خطبة (الحسد والحاسدين )

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/08/05 - 2016/05/12 21:35PM
خطبة الجمعة
الحسد والحاسدين
عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، الحمد لله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى؛ فجعله غثاء أحوى.
وصلى الله وسلم على من بعثه الله ر
حمة للعالمين، وهداية للخلق أجمعين، أخرجنا الله به من الضلالة، وأنقذنا به من الغواية، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم اللهم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله -تبارك وتعالى-، فاتقوا ربكم في سركم وعلانيتكم، وفي سرائكم وضرائكم؛ تفلحوا في الدنيا، وتفوزوا في الآخرة.

معاشر المسلمين: حديثنا اليوم عن داء عضال، ومرض قلبي قتال، شره كبير، وبلاؤه خطير، ما تحَكَّم في فرد إلا أشقاه وأضله، ولا في مجتمع إلا شَتَّتَه وأذلَّه، كم صدَّ عن الحق! وكم أضل من الخلق! إنه مصدر كثير من البلاء، سلاح فتَّاك، وسيف بتار يضرب به الشيطان القلوب فتتمزق، والمجتمعات فتتفرق، يُفسد المودة، ويقطع حبال المحبة، ويهدم أواصر الأخوة، بل يحلق الدين، ويهدم الدنيا، ويقضي على بواعث الخير بين المؤمنين.
ذاكم -يا عباد الله- هو: داء الحسد الذي به يكون تمني زوال النعمة عن المحسود، وكراهية وصول الخير إليه.
إنه الحسد. وما أدراك ما الحسد؟!.
صناعة الشيطان، وبضاعة اليهود، ومهنة الخبثاء؛ التلطُّخُ به كارثة، والابتلاء به مصيبة، والسير فيه دناءة؛ يجمع مساوئ الأخلاق، ويحوي أسوأ الصفات، فهو اعتراض على الخالق، وتسخُّط على القدر، ومرتع للحقد، وصارف عن الشكر، وجالب للغم، وسبب للهم، ومنبع للشرور، ومورث للضغائن، ومورد للذلة، ومبين عن الحمق، وملهب للحسرات، ومحرض على العداوة.
يكفيه شناعة وعيباً أن الله تعالى أمر بالاستعاذة منه، كما أمر بالاستعاذة من الشيطان الرجيم: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق].
إنه أول خطيئة ظهرت في السماوات، وأول معصية في الأرض؛ لقد كان الحسد سبباً لمعصية إبليس، ولعنة الله له، وطرده من الجنة؛ إذ اعترض على أمر ربه، قال تعالى: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف:12]،
وكان الحسد سبباً في أول نفس قُتِلَت على وجه الأرض حينما قتل قابيل هابيل حسداً منه حينما تقبل من هابيل ولم يتقبل منه.
وكان الحسد سبباً لعداوة إخوة يوسف ليوسف، ومحاولتِهم قتله، وإلقائِه في الجب، وتعذيب والده على فراقه سنوات طويلة حتى ابيضت عيناه من الحزن.
وكان الحسد سبباً في إعراض كثير من المشركين عن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل ومحاربتهم له، وقتالهم إياه؛ وكان الحسد -ولا يزال سبباً- في كراهة كثير من أهل الكتاب -خصوصاً اليهود- للمسلمين والإسلام، ورفضهم للرسالة المحمدية، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].
إنَّ الحسدَ لِخُبْثِه، وشناعته، وكُرْه الشريعة له؛ يأكل الحسنات، ويتلف المكاسب. إنه عدو الإيمان، ومناقض التقوى، كما في الحديث: "لا يجتمعُ في جَوْفِ عَبْدٍ الإيمانُ والحسدُ" رواه النسائي وحسَّنه الألباني.
إنه الداء الذي أهلك أمم، ودمر مجتمعات، وحطم علائق، ومزق أسر؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء" أخرجه أحمد.
إن الحسد داء خطير، وشر مستطير، وقل أن ينجو منه إنسان، كما قيل: ما خلا جسد من حسد. ولكن الكريم يخفيه واللئيم يبديه
الحسد هو كره النعمة للآخر وتمنِّي زوالها عنه، إنه داء ينهك الجسد، ويفسد الود، وعلاجه عسِر، وصاحبه ضجِر؛ إنه سبب لكل قطيعة، ومنتج لكل وحشة، ومفرق لكل جماعة؛ إنه قاطع الرحم بين الأقرباء، ومحدث التفرقة بين القرناء، ومشعل الشر بين الشركاء.
ولو بحثت يا عبد الله عما يحدث من الأقارب ، أو من العاملين في مكان واحد ، أو إدارة واحدة، أو مهنة واحدة أو بين الجيران وأمثالهم من الخصام والهجر ، والنزاع والشقاق ، ومن الغيبة والنميمة ، ومن الشماتة عند المصيبة ، والفرحة عند نزول البلاء ، لوجدت أن السبب الوحيد الذي يكمن وراء ذلك كله هو الحسد.

