خطبة الدكتور عبد الرحمن السديس في الحرم المكي 20/10/1430هـ عن التعليم

أبو عبد الرحمن
1430/10/21 - 2009/10/10 05:12AM
أكد أنها شجرة مباركة في دوحة عظيمة تجعل من الشريعة منطلقاً لها في كل أعمالها

إمام الحرم: جامعة الملك عبدالله رائدة في أهدافها، سامية في مقاصدها، ونبيلة في غاياتها


مكة المكرمة - «الرياض» :
أكد الشيخ عبدالرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام أن جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية من إشعاع حضاري ومنارة سامقة في سماء العلم والمعرفة وأنها وثبة حضارية عظمى تحقق الأصالة والمعاصرة وتُعيد للأمة سالف مجدها وحضارتها.
وقال السديس: إن الجامعة رائدة في أهدافها، سامية في مقاصدها، نبيلة في غاياتها. ونسأل الله أن يري رائدها ما تبتهج به نفسه ونفوس الأمة جميعاً في تحقيق رسالتها السامية.
ودعا إمام المسجد الحرام جميع القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الإعلام وشباب الأمة إلى أن يباركوا هذه الجهود العظيمة ويحذروا من الخوض فيما لم يتبين أمره والاسترسال وراء الشائعات المغرضة التي يريد أعداء الأمة وخصوم المجتمع أن تتقاذف سفينتها أمواج الفتن.
وفيما يلي نص الخطبتين..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك ونثني عليك الخير كله، لك الحمد طوعاً، لك الحمد فرضاً، وثيقاً عميقاً، سماء وأرضاً، لك الحمد صمتاً، لك الحمد ذكراً، لك الحمد خفقاً حثيثاً ونبضاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أتقن ما صنع وأحكمه، وأحصى كل شيء وعلِمَه، وخلق الإنسان وعَلَّمه، ورفع قدر العلم وعظَّمه، وخص به من خلْقِه من كَرَّمه، فسبحانه وبحمده أشاد بالعلم قلوب أهله ففاضت بالحكم، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله خير البرية ومعلِّم البشرية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين بذلوا في العلوم المهج والهمم فكانوا البدور والقمم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فالتقوى أعظم المطالب وأشرف المكاسب، وبها تُنال أعلى المراتب وأسنى المناقب، (واتقوا الله ويعلمكم الله)
تقوى الإله ذخيرة للموئل
والبر خير مطية المتحمل
أيها المسلمون: مع إشراقة عام دراسي جديد، وإطلالة موسم معرفي فريد، متألق في العلم والمعرفة والتحصيل، ترتسم على محياه بسمات الآمال الخلابة، وإشراقات الفأل الوثابة، من الجمال والجلال والمهابة الجذابة، في همم عالية لتحقيق مستقبل أفضل بإذن الله، لرفع عجلة تقدم المجتمع وازدهاره، ونهضة الأمة ورُقيِّها، فإن حديث المناسبة يحلو، فبدء العام الدراسي مشهد حافل، تُستأنف فيه رحلة الجد والعطاء، وتبدأ مسيرة الفكر والنماء، وتفتح حصون العلم، وتهيأ قلاع المعرفة، وتُجهز دور البناء، في يوم بدء الدراسة تكون انطلاقة رجال التربية والتعليم، وإشراقة حملة الفكر، وميدان رواد التربية، ولقاء مشاعل الهدى، ووضاءة مصابيح الدجى، جعلها الله انطلاقة رشيدة، وبداية حميدة، ورحلة سعيدة. بين يدي العام الدراسي تجول في النفس أفكار متعددة، وخواطر متنوعة، إذ لا أمتع من العلم وأخباره، والفكر وثماره، والتحصيل وأسراره، وهل بنيت أمجاد وشيدت حضارات عبر التاريخ إلا على دعائمه وركائزه.
هل العلم في الإسلام إلا فريضة
وهل أمة سادت بغير التعلم
العلم شرف الدهور، ومجد العصور، وفخار الزمان، وإكسير الأمن والأمان، وضمانة التقدم والازدهار والسعادة والاطمئنان.
العلم سلم قصر المجد كم سطعت
بنوره من كيانات وبلدان
والعلم في ديننا عنوان روعته
في هدى المصطفى تحظى ببرهان
وأبلغ من ذلك وأعز قول المولى عزَّ وجلّ (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). وفي مشكاة النبوة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبوداود والترمذي: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة».
فسبحانك اللهم خير معلم
علمت بالقلم القرون الأولى
يقول العلاّمة ابن القيم: «العلم حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو تركة الأنبياء وتُراثهم، وأهله وعصبتهم ووُرّاثهم».
