خطبة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1445هـ عن خطر الشائعات على الأفراد والمجتمعات
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ
أمَّا بعدُ أيها المسلمون اتقوا اللهَ تعالى واحفظُوا ألسنتَكُم واعلَمُوا أنَّ كَثْرةَ الكلامِ تُكْثِرُ مِن سَقَطاتِ اللِّسانِ والمُسلِمُ مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ قال ﷺ ( كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ ) وقالَ عُمَرُ رضيَ اللهُ عنهُ بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ رواه مسلم قال الامام مالك رحمه الله.
اعلَمُ أنَّهُ فَسَادٌ عظيمٌ أنْ يَتَكَلَّمَ الإنسانُ بكُلِّ ما يَسْمَعُ وَالْإِنْسانُ لَا يَخْسَرُ بِالسُّكُوتِ شَيئًا كَمَا كَانَ يَخْسَرُ حِينَ يَخُوضُ فِيمَا لَا يُحْسِنُهُ أَوْ يَتَدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَالسَّلاَمَةُ لَا يَعدِلُهَا شَيْءٌ قال الامام النووي رحمه الله فيه الزَّجْرُ عنِ التحديثِ بكُلِّ ما سَمِعَ الإنسانُ فإنهُ يَسْمَعُ في العَادَةِ الصِّدْقَ والْكَذِبَ فإذا حَدَّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ فقدْ كَذَبَ لإخبارِهِ بما لمْ يَكُنْ انتهى كلامه رحمه الله.
قال جَلَّ وَعَلَا (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ))، قال الامام الشوكانيُّ رحمه الله والْمُرَادُ مِنَ التَّبَيُّنِ التَّعَرُّفُ والتَّفَحُّصُ ومِنَ التَّثَبُّتِ الأَنَاةُ وعَدَمُ الْعَجَلَةِ وَالتَّبَصُّرُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ وَالْخَبَرِ الْوَارِدِ حَتَّى يَتَّضِحَ وَيَظْهَرَ انتهى كلامه رحمه الله.
والْمُتأمِّل في كتاب الله وسُّنة رَسُولِهِ ﷺ يعلم يقينًا خطر الشائعات وَلَا أَدَّلَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ الإفْكِ تِلْكَ الْحادِثَةُ الَّتِي كَشَفَتْ عَنْ شَنَاعَةِ الشَّائِعَاتِ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ بَيْتَ النُّبُوَّةِ الطَّاهِرَ بِالْمَدِينَةِ شَهْرًا كَامِلاً وَتَتَعَرَّضُ لِعِرْضِ رَسُولِ الله ﷺ وَعِرْضِ زَوْجِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدْيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ بَراءَتها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا مِنَ السَّمَاءِ قُرْآنًا يُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي زَمَنِ عُثْمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَشَاعَ عَنْه أَعَدَاءُ الإِسْلامِ إشاعَاتٍ تَتَّهِمُهُ بِالظُّلْمِ وَالأَثَرَةِ وَالْخُرُوجِ عَنْ هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَاحِبَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما فَحَقدَ عَلَيه مَنْ حَقدَ وَتَظَاهَرُوا عَلَيه فِي الْمَدِينَةِ وَحَاصَرُوهُ فِي دَارِهِ وقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللهِ وَلِلشَّائِعَاتِ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي الْفِتَنِ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَسُفِكَ بِسَبَبِهَا كَثِيرٌ مِنَ الدِّماءِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَزَالُ الشَّائِعَاتُ تَفْعَلُ فِعْلَهَا وَتَنْفُثُ سُمُومَهَا وَمَا ذَاكَ إلّا للتساهل في نقل الخبر والمعلومة عبر وَسَائِلِ التواصل مع تطَوُّرِ التّقْنِيَّاتِ وَكَثْرَةِ وَسَائِلِ الْاِتِّصَال الحديثة الَّتِي جَعَلَتْ الْعَالَمَ من الشرق إلى الغرب كقَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَمْ مِنْ إشاعَةٍ هَدَمَتْ أُسَرَا وَخَرَّبَتْ بُيُوتًا وَقَطَّعَتْ عَلاَقَاتٍ وَتَسَبَّبَتْ فِي طَلاَقٍ وَمُشْكِلَاتٍ نسأل الله السلامة والعافية اللهم إنا نسألك العافية اللَّهُمَّ طِهِّرْ أَلْسِنَتَنَا وَأَيْدِينَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّ رَبِي غَفُورٌ رَّحِيم .
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْد فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ نَشْرَ الْأخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَإذَاعَتِهَا مِمَّا جَاءَ فِيهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ قَالَ تَعَالَى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )) وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )) وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا (( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )) وثَبَتَ عَنْه ﷺ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُقُوبَةَ مَنْ يَكْذِبُ الْكَذْبَةَ فَتَنْتَشِرُ فِي الآفَاقِ بِأَنَّه يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) ويَقُولُ ﷺ ( مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيصْمُتْ ) وأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَال ﷺ ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ).
إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمَ الفَطِن أَنْ يَتَثَبَّتَ مِنَ الأّخْبَارِ إِذَا سَمِعَهَا وَيَتَأَكَّدَ مِنْ صِحَّتِهَا قَبْلَ نَشْرِهَا وأَنْ يَزِنَ الخَبَرَ بِمِيزَانِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ السَّلِيمِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ وَيُذِيعَهُ لَا أَنْ يُسَارِعَ فِي نَشْرِهِ وَنَقْلِهِ، وَأَنْ نُحَذِّرَ الْإعْلاَمَ الْمُغْرِضَ وَنَكُونَ وَاعينَ وَمُدْرِكِينَ لِمَا يُرَادُ لِبِلادِنَا وَأَنْ لَا نَكُونَ أبْوَاقًا تُرَدِّدُ مَا يَقُولُهُ الْمُغْرِضُونَ حِفْظِ اللَّه لبلاد الحرمين الشريفين أَمّنَهَا وأمانها وَاسْتِقْرَارِهَا وَرَخَاءَهَا وَحَفِظ لَهَا وَلَّاه أَمْرِهَا وَزَادَهُمْ عِزَةً وَقُوةً وَتَوفِيقًا وَسَدَادًا
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُم اللهُ عَلَى نَبِيّكُمْ ﷺ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) اللَّهُمّ صَلِّ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ وَآلِ بيته الطيبين الطاهرين وَارْضَ عَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلدَنَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ للِبِلَادِ والعِبَادِ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ اللهمَّ احْفَظْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ عَلَى الحُدُودِ وثبِّتْ أَقْدَامَهُمْ اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرضَى الْمُسْلِمِيْنَ وارْحمْ مَوتَانَا وَمَوتَى الْمُسْلِمِيْنَ وَخُصَّ مِنْهُم الآبَاءَ والأُمَّهَاتِ اللَّهُمَّ الْطُفْ بِحَالِ إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِيْنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلِسْطِينَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ( عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون ))
المرفقات
1703193936_خطبة الجمعة الموافق 9 من شهر جمادى الآخرة 1445هـ عن خطر الشائعات.pdf
1703193948_خطبة الجمعة الموافق 9 من شهر جمادى الآخرة 1445هـ عن خطر الشائعات.docx