خطبة ( الرفق في جميع الأمور )
خالد الشايع
الرفق 7/4/1443
إن الحمد لله
أما بعد فيا أيها الناس :اتقوا الله عز وجل وراقبوه, وتخلقوا بأخلاق المؤمنين, فما وسع الناس بعضهم بعضا بمثل الخلق الحسن.
أيها المؤمنون إن الناس في حياتهم فطروا على المعاملة فلا يمكن للعبد أن يعش لوحده بل لا بد له من أناس يأنس بهم ويتداول معهم مصالح الحياة .
قال تعالى:{ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}أي يعمل بعضهم عند البعض فيتبادلون المنفعة,ولهذا لا تدوم المعاملة بين الناس إلا بأمر عظيم,حض عليه الشرع المبين,وبدونه تنفصم عرى المعاملة , ومن فقده فلا يكاد يجد من يتعامل معه في هذه الحياة.
عباد الله:إنه الرفق ,الذي به تزدان المعاملة وتحلو الصحبة,ويتنافس الناس في العطاء والخدمة,بروح طيبة ونفس سهلة مع حسن ظن بالجميع,
عرف العلماء الرفق بأنه ضد العنف وهو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل في المعاملة, إن الرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق,ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال
معاشر المؤمنين:
إن بعض الخلق يضع للرفق معنى خاطئا,ظنا منه أن الرفق لا يكون فيه غلظة ولا شدة,ولا انتقام,وهذا خطأ ، فالرفق مثلا في سياسة الدابة يكون أحيانا بضربها,وفي تربية الأولاد كذلك وأحيانا بهجرهم وزجرهم ، وهذا الشرع المطهر جاء بقتل القاتل وجلد القاذف ونحو ذلك..
قال سفيان الثوري رحمه الله الرفق:أن تضع الأمور في مواضعها ، الشدة في موضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه أ هـ
بهذا يتضح لنا انه لا بد من مزج الغلظة بالين والفظاظة بالرفق كما قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ,ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل ,كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي:ومن أسماء تعالى [الرفيق] أي في أفعاله وشرعه
ومن تأمل ما أحتوى شرعه من الرفق,وشرع الأحكام شيئا بعد شيئ وجريانها على وجه السداد واليسر ومناسبة العباد, وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارا ونقلهم من حاله إلى أخرى بحكم وأسرار لا تحيط بها العقول وهو تعالى يحب من عبادة أهل الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف والرفق من العبد لا ينافي الحزم فيكون رفيقا في أموره متأنيا ومع ذلك لا يفوت الفرص إذا سنحت ولا يهملها إذا عرضت أ هـ
أيها المؤمنون:لقد تكاثرت النصوص التي تحث على الرفق وترغب فيه حتى جعل من لا رفق معه كمن لا خير معه,أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي الدرداء مرفوعا[من أعطى حظُه من الرفق فقد أعطى حظُه من الخير ,ومن حرم حظُه من الرفق حرم حظُه من الخير]وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جرير مرفوعا [من يحرم الرفق يحرم الخير]
ولهذا إذا رأيت أهل بيت رزقوا الرفق فأعلم أن الله أراد بهم خيرا, أخرج أحمد في مسنده من حديث عائشة مرفوعا[يا عائشة أرفقي فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق]
بل إن الرفق يزين الشيء وإذا فقد شانه أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة مرفوعا [إن الرفق لا يكون في شيئ إلا زانه ولا ينزع من شيئ إلا شانه]
معاشر المسلمين:إن الرفق يكون في معاملات الإنسان كلها بدءا بالدعوة إلى الله ألم نسمع أمر الله لموسى وأخيه عليهما السلام عندما أمرهما بالذهاب إلى فرعون {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}
وأخبر جل في علاه أن ترك الرفق واستخدام العنف والفظاظة يجعل الناس ينفرون من الداعية حتى ولو كان رسولا من الله {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب ....}
ألا ليت شعري كم نفر كثير من الناس عن الدين بسبب الفظاظة وقلة الرفق
اللهم ارزقنا الرفق في أمورنا كلها ............
أقول قولي هذا.................
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين.................
أما بعد فيا معاشر المسلمين لا يزال حديثنا موصولا عن الرفق,فكما ذكرنا أن الرفق مطلب شرعي وهو داخل في شؤون المسلم كلها فالرفق مطلوب من المسلم مع أهله
أخرج الترمذي في جامعه من حديث عائشة مرفوعا(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)
ومن الرفق الرفق مع النفس حتى في جانب العبادة فمن ذلك نهى النبي r عبد الله بن عمرو عن مواصلة الصيام والقيام.
أخرج البخاري و مسلم من حديث أنس أن النبي r رأى شيخا يهادى بين ابنيه قال:ما بال هذا ؟قالوا:نذر أن يمشي قال[إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني,وأمره أن يركب]
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن النبي rدخل عليها وعندها امرأة فقال:من هذه؟قالت: فلانة تذكر من صلاتها !!قال:[مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه]
والرفق كذلك مطلوب حتى مع الأطفال والصغار فقد كان المصطفى rيحملهم ويقبلهم ويطعمهم الثمرة أول نتاجها ويكنيهم.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال:صليت مع رسول الله rصلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا قال:وأما أنا فمسح خدي قال:فوجدت ليده بردا كأنما أخرجها من جؤنة عطار.
ومن الرفق المطلوب الرفق بالحيوان أخرج أبو داود من حديث سهل بن الحنظيلة قال:مر رسول الله ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال:[اتقوا الله في هذا البهائم المعجمة , فاركبوها صالحه وكلوها صالحة].
وأخرج أبو داود وأصله في مسلم بدون القصة عن عبدالله بن جعفر أن النبي rدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل ,فلما رأى النبي r حن وذرفت عيناه,فأتاه النبي r فمسح ذفريه فقال:من رب هذا الجمل؟فجاء فتى من الأنصار فقال:لي يا رسول الله,فقال:[ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه]
عباد الله إن خصلة الرفق بالمؤمن دلالة على أنه من أهل الجنة فقد أخرج الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود مرفوعا[ألا أخبركم بمن يحرم على النار وبمن تحرم عليه النار؟ قالو:بلى,قال:على كل قريب هين سهل].
ومن دلالات الفقه الرفق قال أبو الدرداء :[إن من فقه الرجل رفقه في معيشته].
وسأل عمرو بن العاص ابنه عبدالله ماالرفق؟فقال:تكون ذا أناة فتلاين الولاة,قال:فما الخرق؟
قال:معاداة إمامك ومناوأة من يقدر على ضررك
وقال بعض العلماء:ما أحسن الأيمان يزينه العلم,وما أحسن العلم يزينه العمل وما أحسن العمل يزينه الرفق وما أضيف شيئ إلى شيئ مثل حلم إلى علم.
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي.............اللهم أعز الإسلام ...........اللهم..أنج المستضعفين من المؤمنين .....سبحان ربك رب العزة .......