خطبة الجمعة 19 رجب 1444هـ
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ))
أَيُّهَا الإخوة مِنْ أَعْظَمِ نِّعَمِ اللهِ نِعْمَةُ الأَرْضِ الَّتِي وَضَعَهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ للأَنَامِ جَعَلَهَا ذَلُولاً نَعِيشُ عَلَى ظَهْرِهَا وَنَسِيرُ فِي فِجَاجِهَا قَدْ أَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ وَبَسَطَهَا ذُو الْجَلاَلِ، وَجَعَلَهَا مِنْ أَعْظَمِ الآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ خَلْقِهِ، وَعَظَمَةِ صُنْعَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْقَائِلُ (( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ))
جَعَلَهَا قَرَارًا لِلْعِبَادِ صَالِحَةً لِلإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَلاَ (( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا )) فَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ آيَةٍ دَالَّةٍ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
تَأَمَّلُوا أيها الإخوة عِنْدَمَا تَتَحَرَّكُ الأَرْضُ الثَّابِتَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ وَتَهْتَزُّ مِنْ تَحْتِ النَّاسِ يَحْدُثُ لَهُمُ الْهَلَعُ وَالْخَوْفُ وَالذُّعْرُ بَلْ إِنَّ اهْتِزَازَها إِذَا اشْتَدَّ وَعَظُمَ أَهْلَكَ مَنْ يَمْشِي عَلَيْهَا وَمَا سَمِعْنَاهُ قَبْلَ أَيَّامٍ مِنْ زَلاَزِلَ مُدَمِّرَةٍ فِي سُورِيّا وَتُرْكِيَا لَهُوَ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلاَ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وفي ذلك تَخْوِيفُ الْعِبَادِ وَتَذْكِيرُهُمْ كَيْ يُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ وَيَتُوبُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَيَجْتَنِبُوا مَا يُغْضِبُ خَالِقَهُمْ وَلاَ يَغِيبُ عَنْ بَالِنَا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ))
قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ وَالزَّلاَزِلُ مِنَ الآيَاتِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُخَوِّفُهُمْ بِالْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ
تَذْكِيرَ الْعِبَادِ بِالزَّلْزَلَةِ الْكُبْرَى الَّتِي قَالَ اللهُ عَنْهَا (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )) فَلَقَدْ شَاهَدَ الْكَثِيرُونَ هَلَعَ النَّاسِ فِي زِلْزَالِ الدُّنْيَا وَدَمَارِ دُورِهِمْ وَسُقُوطِهَا عَلَى أُسَرِهِمْ فَحَرِيٌّ بِنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَذَكَّرَ وَنَعْتَبِرَ بِمَا سَيَحْدُثُ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ
ومِنْ عَلاماتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى كَثْرَةُ الزَّلازِلِ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ ) رواه البخاري باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتباعه وإخوانه وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أَمَّا بَعْدُ فاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ الْحِكَمِ وَالدُّرُوسِ بَذْلُ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ الْفِتَنِ عُمُومًا بِطَاعَةِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وَتَصْحِيحِ الْحَالِ وَالإِكْثَارِ مِنَ الصَّدَقَة ومن ذلك مساعدةُ المحتاجينَ وإغاثةُ الملهوفينَ ومَدُّ يَدِ العونِ للمنكوبين قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ( مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم وتَراحمِهم وتعاطفِهم، مَثَلُ الجسدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهرِ والحُمَّى ) وقد قامتْ حكومتُنا الرّشيدةُ أيَّدها الله بالمساهمةِ في نَجدةِ مَن نَزَلتْ بهم الزّلازل وتَنظيمِ حملةٍ شَعبيّةٍ لمساعدتِهم عَبْرَ مِنَصّةِ ساهم لتمكينِ المواطنينَ والمقيمينَ من التّبرّعِ لإخوانِهم وتَخفيفِ مُعاناتِهم فبادروا رحمَكم اللهُ بالصّدقةِ عليهم وواسوهم وأحسنوا إليهم فإنّ اللهَ يُحبُّ المحسنين اللهمّ الْطُفْ بإخوانِنا الذينَ وَقَعَتْ عليهم الزّلازل وأَلهمْهم الصّبرَ والاحتساب وارْبطْ على قلوبِهم بالإيمان اللهمّ ارحمْ ضعفَهم واشفِ مرضاهم وارفعْ عنهم البلاء وتَقَبَّلْ موتاهم في الشّهداء واحفظْنا في بلادِنا وبلدانِ المسلمين اللهمّ احفظْنا من بينِ أيدينا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وشمائلِنا ومن فوقِنا ونَعوذُ بعظمتِك أنْ نُغتالَ من تحتِنا يا حيُّ يا قيّومُ برحمتِك نَستغيثُ أَصلحْ لنا شأنَنا كلَّه ولا تَكِلْنا لأنفسِنا طرفةِ عين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين هذا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا رحمكم اللهُ عَلَى نَبِيِّكُم محمد ﷺ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وَقَالَ ﷺ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَعَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ تبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمّ أعزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وأذلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ وانْصُرْ عِبَادِكَ الْمُوحِّدِينَ اللَّهُمّ آمِنَّا فِي أَوطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَتَنَا وَوُلاَةَ أَمْرِنَا اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ وَلَمَّا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ
اللهمَّ انصر جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ عَلَى الحُدُودِ وثبِّتْ أَقْدَامَهُمْ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
عِبَادَ اللَّهِ اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكمْ (( وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ))
المرفقات
1676010702_خطبة الجمعة الموافق 19 رجب 1444هـ.pdf
1676010722_خطبة الجمعة الموافق 19 رجب 1444هـ.docx