أمة الإسلام؛ إذا كان العالم اليوم يتنادى عبر هيئاته العالمية ومنظماته الدولية للإصلاح والتنمية ومكافحة الجهل والفقر والإرهاب، فإنه واجد في العلم النافع المبني على الإيمان الراسخ ضالته المنشودة، وفي إيجاد جيل متسلح بالعلوم والمعارف جوهرته المفقودة، وإن ديننا الإسلامي العظيم دين العلم والتعليم، والهداية والإرشاد، والنور والبرهان، ولم يقف يوماً ما عائقاً أمام العلوم والمعارف، دينية كانت أو دنيوية، (وقل رب زدني علماً). وأمة رفع الله شأنها بالعلم، لا يحق لها أن تنحدر إلى مستوى الجهل والأُمية، وإذا كان العصر عصر ثورة العلوم والتقانات، فإن أمتنا الإسلامية مطالبة وهي خير أمة أُخرجت للناس، وأمة الشهادة على العالم، أن تُدرك مسؤولياتها التاريخية في أهمية استثمار علوم العصر وتقاناته في أداء رسالتها العالمية العظمى، فهي الرحمة للعالمين، والعالم بأسره والإنسانية برمتها تتطلع إلى الإفادة من إرثها الحضاري العريق، حيث سعدت بأنبل حضارة عرفها التاريخ، ونَعِم العالم بخيراتها قروناً عديدة، وأزمنة مديدة، وعصرنا الحاضر الذي فاق كل العصور في رُقيه المادي واكتشافاته العلمية وتقاناته المذهلة، لم يكن في معزل عن الإفادة من حضارة أمتنا الإسلامية الرائدة، ولن يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا أمة جعلت العقيدة السمحة مُسهمة في بناء حضاراتها، والروح الإيجابية البنّاءة ملازمة لها في كل أعمالها، وفي مجال العلوم والمعارف قد بلغت حداً بالغاً - بحمد الله - في صروح علمية شامخة، في كل حواضرنا الإسلامية وعلماء مبدعين في شتى المجالات الدينية والدنيوية.
ومدارس لم تأتها في مشكل
إلا وجدت فتى يحل المشكلا
ما أمَّها مرء يكابد حيرة
وخصاصة إلا اهتدى وتمولا
وأئمة تلقي الدروس وسادة
تشفي النفوس وداؤها قد أعضلا
ومن هنا يا طلاب العلم وشداته: فإن العلوم والمعارف المقترنة بالتربية على الأصول والثوابت خير سلاح في عصر يموج بالفتن والتحديات ويعاني المشكلات والأزمات، فطرائق العلوم ومناهج التربية تنبثق من عقيدة الأمة، وتنسجم مع مقاصدها وغاياتها وقيمها، تقود إلى إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق وإعلاء شأن المثل والفضائل، ومظاهر الحضارة المادية في معزل عن ذلك سراب يؤول إلى الإفلاس، ولذلك فلابد لطلاب العلوم والمعارف وهُداتها، ورُوّاد الفكر والثقافة وشُداتها، من إعداد الخطط لمستقبل واعد يربط الأجيال بعقيدتهم، ويجمع لهم في العلوم بين الأصالة والمعاصرة، في قلاع علم، وصروح تربية هي محاضن الجيل وصمام الأمان لحماية عقيدة الأمة وأمنها، والحفاظ على أصالتها وآثارها، وإن هذه المسؤولية لتحفظ هذه الأمة في أعز ثرواتها وأثمن ممتلكاتها ومجال استثماراتها، وهو الاستثمار في الثروة البشرية، المتمثلة في رجال الغد وجيل المستقبل وصُنَّاع الحضارة، وهو استثمار أمثل تتضاءل أمامه كنوز الدنيا بأسرها. وإن أخطر ما تُعانيه هذه الحصون والمعاقل أن تُؤتى من قبل المؤتمنين على الحفاظ عليها ورعايتها، فيتسلل منها لواذاً لصوص الثقافة وقراصنة الفكر وسماسرة الفضيلة فيحصل ما لا تحمد عقباه، فيا أحبتنا رجال التربية والتعليم، ليس بخاف على شريف علمكم أنه بحفظ الأفكار والمُثل، وإحاطة هذا المجال المهم بسياج العقيدة والمبادئ والقيم، فلسوف يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، عطاء ونماء ورقياً وازدهاراً وإصلاحاً وتنمية، فلا بد من الوعي بعظم المسؤولية وثقل الأمانة وضخامة التبعة، ولكنها يسيرة إذا حسنُت النوايا وصلحت المقاصد واتحدت المواقف، بعيداً عن الخلافات والصراعات التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة وخصوم المجتمع.
أمة العلوم والمعارف: وقطب الرحى في العملية التعليمية والتربوية هم العلماء والمعلمون، النجوم الساطعة والكواكب اللامعة في سماء العلوم والمعارف النافعة، هم المصابيح المتلألئة والشموع الوضاءة التي تحترق لتضيء الطريق للأجيال الصاعدة والناشئة الواعدة، هم حملة مشكاة النبوة والمؤتمنون على ميراث الرسالة في التربية والتعليم، فيا أيها العلماء النبلاء والمعلمون الفضلاء: يا من شرفتم بأعظم مهمة وأشرف وظيفة، هنيئاً لكم شرف الرسالة ونُبل المهمة، ولكن مع عظم التشريف يعظم التكليف، فالله الله في أداء الأمانة، والاضطلاع بالرسالة، فلقد ائتمنتكم الأمة على أعز ما تملك على عقول فلذات أكبادها وأفكار ثمرات فؤادها، ربّوا الأجيال على منهج الوسطية والاعتدال فلا غلو ولا جفاء، علموهم قيم التسامح والرفق واليسر ورفع الحرج، حذروهم من الأفكار المنحرفة والمسالك الضالة والتيارات المنحرفة سواء في جانب الغلو في الدين أو التحلل من القيم والثوابت والانسياق وراء عولمة الفكر وتغريب