نعم، الحسد هو الداء العضال لا ينفعه كيماوي السرطان، ولا ينفع معه عقار، إنه الداء العضال، قال أحدهم:
وداريتُ كلَّ الناسِ لكنَّ حاسدي *** مداراتُه عزَّت وعزَّ منالُها
وكيف يُداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ *** إذا كان لا يرضيه إلا زوالُها؟
الحاسد لا لا يقنعه شيء، ولا يرضيه شيء، لا يرضيه أن تكون في اليمين ولا في اليسار، ولا يرضى حتى منك الحياد.

الحسد أبو الخبائث، وبوابة الموبقات.الحسد يحمل صاحبه على تتبع العورات، يحمل صاحبه بأن يكون ذبابا يقع على الجروح والهنات.الحسد يحمل صاحبه على النفاق على الظن السيئ، على الوشاية، على النميمة، على الوقيعة، على الإيقاع بالمؤمنين،
عبادالله إن هناك أناساً ليس لهم هم إلا تَصَيُّد العثرات، فإذا سمعوا بنعمة أنعم الله بها على أحد من المسلمين بدأوا يفتشون عن عيوبه، وعن مثالبه، ويحاولون أن يُسقطوا من منزلته بين الناس؛ حسداً وبغياً، ومثل هؤلاء نذكرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوعدهم ويهددهم كما يقول الراوي يقول: رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- صوته، وقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعَيِّروهم، ولا تَتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"[أخرجه الترمذي برقم (2032)].
هذا جزاء لأولئك الذين يفتشون عن عيوب إخوانهم المسلمين كراهية أن ينالهم خير الله -عز وجل- ونعماؤه.
عباد الله ومن علامات الحسد الحديث الدائم حول ما جمع الناس من مال، وما بنى فلان من بيت وما ركب فلان من مركوب... إلخ، يتحدث عن تلك النعم لأخيه على وجه الشماتة والغيظ والقدح في صاحبها.
يحسد الناس على ما أنعم الله عليهم من فضله، فهو يعادي هذه النعم ويتمنى أن تكون جميعها له وتزول عن صاحبها.
عباد الله: إن صاحب الحسد يعيش في شقاء دائم، وغم لا ينقطع، نعم، لأنه ينظر في أرباب النعم نظرة تملأ قلبه غيظًا وحسدًا، فكل نعمة رآها في غيره يتقطع قلبه عليها حتى يكاد يسقط من شدة الألم لأنه يتمناها له.
فهو ساخط لقسمة الله، كأنه يقول لربه -تعالى عن ذلك-: لم قسمت هكذا؟ والله -عز وجل- يقول: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32].

