خطبة الجمعة 3/5/1434 ( كيف نربي أولادنا على الصلاة )

إبراهيم بن سلطان العريفان
1434/05/03 - 2013/03/15 16:04PM
إخوة الإيمان والعقيدة ... تقول إحدى الأمهات : رزقني الله ببنت كانت هي حياتي وسعادتي .. ولما بلغت السن الرابعة أمرتها بالصلاة، فقامت وأنا أراقبها, ففرشت السجادة ولم تصلي، فجاءتني وسألتها عن الصلاة، فقالت إنها صلت. لقد كذبت علي فقمت بضربها ضربًا موجعًا.. وأنا اعلم أن الضرب ليس هل الحل فندمت عل ما فعلت. ورأيت بنات زميلتي يقمن الصلاة دون أي أمر، فأخبرتني بدعاء كانت ترددها ( رَبّ اِجْعَلْنِي مُقِيم الصَّلَاة وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) .
عباد الله ... إنّ أولادنا أمانة في أعناقنا، وكم نتمنى جميعاً أن يكون أولادنا صالحين، وأن يوفقهم الله في حياتهم الدينية والدنيوية.
تذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وأولادنا سوف نُسأل عنهم، وتذكّر دعاء عباد الرحمن ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )
أيها الآباء الكرماء .. أنتم النماذج لأولادكم، وتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له ) فليكن هدفنا أن نجعل من أولادنا أفراداً صالحين، وتذكّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الله عزّ وجل بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ) ومما لاشك فيه: أنَّ تربية الابن على الصلاة فريضة شرعية؛ لإعداد الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح الذي يطلق عليه القرآن الكريم: (الأمة الوسط)، والتي حمّلَها ربُّ العالمين مسئولية إقامة الحياة على منهاجه وشريعته، لتكون نظاماً حياتياً شاملاً.
عباد الله ... كيف نربي أولادنا على الصلاة!! قال تعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) لنعلم جميعاً مكانة الصلاة في الإسلام من قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ ) ووصية النبي صلى الله عليه وسلم عند الوفاة، وهي وصية للأمة كلها ( الصلاةَ، الصلاةَ وما ملكت أيمانكم ) لذلك يجب أن نعلم أن تعويد الطفل على الصلاة هدف حيوي في التربية الإيمانية للطفل، وتذكَّر بأن الطفولة ليست مرحلة تكليف، وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد، وصولاً إلى مرحلة التكليف عند البلوغ، فيسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض.
فأول مرحلة من مراحل تعليم الطفل الصلاة : مرحلة التشجيع على الوقوف في الصلاة، ففي بداية وعي الطفل يطلب منه الوالدان الوقوف بجوارهما في الصلاة، والطفل في هذه الرحلة يقوم بتقليد آباه أو أمه حركات الصلاة .. ولذلك فقد طالبنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأداء النوافل والمستحبات في المنزل، فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً ) وفي رواية ( اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً ).
ثم تأتي مرحلة الإعداد للصلاة قبل سن السابعة ، فيتعلم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة في أهمية التحرُّز من النجاسة، والاستنجاء وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة جسمه وملابسه. وتعليم الطفل الفاتحة وبعض قصار السور استعداداً للصلاة، وليكن التعليم عمليّاً كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون مع أبنائهم، ولا يخغى عليكم أهمية اصطحاب الطفل إلى المسجد بعد أن تعلّمه آداب المسجد، فيعتاد الطفل على إقامة هذه الشعائر، ويشعر ببداية دخوله المجتمع واندماجه فيه.
فإذا بلغ الطفل السن السابعة، ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) وينبغي أن نعلّم الطفل هذا الحديث حتى يعرف أنه قد بدأ مرحلة المواظبة على الصلاة، ولهذا ينصح بعض المربين أن يكون يوم بلوغ الطفل السابعة حدثاً متميزاً في حياته، وقد خصّص النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات متواصلة لتأصيل أمر الصلاة في نفوس الأبناء، وتكرّر طلب الصلاة من الطفل باللين والرفق والحب, وبنظرة حسابية نجد أن عدد التكرار يصل خلال هذه الفترة إلى (5310 صلاة ) أيّ: أنَّ الوالدين سيذكّرون أولادهم ويدعونهم إلى الصلاة بقدر هذا العدد الضخم في هذه الفترة مع أول حياتهم، وهذا يوضح لنا أهمية التكرار في العملية التربوية، مع ما يناسب ذلك من بشاشة الوجه وحسن اللفظ.
