خطبة: الحِجَابُ

بندر المقاطي
1443/04/15 - 2021/11/20 22:37PM

الحِجَابُ

 
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلى يوم الدّين.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ: فَاتَّقُوا اللهَ U حَقَّ التَّقْوَى؛ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٠٢﴾.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعظَمِ مَقَاصِدِ دِينِنَا الحَنَيفِ؛ إِقَامَةَ مُجتمعٍ طَاهِرٍ، الخُلُقُ سِياجُهُ، وَالعِفَّةُ طَابِعُهُ، وَالحِشمَةُ شِعَارُهُ، وَالوَقَارُ دِثَارُهُ، مُجتمعٌ لا تُهَاجُ فيه الشَّهَواتُ، وَلا تُثَارُ فيهِ عَوامِلُ الفِتنَةِ، تَضِيقُ فيه فُرصُ الغِوَايةِ، وَتُقطعُ فيه أسبابُ التهييجِ والإثارةِ.

وَلقد خُصَّتِ المؤمناتُ بتوجيهاتٍ في هذا ظاهرةٌ، ووصايا جليلةٌ، فَعفةُ المؤمنةِ نابعةٌ من دِينِها، ظاهرةٌ في سُلوكها، لأَنَّها بِعِفَّتِهَا وَحِشْمَتِهَا يَكُونُ جَمَالُهَا، وَمِنْ هُنَا شُرِعَ الحجابُ ليحفَظَ هذهِ العفةَ ويحافظَ عليها، شُرِعَ ليصُونَهَا مِنْ أَنْ تَخدِشَهَا أبصارُ الذينَ في قُلُوبهِمْ مَرَضٌ.

وأحكامُ الحجابِ في كتابِ الله، وَفي سنةِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم صريحةٌ في دعوتِها، واضحةٌ في دلالتها، بل إنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ مِنَ الْقَضَايَا الْكُبْرَى التِي جَاءَتْ بِهَا شَرِيعَتُنَا, وَأَكَّدَ عَلَيْهَا دِينُنَا, وَتَظَافَرَتْ عَلَيْهاَ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

قال الله تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا٥٩﴾، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ السَّكِينَةِ, وَعَلَيْهِنَّ أَكْسِيَةٌ سُودٌ يَلْبَسْنَهَا».

والجلبابُ: كلُ ساترٍ من أعلى الرأسِ إلى أسفلِ القدمِ، من مَلاءةٍ وَعباءةٍ، وكُلُّ ما تَلتَحِفُ به المرأةُ فوقَ دِرعِهَا وَخِمَارِها.

وإدناءُ الجلبابِ يعني: سدلُهُ وإرخاؤُهُ على جميعِ بدنِها، بما في ذلكَ وَجهَهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ سِتْرٌ لَهَا وَصِيَانَةٌ, وَعَفَافٌ وَحِفْظٌ لَهَا بِإِذْنِ اللهِ وَأَمَانَةٌ, وَعَلامَةٌ عَلَى الصَّلاحِ وَالدِّيَانَةِ .

إِنَّ الْحِجَابَ هُوَ اللِّبَاسُ الذِي يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ مِنَ رَأْسِهَا إِلَى أَخْمُصِ قَدَمَيْهَا, بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ فِتْنَةً فِي نَفْسِهِ, وَلا يَكُونُ لِبَدَنِهَا وَصَّافَاً وَلا يَكُونَ ضَيِّقَاً وَلا شَفَّافَاً .

يقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ﴿.. وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ ..٣١﴾، وَالْخِمَارُ هُوَ مَا تُغطي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا, وَإِذَا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِأَنْ تَضْرِبَ بِالْخِمَارِ عَلَى صدرها ونحرها كَانَتْ مَأْمُورَةً بِسَتْرِ وَجْهِهَا بِطَبِيْعَةِ الحَال، لِأَنَّ الْوَجْهَ مَوْضِعُ الْجَمَالِ وَالْفِتْنَةِ.

وَعَنْ جَابِرٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ e: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ , فَإِنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا, فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .

