خطبة الجمعة: مشكل حوادث السير وكيف عالجه الإسلام

زراك زراك
1433/04/03 - 2012/02/25 19:41PM
مشكل حوادث السير وكيف عالجه الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
الجمعة 24 فبراير 2012 الموافق لـ 01. ربيع الثاني 1433
المغرب المسجد الكبير بأولاد برحيل محمد زراك
الحمد لله الذي أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وجعلهم ليتعارفوا الشعوب والأجناس، وحرم عليهم الخمر لأنها أمُّ الخبائث والأنجاس، وأشهد أن لا إله إلا الله شرع في الإسلام حلا لكل مشكل وكشفا لكل إلباس، يريد للمؤمن أن يستعمل الطريق في يقظة واحتراس، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كان ملء قلبه اليقظة والحماس، والتقوى لمعاملاته أساس، ولسان حاله يقول لكل خبيث: لا مساس، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم في العلم والمعرفة نبراس، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دام النوم سباتا والليل لباس. ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛
موضوع خطبة اليوم مشكل حوادث السير وكيف عالجه الإسلام وكنت قدمت لكم هذا الموضوع من فوق هذا المنبر، ولكن المشكل يتكرر فيجب أن يتكرر إليه التنبيه، فلا يكاد يوم يمر إلا ويسجل في بلادنا حوادث خطيرة، ولا شك أن الطرق ووسائل المواصلات نعمة من نعم الله تعالى، أنعم بها على أهل هذا العصر بالخصوص، فبها تنشط حركة السير والتجارة، وبها ينتقل الناس من مكان إلى آخر بيسر وسهولة، وبها يهتدي الإنسان في حله وترحاله، قال تعالى: الذي جعل لكم الأرض مهادا وسلك لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون، وقال سبحانه في معرض تذكير الناس بنعم المواصلات: وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، ويخلق ما لا تعلمون.
أيها الاخوة المؤمنون إذا كانت الطرق نعمة، فإنها قد تتحول بسوء التصرف إلى نقمة، وإذا كانت وسائل المواصلات تكريما من الله الولي الحميد، فإنها قد تتحول بالتهور إلى عقاب شديد، والواقع في هذا أوثق شهيد، فكم من واحد قتل بها من جراء سوء استعمالها، وكم من أطفال أفقدتهم حوادث السير آباءهم، فكانوا ضحية اليتم والتشرد في معاناة الحياة ومأساتها، وكم من نساء لازلن في مقتبل العمر أرملتها، وكم من رجال أقوياء أضعفتهم بالشلل وقطع الأطراف، وكم من أناس أفقدتهم الوعي فكان مصيرهم مستشفى المجانين، والاحصائيات في بلادنا تكشف لنا عن ارتفاع مخيف لما يسمى بحرب الطرق القاتلة، فاحتاج هذا الأمر لعلاج سريع، ودواء ناجع.
وإن من عظمة الإسلام أن يحتوي في أحكامه وشرائعه، على الحلول لمشاكل العالم اليوم، فالإسلام لم يترك شاذة ولا فاذة إلا وبين الحكم فيها، فلا تكاد مشكلة تطفو على الساحة العالمية اليوم، إلا وكان الإسلام الحلَّ الأمثل لها فكان من حق المسلم أن يتساءل: كيف عالج الإسلام مشكل حوادث السير؟
أيها الاخوة المؤمنون إن أي مشكل لا يمكن معالجته إلا بمعالجة أسبابه، والإسلام عالج حوادث السير بمعالجة أسبابها، لقد أخذ فيها بمبدأ (الوقاية خير من العلاج) ومبدأ (سد الذرائع). وأسباب حوادث السير هي ما يلي: الخمر والمخدرات، تبرج النساء في الشوارع والطرقات، فساد الطرق وعدم صلاحيتها، الاشتغال أثناء السياقة بأمور لا علاقة لها بالسياقة كالاتصال بالهاتف، السرعة المفرطة، عدم احترام قوانين السير. وهذه الأسباب عالجها الإسلام مند أربعة عشر قرنا، وإليكم علاج كل مشكل من هذه المشاكل:
فمن أسباب حوادث السير: الخمر والمخدرات، فكم جنت الخمر والمخدرات على الناس في حوادث السير، وحكم الإسلام في الخمر والمخدرات، معروف لدى الصغير والكبير، وضررهما بالفرد والمجتمع واضح وضوح الشمس في كبد السماء، وإذا كانت قوانين السير تمنع السكر أثناء السياقة، فإن الإسلام يحرمه على المسلم طيلة حياته، لا فرق بين السائق وغيره، وإذا أردنا أن نوقف حوادث السير فعلا فيجب أن نوقف تجارة الخمر في مجتمعنا، وأن نغلق الذين يبيعون الخمر علنا بين المسلمين، يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ
ومن أسباب حوادث السير تبرجُ النساء وإبداءُ مفاتنِهن في الشوارع، حيث يلهو بهن الذئاب الجائعة من السائقين، وما أكثرهم! فتكتظ الطرق بطلاب الفسق والمجون، بحثا عن المتبرجات بالسيارات، فيقفون دون إشعار، وينطلقون دون شعور، لأن فتنة المتبرجة أفقدتهم التركيز والصواب، فتقع الحوادث بسبب ذلك، فيَقتُلون أو يُقتَلون. وهنا يتحمل السائق مسئولية غض البصر وقد قال الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. ومن العجيب أن سبب نزول هذه الآية الكريمة هو حوادث السير فقد أورد السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن علي بن أبي طالب قال: مر رجل على عهد رسول الله في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان: أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به، فبينا الرجل يمشي إلى جنب حائط ينظر إليها، إذا به يضرب بوجهه الحائط فشق أنفه فقال: والله لا أغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه أمري، فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي: «هذا عقوبة ذنبك» وأنزل الله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم…
أما تلك المتبرجة فتتحمل مسؤولية الحجاب، لأن والإسلام حرم التبرج من أساسه، واعتبره ذريعة للزنا يجب سدها، فقال تعالى: ولا تقربوا الزنا، وقال تعالى في خطاب موجه للنساء: ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الأولى.
