(خطبة) الزكاة وأحكامها والتحري في دفعها
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( الزكاة وأحكامها ، والتحري في دفعها ) 4/9/1442
أما بعد فيا أيها الناس : لقد شرع الله للأمة شريعة غراء ، كاملة ، صالحة لكل زمان ومكان ، لا يوجد للأمة شريعة أصلح لأحوالهم منها ، بل لا يوجد مثلها فضلا عن أن يوجد أفضل منها ، وكيف لا يكون ذلك وقد شرعها من خلق الخلق جل في علاه ،
(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف ا لخبير )
وقد نوع سبحانه في الشريعة فجعل أوامرها على درجات ، فمنها السنة التي يثاب فاعلها إمتثالا ، ولا يعاقب تاركها ، ومنها الواجب الذي يأثم العبد بتركه عمدا ، ومنها الركن الذي يقاتل من تركه كالزكاة ، ومنها الركن الذي يكفر تاركه كالصلاة ، وكلما عظم الأجر بالفعل كلما عظم الوزر بالترك .
معاشر المؤمنين : سيكون حديثنا في هذا اليوم بإذن الله عن ركن من أركان الإسلام ، إنه الزكاة ، الحق التكافلي ، حق الفقراء ، إنه شعار المواساة ، ورمز الأخوة ، وبتركه يستباح مال المسلم ودمه ، فقد قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة ، وسموا بالمرتدين ، قال أبو بكر رضي الله عنه قولته المشهورة ، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة .
عباد الله : ومع أن الزكاة ركن من أركان الإسلام إلا أن الجهل بأحكامها يغلب على الكثير من الناس ، بل البعض تجب عليه الزكاة وهو لا يعلم ، وذلك من غلبة الجهل عليه ، ولا يعذر بجهله ، فالدين واضح ، والعلماء متوافرون ، والتقصير منه في عدم البحث والسؤال .
سنمر على تنبيهات سريعة تختص بأحكام الزكاة فمن ذلك :
الزكاة تجب في خمسة اصناف ، النقدين يعني الذهب والفضة ويقوم مقامها الآن النقود وعروضِ التجارة ويقصد بها كل مال أعد للتجارة سواء كان مأكولا أو ملبوسا ، أو عقارا ، والخارجِ من الأرض من المزروعات والمعادن ، وبهيمةِ الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ، إذا بلغت نصابا وكانت سائمة أغلب الحول ،
ومما يخطئ البعض فيه ، أن الراتب لا زكاة فيه ، أو أن المال المجموع للزواج أو بناء مسكن لا زكاة فيه ، وهذا خطأ ، فكل مال له صاحب ودار عليه الحول وقد بلغ نصابا فيجب أن يزكى .
وآخرون يظنون أن الدين لا زكاة فيه ، والصواب التفصيل
فالدين إما أن يكون على معسر يعني عاجز عن السداد أو على مليء وهو الغني الباذل غير المماطل .
فان كان على مليء, فان الزكاة واجبة فيه كل سنة.لأنه في حكم الموجود وأداؤها إذا قبض الدين بعدد السنين التي مرت عليه. أو مع زكاته لماله كل سنة وهو أفضل وأبرأ للذمة.
_وان كان على مماطل أو معسر فلا زكاة فيه إلا سنة القبض مرة واحدة
_ومثال ذلك المال المنسي المدفون, أو المفقود.
وكذلك الأراضي الكاسدة.التي لا تسام بقليل ولا بكثير ، ومثلها المساهمات المتعثرة لا زكاة فيها إلا سنة القبض عن سنة واحدة ، فهي بمنزلة الدين على المعسر.
و زكاة المالِ النقودِ أو الذهب والفضة أو عروض التجارة ، ربع العشر. إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول.
أما المساهمات التجارية ففيها الزكاة حسب ما يتفق صاحب المساهمة مع المساهمين إما أن يزكيها أو يزكونها هم .
وإن كانت أسهما في تداول ، فحسب نية المساهم ، فإن كان مستثمرا فإنه لا زكاة عليه لأن الشركات تزكي عنه ، وإن كان مضاربا فعليه الزكاة لأنها من عروض التجارة .
_النصاب للذهب والفضة والنقود على مقدار الفضة مائتا درهم, ويعادل هذه السنة ألفاً وثمانمائة ريال تقريبا.
عباد الله : يخطئ البعض فتراه يسقط الدين عمن استدان منه ويخصمه من زكاته ، وهذا خطأ ، أو يدفع الزكاة لمن جاء يقترض منه مالا ، أو يعطيها لقريب فزعة أو مداهنة أو حياء ، أو يدفعها لمن يثني عليه أو يمدحه ، ويمنع من لا يثني عليه ، فالزكاة لا يحابى بها أحد ، كمن يدفعها لولده ، وهذا لا يجوز لأن الزكاة لا تدفع للأصول ولا للفروع ، أو يدفعها لقريبه وليس بمحتاج ، ولا يدفع بها عن المال ، فهي حق واجب للفقراء ، يدفعها المسلم يرجو براءة ذمته ، لا يمن بها ، ولا يتشرط فيها ، بل يحمد الله أن وقعت في يد مستحق .
اللهم فقهنا في الدين وارزقنا العمل بالتنزيل أقول قولي .....
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : لا يزال الحديث موصولا عن الركن الثالث من أركان الإسلام ، إن مما عمت به البلوى أن بعضا من الناس هداهم الله ، لا يتورع عند دفع الزكاة فيدفعها لكل من طلبها ، والآخر لا يتورع عن أخذها وهو ليس من أهلها ، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغنِ يغنه الله
إن الله جل وعلا كما تولى قسمة المواريث بنفسه ، فقد تولى قسمة الزكاة بنفسه فلا يجتهد فيها مجتهد ، فقد عين الله الأصناف الذين تدفع لهم الزكاة وهم المذكورون في آية التوبة(إنما الصدقات للفقراء والمساكين .......)ثمانية أصناف.
_و يجوز صرفها إلى صنف واحد أو تفريقها عليهم.
_ والأفضل دفعها إلى القريب من هذه الأصناف غير الأصول والفروع ، فتكون زكاة وصلة .
ومن كان له تجارة تأتيه أمواله بالتقسيط فعليه الزكاة لكل المال إذا دار عليه الحول سواء ما قبضه أو كان عند الناس لأنها عروض تجارة .
ويجوز إعطاؤها الخدم والسائقين إذا كانوا فقراء بشرط عدم تكليفهم بأعمال زائدة أو خصم شيء من رواتبهم ، مقابل الزكاة .
كما يجب على المسلم الحذر من دفع الزكاة أو الصدقات للجهات المشبوهة أو غير الرسمية ، وقد كثر المحتالون هذه الأيام ، فعليكم بمن تعرفون أو ادفعوها للجهات الرسمية
عباد الله : كثيرة هي مسائل الزكاة ،والواجب على المسلم أن يتفقه في دينه ، فطلب العلم الذي لا يقوم دين المسلم إلا به فرض عين على كل مسلم ومسلمة .
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا ....