري ومسلم
وفي زماننا الآن ، قد يكون المسلم مساهماً في نشر مثل هذه الأكاذيب على الله ورسوله عبر الوسائل الالكترونية المتعددة ، فيسارع لنشر ما يأتيه من رسائل دون تثبت وتمحيص ، ومع أن وسائل التثبت والتمحيص سهلت وكثرت بحمد الله .
ومن أوجه الكذب ، الكذب في البيع والشراء وله وعيد شديد
فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يومالقيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسولالله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسولالله ؟ قال : المسبل ، والمنَّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " . رواه مسلم
والصدق في البيع والشراء جالب للبركة عكس الكذب فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيَّنا بوركلهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " . رواه البخاريومسلم
ومن أوجه الكذب التي يتساهل فيها كثير من الناس أن يحدث بكل مايسمع
فعن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباًأن يحدِّث بكل ما سمع " . رواه مسلم
ومن أوجه الكذب : الكذب في ملاعبة الصبيان
وقد حذر منهرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : ها تعالأعطيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما أردت أن تعطيه ؟ " قالت : أعطيه تمراً ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنك لو لم تعطيهشيئا كتبت عليك كذبة " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : " من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة " . رواه أبوداود وحسنه الألباني
ومن أوجه الكذب : الكذب ليضحك القوم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل للذي يحدثبالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له . رواه الترمذي وأبو داود
ولما فيه من مجاهدة النفس وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الكذب ببيت في وسط الجنة فقال ((أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذبوإن كان مازحاً )
ومن أوجه الكذب : وهو ماقد ينتشر هذا اليوم بما يسمى ( بكذبة ابريل ) وهو الذي يُسمى عند بعض الكفار بيوم الحمقى والمغفلين : وذلك لما يفعلونه من أكاذيب فيصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلكفيسخرون منه ، ومن العجب أن بعضاً من وسائل الإعلام تسارع في نشر مثل هذه الأكاذيب تحت مسمى كذبة ابريل ، والكذب داء عظيم إذ يعد من قبائح الذنوب وفواحش العيوب وقد جُعل من آياتالنفاق وعلاماته، ويُعد صاحبه مجانبًا للإيمان، ولقد كان الرسول صلى الله عليهوسلم أبغض الخلق إليه الكذب، فالكذب والإيمان لا يتفقان ، ومع مافي كذبة ابريل من الكذب الصراح ، فيه من مشابهة الكفار الذين أمرنا بأن نجتنب مشابهتهم لأنّ المشابهة ولوكانتظاهرًا فلها علاقة بالباطن كما ترشد إلى ذلك الأدلة القرآنية والنبوية
إخوة الإيمان : قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - (عليك بالصدق وإنقتلك) وقال أيضاً: (لأن يضعني الصدق ـ وقلّ ما يفعل ـ أحب إلى أن من أن يرفعنيالكذب - وقلّ ما يفعل) وقال : (قد يبلغ الصادق بصدقه. ما لا يبلغه الكاذبباحتياله)
ويغني عن ذلك الحديث الوارد عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال : حفظت من رسولالله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى مالا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة ،والكذب ريبة " رواه الترمذي والنسائي
اللهم اجعلنا من الصادقين في أقوالنا وأعمالنا وسائر أحوالنا ...
المشاهدات 2026 | التعليقات 0