فأُبيحَ للخاطبِ النظرُ من أجلِ الخِطبة، وغيرُ الخاطبِ ممنوعٌ من النظر، والمقصودُ الأعظمُ من النظرِ هو الوجهُ؛ ففيهِ يتمثلُ جمالُ الصورةِ.

وعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ «يُرْخِينَ شِبْراً»، قَالَتْ: إِذَاً تَنْكَشِفُ أقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرخِينَهُ ذِرَاعاً لاَ يَزِدْن» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ قَدَمِ الْمَرْأَةِ, وإذا كانَ هذا في القدمِ فالوجهُ أكثرُ فتنةً فهذا تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى، والحكمةُ والنظرُ تأبيانِ سَترَ ما هو أقلُّ فتنةً، والترخيصُ في كشفِ ما هو أعظمُ فتنةً.

فَاللَّهُمَّ جَمِّلْ نِسَاءَنَا بِالعَفَافِ وَالحِشْمَةِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَهُنَّ بِسُوءٍ فَأَشْغَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَهُ, يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ في الْقُرْآنِ والسُنَّةِ, وَنَفَعَنَي وإِيَّاكُم بِمَا فِيهِما مِنَ الآياتِ والحِكمَةِ.

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُوْلِهِ الأمين.  أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ:

فَاتَّقُوْا اللهَ تَعَالَى، ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ٢٨١﴾.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّكُمْ مُستهدفونَ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ في الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ, الذينَ يَسْتَخْدِمُونَ جَانِبَ الْمَرْأَةِ، لِبَثِّ الرَّذِيلَةِ وَقَمْعِ الْفَضِيلَةِ, تارةً باسمِ تحريرِ المرأةِ، وتارةً باسمِ الحقوقياتِ والنسوياتِ، وذلكَ في حملاتٍ يقودُهَا مشهوراتٌ مفلساتٌ، وَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْحِجَابِ مِنَ الْمَسَائِلِ التِي شَوَّشُوا بِهَا عَلَى نِسَائِنَا, وَعَلَى بَعْضِ رِجَالِنَا, فَأَطَاعَهُمْ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَتَبِعَهُمُ الْجُهَّالُ وَالسُّفَهَاءُ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ, أَيُّهَا الأَبُ, أَيُّهَا الزَّوْجُ, أَيُّهَا الأَخُ, أَيُّهَا الغَيُورُ: اتِّقِ اللهَ وَلا يَكُنْ أَهْلُكَ لُعْبَةً فِي أَيْدِي السُّفَهَاءِ, وَلا لُقْمَةً سَائِغَةً لِلأَشْقِيَاءِ, وَانْتَبِهْ لِمَا يُرَادُ مِنْ أَهْلِكَ مِنْ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ, وَمِنْ دُعَاةِ الرَّذِيلَةِ وَمِنْ مُحَارِبِي الْفَضِيلَةِ, وَخَاصَّةً فِي وَسَائِلِ الإِعْلَامِ والتواصلِ الاجتماعي.

عِبَادَ اللهِ: هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا٥٦﴾.

فَاللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ وَالمُسلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشَّرْكَ وَالمُشرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعدَاءَ الدِّينِ، يَا رَبَّ العَالَمِين.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَارْحَمْنَا جَمِيْعًا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الغَلاَءِ وَالْوَبَاءِ، وَالرِبَا وَالزِّنَا وَالزَّلاَزِلِ وَالمِحَنِ وَسُوْءِ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، عَنْ بَلَدِنَا هَذَا خَاصَّةً وَعَنْ سَائِرِ بِلاَدِ المُسْلِمِيْنَ عَامَّةً يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَ أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءَ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَلا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ، وَبِلادَنا بِالخَيرَاتِ وَالأَمطَارِ وَالغَيثِ العَمِيمِ، يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكرَامِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الـمُسْلِمِيْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ: ﴿ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا٤١

وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا٤٢﴾.

 

المرفقات

1637447769_الحجاب.doc

1637447773_الحجاب.pdf

المشاهدات 544 | التعليقات 0