خطبة الجمعة عن الصومال
أحمد الدوسي
1432/09/11 - 2011/08/11 21:20PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
هذه خطبة جمعة عن المجاعة في الصومال أسال الله أن يفرج مابهم
وهي معدلة فيها من جمع من المواقع
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصَفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيها المسلمون وَأَطِيعُوهُ، فَإِنَّ الْدُّنْيَا إِلَى زَوَالٍ، وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَإِنَّ فَوْزَ الْآَخِرَةِ عَظِيْمٌ، وَخُسْرَانَهَا مُبِينٌ { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الْنَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الْدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُوْر } عباد الله :
في السنة الثامنة عشرة من الهجرة كانت مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما حولها من البوادي في مجاعة لم تعرفها العرب في تاريخها، وقعتْ هذه المجاعة بعد انقطاع المطر عن أرْض الحِجاز مدةً طويلة، فحصل القحْط، ومات الزَّرْع، وقلَّتِ اللقمة، ونزر الكلام، وكفَّ السائلون عن السؤال، وهزلتِ المواشي، فكان الرجل يذبح الشاةَ فيعافها مِن قُبْحها، وحصلتْ مجاعة ما عرفتْها العرب في أيَّامها؛ حتى كان الرجلُ القويُّ يتلوَّى بيْن أهله من شدَّة المخمصة، ومات كثيرٌ من الأطفال والنِّساء في تلك السَّنة.
وتوجه أهلُ البادية إلى المدينة، لعلَّهم يجدون عندَ الخليفة ما يسدُّ حاجتهم، ويُسكت بطونَهم، وكانت أعدادهم تزيد على ستِّين ألفًا، وبقوا شهوراً عدَّة، ليس لهم طعامٌ إلا ما يُقدَّم لهم من بيت مال المسلمين، أو مِن أهل المدينة آنذاك.
روى ابن كثير في "تاريخه": أنَّ عمر -رضي الله عنه- عسَّ ذات ليلة عام الرَّمادة، وقد بلغ بالناس الجهْد كلَّ مبلغ، فلم يَسمع أحدًا يضحك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: "يا أميرَ المؤمنين: قد سألوا فلم يجدوا، فقطعوا السؤال، فهم في همٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون".
خطَب الناسَ عام الرمادة، حتى سَمعتِ الرعية صوت الجوع من بطنه، فطعن بطنه بيده ، وقال: "قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبع حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين".
بل أبعد مِن ذلك -عباد الله-، أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شدَّة وشظف العيش؛ دخل يومًا على ابنه عبد الله، فوجدَه يأكل لحما، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابن أمير المؤمنين، تأكل لحمًا، والناس في خَصاصة! ألا خبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا؟!
ورأى يومًا بطيخة في يد ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمَّة محمَّد هزلَى؟!
فما عسانا نفعل ونحن نرى مشاهد مبكية لإخواننا المسلمين في الصومال؟! أنهكهم الفقر، وأسلمتهم المجاعةُ إلى الموت، فمنهم من قضى نحبه وليس به من بأس إلا الجوعُ، ومنهم من ينتظر ليس بينه وبين الموت إلا رمقات يسيرة، فشبح الموت جاثمٌ في بدنه الهزيل، يدفعه -بإذن الله- طعام يسير يُشبع جوعته ويسد رمقه.
صور المأساة مشاهد مؤلمة، يرق لها كل قلبٍ، ولكن من ذا يترجم مشاعرَ الرحمة والشفقةِ إلى أعمال إيمانية تسهم في رفع المعاناة، وتُحيي نفوسًا مؤمنة قد أشرفت على الموت؟! (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)
لقد بلغت بهم المجاعة إلى درجة أن الأب يهرب من أسرته ليقينه بموتهم، لكنه يعجز عن رؤيتهم وهم يموتون أمامه ولا حيلة له!.
وبلغت المجاعة إلى درجة أن الأم الرحيمة أثناء هجرتها بأطفالها ، من الجوع تُلقي بعضهم على قارعة الطريق تخففا منهم؛ وتسرع بالباقي لئلا يموتوا جميعا، والله أعلم بما في قلبها من الكمد والحزن على من ألقت منهم، وعلى من صحِبَتْهُ معها وهم يتضاغون من الجوع أمامها.
من العار علينا أن تصل إلى إغاثة إخواننا هناك منظماتٌ تنصيرية أو إنسانيةٌ من بلاد كافرة، وهل يكون الكافر أقربَ إلى المسلم من أخيه المسلم؟! وهل يرضى المسلم لأخيه الملهوف أن تطعمَه منظماتٌ تنصيرية وهدفها تُنَصِّيرَه وتضلَّه عن سبيل الله؟! من ذا من المسلمين يرضى أن ينوبه كافرٌ في إطعام أخيه وإغاثته؟!
