خطبة الجمعة : من حقوق الطفل في الإسلام

عبدالله المؤدب البدروشي
1431/01/22 - 2010/01/08 21:38PM
خطبة الجمعة: من حقوق الطفل في الإسلام.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير...شنني قابس
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي جعل للطفولة من شرعه ميثاقا..وهيأ لها قلوبا غمرها مودة و رأفة و وفاقا.. أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له..أبدع الكون بقدرته..و شمل العباد برحمته..و سوى خلقهم بحكمته.. و أشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده ورسوله..كان خير الناس لأهله..وأجمع العباد لشمله.. اللهم بلغه صلاتنا وسلامنا عليه و على آله وصحابته.. واجزه عنا خير ما جازيت نبيا عن أمته.. واجعلنا اللهم من رواد حوضه و أهل شفاعته...
أما بعد.. إخوة الإيمان و العقيدة..
إن الله الذي خلق فسوى..و الذي قدر فهدى..بث في قلوب خلقه المودة و الرحمة .. نحو ما يلدون و ما ينجبون.. وجعل دينه القيم شرائع وأحكاما وهب من خلالها للطفولة حقوقا..لم يعرفها الإنسان من قبل.. ولن يصل درجتها من بعد.. فشريعة الخالق..تأتي كجلاله و كماله في العظمة و الكمال.. لأنه العالم بخلقه .. الخبير بما يحتاجون..و بما ينتفعون.. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ..وهو الذي بيده ملكوت كل شي..و هو المتصرف.. وهو المانح و الواهب ..يقول جل جلاله.. لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ.. يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا.. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ .. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا.. وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا.. إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير.. من أجل ذلك..اعتنى الإسلام بالطفل..من قبل وجود الطفل..فهيأ له أسرة طيبة..تتكون من والد تقي..و والدة صالحة.. فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الزوجة و أهلها بقوله.. إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ.. فَزَوِّجُوهُ ..رواه الإمام الترمذي في السنن..وحث الزوج بقوله صلى الله عليه وسلم..كما جاء في الصحيحين. فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك ..وحث كذلك جميع المسلمين و المسلمات فقال صلى الله عليه وسلم.. اخْتَارُوا لِنُطَفِكُمُ الْمَوَاضِعَ الصَّالِحَةَ..رواه الدراقطني في السنن.. كل ذلك من أجل تنشئة الطفل بين أبوين كريمين يطبقان شرع الله.. ويرسمان الطريق السوية لحياة الأبناء.. فأول حق للطفل..أن يوفق الله أبويه لحسن اختيار أحدهما للآخر.. فإذا تم الإختيار ..توجه الأبوان الصالحان بالدعاء..في خشوع و إنابة..إلي ولي الصالحين.. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا فإذا تكـوّن الطفل في الرحم..أعد الله له فائق الرعاية و العناية.. وحرّم الإعتداء عليه .. يقول الله جل جلاله.. ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ، نحن نرزقهم وإياكم .. وأجاز لأمه أن تفطر في رمضان.. رحمة بها ..وتمكينا له من أحسن ظروف النمو و تمام الخلق.. فإذا حل الطفل بأرض الحياة.. جعله الله بهجة و زينة في قلوب من حوله..يقول الله تبارك و تعالى.. الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..و أحسن استقباله..فكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم..أن يؤذن بالصلاة في أذن المولود.. .روى الترمذي في السنن .. عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة.. وفي ذلك حكم متعددة منها..أن تنغرس كلمة الله أكبر في أعماقه..فينشأ عليها..و ترسخ فيه شهادة أن لا إله إلا الله..فتكون مفتاح دخوله إلى الدنيا.. وخاتمة خروجه منها.. فيعيش موحدا.. معظما لله.. ذاكرا له أناء الليل و أطراف النهار..
و من هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم تحنيك المولود..وهي سنة باقية في مجتمعنا إلى يومنا هذا.. جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه..أنه حمل أخا له من أمه أم سليم رضي الله عنها.. وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فَأَخَذَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَمَعَهُ شَىْءٌ ». قَال نَعَمْ تَمَرَاتٌ. فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِى فِى الصَّبِىِّ ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ.. وهو الصحابي الكبير عبدالله بن أبي طلحة رضي الله عنه..و التحنيك هو أخذ تمرة و تليينها داخل الفم ثم وضعها في فم المولود و تحريكها يمينا و شمالا مرورا بين الفكين وعلى مواضع خروج الأسنان..وصولا إلى أعلى الحلق..
ومن حق الطفل في الإسلام.. أن يرضع من حليب أمه..لقول الله جل و علا.. وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ..لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ..وقد ثبتت قيمة هذه الرضاعة و أثرها على الطفل صحيا و نفسيا..وبذلك استحقت الأم.. أولوية حسن المصاحبة ..كما جاء في الحديث النبوي.. الوارد في الصحيحين أن رَجُلا جاء إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ.. فحق لها هذا التكريم النبوي ..فهي التي حملت.. وهي التي ولدت.. وهي التي أرضعت.. و من حقوق الطفل في الإسلام.. العقيقة..و هي ذبح شاة للمولود.. للذكر والأنثى سواء.. فإن ذبحت للذكر شاتان .. فلا بأس..لأن النصوص النبوية واردة بالأمرين.. ويكون وقت الذبح نهارا.. بعد سبعة أيام من مولده ..إن ولد قبل الفجر حـُسب يوم الولادة في السبعة أيام وإن ولد بعد الفجر بدئ بالعد من اليوم الموالي.. وفي مندوباتها ثلاث حقوق تضاف لحقوق الطفل في الإسلام..وهي حلق رأس الطفل..ذكر كان أو أنثى.و التصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة.. وتسميته بإسم حسن..و خير الأسماء ما عبد و حمد..يقول رسول الله صلى الله عليه وسلمإِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ..رواه الإمام أحمد..
