خطبة : ( الحوثيون ومطاولة الجبال السنية )
عبدالله البصري
25 / 11 / 1430
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ " اِتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، سُنَّةُ اللهِ ـ تَعَالى ـ في خَلقِهِ وَاحِدَةٌ ، ثَابِتَةٌ لا تَختَلِفُ مَاضِيَةٌ لا تَتَخَلَّفُ " وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبدِيلاً " " وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحوِيلاً " وَالتَّأرِيخُ ـ كَمَا يُقَالُ ـ يُعِيدُ نَفسَهُ ، وَأَحدَاثُهُ كَمَا يُلحَظُ تَتَكَرَّرُ . أَلا وَإِنَّ مِن سُنَنِ اللهِ في الكَونِ أَن جَعَلَ المُدَافَعَةَ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ قَائِمَةً مَدَى الدَّهرِ مَاضِيَةً إِلى أَن تَقُومَ السَّاعَةُ ، لا اتِّفَاقَ بَينَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَلا ائتِلافَ وَلا اجتِمَاعَ ، وَالصِّرَاعُ مَستَمِرٌّ وَالمَعرَكَةُ قَائِمَةٌ ، وَإِنْ هِيَ هَدَأَت حِينًا رَجَاءً لِمَصَالِحَ أَكبَرَ أَو دَفعًا لِمَفَاسِدَ أَعظَمَ ، فَإِنَّمَا هِيَ استِرَاحَاتُ مُقَاتِلِينَ تُنتَظَرُ فِيهَا الفُرَصُ المُواتِيَةُ لِلهُجُومِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لا يَألُونَكُم خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ "
أَلا وَإِنَّ مِن أَمثِلَةِ التَّدَافُعِ وَالصِّرَاعِ في وَاقِعِنَا المعاصر ، مَا تَشهَدُهُ بِلادُ الحَرَمَينِ اليَومَ مِن هُجُومٍ مُنَظَّمٍ وَحَمَلاتٍ حَاقِدَةٍ عَلَى عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وَدَولَتِهَا وَرُمُوزِهَا مِن وُلاةٍ وَعُلَمَاءَ ، يَقُومُ بِهَا تَحَالُفٌ مَشبُوهٌ ، يَتَاوَزَعُ الأَدوَارَ فِيهِ صَلِيبِيُّونَ حَاقِدُونَ وَيَهُودٌ مَاكِرُونَ ، وَيُنَفِّذُهُ رَافِضَةٌ بَاطِنِيُّونَ وَيُنَظِّرُ لَهُ لِيبرَالِيُّونَ عِلمَانِيُّونَ ، أَجمَعُوا أَمرَهُم عَلَى تَوهِينِ عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ القَائِمَةِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ وَالوَلاءِ لَهُ وَلِلمُؤمِنِينَ ، وَالكُفرِ بِالطَّاغُوتِ وَالبَرَاءَةِ مِنَ الكُفرِ وَالكَافِرِينَ .
وَإِنَّ أَعدَاءَ المُسلِمِينَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُنَافِقِينَ وَالرَّافِضَةِ البَاطِنِيِّينَ ممَّن " لا يَرقُبُونَ في مُؤمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً " إِنَّهُم لَن يَهدَأَ لهم بَالٌ وَلَن تَنَامَ لهم عَينٌ وَلَن يَقَرَّ لهم قَرَارٌ ، مَا بَقِيَ عَلَى الأَرضِ مُسلِمٌ يَقُولُ رَبِّيَ اللهُ , وَلِهَذَا فَهُم يَتَحَيَّنُونَ الفُرَصَ لِحَربِ المُسلِمِينَ وَيُمَنُّونَ أَنفُسَهُم بِالقَضَاءِ عَلَيهِم .