الثقافة، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم وأجزم أنه عند تحقيق ذلك كله أن الأمة ستعد بمن الله بجيل لا الأجيال فريد من نوعه عقيدة ومنهجاً وسلوكاً، وواجب الأمة رعاية مكانتكم وحفظ منزلتكم والذب عن أعراضكم والإشادة بدوركم، فبوركت جهودكم، وسُدِّدت أقوالكم وأعمالكم، ولا حرمكم الله ثواب بذلكم وعطائكم، فكم تعلمت الأجيال منكم منهجاً متميزاً وفكراً نيراً وإبداعاً متألقاً؛ سيكون بإذن الله رصيداً لهم في دنياهم وذخراً في أخراهم، وبعد أمة التربية والتعليم تلك شذرات وتوجيهات بين يدي العام الدراسي الجديد، علّها تكون مهمة في إيجاد جيل ناجح ونشء صالح تقر به أعين الأسرة والمجتمع والأمة، (وما ذلك على الله بعزيز)، وكان الله في عون العاملين لخدمة دينهم وصلاح مجتمعهم وأمتهم إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنَّة، ونفعنا وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معيد النعم، ومبيد النقم، وبارئ النسم، ورازق الأمم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله، أوتي جوامع الكلم، أنقذنا الله به من الظُّلْم والظُّلَم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله أولي الفضل والهمم، وصحبه ذوي الرشد والحكم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من فضل الله علينا في هذه البلاد المحروسة، ما ننعم به من خصوصية مميزة في مناهج التعليم وأهدافه وغاياته وتواؤم فذ بين مدخلات التعليم ومخرجاته، فالمقررات والمناهج مفاخر - بحمد الله - ومباهج، تغرس في نفوس الطلاب الولاء لله ثم لدينهم وولاة أمرهم وعلمائهم وبلادهم، وتعزز فيهم الجانب العقدي والأمن الفكري والانتماء الوطني لبلادهم المباركة، التي هي قبلة المسلمين ومهبط الوحي وأرض الحرمين والرسالة الخالدة أدام الله عليها وعلى سائر بلاد المسلمين الأمن والأمان. وإن من اقتران السعدين، وتحقق السعادتين، وتجدد النعم، ما تُولى به صروح التعليم وقلاع المعرفة من اهتمام وعناية وبذل ورعاية، شاهد ذلك الأمثل، ونموذجه الأشمل، ذلك الصرح العلمي الشامخ، والمعقل المعرفي العملاق، المتمثل في جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - وفقه الله - للعلوم والتقنية بما تمثله من مصدر إشعاع حضاري، ومنارة سامقة في سماء العلم والمعرفة، وإن كل محب للعلوم والمعارف ليبارك هذه النقلة النوعية الكبرى، والوثبة الحضارية العظمى، بما يحقق الأصالة والمعاصرة، ويعيد للأمة - بإذن الله - سالف مجدها وحضارتها. إنها جامعة رائدة في أهدافها، سامية في مقاصدها، نبيلة في غاياتها، ولعل الله يُري رائدها ما تقرُّ به عينه، وتبتهج به نفسه، بل ونفوس الأمة جميعاً، في تحقيق رسالتها السامية، وآثارها المباركة، وليطمئن الجميع بأن هذا المشروع الحضاري العملاق في أيد أمينة وربّانٍ مهرة - بحمد الله - فما هي إلا شجرة مباركة في دوحةٍ عظيمة، تجعل من العقيدة والشريعة منطلقاً لها في كل أعمالها، لتحقق لها كل آمالها، وإن واجب الجميع من القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الإعلام وشباب الأمة والغيورين على مصالحها أن يباركوا هذه الجهود العظيمة، ويحذروا من الخوض فيما لم يتبين لهم أمره، والاسترسال وراء الشائعات المغرضة، التي يريد أعداء الأمة وخصوم المجتمع أن تتقاذف سفينتها أمواج الفتن، فلا أعظم من تأليف قلوب الرعاة والرعية، وتوارد أهل الحكم وأهل العلم على تحقيق المصالح للأمة ودرء المفاسد والفتن عن المجتمع.
إذا اتضح الصواب فلا تدعه
فإنك كلما ذقت الصوابا
وجدت له عن اللهوات برداً
كبرد الماء حين صفا وطابا
أدام الله على بلاد الحرمين الشريفين رموز حكمها ورموز علمها ورموز أمنها، وحفظ لها عقيدتها وشريعتها وقيادتها وقيمها وأصالتها وأمنها واستقرارها وعزها ورخاءها، وجزى الله خادم الحرمين الشريفين على ما يبذله في العناية بالعلم وصروحه خير الجزاء، وجعله في موازين حسناته، إنه جواد كريم. ألا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على هادي البرية ومعلم البشرية، النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى نبيكم محمد بن عبدالله، كما أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال تعالى قولاً كريماً: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).
يا قومنا صلوا عليه فتظفروا
بالبشر والعيش الهنيِّ الأرغد
صلّى عليه الله جلَّ جلاله
ما لاح في الآفاق نجم الفرقد

