خطبة : ( الحج على من استطاع )
عبدالله البصري
الحج على من استطاع 9/ 11/ 1445
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، حَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ فَرِيضَةٌ مِن فَرَائِضِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ، بَل هُوَ الرُّكنُ الخَامِسُ مِن أَركَانِ الإِسلامِ ، يَجِبُ عَلَى مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً أَن يُعجِّلَ بِهِ وَلا يُؤَجِّلَهُ ، وَأَن يُسَارِعَ إِلَيهِ وَلا يَتَأَخَّرَ عَنهُ ، وَقَد دَلَّتِ الأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ الحَجِّ عَلَى المُستَطِيعِ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ ، قَالَ تَعَالى : " وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنِ العَالمِينَ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " بُنيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَومِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
أَلا وَإِنَّ ثَمَّ شُرُوطًا خَمسَةً إِذَا تَوَفَّرَت في المُكَلَّفِ ، وَجَبَ عَلَيهِ الحَجُّ عَلَى الفَورِ ، وَإِن لم تَتَوَفَّر فِيهِ لم يَجِبْ عَلَيهِ ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ : الإِسلامُ وَالتَّكلِيفُ وَالحُرِّيَّةُ وَالاستِطَاعَةُ ، وَوُجُودُ المَحرَمِ لِلمَرأَةِ ، وَالإِسلامُ شَرطٌ لِصِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ وَشَرطٌ لِوُجُوبِهَا ، وَأَمَّا غَيرُ المُسلِمِ فَلا يَجِبُ عَلَيهِ الحَجُّ ، بَل وَلَو أَتَى بِهِ لم يَصِحَّ مِنهُ وَلم يُقبَلْ ، قَالَ تَعَالى : " وَمَا مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقَاتُهُم إِلاَّ أَنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ " وَأَمَّا البُلُوغُ فَهُوَ أَن يَكُونَ المُسلِمُ بَالِغًا عَاقِلاً ، فَإِن كَانَ صَغِيرًا أَو مَجنُونًا ، فَإِنَّ الحَجَّ لا يَجِبُ عَلَيهِ لأَنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ ، لَكِنَّ الصَّغِيرَ لَو حَجَّ صَحَّ مِنهُ حَجُّهُ ، غَيرَ أَنَّهُ لا يُجزِئُهُ عَن حَجَّةِ الإِسلامِ ، فَإِذَا بَلَغَ لَزِمَهُ أَن يَحُجَّ مَرَّةً أُخرَى لِيَقضِيَ فَرضَهُ ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ امرَأَةً رَفَعَت لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا ، وَقَالَت : أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : " نَعَم ، وَلَكِ أَجرٌ " وَأَمَّا المَجنُونُ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيهِ الحَجُّ وَلا يَصِحُّ مِنهُ ؛ لأَنَّ الحَجَّ لا بُدَّ فِيهِ مِن نِيَّةٍ وَقَصدٍ ، وَلا يُمكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنَ المَجنُونِ . وَهَكَذَا الحُرِّيَّةُ فَهِيَ شَرطٌ في وُجُوبِ الحَجِّ ، فَلا يَجِبُ الحَجُّ عَلَى العَبدِ المَملُوكِ لأَنَّهُ غَيرُ مُستَطِيعٍ ، وَلَو حَجَّ صَحَّ مِنهُ ، وَلَزِمَهُ أَن يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسلامِ بَعدَ حُرِّيَّتِهِ . وَأَمَّا الاستِطَاعَةُ فَتَكُونُ في المَالِ وَالبَدَنِ ، بِأَن يَكُونَ عِندَ مُرِيدِ الحَجِّ مَالٌ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ الحَجِّ ، وَأَن يَكُونَ هُوَ صَحِيحَ البَدَنِ غَيرَ عَاجِزٍ عَن أَدَاءِ المَنَاسِكِ ، فَإِن كَانَ غَيرَ قَادِرٍ لا بِبَدَنِهِ وَلا بِمَالِهِ ، فَإِنَّ الحَجَّ لا يَجِبُ عَلَيهِ ، وَإِن كَانَ قَادِرًا بِمَالِهِ غَيرَ قَادِرٍ بِبَدَنِهِ ، لَزِمَهُ أَن يُنِيبَ مَن يَحُجُّ عَنهُ ؛ لِحَدِيثِ الخَثعَمِيَّةِ الَّتي جَاءَت إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أَدرَكَت أَبي شَيخًا كَبِيرًا لا يَثبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنهُ ؟ قَالَ : " نَعَم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَالقُدرَةُ المَالِيَّةُ المُعتَبَرَةُ لِوُجُوبِ الحَجِّ ، هِيَ مَا يَكفِيهِ في ذَهَابِهِ وَإِقَامَتِهِ وَرُجُوعِهِ ، وَأَن يَكُونَ ذَلِكَ المَالُ فَاضِلاً عَمَّا يَحتَاجُ إِلَيهِ لِقَضَاءِ مَا يَلزَمُهُ مِنَ دَينٍ وَنَفَقَاتٍ وَاجِبَةٍ ، وَفَاضِلاً عَنِ الحَوَائِجِ الأَصلِيَّةِ مِن مَطعَمٍ وَمَشرَبٍ وَمَلبَسٍ وَمَسكَنٍ . وَمِنَ الاستِطَاعَةِ أَن يَكُونَ لِلمَرأَةِ مَحرَمٌ يُسَافِرُ مَعَهَا ، فَمَن لم تَجِدِ المَحرَمَ فَالحَجُّ غَيرُ وَاجِبٍ عَلَيهَا ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن تُسَافِرَ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَفي لَفظٍ : " لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ " رَوَاهُ الشَّيخَانِ ، وَلَهُمَا أَيضًا عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لا يَخلَوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ ، وَلا تُسَافِرِ امرَأَةٌ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ " فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ امرَأَتي خَرَجَت حَاجَّةً ، وَإِنِّي اكتُتِبتُ في غَزوَةِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ : " انطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امرَأَتِكَ " وَالمَحرَمُ هُوَ زَوجُ المَرأَةِ ، وَكُلُّ ذَكَرٍ تَحرُمُ عَلَيهِ تَحرِيمًا مُؤَبَّدًا بِقَرَابَةٍ أَو رَضَاعٍ أَو مُصَاهَرَةٍ . وَالمَرأَةُ ضَعِيفَةٌ ، لا تَقدِرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الأُمُورِ بِنَفسِهَا ، وَمُعَرَّضَةٌ أن تَفتِنَ أَو تُفتَنَ ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ تَحتَاجُ إِلى رَجُلٍ يَتَوَلَّى شَأنَهَا وَيُسَاعِدُهَا وَيَحفَظُهَا ، وَيُوَفِّرُ لَهَا مَا لا غِنى لَهَا عَنهُ ، وَلا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلاَّ مَعَ الزَّوجِ أَوِ المَحرَمِ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد عَظَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَعَائِرَ الحَجِّ وَمَشَاعِرَهُ ، قَالَ تَعَالى : " وَإِذْ بَوَّأنَا لإِبرَاهِيمَ مَكَانَ البَيتِ أَنْ لا تُشرِكْ بي شَيئًا وَطَهِّرْ بَيتيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " جَعَلَ اللهُ الكَعبَةَ البَيتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهرَ الحَرَامَ وَالهَديَ وَالقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَإِنَّ مِن تَعظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلمَسجِدِ الحَرَامِ أَن كَانَت إِرَادَةُ المَعصِيَةِ فِيهِ سَبَبًا لِلعِقَابِ ، قَالَ تَعَالى : " وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ " وَقَد أَجمَعَ أَهلُ العِلمِ عَلَى وُجُوبِ تَعظِيمِ حُرُمَاتِ الحَرَمِ ، وَالتَّحذِيرِ مِن إِرَادَةِ المَعصِيَةِ فِيهِ وَفِعلِهَا .
وَإِنَّ مِن فَضلِ اللهِ جَلَّ وَعَلا أَنْ شَرَّفَ حُكُومَةَ هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ المُبَارَكَةِ بِخِدمَةِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ ، بِكُلِّ مَا يُيَسِّرُ لِقَاصِدِيهِمَا أَدَاءَ مَنَاسِكِهِم ، غَيرَ أَنَّ الأَعدَادَ المُتَزَايَدَةَ مِنَ المُسلِمِينَ في شَرقِ الأَرضِ وَغَربِهَا ، قَد حَتَّمَت تَفوِيجَ الحُجَّاجِ عَامًا بَعدَ عَامٍ ، مِمَّا أَلزَمَ مُرِيدَ الحَجِّ استِخرَاجَ تَصرِيحٍ لِلحَجِّ بِحَسَبِ إِجرَاءَاتٍ حَدَّدَتهَا الجِهَاتُ المَسؤُولَةُ ، تَنظِيمًا لِعَدَدِ الحُجَّاجِ بِمَا يُمَكِّنُهُم مِن أَدَاءِ حَجِّهِم وَشَعَائِرِهِم بِسَكِينَةٍ وَسَلامَةٍ ، وَتَيسِيرًا عَلَيهِم وَرَفعًا لِلحَرَجِ عَنهُم ، قَالَ تَعَالى : " يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ " وَقَالَ تَعَالى : " يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا " وَقَالَ تَعَالى : " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ " وَإِنَّ التِزَامَ المُسلِمِ بِاستِخرَاجِ تَصرِيحِ الحَجِّ ، لَهُوَ مِمَّا يَتَّفِقُ وَالمَصلَحَةَ المَطلُوبَةَ شَرعًا ، وَالشَّرِيعَةُ جَاءَت بِتَحسِينِ المَصَالِحِ وَتَكثِيرِهَا ، وَدَرءِ المَفَاسِدِ وَتَقلِيلِهَا ، وَلا شَكَّ أَنَّ عَدَدًا كَبِيرًا يَجتَمِعُ في بُقعَةٍ مَحدُودَةِ المِسَاحَةِ ، وَيَلزَمُ تَحَرُّكُهُم وَتَنَقُّلُهُم في وَقتٍ وَاحِدٍ أَو أَوقَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ ، لا شَكَّ أَنَّهُ مِمَّا يَحتَاجُ إِلى تَنظِيمٍ دَقِيقٍ وَوَضعِ خُطَطٍ مُتَعَدِّدَةٍ ؛ لِضَمَانِ أَمنِهِم وَصِحَّتِهِم وَسَلامَتِهِم ، وَإِيوَائِهِم وَإِعَاشَتِهِم ، وَتَوفِيرِ مَا يَحتَاجُونَ إِلَيهِ مِن خِدمَاتٍ أُخرَى ، وَكُلَّمَا كَانَ عَدَدُ الحُجَّاجِ مُتَوَافِقًا مَعَ المُصَرَّحِ لَهُم ، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لِخِدمتِهِم الخِدمَةَ اللاَّئِقَةَ ، وَهَذَا مَقصُودٌ شَرعًا ، قَالَ تَعَالى : " وَإِذْ جَعَلنَا البَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إِبرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدنَا إِلى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيتيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ التِزَامَ مُرِيدِي الحَجِّ بِالتَّصرِيحِ ، يُحَقِّقُ مَصَالِحَ جَمَّةً مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكرُهُ ، وَيَدفَعُ مَفَاسِدَ عَظِيمَةً تَحصُلُ بِكَثرَةِ العَدَدِ وَاضطِرَارِهِم إِلى الافتِرَاشِ في الطُّرُقَاتِ ، الَّذِي يُعِيقُ تَنَقُّلَهُم وَتَفوِيجَهُم ، وَيَزِيدُ مِن مَخَاطِرِ الازدِحَامِ وَالتَّدَافُعِ المُؤَدِّي إِلى التَّهلُكَةِ .
أَلا وَإِنَّ مِنَ التَّدَيُّنِ وَالعَقلِ أَن يَلتَزِمَ المَرءُ بِاستِخرَاجِ التَّصرِيحِ لِلحَجِّ ؛ طَاعَةً لِوَليِّ الأَمرِ ، الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعَالى بِطَاعَتِهِ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " عَلَيكَ السَّمعُ وَالطَّاعَةُ في عُسرِكَ وَيُسرِكَ ، وَمَنشَطِكَ وَمَكرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيكَ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن أَطَاعَني فَقَد أَطَاعَ اللهَ ، وَمَن عَصَاني فَقَد عَصَى اللهَ ، وَمَن أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَد أَطَاعَني ، وَمَن عَصَى الأَمِيرَ فَقَد عَصَاني " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَالالتِزَامُ بِاستِخرَاجِ التَّصرِيحِ مِنَ طَاعَةِ وَليِّ الأَمرِ في المَعرُوفِ ، الَّتي يُثَابُ مَنِ التَزَمَ بِهَا وَيَأثَمُ مَن خَالَفَهَا . ثُمَّ إِنَّ الحَجَّ بِلا تَصرِيحٍ ، لا يَقتَصِرُ ضَرَرُهُ عَلَى الحَاجِّ نَفسِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إِلى غَيرِهِ مِمَّنِ التَزَمَ بِالنِّظَامِ ، وَمِنَ المُقَرَّرِ شَرعًا أَنَّ الضَّرَرَ المُتَعَدِّيَ أَعظَمُ إِثمًا مِنَ الضَّرَرِ القَاصِرِ ، وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ "
وَقَد قَرَّرَت هَيئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ في هَذَا البَلَدِ ، أَنَّهُ لا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلى الحَجِّ دُونَ أَخذِ تَصرِيحٍ ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يَأثَمُ ، لِمَا فِيهِ مِن مُخَالَفَةِ أَمرِ وَليِّ الأَمرِ ، الَّذِي مَا صَدَرَ إِلاَّ تَحقِيقًا لِلمَصلَحَةِ العَامَّةِ ، وَمَن لم يَتَمَكَّنْ مِنِ استِخرَاجِ تَصرِيحِ الحَجِّ ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ في حَكمِ الَّذِي لا يَستَطِيعُ ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ : " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهُ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَمَن أَرَادَ حَجَّ بَيتِ اللهِ فَلْيَتَّقِ اللهَ بِأَن يَصُونَ حَجَّهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ مِنَ الرَّفَثِ وَالفُسُوقِ ، وَبِأَن يَستَقِيمَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ ، وَبِأَن يُعِينَ إِخوَانَهُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ؛ حَتَّى يَكُونَ حَجُّهُ مَبرُورًا وَسَعيُهُ مَشكُورًا ، قَالَ تَعَالى : " الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ " وَلا شَكَّ أَنَّ التِزَامَ الأَنظِمَةِ وَالتَّعلِيمَاتِ الَّتي صَدَرَت لِلتَّمكِينِ مِن أَدَاءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ بِأَمنٍ وَيُسرٍ وَسَكِينَةٍ ، دَاخِلٌ في تَقوَى اللهِ في أَدَاءِ نُسُكِ الحَجِّ وَفي تَعظِيمِ حَرَمِ اللهِ وَحُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ ، قَالَ تَعَالى : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
المرفقات
1715847461_الحج على من استطاع.docx
1715847461_الحج على من استطاع.pdf