خطبة الجمعة 21 محرم 1444في الحث على حسن المعاملة مع غير المسلمين

الشيخ فهد بن حمد الحوشان
1444/01/21 - 2022/08/19 00:16AM

الحَمدُ للهِ نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيرًا
أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ زَادٍ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ يَعِيشُ بَيْنَنَا غَيرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَنْ قَدِمُوا لِبِلَادِنَا بِعُقُودٍ وَعُهُودٍ وَأُعْطُوا الْأَمَانَ لِلْعَيْشِ بَيْنَنَا وَمِنْ كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِهِ بَيَّنَ لَنَا كَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَ هَؤُلَاءِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا مِنْ أَجْلِ الْوَفَاءِ بِعُهُودِهِمْ وَعُقُودِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ عَدَمُ ظُلْمِهِمْ بِأَيِّ شْكَلٍ مِنَ الْأَشْكَالِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ
فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ بَلْ وَلَا يَجُوزُ تَرْوِيعُهُمْ وَإِخَافَتُهُمْ وَيُعَامَلُونَ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا ‌يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ))
ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ عَبْدَاللهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرِصُ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ ثِمَارَهُمْ وَزَرْعَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ لِيَرْفِقَ بِهِمْ فَقَالَ وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيَّ وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ أَعْدَادِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَمَا يَحْمِلُنِي حُبِّي إِيَّاهُ وَبُغْضِي لَكُمْ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ فِيكُمْ
فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ
فَهَؤُلَاءِ وَإِنْ كُنَّا نَكْرَهُهُمْ وَنَكْرَهُ دِينَهُمْ إِلَّا أَنَّ دِينَنَا يُوجِبُ عَلَيْنَا الْقِيَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْوَهُمْ وَمَنْ أَدْخَلَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ الْمُسْلِمُ بِعَقْدِ أَمَانٍ وَعَهْدٍ فَإِنَّ نَفْسَهُ وَمَالَهُ مَعْصُومٌ لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ ( مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَامًا )
الْمُعَاهَدُ هُوَ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتهِمْ أَدْنَاهُمْ ) وَيَسْعَى بِذِمَّتهِمْ أَدْنَاهُمْ
أَيْ : إِذَا أَعْطَى أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدًا وَذِمَّةً لِغَيْرِ مُسْلِمٍ وَجَبَ عَلَى بَاقِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوفُوا لَهُ عَهْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا أَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا رَجُلًا مُشْرِكًا عَامَ الْفَتْحِ وَأَرَادَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ذَهَبَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ ﷺ ( قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ )
وَمِمَّا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ بَيْنَنَا أَنْ نُحْسِنَ إِلَيْهِمْ وَنُطْعِمَ جَائِعَهُمْ وَنَتَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرِهِمْ وَنَصِلَ مَنْ قَطَعَ مِنْهُمْ وَمَا أَجْمَلَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةِ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ وَإِظْهَارِ مَحَاسِنِ الدِّينِ لَهُمْ وَهَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ شَرْعًا يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ بِنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ الصَّدَقَةُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ إِذَا كَانُوا لَيْسَ حَرْبًا لَنَا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِتَفُوزُوا بِمَا وَعَدَكُمْ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعَهُ وَإِخْوَانَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أَمَّا بَعْدُ فَاتَقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَكَمَا يَجِبُ لِلْمُسْتَأْمَنِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ بَيْنَنَا عَدَمُ ظُلْمِهِمْ وَعَدَمُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نَحْوَ مُجْتَمَعِنَا مُرَاعَاةُ شُعُورِنَا كَمُسْلِمِينَ وَاحْتِرَامُ شَعَائِرِنَا وَالتَّقَيُّدُ بِأَنْظِمَةِ دَوْلَتِنَا الَّتِي يَسْتَظِلُّونَ فِي حِمَايَتِهَا وَرِعَايَتِهَا فَلَا نَسْمَحْ لَهُمْ أَنْ يُرَوِّجُوا عَقَائِدَهُمُ الْبَاطِلَةَ وَلَا عَادَاتِهِمُ الْفَاسِدَةَ وَلَا أَفْكَارَهُمُ الضَّالَّةَ وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا مَكَانَ لَهُ أَنْ يَعِيشَ بَيْنَنَا بَلْ يُبَلَّغُ عَنْهُ الْجِهَاتُ الْمُخْتَصَّةُ لِتَرْحِيلِهِ وَإِبْعَادِهِ عَنْ بِلَادِنَا
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ قَولاً كَرِيمًا (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ( مَنْ صَلَى عَلَيّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيْتِهِ الطَّيبِين الطَّاهِرِين وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ لِلبِلَادِ والعِبَادِ وَلِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَأَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِ أَعْدَائِنَا وَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ شُرُورِهِم (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (( عِبَادَ اللهِ فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

 

المرفقات

1660857354_خطبة الجمعة الموافق 21 من شهر الله المحرم لعام 1444هـ.pdf

1660857384_خطبة الجمعة الموافق 21 من شهر الله المحرم لعام 1444هـ.docx

المشاهدات 1017 | التعليقات 0