ومن أسباب حوادث السير السرعة المفرطة، أو السرعة الجنونية، وقد مرض بها بعض الناس، فتراهم يسرعون بسياراتهم أو دراجاتهم داخل المدينة، تلك السرعة القاتلة، إما تخيلا وتكبرا، وإما جهلا وتهورا، غير مبالين بمدارس الأطفال، ولا بأبواب الأسواق، ولا بممر المشاة، وكم من واحد منهم يُسرِع حتى يُصرَع، ناسين أو متناسين، أن السرعة ليست من أخلاق المؤمن، وقد نهى عنها الإسلام، فاستمعوا معي للقرآن الكريم، وللحديث النبوي الشريف، لنرى كيف عالج الإسلام مشكل الإفراط في السرعة، فقد جعل القرآن الكريم التؤدة من صفات عباد الرحمن، فقال سبحانه: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وقد مدح الرسول رجلا من الصحابة بالتؤدة والأناة وقال: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة» رواه الإمام مسلم. وقال : «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن»، وقديما قيل: من تأنى وصل إلى ما تمنى.
ومن أسباب حوادث السير اشتغال السائق بعمل آخر وهو يقود سيارته، كالأكل والشرب أو الاستماع للموسيقى الصاخبة، أو المناقشة مع الغير في الحديث، أو الاتصال مع الغير عبر الهاتف النقال، والقرآن الكريم يبين لنا، أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بمهمتين في آن واحد، فقال سبحانه: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه… صدق الله العظيم، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون!
ومن أسباب حوادث السير: فساد الطريق، وعدم صلاحيته للسير، والإسلام عالج هذا السبب حين أمرنا بإصلاح الطرق، وإزالة الأذى عنها، روى الإمام أحمد، أن النبي  قال: «من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم، كتب الله بها حسنة، ومن كتب له حسنة، أوجب له الجنة» وروى البخاري ومسلم، أن النبي  قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» وفي رواية «إماطة الأذى عن الطريق صدقة». وإزالة الأذى عن الطريق يصدق على إحداثها، وتوسعتها، وتعبيدها، ووضع إشارات المرور الدالة على المنعطفات وأماكن الوقوف واتجاهات السير فيها، وتعبيد الطرق إلى القرى لفك العزلة عنها.
وإزالة الأذى عن الطريق أمر واجب؛ سواء كان هذا الأذى شوكا، أو حجرا، أو شجرا، أو حتى جبلا أو نهرا، إن كان في استطاعتنا أن نمهد فيهما للطرق بالقناطير، وقد قال عمر بن الخطاب وهو يستشعر ثقل المسؤولية في إصلاح طرق المسلمين، يوم كان خليفة المسلمين: «لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله: لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر».
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله…
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء..
اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس ، اللهم انصر به وعلى يديه، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم احفظه في ولي عهده وفي كافة أسرته الشريفة يارب العالمين.
اللَّهُمَّ يا فَارِجَ الْهَمِّ ،ويا كَاشِفَ الْغَمِّ ، ويا مُجِيبَ دَعْوَات المُضطَرِّينَ ، رَحْمانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، أَنْتَ تَرْحَمُنا فَارْحَمْنِا بِرَحْمَةٍ تُغْنِينا بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ
اللهم انا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل ، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إن كان رزقنا في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيرا فبارك لنا فيه، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم إنا نسألك باسمك المبارك الأحب إليك، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، أن تغفر لنا وترحمنا، وان تحفظ أسرنا وأحبتنا، وان تبارك له في أرزاقنا وأعمالنا وذرياتنا، وديننا ودنيانا، وأن تسعد قلوبنا، وأن تفرج كروبنا، وتكشف همومنا وغمومنا، وتيسر أمورنا، وأن تهدي أولادنا، وأن ترحم موتانا، وتغفر ذنوبنا، وتطهر نفوسنا، وأن توفقنا جميعا لما تحبه وترضاه اللهم أمين يارب العالمين ربنا اغفر لنا.. سبحان ربك... والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 13048 | التعليقات 0