وَإِنَّ مَا تُقصَدُ بِهِ هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ في مَوسِمِ الحَجِّ مِن كُلِّ عَامٍ مِن قِبَلِ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ ، وَمَا يُثِيرُونَهُ بَينَ آوِنَةٍ وَأُخرَى مِن بَلبَلَةٍ في أُمِّ القُرَى وَفي مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ ، إِنَّ في ذَلِكَ لَصَفحَةً سَودَاءَ وَوَجهًا كَالِحًا ممَّا يُخَطِّطُ لَهُ الأَعدَاءُ بِوَجهٍ عَامٍّ ، وَأكبَرَ دَلِيلٍ عَلَى مَا يَحمِلُه الرَّافِضَةُ بِوَجهٍ خَاصٍّ مِن شُعُورٍ نَحوَ هَاتَينِ المَدِينَتَينِ المُقَدَّسَتَينِ وَنَحوَ دَولَةِ التَّوحِيدِ ، وَلا غَروَ وَلا عَجَبَ ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ أَرضَ مَكَّةَ لم تُفضَّلْ إِلاَّ لأَجلِ تُربَةِ كَربَلاءَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ زِيَارَةَ قَبرِ الحُسَينِ تَعدِلُ عِشرِينَ حَجَّةً وَأَفضَلُ مِن عِشرِينَ حَجَّةً وَعُمرَةً ، وَإِنَّ مَن يَقرَأُ التَّأرِيخَ وَيَتَتَبَّعُهُ يَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ لا شَكَّ فِيهِ وَلا رَيبَ ، أَنَّ هَذِهِ الفِرقَةَ المُبتَدِعَةَ الضَّالَّةَ المُضِلَّةَ ، كَانَت وَمَا زَالَت حَربًا عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَسَبَبًا في كُلِّ مِحنَةٍ لِلإِسلامِ وَرَزِيَّةٍ ، فَأَبُو لُؤلُؤَةَ المَجُوسِيُّ الَّذِي قَتَلَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ هُوَ الَّذِي يَتَرَحَّمُ عَلَيهِ الرَّافِضَةُ وَيَدعُونَ اللهَ أَن يَحشُرَهُم مَعَهُ ، وَالقَرَامِطَةُ وَهُم مِن غُلاةِ الشِّيعَةِ البَاطِنِيَّةِ , هُمُ الَّذِينَ انتَهَكُوا حُرمَةَ البَيتِ الحَرَامِ في عَامِ سَبعَةَ عَشَرَ وَثَلاثِ مِئَةٍ لِلهِجرَةِ ، حَيثُ دَخَلُوهُ وَاستَحَلُّوهُ في يَومِ التَّروِيَةِ ، وَقَتَلُوا الحُجَّاجَ وَأَلقَوا بِجُثَثِهِم في بِئرِ زَمزَمَ ، ثم اقتَلَعُوا الحَجَرَ الأَسوَدَ بَعدَ أَن مَزَّقُوا أَستَارَ الكَعبَةِ ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلى دِيَارِهِم ، وَبَقِيَ فِيهَا ثِنتَينِ وَعِشرِينَ سَنَةً ، وَبِسَبَبِهِمُ انقَطَعَ الحَجُّ سِنِينَ عَدِيدَةً ، إِذ كَانُوا يَقطَعُونَ عَلَى الحُجَّاجِ الطَّرِيقَ وَيَستَبِيحُونَهُم وَيَمنَعُونَهُم مِنَ الذَّهَابِ إِلى مَكَّةَ ، وَأَمَّا في التَّأرِيخِ الحَدِيثِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَّا يَتَذَكَّرُ مَا حَصَلَ في عَامِ أَلفٍ وَأَربَعِ مِئَةٍ وَسِتَّةٍ لِلهِجرَةِ ، إِذْ عَرَضَت وَسَائِلُ الإِعلامِ في بِلادِنَا صُوَرًا لِمَوَادَّ مُتَفَجِّرَةٍ أَدخَلَهَا الرَّافِضَةُ إِلى الدِّيَارِ المُقَدَّسَةِ لِلتَّندِيدِ بِأَمرِيكَا كَمَا يَزعُمُونَ ، وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ وَكُشِفَ أَمرُ أُولَئِكَ المُجرِمِينَ ، وَفي حَجِّ عَامِ سَبعَةٍ وَأَربَعِ مِئَةٍ وَأَلفٍ نَظَّمَ الرَّافِضَةُ مُظَاهَرَاتٍ بِالقُربِ مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ بِالحُجَّةِ نَفسِهَا ، اِستَخدَمُوا فِيهَا السَّكَاكِينَ وَالأَسلِحَةَ البَيضَاءَ ، وَقَتَلُوا في حَرَمِ اللهِ الآمِنِ عَدَدًا كَبِيرًا مِنَ الحُجَّاجِ وَالجُنُودِ ، وَمَثَّلُوا بِالجُثَثِ وَعَلَّقُوهَا في أَعمِدَةِ الإِضَاءَةِ ، وَبَعدَهَا بِعَامَينِ في عَامِ تِسعَةٍ وَأَربَعِ مِئَةٍ وَأَلفٍ قَامُوا بِالتَّفجِيرِ قُربَ الحَرَمِ المَكِيِّ ، وَقَتَلُوا عَدَدًا مِنَ الحُجَّاجِ ، وَفي عَامِ عَشَرَةٍ وَأَربَعِ مِئَةٍ وَأَلفٍ وَفي نَفَقِ المُعَيصِمِ أَطلَقُوا غَازَ الخَردَلِ السَّامَّ ، فَتُوُفِّيَ مِن جَرَاءِ ذَلِكَ المِئَاتُ بِلِ الآلافُ مِنَ الحُجَّاجِ ، وَفي شَهرِ رَجَبٍ مِنَ هَذَا العَامِ نَظَّمَ الرَّافِضَةُ المَسِيرَاتِ حَولَ مَسجِدِ رَسُولِ اللهِ ، وَدَخَلُوا البَقِيعَ بِصَورَةٍ غَوغَائِيَّةٍ هَمَجِيَّةٍ ، وَنَبَشُوا القُبُورَ وَأَخَذُوا مِن تُرَابِ بَعضِهَا ، وَحَاوَلُوا إِحيَاءَ مَعَالِمِ الشِّركِ وَالوَثَنِيَّةِ في مَدِينَةِ التَّوحِيدِ ، وَقَد صَاحَبَ ذَلِكَ تَحَرُّكَاتٌ في مُدُنِهِم وَقُرَاهُم شَرقَ البِلادِ ، وَرَفعَ دَعَاوَى وَشِعَارَاتٍ ، وَتَقدِيمَ مُطَالَبَاتٍ لدى الكُفَّارِ ضِدَّ البِلادِ وَوُلاتِهَا ، ثم هَا هِيَ أَحدَاثُ الحُوثِيِّينَ هَذِهِ الأَيَّامَ في جَنُوبِ هَذِهِ البِلادِ ، تَصِلُ مَاضِيَ هَؤُلاءِ المُجرِمِينَ الحَاقِدِينَ بِحَاضِرِهِم ، وَتُبدِي لِكُلِّ ذِي دِينٍ وَعَقلٍ مَا تُخفِيهِ صُدُورُ أُولَئِكَ الفَجَرَةِ مِن إِرَادَةِ السُّوءِ وَالعَنَتِ بِالمُسلِمِينَ مِن أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ في هَذِهِ البِلادِ ، حَيثُ يُرِيدُونَ إِحكَامَ الطَّوقِ بِدَولَةِ التَّوحِيدِ مِن كُلِّ نَاحِيَةٍ ، ممَّا يُظهِرُ أَنَّهُ لا تَقَارُبَ مَعَ أُولَئِكَ الكَفَرَةِ وَإِن بُذِلَ مَا بُذِلَ أَو أُظهِرَ مِن حُسنِ النَّوَايَا مَا أُظهِرَ .