المشاهدات 11165 | التعليقات 4

Quote:
وليطمئن الجميع بأن هذا المشروع الحضاري العملاق في أيد أمينة وربّانٍ مهرة - بحمد الله - فما هي إلا شجرة مباركة في دوحةٍ عظيمة، تجعل من العقيدة والشريعة منطلقاً لها في كل أعمالها، لتحقق لها كل آمالها، وإن واجب الجميع من القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الإعلام وشباب الأمة والغيورين على مصالحها أن يباركوا هذه الجهود العظيمة، ويحذروا من الخوض فيما لم يتبين لهم أمره، والاسترسال وراء الشائعات المغرضة، التي يريد أعداء الأمة وخصوم المجتمع أن تتقاذف سفينتها أمواج الفتن، فلا أعظم من تأليف قلوب الرعاة والرعية، وتوارد أهل الحكم وأهل العلم على تحقيق المصالح للأمة ودرء المفاسد والفتن عن المجتمع.
إذا اتضح الصواب فلا تدعه
فإنك كلما ذقت الصوابا
وجدت له عن اللهوات برداً
كبرد الماء حين صفا وطابا

يذكرني حاميم والرمح شاجرٌ *** فهلا تلا حاميم قبل التقدم



يكفي نقل جريدة الرياض للخطبة بنصها ...


