خطبة الجمعة 26/4/1434 ( حرب الشائعات )

الحمدُ لله المُبدِئ المعيد، الغني الحميد، ذِي العفو الواسِع والعِقاب الشديد، مَن هداه فهو السعيد السديد، ومَن أضلَّه فهو الطريد البعيد، ومَن أرْشده إلى سُبل النجاة ووفَّقه فهو الرشيد، يَعْلم ما ظهرَ وما بطَن، وما خَفِي وما عَلن، وما هَجُن وما حَسُن، وهو أقربُ إلى الكلِّ مِن حبل الوريد. قسَّم الخلْق قِسمين، وجعَل لهم منزلتَيْن، فريق في الجنة وفريق في السَّعير، إنَّ ربَّك فعال لما يُريد ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) نحمده وهو أهْلُ الحمد والتحميد، ونشْكُره والشكر لدَيْه مِن أسباب المزيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له ذو العرْش المجيد، والبطْش الشديد، شهادةً تكْفُل لنا عنده أعْلى درجات أهْل التوحيد، في دار القرار والتأبيد. ونشْهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه البشير النذير، أشْرَف من أظلَّت السَّماء، وأقلَّت البِيدُ، صلَّى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا وعلى آله وأصحابه أُولي العوْن على الطاعة والتأييد، صلاةً دائمةً في كلِّ حين تنمو وتَزيد، ولا تنفد ما دامتِ الدنيا والآخِرة ولا تَبيد.
إخوة اٌيمان والعقيدة ... ما أحوجنا اليوم إلى توجيهات ربانية، في خضم الهجمة الشرسة التي يمارسها أعداؤنا علينا اليوم من اليهود والنصارى والمشركين، ومن أذنابهم المنافقين المندسين فيما بيننا.
قال الله سبحانه وتعالى في توجيه من تلك التوجيهات ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ففي هذه الآية إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها، ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة.
كان المنافقون في المجتمع المدني إذا وقع خبر الأمن للمسلمين وحصول القوة والاستعداد والسلاح لهم، أذاعوه ونقلوه، ليأخذ الكفار الحيطة والتحصن من المسلمين، وإن وقع شيء من الضعف في المسلمين بالغوا في تصويره ليطمئن العدو ويغير على أهل الإسلام.
عباد الله ... حرب الشائعات التي كانت وما زالت تمارس من قبل الأعداء في الداخل والخارج، فنزل قول الله ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ ) نشروه وأفشوه قبل أن يتأكدوا منه وقد لا يكون صحيحاً، وحتى لو كان صحيحاً فربما لا يكون من المصلحة نشره، ولذلك قال ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) لو ردوا الإشاعة إلى أولي العلم لعلم هؤلاء كيف يستنبطون الخبر ويقتصون الأثر، ويكشفون صحة هذه الحادثة أو الإشاعة، ثم هؤلاء أهل العلم أعلم، هل ينشر أو لا ينشر، فالذي ينبغي أن يحدث أن يردوه إليهم أولاً ليتحققوا من صحته؛ لأنهم أخبر وأبصر، وثانياً ليقرروا هل من المصلحة نشره أم لا؛ لأن الشائعات تفت في عسكر المسلمين.
وهكذا كانت الحرب النفسية في القديم والحديث سبباً عظيماً من أسباب انهزام الطرف الآخر، فنهى الله المؤمنين عن التحدث بكل ما يسمعون وعن إذاعة الأخبار ونشرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن قيل وقال ) لأن الذي يكثر النقل عن الناس قيل وقال سيقع في الكذب؛ لأنه سينقل أشياء بغير تثبت، ولا تدبر، ولا تبين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بئس مطية الرجل زعموا ) فهو دائماً يقول: زعموا، قالوا، قيل، وهكذا، ليس عنده مصدر ثابت صحيح للخبر. فويل له من الوعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين ).
وللأسف .. هناك أناس يستمتعون بنقل الإشاعات، ويفعلون ذلك مراراً، هذا همهم، وإذا فشت كذبتهم فهذا دليل نجاحهم يتلذذون بذلك ويفرحون بما يفعلون (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ).
فعبر صفحات الإنترنت، وشبكات التواصل تجد في كل دقيقة إشاعة وتنتشر بسرعة البرق، قد استغل هذه التقنية ضعاف النفوس والمفسدون الذين يريدون زعزعة الأمن، وإثارة البلبلة، وصدق القائل عليه الصلاة والسلام ( يكون في آخر أمتي أناسٌ دجَّالون كذابون، يحدِّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتِنونكم )
حري بمن يخاف الله - من أصحاب المواقع والصفحات في شبكات المعلومات وزوَّارها, وبأصحاب القنوات والإذاعات في ندواتها وبرامجها ومشاهديها, وبأصحاب الهواتف في رسائلها ومهاتفاتِها, ورجالِ الصحافة في كتّابها ومحلّليها، حريّ بالجميع أن يتذكروا ما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل في عذاب القبر يشرشر شدقه ومنخره وعينه من الجهة اليمنى إلى الخلف ثم في اليسرى قال ( الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق ).
فنسأل الله أن يجعلنا ممن يتحرى الصدق فنكتب من الصادقين .
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... ما هو موقفنا من هذه الإشاعات والأخبار .. وربما نأتي على أيام عصيبة ولا ندري، وتكون حوادث كبيرة وضخمة، لا بد أن نتربى على منهج القرآن، كيف يتقصى الخبر.
محاربة الشائعات والقضاء عليها يجعل المجتمع يعيش متماسكًا قويًا لا يضعف ولا يهتز، ويتحقق ذلك بتربية النفوس على الخوف من الله ومراقبته، والتثبت في الأمور، فالمسلم لا ينبغي أن يكون أذنًا لكل ناعق، بل عليه التحقق والتبيّن، وبذلك يُسدّ الطريق أمام الأدعياء، الذين يعملون في الخفاء، ويلوكون بألسنتهم كل قول وزور، ضد كل مصلح ومحتسب وغيور.
جاءت آيات في قضية التثبت، التوثق، وعدم الإذاعة ونشر الإشاعات؛ لأن الله يعلم عز وجل كم يحصل بسببها من المفاسد، يتهم بريء، يخاض في عرض امرأة، في عرض رجل بريء، تحصل بسببها شرور كثيرة، انهزام جيش بأكمله خراب بيت من بيوت المسلمين، هم، غم، فت في العضد، وهن، شرور كثيرة، قال الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) قال الحسن البصري: المؤمن وقاف حتى يتبين.
عباد الله ... لا بد من قوة الموقف، وحزم في قطع الشائعة، وعدم مجاملة للمتساهلين ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل التثبت واليقين، ومن أهل التقوى والدين، إنه سميع مجيب، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا أو أراد أهل الإسلام في سائر الأرض بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم عطل سلاحه، ودمر جيشه، وأغرق بوارجه، اللهم اجعله مثلاً للآخرين، وعبرة يا رب العالمين، اللهم أرنا في الكفار عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وأنزل بهم نقمتك وسخطك يا جبار، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.



أخوكم
إمام وخطيب جامع أبي عائشة
محافظة الخبر - حي الثقبة
المملكة العربية السعودية


المشاهدات 3209 | التعليقات 0