وَمِن هُنَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ المُتَعَيِّنَ عَلَينَا أَن نَعرِفَ أَنَّ هَؤُلاءِ الأَعدَاءَ البَاطِنِيِّينَ , تَنطَوِي قُلُوبُهُم عَلَى عَقَائِدِ بُغضٍ رَاسِخَةٍ ، وَيَنطَلِقُونَ مِن مَبَادِئِ كُرهٍ ثَابِتَةٍ ، هِيَ الَّتي تُحَرِّكُهُم ضِدَّنَا وَتَدفَعُهُم إِلى الاعتِدَاءِ عَلَينَا .
وَلِلعِلمِ بِشَيءٍ ممَّا يَحمِلُهُ أُولَئِكَ المُجرِمُونَ مِن كُفرٍ بَوَاحٍ وَعَقَائِدَ فَاسِدَةٍ ، لا يَقُولُ بها عَاقِلٌ فَضلاً عَن مُؤمِنٍ ، فَإِنَّ عَلَينَا أَن نَعرِفَ أَنَّهُم يَقُولُونَ بِتَحرِيفِ القُرآنِ , وَيُكَفِّرُونَ أَصحَابَّ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَطعَنُونَ في زَوجَةِ رَسُولِ اللهِ وَأُمِّ المُؤمِنِينَ الصِّدِّيقَةِ بِنتِ الصِّدِيقِ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ حَيثُ يَرمُونَهَا بِالفَاحِشَةِ . وَمِن كُفرِهِمُ اعتِقَادُهُم عِصمَةَ الأَئِمَّةِ ، بَل قُولُهُم بِأُلُوهِيَّتِهِم وَتَصَرُّفِهِم في العَالَمِ ، وَزَعمُهُم أَنَّهُم يَعلَمُونَ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ ، وَاعتِقَادُهُم بِأَنَّ لَهُمُ خِلافَةً تَكوِينِيَّةً تَخضَعُ لها جَمِيعُ ذَرَّاتِ الوُجُودِ ، وَأَنَّ لَهُم دَرَجَةً لا يَصِلُ إِلَيهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبيٌّ مُرسَلٌ , وَمِن عَقَائِدِ بَعضِ فِرَقِهِم أَنَّ الحَاكِمَ لَو عَادَ في آخِرِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ سَيَقتُلُ جَمِيعَ المُسلِمِينَ ، وَسَيَهدِمُ الكَعبَةَ حَجَرًا حَجَرًا ، وَلا يَقبَلُ الجِزيَةَ مِنَ المُسلِمِينَ أَبَدًا ، وَإِنَّمَا يَأخُذُهَا مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَهَذَا عَكسُ مَا نَعلَمُهُ نَحنَ في دِينِ الإِسلامِ ممَّا أَخبَرَ بِهِ نَبِيُّنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ مِن أَنَّ عِيسَى ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ هُوَ الَّذِي سَيَأتي فَيَقتُلُ الخِنزِيرَ وَيَكسِرُ الصَّلِيبَ وَيَضَعُ الجِزيَةَ وَلا يَقبَلُ إِلاَّ دِينَ الإِسلامِ ، فَهَل يَقُولُ بِبَعضِ هَذِهِ الأُمُورِ أَحَدٌ ثُمَّ يُنسَبَ بَعدَهَا لِلإِسلامِ ؟! سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظِيمٌ .
وَمِن أَشَدِّ الشِّيعَةِ الزَّيدِيَّةِ غُلُوًّا فِرقَةٌ تُسَمَّى الجَارُودِيَّةَ ، وَمِن هَذِهِ الفِرقَةِ خَرَجَ الحُوثِيُّونَ المُعتَدُونَ ، الَّذِينَ تَرَبَّوا في أَحضَانِ الرَّافِضَةِ في إِيرَانَ ، وَتَعَلَّمُوا في مَدَارِسِهِم وَتَخَرَّجُوا في جَامِعَاتِهِم ، وَقَد وُضِعُوا في هَذِهِ المِنطَقَةِ بِالذَّاتِ ، حَربًا لأَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، وَمُوَاجَهَةً لِلعَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتي جَعَلَت تَنتَشِرُ هُنَاكَ بِقُوّةٍ ، وَمُحَاوَلَةً لِلإِحَاطَةِ بِدَولَةِ الإِسلامِ مِن كُلِّ جَانِبٍ ، وَإمعَانًا في إِيذَائِهَا وَرَغبَةً في الإِطَاحَةِ بِوُلاتِهَا وَعُلَمَائِهَا ، وَكَمَا ظَهَرَت دُوَلُ الرَّافِضَةِ في أَوَاخِرِ القَرنِ الثَّالِثِ مِنَ القِرَامِطَةِ في العِرَاقِ وَشَرقِ الجَزِيرَةِ ، وَبَني بُوَيهٍ في فَارِسٍ ، وَالعُبَيدِيِّينَ المُسَمَّينَ بِالفَاطِمِيِّينَ في الشَّامِ وَمِصرَ وَشمالِ أَفرِيقِيَّةَ ، وَالصُّلَيحِيِّينَ في اليَمَنِ ، وَالحَشَّاشِينَ في بِلادِ فَارِسٍ ، أَقُولُ كَمَا ظَهَرَت تِلكَ الدُّوَلُ وَنَشَأَت في وَقتٍ وَاحِدٍ وَبِتَخطِيطٍ مَاكِرٍ ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ المَجُوسَ اليَومَ ، وَبِتَحَالُفٍ بَاطِنِيٍّ بَينَهُم وَبَينَ الصَّلِيبِيِّينَ واَليُهُودِ ، يَعمَلُونَ عَلَى إِنشَاءِ دُوَلٍ لهم تُحِيطُ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ مِن كُلِّ جَانِبٍ ، هَدَفُهَا بِلادُ الحَرَمَينِ وَمُقَدَّسَاتُهَا وَوُلاةُ أَمرِهَا وَأَهلُهَا ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي عَادَ غَيرَ خَافٍ عَلَى أَحَدٍ ، وَإِنَّهُ لَغَبَاءٌ شَنِيعٌ وَجَهلٌ ذَرِيعٌ أَن يَعتَقِدَ أَحَدٌ بِوُجُودِ اختِلافٍ عَقَدِيٍّ أَو عِدَاءٍ حَقِيقِيٍّ بَينَ الرَّافِضَةِ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، صَحِيحٌ أَنَّهُ قَد يَكُونُ ثَمَّةَ تَعَارُضُ مَصَالِحٍ بَينَهُم ، لَكِنَّهُم سُرعَانَ مَا يَتَّفِقُونَ وَيَأتَلِفُونَ ، وَيَبقَى أَهلُ السُّنَّةِ عَدُوَّهُمُ المُشتَرَكَ ، فَبَينَمَا تَشُنُّ دَولَةُ الكُفرِ اليَومَ هُجُومَهَا عَلَى مَن تُسَمِّيهِمُ الأُصُولِيَّينَ المُتَشَدِّدِينَ ، نَجِدُ هَذَا الهُجُومَ نَفسَهُ مِنَ الرَّافِضَةِ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ أَو مَن يُسَمُّونَهُمُ الوَهَّابِيَّةَ ، وَمَا تَصرِيحَاتُهُمُ الكَثِيرَةُ ضِدَّ هَذِهِ البِلادِ وَتَهدِيدُهُم لها بِالإِفسَادِ فيهَا في مَوسِمِ الحَجِّ ، وَمُشَاغَبَاتُهُمُ المُتَكَرِّرَةُ في المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَفي مُدُنِهِم ، وَمُصَادَمَاتُهُم مَعَ أَهلِ الحِسبَةِ وَرِجَالِ الأَمنِ وَالشُّرطَةِ ، وَرَفعُهُم لِشَعَارَاتِ الشِّركِ هُنَا وَهُنَاكَ ، إِلاَّ دَلِيلٌ عَلَى تَحَالُفٌ وَجُهدٌ مُشتَرَكٌ بَينَهُم وَبَينَ الصَّلِيبِيِّينَ في مُحَارَبَةِ التَّوحِيدِ وَأَهلِهِ وَدَولَتِهِ ، أَلا فَلنَنتَبِهْ لِهَذَا الخَطَرِ الدَّاهِمِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ فَإِنَّ الكُفرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالإِسلامُ مُحَارَبٌ وَأَهلُهُ مُبتَلَونَ ، وَهَذِهِ البِلادُ مَقصُودَةٌ في دِينِهَا وَأَمنِهَا وَوُلاتِهَا المُخلِصِينَ وَعُلَمَائِهَا الرَّبَّانِيِّينَ ، وَتِلكَ سُنَّةُ اللهِ في عِبَادِهِ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ "
ــــــــــــــ
