خطبة الجمعة حائرة بين دعاة التجديد وضعف الأئمة كيف نصنع داعية؟
احمد ابوبكر
1437/10/20 - 2016/07/25 12:42PM
[align=justify]صدق ويجب أن تصدق، أن كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة والمنوط بها تخريج الأئمة والدعاة يدرس بها 96 طالبا فقط مع هيئة تدريس تزيد علي ثمانين عضوا.
وصدق ويجب أن تصدق، أن مصنع إعداد الدعاة لمصر والعالم الإسلامي تسمح إمكاناته لاستيعاب 5 آلاف طالب سنويا ويلتحق به أقل من ربع هذا العدد، وان المتقدمين لمسابقات اختيار الخطباء هم من خريجي الكليات الشرعية بالأزهر رغم عدم دراستهم مواد التخصص.هذا ما أكده لنا أساتذة كلية الدعوة الإسلامية.
وأكد العلماء أن هناك سبلا أخري أكثر فاعلية في رأب هذا الصدع، بدءا من حسن التوجيه في المرحلة الجامعية وقصر مسابقات الأئمة علي دارسي الدعوة فقط وانتهاء بتكثيف الدورات التدريبية وإعادة تأهيل الأئمة ضعاف المستوي مع تشديد الرقابة علي المنابر وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.
كلية الدعوة «مصنع الدعاة»
ويقول الدكتور عادل درويش وكيل كلية الدعوة سابقا، إن ضعف بعض الأئمة يعود إلي عدم الاقتصار علي خريجي الدعوة في اعتلاء المنابر، مشيرا إلي أن كلية الدعوة جديرة بتخريج احتياجات الدولة من الأئمة الأكفاء المؤهلين، ولديها من البرامج والإمكانات ما يعينها علي ذلك، لكن الحقيقة أنها كلية ليس بها طلاب - علي حد تعبيره- ودلل علي رأيه قائلا: العام الماضي وفد إلينا 110 طلاب وهذا العام 96 طالبا مع هيئة تدريس تزيد علي ثمانين عضوا.
وأضاف: ان كلية الدعوة تعمل علي إعداد طالب الدعوة إعدادا خاصا لأن يكون داعية عالميا وليس محليا فقط، ومعلوم أن خريجينا متميزون، وإمكانات الكلية تسمح بتأهيل أي عدد حتي لو خمسة آلاف، والكلية بمنزلة «مصنع» للدعاة، وعلي أصحاب القرار أن يعطونا الخامات ونخرج لهم المنتج الذي يريدونه، وهذه مسئوليتنا. أما أن يتم تجاهل ذلك ثم نشكو أن لدينا عجزا في الدعاة فنفتح الباب لجميع الخريجين لدخول مسابقات الأئمة وبعد ذلك نشكو ضعف المستوي فهذا أمر غير منطقي.
شروط نجاح الخطيب
من جانبه، يقول الدكتور صابر طه عميد كلية الدعوة السابق: إن لنجاح خطبة الجمعة عددا من الشروط، أولها: إعداد الخطبة، أي إعداد الخطيب ما يقدمه لجمهوره في لقائه الأسبوعي بهم، ولكن حينما يُفتقد هذا الإعداد ويقوم آخرون بالإعداد للخطيب، نكون قد افتقدنا أول عنصر من عناصر نجاح الخطبة، إذ الإعداد أمر خاص بالخطيب الذي سيلقي الخطبة، وفيه يراعي أمورا عدة منها مراعاة فئات المستمعين، والأسلوب المناسب لهم، ومراعاة المكان والزمان والأشخاص الذين تقال فيهم الخطبة..أما إذا كانت الخطبة مكتوبة فمعني ذلك أن أخاطب الفئة المثقفة بخطاب العمال وغير المتعلمين!
ويشير د.صابر، إلي أن بعض الخطباء الآن لا يهتم بالإعداد الجيد للخطبة، وهو بمنزلة المريض مهنيا، قليل الاطلاع والتثقيف.
ويري عميد كلية الدعوة السابق أن الحل للارتقاء بمستوي الأئمة وتدارك الأخطاء التي من أجلها يتم التفكير في توزيع الخطبة مكتوبة، هو الاهتمام بإعداد الدعاة من الأساس وليس التكيف مع ضعفهم، علينا أن نعطي الأئمة دورات تدريبية مكثفة للارتقاء بمستواهم، مع الإصرار علي النهوض بمستوي الإمام الضعيف، فلا مانع من إخضاعه لدورة واثنتين وثلاث مع تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، الإمام المتميز يكافأ والضعيف يعاقب، وذلك يقتضي تشديد جهات التفتيش علي الأئمة بالشكل الذي يقومهم ويراقب أداءهم فعليا وليس شكليا أو روتينيا.
ويري د. صابر أن المشكلة الكبري في ضعف مستوي الأئمة أن وزارة الأوقاف حينما تعلن عن مسابقة تسمح فيها لجميع خريجي الكليات الشرعية بالمشاركة فيها، في حين أنه لا توجد كلية تدرس فيها الخطابة بفنونها وأدواتها إلا كلية الدعوة وقسم الدعوة في كليات أصول الدين، فليس كل خريجي الكليات الشرعية مؤهلين للعمل في حقل الدعوة، لأنهم لم يدرسوا مواد دعوية وإن كانوا يحفظون القرآن الكريم ويدرسون علوما شرعية ولكن ذلك وحده لا يكفي، وكيف يتساوي خريج كلية الدعوة الذي التحق بها بمجموع 80% بزميله خريج كلية اللغة العربية الذي التحق بها بـ 60%! فلو أردنا النهوض بالخطاب الديني والارتقاء بمستوي الأئمة علينا أن نقتصر في التعيين علي دارسي فنون الدعوة فقط.
مشروع داعية
والحل لضعف مستوي الأئمة كما يري د.جمال فاروق عميد كلية الدعوة، هو تكثيف الدورات التدريبية للأئمة الحاليين وأن تسعي وزارة الأوقاف للتنسيق مع جامعة الأزهر لتبني ما يمكن أن نطلق عليه «مشروع داعية» وهو أن تتعهد الوزارة طلاب الكليات الشرعية الذين تتوافر فيهم مقومات العمل الدعوي منذ التحاقهم بالجامعة وأن يتم تدريبهم عمليا بمساجد الوزارة طيلة سنوات الدراسة وإسناد كل عشرة طلاب إلي واحد من كبار الأئمة والخطباء والحرص علي متابعتهم والوقوف علي مستواهم أولا بأول حتي إذا ما تخرج كان مؤهلا جاهزا يتم تعيينه مباشرة بالوزارة دون مسابقة أو نحو ذلك ونوفر علي الوزارة والخريجين الوقت والجهد والمال الذي ينفق علي المسابقات ودورات إعادة التأهيل ونحو ذلك.
.. وخبراء النفس والاجتماع والإعلام «المكتوبة» دعوة للجمود وتقضى على التواصل
أكد خبراء الأعلام وعلماء النفس والاجتماع أن مقترح وزارة الأوقاف بتعميم خطبة الجمعة «المكتوبة» بجميع مساجد الجمهورية يقضي علي التفاعل والتواصل بين الإمام والجمهور ويهز الصورة الذهنية لدي المتلقين عن هذا الخطيب.وأوضح الدكتور أحمد زارع وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر أن الخطبة المكتوبة تفقد التواصل بين الخطيب والجمهور، حيث يشعر المتلقي أن أحدا يقرأ عليه من ورقة مكتوبة يفقد المشاعر من تلقائية الخطيب، حيث لكل خطيب طريقة معينة تميزه عن غيره. ويضيف، إن القول بضعف مستوي بعض الأئمة لا يبرر إلزامهم بخطبة مكتوبة، بل هذا الضعف يقتضي التفكير في سبل الارتقاء بهم والنهوض بمستواهم، وذلك بتكثيف تلك الدورات بما يصلح الداعية ويجعله مؤهلا ويصقل مهاراته الدعوية، ومن لا يستجيب يمكن إحالته إلي أي عمل آخر غير الدعوة.
من جانبه قال الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن الخطبة المكتوبة توحي للمستمع بأن لدي الخطيب عجزا أو نقصا أو مشكلة ما كأن لا تسعفه الذاكرة أو المعلومات، الأمر الذي ألجأه إلي ورقة يقرأ منها. والقراءة من ورقة بالنسبة للإمام تشكل عازلا بينه وبين المتلقين مما يمنعه من أن يري أثر كلمته علي جمهوره: هل هم متفاعلون معه متجاوبون، أم مستاءون ..هذا كله تنزعه القراءة من ورقة، لأن الخطبة المكتوبة تجعل الخطيب كأنه قارئ فقط أو موصل رسالة وليس له دخل فيما يقول، لأنها تكون كلمات مفروضة عليه وليس له دخل في اختيارها أو إعدادها أو أسلوب صياغتها. ومن ثم تهتز الثقة في هذا الخطيب لأنه حينئذ يكون غير معبر عن قناعاته الشخصية وليس له بصمة خاصة. وأوضح د. المهدي أن الإصرار علي الخطبة المكتوبة يقلل كثيرا من كفاءة الخطيب فيشعر بأنه تم الافتئات عليه والقفز فوقه وأن شخصا آخر بالوزارة يكتب له مما يولد مشاعر سلبية تجاه من يكتب له الخطبة. كما أن لذلك أيضا تأثيرا سلبيا علي الجمهور فالناس تنصرف غالبا عن خطبة الجمعة ويعتبرونها نوعا من المنشور الرسمي الحكومي يلقيه الخطيب ولن يتفاعل معه الناس ولن يستجيبوا له.