أيها المحسنون: نتذكر أن ما ننفقه في سبيل الله هو الذي يبقى لنا، وأن ما نُبقيه وندّخرُه فإنما ندخرُه لغيرنا: "يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك -يا ابنَ آدم- من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدّقتَ فأمضيت؟!". رواه مسلم.
وفي الصحيحين: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، ويصدق ذلك قوله -جل جلاله-: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
الصدقة تجارة مع الله، وأنعم بها من تجارة، فمن تاجر مع الله فهو الرابح المرحوم، ومن حرمها بخلاً بماله فهو المغبون المحروم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه؛ حتى تكون مِثلَ الجبل". رواه البخاري، ويقول تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
الحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَومِ الدِّينِ وبعد :
نحن -يا عباد الله- في شهر الإنفاق، وإطعام الطعام، وبذل الإحسان، وكان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، فتأسوا به في الجود، وضاعفوا جودكم في رمضان، ولا سيما أنه صادف هذا العام مسغبة شديدة في الصومال، وقد خص الله تعالى الإطعام في المسغبة بالذكر فيما ينجي من العذاب: (فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)
فكونوا كمن وصفهم الله تعالى بقوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم حافظاً ومؤيداً ومعِينا . اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تحقن دماء إخواننا المسلمين في سوريا وفي ليبيا وفي كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم كن لنا ولإخواننا المسلمين في كل مكان حافظاً ومعِينا . اللهم أعنا وإياهم ولا تعِن علينا وانصرنا على من بغى علينا .
اللهم اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، لك مخبتين ، لك مطيعين . اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا .
اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، اللهم وفرج هم المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللهم وإنا نسألك يا إلهنا يا حي يا قيوم يا غني يا قوي يا متين يا محسن يا جواد يا كريم أن تلطف بإخواننا المسلمين في الصومال ، اللهم اجبر كسرهم ، اللهم وأشبِع جائعهم اللهم وارو ِعطشانهم يا حي يا قيوم ، اللهم وسدَّ حاجتهم بمنك وكرمك وفضلك وإحسانك يا جواد يا كريم يا حي يا قيوم .
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم .
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (
هذه خطبة جمعة عن المجاعة في الصومال أسال الله أن يفرج مابهم
وهي معدلة فيها من جمع من المواقع
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصَفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيها المسلمون وَأَطِيعُوهُ، فَإِنَّ الْدُّنْيَا إِلَى زَوَالٍ، وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَإِنَّ فَوْزَ الْآَخِرَةِ عَظِيْمٌ، وَخُسْرَانَهَا مُبِينٌ { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ الْنَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الْدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُوْر } عباد الله :
في السنة الثامنة عشرة من الهجرة كانت مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وما حولها من البوادي في مجاعة لم تعرفها العرب في تاريخها، وقعتْ هذه المجاعة بعد انقطاع المطر عن أرْض الحِجاز مدةً طويلة، فحصل القحْط، ومات الزَّرْع، وقلَّتِ اللقمة، ونزر الكلام، وكفَّ السائلون عن السؤال، وهزلتِ المواشي، فكان الرجل يذبح الشاةَ فيعافها مِن قُبْحها، وحصلتْ مجاعة ما عرفتْها العرب في أيَّامها؛ حتى كان الرجلُ القويُّ يتلوَّى بيْن أهله من شدَّة المخمصة، ومات كثيرٌ من الأطفال والنِّساء في تلك السَّنة.
وتوجه أهلُ البادية إلى المدينة، لعلَّهم يجدون عندَ الخليفة ما يسدُّ حاجتهم، ويُسكت بطونَهم، وكانت أعدادهم تزيد على ستِّين ألفًا، وبقوا شهوراً عدَّة، ليس لهم طعامٌ إلا ما يُقدَّم لهم من بيت مال المسلمين، أو مِن أهل المدينة آنذاك.
روى ابن كثير في "تاريخه": أنَّ عمر -رضي الله عنه- عسَّ ذات ليلة عام الرَّمادة، وقد بلغ بالناس الجهْد كلَّ مبلغ، فلم يَسمع أحدًا يضحك، ولم يسمع متحدِّثًا في منزله، ولم يرَ سائلاً، فتعجَّب وسأل، فقيل: "يا أميرَ المؤمنين: قد سألوا فلم يجدوا، فقطعوا السؤال، فهم في همٍّ وضِيق، لا يتحدَّثون ولا يضحكون".
خطَب الناسَ عام الرمادة، حتى سَمعتِ الرعية صوت الجوع من بطنه، فطعن بطنه بيده ، وقال: "قرقِرْ أو لا تقرقِر، والله لا تشبع حتى يشبعَ أطفالُ المسلمين".