وهكذا نجد أن نصوص القرآن والسنة تقرر أن الحسد اعتراض على الله في قضائه، واتهام له في قسمته بين عباده؛ لأن الحاسد يرى أن المحسود غير أهل لما آتاه الله، وأن غيره أولى منه، ولله الحكمة في تدبيره، فهو سبحانه يعطي ويمنع لحكمة بالغة، وكأن الحاسد ينكر ذلك.
قال ابن مسعود: "ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟! قال: الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله"، وكأنه يشير إلى قول الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً).
فالحاسدون ما حسدوا الخلق إلا من أجل النعم، سواء كان في المال أم الجاه أم السلطان أم في الصحة أم في الجمال ونحو ذلك.
فالحاسد لا يقف حسده عند نعمة معينة، ولن يرضى عنك الحاسد إلا إذا رأى زوال تلك النعمة عنك؛ قال معاوية –رضي الله عنه-: "كل الناس أرضيه إلا الحاسد، نعمة لا يرضيه إلا زوالها".
فهل رأيت عدوًا يعادي من غير ذنب؟! إنه الحاسد، عادى المحسود من غير ذنب إلا رؤية النعمة عليه. قال علي –رضي الله عنه-: "الحاسد مغتاظ على من لا ذنب عليه". وقال بعضهم: "الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت".
كل العداوات قد تُرجى إمالتها *** إلا عداوة من عاداك من حسد
والحاسد في هم دائم، وحزن لازم، مغموم مهموم، مخذول موزور، يهدأ الناس ولا يهدأ، وينامون ولا ينام، يفكر ويقدر، ويخطط ويدبِّر، تزعجه نعمة الله على غيره، ويغيظه فضله لسواه، يغتم لسرور الناس، ويبكي لفرحهم، ويتألم لسعادتهم.
مغتاظ على مَن لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، لا ينال من المجالس إلا مَذَمَّةً وذُلاً، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضا، ولا ينال من الخلق إلا خزياً وغَمَّاً، ولا ينال عند الموت إلا شدة وهولاً، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا، إنه ظالم أشبه بالمظلوم!.
قيل لبعضهم: ما بال الحسود أشد غمًّا؟! قال: "لأنه أخذ بنصيبه من غموم الدنيا، ويضاف إلى غمه بسرور الناس"،
وقال الأحنف بن قيس: "لا راحة للحسود"،
وقال بعض الحكماء: "الحسد جرحٌ لا يبرأ، وحَسْبُ الحسود ما يلقى".
لقد أشقى الحاسد نفسه بشقاء دائم؛ لأنه شغل نفسه بالنظر إلى غيره، فرؤيته للنعمة على الخلق نقمة عليه، فلو يفكر في نفسه لحظة لرأى أنه في شقاء طويل.
أَيَا حَاسِدًا لِي عَلَى نِعْمَتِي أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْتَ الأَدَبْ
أَسَأْتَ عَلَى اللهِ فِي حُكْمِهِ لأَنَّكَ لَمْ تَرْضَ لِي مَا وَهَبْ
فَأَخْزَاكَ رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي وَسَدَّ عَلَيْكَ وُجُوهَ الطَّلَبْ