فن الارتجال
من جانبه يقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن الخطابة هي علم الارتجال بين الخطيب وجمهوره والقدرة علي التوافق مع المواقف المتغيرة بالأساليب الشرعية، لابد من التواصل الحر بين الخطيب وجمهوره، والتواصل العاطفي والانفعالي مع المخاطبين يقتضي الارتجال والتحرر من النص المكتوب. لكن الورقة تمنع هذا التواصل.
ويري السمالوطي أن هناك سبلا عدة لعلاج الضعف القائم لدي بعض الأئمة والخطباء، علي رأسها: حسن انتقاء الطلاب الملتحقين بكلية الدعوة وأقسام الدعوة بكليات أصول الدين، وهم المنوط بهم العمل بقطاع الدعوة بعد تخرجهم. فلابد من اختبارات حقيقية تؤكد استعدادهم للعمل كدعاة، ومقابلات شخصية تؤكد صلاحيتهم لذلك، دونما الاكتفاء بالمجموع والتفوق العلمي والمعرفي، فليس كل شخص يصلح داعية وإن كان متفوقا علميا، بالإضافة إلي تدريس العلوم الإنسانية في كلية الدعوة والكليات التي تخرج أئمة كأن يتم تدريس مواد علم النفس الدعوي وعلم الاجتماع الدعوي، وعلم الإنسان، وغيرها فهذه العلوم تعرفهم بالواقع الاجتماعي الذي يمارسون الدعوة فيه.
ولفت السمالوطي إلي أن إلزام صغار وشباب الأئمة بالخطبة المكتوبة يجعلهم يستمرئون ذلك ويتعودون التقاعس وعدم البحث أو الاجتهاد، لأنهم في النهاية سيقرأون ما تكلفهم به الوزارة.
المصدر: الاهرام[/align]
وصدق ويجب أن تصدق، أن مصنع إعداد الدعاة لمصر والعالم الإسلامي تسمح إمكاناته لاستيعاب 5 آلاف طالب سنويا ويلتحق به أقل من ربع هذا العدد، وان المتقدمين لمسابقات اختيار الخطباء هم من خريجي الكليات الشرعية بالأزهر رغم عدم دراستهم مواد التخصص.هذا ما أكده لنا أساتذة كلية الدعوة الإسلامية.
وأكد العلماء أن هناك سبلا أخري أكثر فاعلية في رأب هذا الصدع، بدءا من حسن التوجيه في المرحلة الجامعية وقصر مسابقات الأئمة علي دارسي الدعوة فقط وانتهاء بتكثيف الدورات التدريبية وإعادة تأهيل الأئمة ضعاف المستوي مع تشديد الرقابة علي المنابر وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب.
كلية الدعوة «مصنع الدعاة»
ويقول الدكتور عادل درويش وكيل كلية الدعوة سابقا، إن ضعف بعض الأئمة يعود إلي عدم الاقتصار علي خريجي الدعوة في اعتلاء المنابر، مشيرا إلي أن كلية الدعوة جديرة بتخريج احتياجات الدولة من الأئمة الأكفاء المؤهلين، ولديها من البرامج والإمكانات ما يعينها علي ذلك، لكن الحقيقة أنها كلية ليس بها طلاب - علي حد تعبيره- ودلل علي رأيه قائلا: العام الماضي وفد إلينا 110 طلاب وهذا العام 96 طالبا مع هيئة تدريس تزيد علي ثمانين عضوا.
وأضاف: ان كلية الدعوة تعمل علي إعداد طالب الدعوة إعدادا خاصا لأن يكون داعية عالميا وليس محليا فقط، ومعلوم أن خريجينا متميزون، وإمكانات الكلية تسمح بتأهيل أي عدد حتي لو خمسة آلاف، والكلية بمنزلة «مصنع» للدعاة، وعلي أصحاب القرار أن يعطونا الخامات ونخرج لهم المنتج الذي يريدونه، وهذه مسئوليتنا. أما أن يتم تجاهل ذلك ثم نشكو أن لدينا عجزا في الدعاة فنفتح الباب لجميع الخريجين لدخول مسابقات الأئمة وبعد ذلك نشكو ضعف المستوي فهذا أمر غير منطقي.