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ ممَّا يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّ لِهَؤُلاءِ الشِّيعَةِ الرَّافِضَةِ خِطَّةً لِلاستِيلاءِ عَلَى العَالَمِ الإِسلامِيِّ وَالإِمسَاكِ بِزِمَامِ الأُمُورِ فِيهِ ، عَدُوُّهُم اللَّدُودُ فِيهَا هُمُ الحُكَّامُ الوَهَّابِيُّونَ وَذَوُو الأُصُولِ السُّنِيَّةِ كَمَا أَعلَنُوا ذَلِكَ ، وَقَد وَضَعُوا لِتَحقِيقِ خُطَّتِهِم خَطَوَاتٍ تُنَفَّذُ عَلَى مَدَى خَمسِينَ عَامًا ، وَإِنَّ المُتَابِعَ لِلنَّشَاطِ الشِّيعِي في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ ، لَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الخُطَّةَ بَدَأَت تُحَقِّقُ نَجَاحَاتٍ وَاسِعَةً لِلأَسَفِ .
وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَكُونَ أَهلُ السُّنَّةِ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن هَذِهِ الخُطَّةِ لِيَتَّقُوا المُشَارَكَةَ في تَنفِيذِهَا وَهُم لا يَشعُرُونَ ، وَإِنَّ ممَّا هُوَ ظَاهِرٌ لِلعَيَانِ مِن تِلكَ الخُطُواتِ الآنَ ، دُخُولَ هَؤُلاءِ الرَّافِضَةِ في قِطَاعَاتِ التَّعلِيمِ وَالصِّحَّةِ ، وَسَعيُهُم لِلانتِشَارِ في مَنَاطِقِ السُّنَّةِ لِتَحوِيلِهَا إِلى مَنَاطِقَ شِيعِيَّةٍ رَافِضِيَّةٍ ، وَقَد بَدؤَوُا جَادِّينَ في تَنفِيذِ هَذِه الجُزئِيَّةِ بِشِرَاءِ الأَرَاضِي في مَنَاطِقِ أَهلِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ الأَمرُ الَّذِي تَنَبَّهَ لَهُ عُلَمَاؤُنَا فَأَفتَوا بِحُرمَةِ بَيعِ الأَرَاضِي لِهَؤُلاءِ الخَوَنَةِ ، حِفظًا لِعَقَائِدِ المُسلِمِينَ وَمَقَدَّسَاتِهِم وَأَعرَاضِهِم ، فَلْيَنتَبِهِ المُسلِمُونَ لِهَذَا الأَمرِ الخَطِيرِ ، وَلْيَحذَرُوا مِن بَيعِ الأَرَاضِي لِهَؤُلاءِ أَو تَمكِينِهِم ممَّا فيه خَطرٌ عَلَى المُسلِمِينَ مِن أَهلِ السُّنَّةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ صَرَّحَ بِهِ القُرآنُ ، حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ "
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، وانصر عبادك الموحدين ، اللهم عليك بالرافضة والمنافقين والعلمانيين ، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ، اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ، اللهم اهزم الحوثيين المعتدين والرافضة الظالمين ، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، اللهم خالف بين كلمتهم ، وفرق جمعهم ، واهزم فلولهم ، وشتت جيوشهم ، اللهم ألق في قلوبهم الرعب وألبسهم لباس الخوف والذل ، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تبلغهم غاية واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ، اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم قوتك وبالغ حكمتك ، اللهم احفظ علينا ولاة أمرنا ، وابسط أمننا ، وأهلك عدونا ، ووحد صفوفنا ، اللهم وفقنا ولاة وعلماء ورعية للعمل بما يرضيك ، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ، اللهم أنت عضدنا ونصيرنا ، بك نحول وبك نصول وبك نقاتل ، اللهم احفظ بلاد الحرمين من كيد الكائدين وحسد الحاسدين ، اللهم كن لولاتها مؤيدًا ونصيرًا ومعينًا وظهيرًا ، اللهم واربط على قلوب جنودنا الذائدين عن مقدساتنا والمرابطين على حدودنا وثغورنا ، اللهم قو عزائمهم ، وأنزل السكينة عليهم ، اللهم تقبل شهداءهم ، وفك أَسرَاهُم ، واشف جرحاهم وداو مرضاهم ، اللهم أنزل عليهم نصرًا من عندك ، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم .
المشاهدات 4917 | التعليقات 5
حيا الله هذا المرور الكريم من أخوي الكريمين : الشيخ ماجد الفريان ، والأخ أبي عبدالرحمن .
ولعل في هذه الأحداث من الخير ما لا يدركه الآن إلا الناظرون بنور الإيمان وعين البصيرة .
ولو لم يكن فيها إلا فضح نوايا هؤلاء الأعداء الباطنيين وكشف مؤامراتهم لكفى ، كيف وقد اجتمعت هذا الأحداث مع تهديدهم ووعيدهم بالإفساد في الحج ، مع ما حدث قبل أشهر قليلة من أحداث في مسجد رسول الله ؟!
وهي شنشنة نعرفها من أخزم ، وليست هذه لهم بالأُولى وما هي بالأخيرة .
وسيبقون على عدائهم وتحينهم الفرص للإضرار بنا ما وجدوا لذلك سبيلاً .
وإن قومًا أشركوا بربهم وغلوا في أئمتهم وألَّهوهم ، وكفَّرُوا من رضي الله عنهم وأرضاهم ، واتهموا حليلة نبيهم ، إنهم ليهون عليهم أن يعتدوا على كل أحد بعد ذلك !!
إن أمر هؤلاء كان وما زال أوضح من شمس النهار لمن وفقه الله ، ولكن العجيب حقًّا أن يبقى في الأمة من يدعو إلى التقارب مع هؤلاء الخونة ، ويتعامى عما تنطوي عليه نفوسهم من عقائد شركية وكره للمسلمين وولاء للمجوس واليهود .
لقد بدت البغضاء من أفواههم وتصرفاتهم وأبانت عنها تحركاتهم ومناوشاتهم ، ولا ريب أن ما في صدورهم أكبر وأعظم مما يُظهرون لولا ما يخافونه ، وإلا فلو تمكنوا فسيعيدون ما فعله سلفهم القرامطة ، وقد أبانت أحداث مكة في سنوات خلت ما في قلوب هؤلاء من الإيمان ومحبة المسلمين وتعظيم شعائر الله .
فعسى الله أن يُبصِّر قومنا بخطر هؤلاء الأعداء ، وأن يحمي بلاد الحرمين ومقدسات المسلمين ، وأن يوفق ولاة أمرنا وينصر جنودنا ويثبت المرابطين على ثغورنا ، وأن يوقظنا من رقدات الغفلة .
أحسنت يا شيخ عبد الله , أجدت وأفدت .. سددك الله وزادك
والدولة السعودية الأولى لا تنسى ذلك المجوسي الذي قتل الإمام عبدالعزيز بن محمد في
واقعة تشبه اغتيال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ...
ألا قاتلهم الله .
بارك الله فيك ...
معلومات قيمة ...
أسأل الله ألا يحرمك أجرها ...
تعديل التعليق