الخطبة الثانية
تنبهوا عباد الله إلى أن الحسد أوله خطرة فإن لم تدفع وتجاهد، كانت قولاً وهمزاً وغمزاً، فإن لم تقطع أصبحت فعلاً وبغياً وظلماً، و قد لا يستطيع بعض الناس بدافع الغيرة أن يدفع ما يجد في نفسه على أخيه، لكن إياكم أن يَظهر ذلك!
وحذروا أن يصل الحسد للبغي والتعدي والكيد، قال ابن القيم في أثناء كلامه عن تفسير المعوذتين: وتأمل تقييده -سبحانه- شر الحاسد بقوله: (إِذَا حَسَدَ)؛ لأن الرجل قد يكون عنده حسد، ولكن يخفيه ولا يُرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا مَن عصمه الله. اهـ.
ومَن تأمل حال الناس اليوم وجد أن الحسد قد تعدَّى مداه، فكم هي النفوس المريضة الخبيثه البغيضة: فعملت كيداً وبغياً، ووشايةً وظلماً، وتصيداًونميمة، حتى وصل الأمر إلى الاستعانة بالسحَرة والمشعوذين!.
فكم اليوم من نفْس تتقطع ألماً من أذى الحاسدين! وكم من بيت تهدّم بكيد الحاسدين! وكم من صحبة تفرقت بمكر الحاسدين! وكم صاحب جاه ومنصب أُشغل ببغي الحاسدين! وكم من امرأة تصطلي بنار الحاسدات!.
ولكنا نقول لكل الحاسدين: اعلموا أن الله بكل شيء عليم، وأن لليل سهاما لا تُخطىء: "ثلاث دعوات مستجابة: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده". اعلموا أن الله أخبرنا بالقرآن فقال: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)، وقال: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)، وقال: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)، فهل بعد هذا يُطلق العنان للقلب، فيبغض من يشاء،‍ ويكيد لمن يشاء؟.‍
ولو بغَى جبَلٌ يوماً على جبَلٍ *** لدُكَّ منهُ أعَالِيهِ وأسْفَلُهُ
عباد الله واسرد لكم هذه القصة فيها من العظة والعبرة
قال بكر بن عبد الله: كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك، فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه إساءته، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر! فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعوه إليك، فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه، لئلا يشم ريح البخر، فقال له: انصرف حتى أنظر.
فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعاماً فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك على عادته، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء ستكفيه إساءته، فقال له الملك: ادن مني، فدنا، فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلاناً إلا صدق!.
قال: وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة، فكتب له كتاباً بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبناً، وابعث به إلي، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به فقال: ما هذا الكتاب؟ قال خطَّ الملك لي بصلة، فقال هبه لي فقال: هو لك، فأخذه ومضى به إلى العامل.
وقال العامل له: في كتابك أن أذبحك وأسلخك،
قال: إن الكتاب ليس هو لي، فاللهَ اللهَ في أمري حتى تراجع الملك! فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبناً، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقِيَنِي فلان فاستوهبه مني فوهبتُه له، قال له الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما قلت ذلك قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: لأنه أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهت أن تشمه، قال صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفى المسيء إساءته.
اصبِر على كيدِ الحَسو *** دِ فــإن صـبْرَكَ قاتِلُهْ
كالنار تأكُلُ بعــضها *** إن لـم تجد ما تأكله
قال بعضهم: قاتَلَ الله الحسد، ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله! وقال الآخر: الحسد داء مُنْصِفٌ يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود.
وقال معاوية -رضي الله عنه-: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسدَ قبل أن يصل إلى المحسود. وقال الآخَر: يصل إلى الحاسد خمسُ عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: غم لا ينقطع، ومصيبة لا يؤجر عليها، ومذمة لا يحمد عليها، وسخط الله عليه، ويغلق عنه باب التوفيق.
إن الحاسد يتألم ولا يزال في كَمَد
دَعِ الحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهْ كَفَاكَ مِنْهُ لَهِيبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ
إِنْ لُمْتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ
وقال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمُّ في وقت سرورك.
وقيل في منثور الحِكَم: عقوبة الحاسد من نفسه.
وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما أطول عمرك! قال: تركت الحسد فبقيت.