شروط نجاح الخطيب
من جانبه، يقول الدكتور صابر طه عميد كلية الدعوة السابق: إن لنجاح خطبة الجمعة عددا من الشروط، أولها: إعداد الخطبة، أي إعداد الخطيب ما يقدمه لجمهوره في لقائه الأسبوعي بهم، ولكن حينما يُفتقد هذا الإعداد ويقوم آخرون بالإعداد للخطيب، نكون قد افتقدنا أول عنصر من عناصر نجاح الخطبة، إذ الإعداد أمر خاص بالخطيب الذي سيلقي الخطبة، وفيه يراعي أمورا عدة منها مراعاة فئات المستمعين، والأسلوب المناسب لهم، ومراعاة المكان والزمان والأشخاص الذين تقال فيهم الخطبة..أما إذا كانت الخطبة مكتوبة فمعني ذلك أن أخاطب الفئة المثقفة بخطاب العمال وغير المتعلمين!
ويشير د.صابر، إلي أن بعض الخطباء الآن لا يهتم بالإعداد الجيد للخطبة، وهو بمنزلة المريض مهنيا، قليل الاطلاع والتثقيف.
ويري عميد كلية الدعوة السابق أن الحل للارتقاء بمستوي الأئمة وتدارك الأخطاء التي من أجلها يتم التفكير في توزيع الخطبة مكتوبة، هو الاهتمام بإعداد الدعاة من الأساس وليس التكيف مع ضعفهم، علينا أن نعطي الأئمة دورات تدريبية مكثفة للارتقاء بمستواهم، مع الإصرار علي النهوض بمستوي الإمام الضعيف، فلا مانع من إخضاعه لدورة واثنتين وثلاث مع تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، الإمام المتميز يكافأ والضعيف يعاقب، وذلك يقتضي تشديد جهات التفتيش علي الأئمة بالشكل الذي يقومهم ويراقب أداءهم فعليا وليس شكليا أو روتينيا.
ويري د. صابر أن المشكلة الكبري في ضعف مستوي الأئمة أن وزارة الأوقاف حينما تعلن عن مسابقة تسمح فيها لجميع خريجي الكليات الشرعية بالمشاركة فيها، في حين أنه لا توجد كلية تدرس فيها الخطابة بفنونها وأدواتها إلا كلية الدعوة وقسم الدعوة في كليات أصول الدين، فليس كل خريجي الكليات الشرعية مؤهلين للعمل في حقل الدعوة، لأنهم لم يدرسوا مواد دعوية وإن كانوا يحفظون القرآن الكريم ويدرسون علوما شرعية ولكن ذلك وحده لا يكفي، وكيف يتساوي خريج كلية الدعوة الذي التحق بها بمجموع 80% بزميله خريج كلية اللغة العربية الذي التحق بها بـ 60%! فلو أردنا النهوض بالخطاب الديني والارتقاء بمستوي الأئمة علينا أن نقتصر في التعيين علي دارسي فنون الدعوة فقط.
مشروع داعية
والحل لضعف مستوي الأئمة كما يري د.جمال فاروق عميد كلية الدعوة، هو تكثيف الدورات التدريبية للأئمة الحاليين وأن تسعي وزارة الأوقاف للتنسيق مع جامعة الأزهر لتبني ما يمكن أن نطلق عليه «مشروع داعية» وهو أن تتعهد الوزارة طلاب الكليات الشرعية الذين تتوافر فيهم مقومات العمل الدعوي منذ التحاقهم بالجامعة وأن يتم تدريبهم عمليا بمساجد الوزارة طيلة سنوات الدراسة وإسناد كل عشرة طلاب إلي واحد من كبار الأئمة والخطباء والحرص علي متابعتهم والوقوف علي مستواهم أولا بأول حتي إذا ما تخرج كان مؤهلا جاهزا يتم تعيينه مباشرة بالوزارة دون مسابقة أو نحو ذلك ونوفر علي الوزارة والخريجين الوقت والجهد والمال الذي ينفق علي المسابقات ودورات إعادة التأهيل ونحو ذلك.
.. وخبراء النفس والاجتماع والإعلام «المكتوبة» دعوة للجمود وتقضى على التواصل
أكد خبراء الأعلام وعلماء النفس والاجتماع أن مقترح وزارة الأوقاف بتعميم خطبة الجمعة «المكتوبة» بجميع مساجد الجمهورية يقضي علي التفاعل والتواصل بين الإمام والجمهور ويهز الصورة الذهنية لدي المتلقين عن هذا الخطيب.وأوضح الدكتور أحمد زارع وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر أن الخطبة المكتوبة تفقد التواصل بين الخطيب والجمهور، حيث يشعر المتلقي أن أحدا يقرأ عليه من ورقة مكتوبة يفقد المشاعر من تلقائية الخطيب، حيث لكل خطيب طريقة معينة تميزه عن غيره. ويضيف، إن القول بضعف مستوي بعض الأئمة لا يبرر إلزامهم بخطبة مكتوبة، بل هذا الضعف يقتضي التفكير في سبل الارتقاء بهم والنهوض بمستواهم، وذلك بتكثيف تلك الدورات بما يصلح الداعية ويجعله مؤهلا ويصقل مهاراته الدعوية، ومن لا يستجيب يمكن إحالته إلي أي عمل آخر غير الدعوة.
من جانبه قال الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن الخطبة المكتوبة توحي للمستمع بأن لدي الخطيب عجزا أو نقصا أو مشكلة ما كأن لا تسعفه الذاكرة أو المعلومات، الأمر الذي ألجأه إلي ورقة يقرأ منها. والقراءة من ورقة بالنسبة للإمام تشكل عازلا بينه وبين المتلقين مما يمنعه من أن يري أثر كلمته علي جمهوره: هل هم متفاعلون معه متجاوبون، أم مستاءون ..هذا كله تنزعه القراءة من ورقة، لأن الخطبة المكتوبة تجعل الخطيب كأنه قارئ فقط أو موصل رسالة وليس له دخل فيما يقول، لأنها تكون كلمات مفروضة عليه وليس له دخل في اختيارها أو إعدادها أو أسلوب صياغتها. ومن ثم تهتز الثقة في هذا الخطيب لأنه حينئذ يكون غير معبر عن قناعاته الشخصية وليس له بصمة خاصة. وأوضح د. المهدي أن الإصرار علي الخطبة المكتوبة يقلل كثيرا من كفاءة الخطيب فيشعر بأنه تم الافتئات عليه والقفز فوقه وأن شخصا آخر بالوزارة يكتب له مما يولد مشاعر سلبية تجاه من يكتب له الخطبة. كما أن لذلك أيضا تأثيرا سلبيا علي الجمهور فالناس تنصرف غالبا عن خطبة الجمعة ويعتبرونها نوعا من المنشور الرسمي الحكومي يلقيه الخطيب ولن يتفاعل معه الناس ولن يستجيبوا له.
فن الارتجال
من جانبه يقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن الخطابة هي علم الارتجال بين الخطيب وجمهوره والقدرة علي التوافق مع المواقف المتغيرة بالأساليب الشرعية، لابد من التواصل الحر بين الخطيب وجمهوره، والتواصل العاطفي والانفعالي مع المخاطبين يقتضي الارتجال والتحرر من النص المكتوب. لكن الورقة تمنع هذا التواصل.
ويري السمالوطي أن هناك سبلا عدة لعلاج الضعف القائم لدي بعض الأئمة والخطباء، علي رأسها: حسن انتقاء الطلاب الملتحقين بكلية الدعوة وأقسام الدعوة بكليات أصول الدين، وهم المنوط بهم العمل بقطاع الدعوة بعد تخرجهم. فلابد من اختبارات حقيقية تؤكد استعدادهم للعمل كدعاة، ومقابلات شخصية تؤكد صلاحيتهم لذلك، دونما الاكتفاء بالمجموع والتفوق العلمي والمعرفي، فليس كل شخص يصلح داعية وإن كان متفوقا علميا، بالإضافة إلي تدريس العلوم الإنسانية في كلية الدعوة والكليات التي تخرج أئمة كأن يتم تدريس مواد علم النفس الدعوي وعلم الاجتماع الدعوي، وعلم الإنسان، وغيرها فهذه العلوم تعرفهم بالواقع الاجتماعي الذي يمارسون الدعوة فيه.
ولفت السمالوطي إلي أن إلزام صغار وشباب الأئمة بالخطبة المكتوبة يجعلهم يستمرئون ذلك ويتعودون التقاعس وعدم البحث أو الاجتهاد، لأنهم في النهاية سيقرأون ما تكلفهم به الوزارة.
المصدر: الاهرام[/align]