بل أبعد مِن ذلك -عباد الله-، أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة، على شدَّة وشظف العيش؛ دخل يومًا على ابنه عبد الله، فوجدَه يأكل لحما، فلامه، وقال له: ألا إنَّك ابن أمير المؤمنين، تأكل لحمًا، والناس في خَصاصة! ألا خبزًا ومِلحًا، ألا خبزًا ومِلحًا؟!
ورأى يومًا بطيخة في يد ولدٍ من أولاده، فصاح به: بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمَّة محمَّد هزلَى؟!
فما عسانا نفعل ونحن نرى مشاهد مبكية لإخواننا المسلمين في الصومال؟! أنهكهم الفقر، وأسلمتهم المجاعةُ إلى الموت، فمنهم من قضى نحبه وليس به من بأس إلا الجوعُ، ومنهم من ينتظر ليس بينه وبين الموت إلا رمقات يسيرة، فشبح الموت جاثمٌ في بدنه الهزيل، يدفعه -بإذن الله- طعام يسير يُشبع جوعته ويسد رمقه.
صور المأساة مشاهد مؤلمة، يرق لها كل قلبٍ، ولكن من ذا يترجم مشاعرَ الرحمة والشفقةِ إلى أعمال إيمانية تسهم في رفع المعاناة، وتُحيي نفوسًا مؤمنة قد أشرفت على الموت؟! (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)
لقد بلغت بهم المجاعة إلى درجة أن الأب يهرب من أسرته ليقينه بموتهم، لكنه يعجز عن رؤيتهم وهم يموتون أمامه ولا حيلة له!.
وبلغت المجاعة إلى درجة أن الأم الرحيمة أثناء هجرتها بأطفالها ، من الجوع تُلقي بعضهم على قارعة الطريق تخففا منهم؛ وتسرع بالباقي لئلا يموتوا جميعا، والله أعلم بما في قلبها من الكمد والحزن على من ألقت منهم، وعلى من صحِبَتْهُ معها وهم يتضاغون من الجوع أمامها.
من العار علينا أن تصل إلى إغاثة إخواننا هناك منظماتٌ تنصيرية أو إنسانيةٌ من بلاد كافرة، وهل يكون الكافر أقربَ إلى المسلم من أخيه المسلم؟! وهل يرضى المسلم لأخيه الملهوف أن تطعمَه منظماتٌ تنصيرية وهدفها تُنَصِّيرَه وتضلَّه عن سبيل الله؟! من ذا من المسلمين يرضى أن ينوبه كافرٌ في إطعام أخيه وإغاثته؟!
أيها المحسنون: نتذكر أن ما ننفقه في سبيل الله هو الذي يبقى لنا، وأن ما نُبقيه وندّخرُه فإنما ندخرُه لغيرنا: "يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك -يا ابنَ آدم- من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدّقتَ فأمضيت؟!". رواه مسلم.
وفي الصحيحين: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا"، ويصدق ذلك قوله -جل جلاله-: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
الصدقة تجارة مع الله، وأنعم بها من تجارة، فمن تاجر مع الله فهو الرابح المرحوم، ومن حرمها بخلاً بماله فهو المغبون المحروم: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه؛ حتى تكون مِثلَ الجبل". رواه البخاري، ويقول تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ،
فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
نحن -يا عباد الله- في شهر الإنفاق، وإطعام الطعام، وبذل الإحسان، وكان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، فتأسوا به في الجود، وضاعفوا جودكم في رمضان، ولا سيما أنه صادف هذا العام مسغبة شديدة في الصومال، وقد خص الله تعالى الإطعام في المسغبة بالذكر فيما ينجي من العذاب: (فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)
فكونوا كمن وصفهم الله تعالى بقوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم حافظاً ومؤيداً ومعِينا . اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا منان يا بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن تحقن دماء إخواننا المسلمين في سوريا وفي ليبيا وفي كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . اللهم كن لنا ولإخواننا المسلمين في كل مكان حافظاً ومعِينا . اللهم أعنا وإياهم ولا تعِن علينا وانصرنا على من بغى علينا .
اللهم اجعلنا لك ذاكرين ، لك شاكرين ، لك مخبتين ، لك مطيعين . اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا .
اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين ، اللهم وفرج هم المهمومين من المسلمين ونفِّس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين.
اللهم وإنا نسألك يا إلهنا يا حي يا قيوم يا غني يا قوي يا متين يا محسن يا جواد يا كريم أن تلطف بإخواننا المسلمين في الصومال ، اللهم اجبر كسرهم ، اللهم وأشبِع جائعهم اللهم وارو ِعطشانهم يا حي يا قيوم ، اللهم وسدَّ حاجتهم بمنك وكرمك وفضلك وإحسانك يا جواد يا كريم يا حي يا قيوم .
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم .
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (