خطبة الجمعة 30 صفر 1445هـ أخذ العظة والعبرة
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
الحمدُ للهِ جَعَلَ الأرضَ قَرارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَواسِيَ وجَعلَ بَيِّنَ البَحْرَينِ حَاجِزًا أحمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَه الخلْقُ والأمرُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أَعْرَفُ الخلقِ بِربِّهِ وأتقَاهُمْ لَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثيرًا أما بعدُ فأوصِيكُم أيّها النَّاسُ ونفسِي بتقوى اللهِ عزّ وجلَّ فَإِنَّهَا وَصِيَتُهُ سُبْحَانَهُ لِلأَوْلِينَ وَالآخِرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
عِبَادَ اللهِ ومِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى العظيمةِ على عِبادِه والتي يَغْفُلُ عنها كثيرٌ من الناس نِعْمَةُ ثَباتِ الأرض كما قال سبحانه وتعالى (( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً )) وقال تعالى قال الاِمَامُ ابن كثيرٍ رحمه الله جَعَلَ اللهُ الأرضَ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً لَا تَمِيدُ وَلَا تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا وَلَا تَرْجُفُ بِهِمْ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا طَابَ عَلَيْهَا الْعَيْشُ وَالْحَيَاةُ بَلْ جَعَلَهَا مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ مِهَادًا بِسَاطًا ثَابِتَةً لَا تَتَزَلْزَلُ وَلَا تَتَحَرَّكُ واللهُ سبحانه يَبْتَلِي عِبادَه بِالزَّلازِلِ والبَراكِينِ لِيُذَكِّرَهُمْ بِنِعْمَةِ ثَبَاتِ الأرضِ وبَسْطِها وتَسْوِيَتِها وتَمْهِيدِها لاسْتِقْرارِ الخَلائِقِ على ظَهْرِها والتَّمَكُّنِ مِنْ حَرْثِها وغِراسِها والبُنيانِ عليها والانتفاعِ بما فيها مِنْ خَيْراتٍ (( أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )) وقال سبحانه (( أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ )) إلى قوله تعالى (( وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ))
عِبَادَ اللهِ ومِنْ عَلاماتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الزَّلازِلِ وشمولُها ودوامُها كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ ) رواه البخاري سَمِعْنَا وَإِيَّاكُمْ مَا يُحْزِنُ الْقَلْبَ وَتَدْمَعُ لَهُ الْعَيْنُ مِمَّا حَدَثَ مِنْ زِلْزَالٍ مُدَمِّرٍ فِي المَغْرِبِ وَكَذَلِكَ الإِعْصَارِ الَّذِي ضَرَبَ لِيبِيَا وَاَلَّذِي نَتَجَ عَنْهُ آلَافُ اَلْقَتْلَى وَالْمُصَابِينَ خِلَالَ دَقَائِقَ مَعْدُودَةٍ
ولَعلَّ من أهَمِّ الدُّرُوسِ والْعِبَرِ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ قَادِرٌ على تَصْرِيفِ الكَونِ وتَدبِيرِهِ فإنَّهُ لا رَادَّ لقضَائِهِ ولا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وأنَّهُ سُبحَانهُ إذا قضَى أمرًا فإنَّما يَقولُ لهُ كُنْ فَيكُونُ وواللهِ لوِ اجْتَمَعَ أهلُ الأرضِ مَا اسْتطَاعوا أنْ يَرُدُّوا شيئًا أو أَمْراً قَدْ قدَّرَهُ اللهُ تعَالى فقدرةُ اللهِ لا حَدَّ لَها فالكَونُ كُلُّهُ بإِنْسِهِ وجِنِّهِ وأرضِهِ وسمائِهِ وهوائِهِ ومائِهِ وبَرِّهِ وبحرِهِ وكَواكِبِهِ ونجُومِهِ وكلِّ مخلوقَاتِهِ كُلُّهَا مُسَخَّرَةٌ بأمرِهِ سُبحانَه فَيَنْبَغِيَ عَلَينَا الْبِدَارُ بِالتَّوْبَةِ وَالضَّرَاعَةُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَه وَسُؤَالُهُ العَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْإكْثَارُ مِنْ دُعَائِهِ وَذِكْرِهِ وشُكْرِهِ وَاِسْتِغْفارِهِ
حَفِظَ اللهُ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْمِحَنِ وَجَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحمدُ للَّهِ على إحسانِه والشُّكرُ لهُ على توفيقِه وامتِنانِه وأَشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظِيماً لشَأنِه وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُه الدَاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تسلِيماً كثيراً أَمَّا بَعْدُ فَاتَقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لِحُدُوثِ الزَّلَازِلِ الْمُدَمِّرَةِ وَالْأَعَاصِيرِ الْقَاصِفَةِ وَالْحُرُوبِ الطَّاحِنَةِ وَالْأَمْرَاضِ الْفَتَّاكَةِ وَالْمَجَاعَاتِ الْمُهْلِكَةِ هِيَ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي قَالَ عَزَّ وَجَلَّ (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )) فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهِ وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ وَتُوبُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي واعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَكَمْ نَنْشَغِلُ بِأَحْدَاثِ الآخَرينَ وَنَنْسَى أَنْفُسَنَا وَاللهُ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ وَقَدْ يَبْتَلِي اللهُ قَوْمًا بِالضَّرَّاءِ وَيَبْتَلِي غَيْرَهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ خَدَعَهُ الْأَمَلُ وَغَرَّهُ طُولُ الْأَجَلِ وَفِي الْقُرْآنِ تَذْكيرٌ مُسْتَمِرٌّ لَنَا بِمَنْ أَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَبِمَنْ أَصْبَحُوا لَا يُرَى إلَّا مَسَاكِنُهُمْ وَتَذْكيرٌ كَذَلِكَ بِالْقَرْيَةِ الآمِنَةِ الْمُطْمَئِنَّةِ الَّتِي يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
عِبَادَ اللَّهِ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيِّرِ خَلْقِ اللهِ مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللهِ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمُ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ قَوْلاً كَرِيما
(( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيْتِهِ الطَّيبِين الطَّاهِرِين وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ولِمَا فِيهِ خَيرٍ للِبِلَادِ والعِبَادِ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار ) عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ))
المرفقات
1694723867_خطبة الجمعة الموافق 30 من شهر صفر لعام 1445هـ.pdf
1694723879_خطبة الجمعة الموافق 30 من شهر صفر لعام 1445هـ.docx