عباد الله إن المؤمن نقي القلب، زكي الروح، مهذب المشاعر، طاهر الوجدان، سليم الصدر، تقي الخواطر؛
وبهذا النقاء والصفاء أثنى الله تعالى على الأنصار، فقال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]، أي لا يجدون في صدورهم حسداً أو غيظاً مما أوتي المهاجرون.
قال صلى الله عليه وسلم « تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» أي أخّروا عرض عمليهما، ولا يرفع عمل المتشاحنين المتحاسدين المتباغضين، يقول الله: أخروا عمل هذين حتى يصطلحا.رواه مسلم.
وايظا شهر شعبان شهر ترفع فيه الاعمال
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَب وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِيْنِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». (سنن النسائي 2357، وصححه الألباني).
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خَلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلَّا لمشركٍ أو مُشاحِنٍ" رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح.
فأين أنت من هذا يا من تريد أن يغفر ذنبك ويستر عيبك وترفع درجتك؟!
الأصل في الإنسان حسن الظن بالآخرين، وسلامة الصدر من أكبر وأعظم الحسنات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا".
لا نجاة يوم القيامة إلا بسلامة الصدور، لا نجاة يوم القيامة إلا بغسل القلوب من الغل والحقد والحسد، وسلامة الصدر للمؤمنين: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88-89].قد سلم من الغل والحقد والحسد.
فطهروا قلوبكم من الغل والحقد ، وكونوا عباد الله إخواناً ، كفانا والله فرقة وحسداً ، وكفانا حقداً وغيظاً ، وأوصابًا وتَفريقًا ، وجروحًا وتمزيقًا ، كفانا عصبية وشتاتاً ، فهلا من رجل رشيد ، وليس ذلك على الله ببعيد ، رجل يجمع الشتات ، ويلم الشعث ، ويسعى للصلاح والإصلاح ، سبحان الله ! تأملوا يا رحمكم الله كيف صار حالنا ، لقد تطاير الشرر ، وزاد الخطر ، شدة بؤس حاجة وفاقة ذلة ومسكنه فقر وحرمان فمتى نعود إلى الله ؟ ومتى نحكم شرع الله ؟ لماذا لا تصقل النفوس ، وتصفى القلوب ؟ لماذا لا ننزع البغضاء ، ونزيل العداء ، ونرضى بالمحبة والإخاء ، فعليكم بالتّسامُح والتّراحُم ، والتّناصُر والتّلاحُم ، فاحذروا الحسد فإنه مطية إلى نار جهنم والعياذ بالله ، فكن أيها المسلم سمحاً متنازلاً ، رحيماً متعاوناً ، رفيقاً متآلفاً ، فتلكم صفات المؤمن الصادق ، الموقن بلقاء ربه تبارك وتعالى ، ثم اعلموا أن سلامة الصدر ، وتطهيره من الحسد والكبر ، من أسباب دخول الجنة
إنّ الحسد إذا دب في مجتمع من المجتمعات فاستشرى فيه فعلى أهله السلام، لأن أعظم أخـطار الحسد أنه يورث العداوة والبغضاء بين الناس، ويولد الأحقاد والضغائن، و يحمل صاحبه على محاولة إزالة النعمة من أخيه بأي طريق، ولو اقتضى ذلك قتله! كما قصّ الله تعالى عن ابني آدم بحسد احدهما نفذ الجريمة وباء بالإثم والخسارة في الدنيا والآخرة: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [التوبة: 30].

فإذا كان هذا بعض أضراره فكيف بغيرها؟!
فإذا تعاطي الناس الحسد: فكيف تفلح أمة أفرادها متنافرون، متعادون، متحاسدون، يتمنى بعضهم لبعض زوال النعم، وحصول النقم؟ والموت والفناء

أيها المسلمون ، أرجو أن لا تحار العقول فيما قلت ، وألا يفسر القول بغير ما قصدت ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين
اللهم آمنا في أوطاننا ،
واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الراحمين ،
اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين ، اللهم مزقهم كل ممزق ، اللهم أدر الدائرة عليهم ، واجعلهم غنيمة للمسلمين يا قوي يا عزيز ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء ،
اللهم أصلح صدري وصدوركم وصفّي صدري وصدوركم من كل حسد وحقد، إنك على كل شيء قدير،
اللهم اسلل السخائم من صدورنا، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.اللهم اكفنا شر الحاقدين، والحاسدين والكائدين.
اللهمَّ اهْدِنَا لأِحْسَنِ الأَخْلَاقِ والأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ لاَ يَهْدِي لِأحْسَنِها إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرفْ عَنَّا سَيِّئهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، اللهمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاها وَزَكِّهاَ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيهُّا وَمَوْلَاها، اللهمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنا مِنَ النفِّاق وَالحَسَد وَالشَّحْنْاءِ، وِأِعْيُنَنَا مِنَ الخِيانَةِ، وَأَلْسِنَتَنا مِنَ الكَذِبِ يَا سَمِيعَ الدُّعاءِ، اللهمَّ إِنَّا نعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الحَاقِدِينَ وَكَيْدِ الحَاسِدِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلَّ شيءٍ قَدِيرٌ.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين ، واحفظنا بالإسلام قاعدين ، واحفظنا بالإسلام راقدين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ،
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى الحبيب ، فقد أمركم بذلك الحسيب الرقيب ، فقال في محكم التنزيل ، ومعجزة التأويل : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، النذير البشير ، والسراج المنير ، وعلى آله وأزواجه ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648
المشاهدات 2959 | التعليقات 0