و من حقوق الطفل أيضا.. الختان..و يكره ختانه يوم مولده و في يوم سابعه مخالفة لليهود.. و يختن بعد ذلك في أي وقت ..
و من حقوق الطفل في ديننا الحنيف.. ملاعبته وملاطفته .. أورد الإمام البخاري في صحيحه قبـّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم.. ولذلك قال العرب.. لاعب إبنك سبعا ، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً..
تلك هي بعض حقوق الأطفال في دين الإسلام.. وهم أمانة..نتحمل جميعا مسؤولية رعايتهم و حسن تربيتهم..و البلوغ بهم إلى سن رشدهم..ليكونوا خير خلف لخير سلف..
اللهم اهد أبناءنا لخير دنياهم و أخراهم..و حقق رجاءنا في استقامتهم و تقواهم.. واكتبنا و إياهم من عبادك الصالحين..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله.. نحمده ونستغفره و نرجو رضاه.. و نشهد أن لا إله إلا الله..جعل السادة في خشيته و تقواه..و نشهد أن سيدنا و حبيبنا محمدا رسول الله.. وحبيبه من خلقه و رضيه و مصطفاه..صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من والاه..
أما بعد ... أيها المؤمنون و المؤمنات عباد الله..
من أهم حقوق الطفل..في إسلامنا العظيم..حقه في التربية.. وأساس التربية.. أن نرعى فيه من أيامه الأولى.. بذرة لا إله إلا الله ..محمد رسول الله ..صلى الله عليه وسلم .. التي جعلها الله تبارك و تعالى في فطرة كل مولود..جاء في الصحيحين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة.. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. فكل مولود يأتي إلى دنيا الناس مسلما موحدا.. يأتي محبا لله و لرسوله.. و على الأبوين رعاية تلك الفطرة..يقول الله جل و علا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.. لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.. ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ..وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .. فانسجام الأبوين داخل الأسرة..و تعاملهما بما أمر الله و رسوله..في كل شأن من شؤون الحياة..هي الطريق التي يسلكها الطفل خلف أبويه..و هذا حقه على والديه..فمن حقه أن يجد المودة و الرحمة..قائمتين في البيت..و من حقه أيضا أن يجد توجيهه نحو الخير و الصلاح.. و من حقه كذلك أن يرى حمايته من كل شر وافد...أن يكون في حصن الخلق الرفيع..لأننا نعيش في زمن..كثرت فيه وسائل الإعلام الفاسدة..و المفسدة.. المخربة للأخلاق..بشاشاتها الواردة من كل حدب وصوب..فماذا نفعل..لنحمي أبناءنا من هولها..إن الملاذ..هو التمسك بهذا الدين.. هو إشباع الأبناء من الغذاء الروحي.. هو أن نحصنهم بدقة تعاملنا بشرع الله أمامهم..بأن يعيشوا الألفة و المحبة الأسرية..حتى نقيهم الشرور المحيطة.. وهذا حقهم علينا.. ومن حقهم علينا أيضا..أن ندعو لهم..أن نبتهل إلى الله في كل حين ..أن يهديهم سبيله القويم..أن يجمعنا و إياهم على البر والتقوى.. أن يعيدوا مجدنا ..أن يبنوا عزة الإسلام و المسلمين ..وكل ذلك على الله يسير.. فلنستقم على شرع الله..ولنكن جميعا على صراط الله.. و لنحمي أسرنا في حصن الله.. نضمن بهجة الحياة الدنيا..و الفوز و الفلاح في حياتنا الأخرى.. يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا.. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا
اللهم اجمع على الخير شملنا.. اللهم اجمع على الخير شملنا.. و قو أواصر الألفة والتراحم بيننا.. واجعلنا من عبادك الطائعين..وارزقنا التوجه إليك و حسن اليقين ..و اهدنا للعمل بكتابك المبين..ووفقنا لاتباع سنة سيد المرسلين.. واجعله شفيعنا وقائدنا يوم الدين..اللهم بفضلك ارحمنا..وبحفظك أكرمنا.. اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين.. اللهم اسقنا من بركات السماء..و أخرج لنا من بركات الأرض.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدارا..
اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء..اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين..برحمتك يا ارحم الراحمين..يا خالق الخلق أجمعين.. يا حبيب التوابين..يا رجاء المذنبين..يا غياث المستغيثين..يا أكرم الأكرمين.. يا مجيب السائلين.. نسألك اللهم عزة و رفعة للإسلام و المسلمين..و ذلا وخذلانا لأعداء هذا الدين..و نصرا مؤزرا لإخواننا في العراق و في فلسطين..
اللهم أمنا في دورنا ..ووفق إلى الخير والصلاح ولاة أمورنا..واجعل اللهم بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

المشاهدات 9663 | التعليقات 0