وأضف : الجزيرة وعكاظ والوطن ، فقد ذكرت كل منها الخطبة وأشادت بها ونقلتها كلها أو بعضًا منها .

ولا شك أن إشادة كل هؤلاء بالخطبة ونقلهم إياها كاملة مما يسيء إليها ولا تشرف به ، وكما قال الشاعر :

ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا


بين هذا وذاك


فضيلة الشيخ / سلمان بن فهد العودة

1- علينا أن نقدّر الغيرة الدينية لدى هؤلاء، ونقدر الغيرة الوطنية لدى أولئك.
بيد أن الفصل بينهما قد يؤدي إلى منازلة جديدة لا يتحكم فيها أولئك ولا هؤلاء، ويستفيد منها غيرهم، الدين والوطنية.
2- نحتاج إلى عشرات الجامعات تحتضن المعرفة، وتؤسس للنهضة، وترفع عن المجتمع معصية الجهل وذنب التخلف وإثم العجز في عصر المعلوماتية والسباق الحضاري.
وهذا الهمُّ يجب أن يترسّخ ضمن اهتماماتنا الثقافية وقناعاتنا العقلية، وضرورياتنا الشرعية؛ لأنه احتساب على خطايا تاريخية, لا نزال نعيش إثمها ومعرتها, ولا نوليها الاهتمام؛ بل قد نرى الحديث عنها فضولاً أو تهرّبًا، أو شيئًا هامشيًا, أو ما شابه ذلك.
وحتى مع حصول خطأ أو أخطاء؛ يجب أن نحتفي بالمنجز العلمي والمعرفي ونثمن أهميته وضرورته، ولا نختصره في هامش واحد.
3- لا أخفى قلقي من الإحساس بالهلع الذي لمسته لدى أحد إخواننا من الشباب وكأنه يكتب قصائد نعي الإسلام.
لقد مات النبي –صلى الله عليه وسلم- واشتغل الناس ببيعة الصديق, حتى قبل أن يُوارَى التراب، وسقطت الخلافة وبقي الناس يتعبدون ويجاهدون ويبيعون وينكحون.
الساعة لم تقم بعد!
وحتى لو كانت الساعة تقوم فـ(إِنْ قِامِت السَّاعَةُ وَفِى يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فِإِن اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُوم حَتّى يَغْرِسهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) كما عند أحمد في مسنده ، والبخاري في الأدب, والبزار , وغيرهم عن أنس رضي الله عنه.
لا تتطلب توحيد الاهتمامات.. دع من هو مشغول بالأقصى وخطر التهويد في شأنه، ومن هو مشغول بقرآن أو دعوة أو تربية أو بر أو بناء أو إصلاح يواصل مسيرته، ورابط أنت على الثغر الذي تختار!
4- نحتاج إلى عشرات الجامعات تدربنا على الحوار الموضوعي واحترام أنفسنا، وفهم بعضنا لبعض قبل أن نفكر في الحوار وفهم الآخرين من غيرنا.
لن أقبل بحال وصف طرف لآخر بالخيانة الوطنية, لمجرد التعبير عن الرأي بهدوء وروّية واتّزان، كما لن أقبل وصف هذا الطرف بالمروق أو استحلال دمه وعرضه, لمجرد مخالفته لي، أو حتى لمجرد خطأ ارتكبه.
ولن أقبل الخداع من شخص يصور جوابًا عابرًا من شيخ جليل على سؤال مفاجئ بأنه "حملة منظمة" وراءها ما وراءها، بينما يريد منّي أن أفهم أن عشرات المقالات المتزامنة في عدد من الصحف هي عمل عفوي غير مخطط ولا مدروس!
5- من السهل أن نُحبِّر المقالات عن حرية الرأي حين يكون الأمر في صالحنا, ويكون رأينا مصادرًا نبحث له عن سبيل، لكن ليس من الأخلاق أن ننقلب على حرية الرأي المعتدل الهادئ حين يكون ضدنا، وأن نمارس الإقصاء والتحريض.