وفي هذه الفترة يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ونحثّه على الخشوع وحضور القلب، وقلة الحركة في الصلاة.
ومن الضروري أن نكرّر دائماً في مرحلة السابعة على مسمع الطفل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حدد مبدأ الضرب بعد العاشرة تحذيراً من الانصياع وراء الشيطان، فإذا أصر بعد ذلك على عدم المداومة على الصلاة لابد أن يعاقب بالضرب، ولكن يظل الضرب معتبراً بالشروط التي حددها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
عباد الله ... إذا نشأ الطفل في بيئة صالحة واهتم والداه بكل ما ذكرناه، وكانا قدوة له في المحافظة على الصلاة، فإنه من الصعوبة ألا يرتبط الطفل بالصلاة ويحرص عليها، خاصة مع التشجيع المعنوي والمادي.
وفي هذه المرحلة (بعد العاشرة) يجب الاهتمام بصلاتي الفجر والعشاء في هذه المرحلة، وإيقاظ الولد لأداء صلاة الفجر بالمسجد حتى يتعوَّدها، ويكون الوالد قدوة لولده في ذلك، وتعويد الولد على المداومة على كل الفرائض مهما كانت الأسباب ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) فإن فاتته صلاة ناسياً فليصلها متى تذكّرها، فإذا فاتته تكاسلاً فلنعلمه أن يسارع بالاستغفار، وأن يعمل من الحسنات ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ).
على الوالدين أن يتفقا على خطوات في تعليم الطفل للصلاة وتعاونهما معاً من أجل أن يكونا قدوة للطفل، وعلى الوالدين أن يكثرا من هذا الدعاء: ( رَبّ اِجْعَلْنِي مُقِيم الصَّلَاة وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) .
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لقد حثَّ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على استخدام الرّفق في كل شيء فقال (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ) وقال ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) على كل من يوجه الأطفال أن يجتنب كثرة الأوامر، وينبغي أن يُثاب الطفل على السلوك الطيب بجوائز معنوية أو جوائز مادية.
في حال وقوع الطفل في خطأ: فلابد أن يُنبه على خطئه برفق ولين، ويتم تصحيحه، وألا نقول له: (إنك أخطأت) ولكن نقول: (هذا الفعل خطأ) أما إذا تكرَّر الخطأ عدة مرات فيمكن حرمانه من بعض ما يحب، فإذا استمر فيمكن اللجوء إلى أسلوب الزّجر ولكن دون إهانة أو تحقير وبخاصة أمام الأقارب والأصدقاء، لأن ذلك يؤدّي إلى الشعور بالنقص
أيها الآباء المربون ... عرّفوا أولادكم بين يدي من سيقفون؟! إنهم سيقفون بين يدي العليم الخبير الذي لا يغفل ولا ينام. أعينوا أولادكم على الخشوع وعلى تقوى الله. أرشدوهم إلى الإخلاص لله، لأنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم. طهّروا أرزاقكم، ولا تطعموا أولادكم إلا من الرّزق الحلال، فإن الجسد الذي ينبت من حرام فالنار أولى به. ذكّر ولدك بنعم الله، واجعله يفكر في آياته في السماء وفي الأرض وفي النفس وفي كل ما حوله. اغرس في ولدك الأخلاق، فإنها أساس هذا الدين بعد الإيمان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق ).
إنّ الطفل منذ سن مبكرة يحتاج إلى الضبط والتوجيه من الكبار بعيداً عن القسوة والتدليل، لأنه في هذه السن يكون حريصاً على طاعة الكبار، لأن رضاه عن نفسه يتوقف على شعوره برضى الكبار عنه وحبهم له، فنجده يتقبّل القيم الخلقية دون مناقشة، إرضاءً لوالديه وأصدقائه والكبار حوله، وبذلك يتكون ضميره الخلقي، أما قرب البلوغ فإنه لا يقبل أي مبدأ إلا بعد مناقشته والاقتناع به.
( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )



أخوكم
إمام وخطيب جامع أبي عائشة
محافظة الخبر - حي الثقبة
المملكة العربية السعودية


المشاهدات 4194 | التعليقات 2

صدقت ، الأولادُ نعمةٌ من الله ، وهم امتدادٌ شرعيٌّ وكونيٌّ للإنسان ، من أحسن في حقّهم بالصبر على تنمية الأرواح بالإيمان و التربية والأخلاق ، و على الأبدان بالقيامِ والتسبّب في سَوق الأرزاق ؛ من فعل ذلك أكرمه الله و أسعده بهم في الدنيا والآخرة . . فاللهم هب لنا ذريّةً طيّبةً صالحةً مُصلحة يا رب ، ولإخواننا المؤمنين .


مشكور يا شيخ رشيد على مرورك
وحسن عباراتك