هذا يؤكد أن بيننا وبين النهوض الحقيقي مسافة بقدر بعدنا عن الهدوء وعن التوازن, ووقوعنا تحت طائلة الأنانية الفردية, أو الحزبية أو الشللية.
لا يزال العديد منا يتبنون شعار "أنا أهاجم إذاً أنا موجود".
مشروع البناء والعمل التراكمي الهادئ أنفع للمجتمع من مشاريع الصراع والاستعداء والتحضير للمعارك, نعم ! سنختلف ؛ لكن علينا أن نرسم صيغة لاستيعاب خلافاتنا الحاضرة والمستقبلة, لتتحول إلى منفعة لنا جميعًا ولتكون تكريسًا لوحدة وطنية صادقة ينعم بظلها الجميع.
6- فخرنا قبل بناء الجامعات هو بالحرية العلمية, التي يثمر فيها الإبداع، وتنطلق المواهب، وهي البيئة التي يمكن أن تنجح فيها المجهودات العلمية.
فأي حرج من أن يتحاور الناس حول أداء مؤسسة ما. مستواها الأكاديمي، وقدرتها على تحقيق الأهداف، وإيجابياتها وسلبياتها.. بعيدًا عن التهجّم أو الإقصاء أو الشخصانية؟!
وهذا معنى تحدثت عن الصحافة العالمية والعربية, على مدى سنة كاملة, وباتجاهات مختلفة.
7- من أهم صور نجاح الجامعات في العالم قدرتها على تطوير المجتمع من حولها، وسعيها لخدمة المجتمع، وتحقيق مصالحه.
وهذا الهدف الجليل مرهون بالثقة القائمة والمتبادلة بين المجتمع وبين أي مؤسسة أكاديمية أو تعليمية.
فأي رسالة تعكّر صفو هذه الثقة يجب أن تعالج وتدرس, حتى مع حسن النية، وسلامة القصد.
وإدارة أي مؤسسة مسؤولة دون شك عن إزالة اللبس، والتأكد من وصول الرسالة الإيجابية إلى المستهدفين.
يحبّ الناس بطبعهم أن يطمئنوا على أن أي مشروع جديد لا يشكل تغييرًا سلبيًا لقناعاتهم وقيمهم وعاداتهم الأصيلة، ومن حقهم أن يحصلو على ذلك.
8- تقنين الاختلاط وبرمجته وفرضه في ميدان التعليم وكأنه مبدأ أو هدف أو ضرورة؛ هو مما حفظ الله مؤسسات التعليم في هذه البلاد من مغبته, وآثاره التي يشتكي منها الكثيرون.
وثمت فرق بين فرض نظام يقنن هذا ويرسّمه، وبين حالات حياتية عفوية؛ كالذي يجري حول الكعبة, أو في الأسواق التجارية, أو المستشفيات أو المؤسسات، والفصل بين هذا وذاك يحتاج إلى هدوء وواقعية ومعرفة.
9- من الدعاة والعلماء من جعل ديدنه تأليف القلوب على الخير، أو الإيمان، أو العلم،أو جعل مهمته السعي إلى حفظ التوازن داخل المجتمع, وضبط العلاقة بين مكوناته المختلفة، الفكرية أو المناطقية أو الاجتماعية؛ لئلا تنتهي الأمور إلى توتر أو صدام أو قطيعة, وهذا مقصد عظيم وهدف نبيل، وهو جزء أساس في مهمة الإصلاح, وفي عمل الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومثل هؤلاء يجب أن تطيب نفوسنا ألا ينغمسوا دومًا في المشكلات والمعارك, التي من شأنها أن تحدث شرخًا أو اصطفافًا- ولو مؤقتًا -وتوترًا بين الأطراف وجدلاً واسعًا ينتهي اليوم أو غدًا، بينما تتجه الأمور إلى طريق آخر قد لا يؤثر فيه هذا الجدل.
إنني ألتمس منك حسن الظن بهذه الكلمات التي لم يحمل عليها إلا الحب لله ورسوله , وللأمة وللوطن وأبنائه جميعًا, والله أعلم بما تحوي الصدور, وتنطوي عليه القلوب.
وغفر الله لنا جميعًا, وهدانا إلى صراطه المستقيم, وجمعنا على الحق, وأصلح أحوالنا, إنه جواد كريم.