خطبة الجمعة القضاء والقدر في الكون والبشر

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/11/08 - 2016/08/11 20:09PM
خطبة الجمعة
القضاء والقدر في الكون والبشر
إعدادعبدالوهاب المعبأ
الحمد لله مقدر المقدور، ومصرف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده -تعالى- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع صاحبها يوم يُبعثر ما في القبور، ويُحصَّل ما في الصدور.
وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، النبي المجتبى والحبيب المصطفى، والعبد الشكور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما امتدت البحور، وتعاقب العشي والبكور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله: فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب وأسمى المناقب، وبها تنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}(الحشر).

أيها المؤمنون والمؤمنات: لقد جعل الله تعالى هذه الدنيا التي نعيش فيها دار بلاء وتمحيص، كما قال عز وجل{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً..}(الملك:2)،
وقال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}(الأنبياء).
ومن سنةُ الله تعالى في خلقه، أن يبتليهم بالخير والشر، والنافع والضار، ليرى صدق إيمان عباده، وشدة توكلهم عليه، وحسن ظنهم به، وتسليمهم الأمر له، وأن ما يقضيه لهم خير مما يتمنونه، وصدق الله العظيم:{وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)}(البقرة)،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)(رواه مسلم).
فمن سلَّم أمره لربه، ورضي بقضائه وقدره، فتح الله له باب الإنابة والتضرع والدعاء فنال الأجر والثواب، وعجلت له الإجابة عاجلاً أو آجلاً. فكل ما يجري في ملكوته بدون استثناء فإنما هو صادر عن أمره، موافق لحكمته ومشيئته ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

عباد الله: إن الدنيا دار هم ونكد، وهي مليئة بالحوادث والكوارث والفواجع، فبينما الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينما الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدّر حياته ويقضي على آماله، أو بضياع ماله أو وظيفته التي تذهب معها طموحاته وتفسد عليه آماله ورغباته.
إن دوام الحال في هذه الدنيا من المحال، ولابد أن يعقب الصفو كدر، والفرح ترح، والسعادة هم ونكد، وهيهات أنْ تجد من يضحك ولا يبكي، وأنْ ترى من يتنعّم ولم تنغَّصْ عيشته، أو ترى من يسعدَ ولم ينزل الحزنْ ساحته!. هكذا هي الدنيا وهذه هي أحوالها، فلا ترسو على أمر واحد أبدا، فعجيب والله أمرها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر على بلائها، فذلكم دواء مكدراتها.

ومهما بلغت المصائب بالمؤمن وإنْ أحزنته وآلمته فإنها لا يمكن أنْ تهزمه أو تنال من إيمانه شيئًا، ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً معبرًا لهذا المؤمن، فقال:(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لا تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، وَلا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ، لا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ)(رواه مسلم).
عباد الله وحتى لا نقع في المحظور والحرام ولا نتسخط على قدر الرحمن ولا نلعن الدهر والزمان
لتعلمو أن الله خلق الخلق لا لكي يعيشوا وفق إرادتهم ومصالحهم وأهوائهم إنما خلقهم ليعيشوا وفق قضائه وعدله وقدره وحكمته لذا قال الله{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}
لم يقل ما يشاء لمن يريد إنما علق الله العطاء بأسباب سماوية قدرية
وعلموا عباد الله أن مقتضى العبودية أن يستسلم العبد لربه وقضائه وقدره وفي ذلك خيره وسعادته وراحته
وخير للعبد ما اختاره الله له لما في ذلك من حكم ومقياس الرب خير من مقياس العبد فقد يرى العبد الشيء شر لكن لا يدري ماذا في علم الغيب له قال الله تعالى{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ – بمقياس العقل البشري-
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ- بمقياس العقل البشري لذا قال بعدها- كَلَّا}
أي ليس الأمر كذلك فليس عطائي دليل الإكرام ولا منعي دليل الإهانة فهناك حكمة خفيت على من قال ذلك
وجاء في الحديث القدسي(إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لكفر بي وفي رواية لفسد حاله وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لكفر بي وفي رواية لفسد حاله)
أي لأن يعيش الفقير مهانا معذبا في الدنيا مع حفظه لدينه وتعلقه بربه خير له من غنى سيطغيه ويقوده إلى الكفر
لذا جاء في الأثر{يا داود أريد وتريد ولم يكن إلا ما أريد فإن استسلمت لما أريد بلغت ما تريد وإن لم تستسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ولم يكن إلا ما أريد}

وعندما نزل الموت على أبي بكر الصديق قالوا له ألا نستدعي لك طبيبا قال إن الطبيب قد زارني قالوا : وماذا قال لك؟ قال : قال لي إني فعال لما أريد
هذا هو حقيقة الايمان بالله والتسليم
عباد الله أول ما خلق الله من خلقه القلم –قلم القدرة- خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ثم قال له:يا قلم اكتب .قال ما أكتب؟ قال اكتب مقادير الأشياء وما يكون في السموات والأرض وما يكون منهما إلى قيام الساعة) فكتب
ايها المؤمنون كل مقادير وحوادث في هذا الكون مكتوب في كتاب اسمه اللوح المحفوظ كما قال الله تعالى(فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى)
وهكذا قضاء وسيرة وحياة كل شخص وجدت قبل نفخ الروح فيه وهو لا يزال في رحم امه
كما قال(صلى الله عليه وسلم ){يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأمر الله الملك بكتب أربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد}

عبا دالله جمع الله القضاء الكوني والشخصي في آية واحدة فقال{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}فالأرض بمعنى الكون والأنفس بمعنى السيرة الشخصية
وعندما خرج إبراهيم بن أدهم على رجل وهو مهموم مغموم مكروب فقال مابك أي أخي قال: هموم وأسقام وديون فقال له هل تعتقد ان في الكون شيء يجري والله تعالى لا يريده قال سبحان ربي لا يجري في الكون شيء إلا بإرادته قال له ابن أدهم ففيم الهم إذن
قال الشاعر ثمانية لا بد أن تمر على الفتى
ولا بد أن تمر عليه الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة
وعسر ويسر ثم سقم وعافية
هذا المبدأ غرسه النبي (صلى الله عليه وسلم ) في قلوب الصحابة وجبله الله عليه نبيه ومصطفاه
فولد يتيما وماتت أمه وهو في سن ست سنوات عائدا من بني سعد ولم يصحبها إلا بتلك الرحلة التي توفيت فيها في الأبواء ثم مات جده وعمره ثماني سنوات ثم بدأ برعي الغن في الجبال والحر والقر وهو ابن إثنتا عشرة سنة ثم تاجر في الشام والبصرة لخديجة وهو ابن عشرين وتزوج بخديجة وكادت أن تتم له السعادة بستة أولاد لكن القضاء والقدر أخذ خمسة منهم ودفنهم بيده(صلى الله عليه وسلم
ولم يبق له سوى فاطمة لماذا هذا الابتلاء والإعياء هذا قضاء الله فيك يا محمد فكان قلعة أمام القضاء والقدر ماتمر عليه مصيبة الا قال الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه وإذا مر عليه خير وفرح قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
كيف لا وهوالقائل صلى الله عليه وسلم (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط)
فما من أمر وقع، ولا مخلوق خلق، إلا والله تعالى قد علم ذلك قبل وقوعه، وكتبه منذ الأزل، وشاءه -سبحانه-، وأجراه على وفق علمه ومشيئته؛ ولذا كان من أسمائه الحسنى: القادر والقدير والمقتدر، وكانت القدرة من صفاته العلى.
وإن شئتم أن تمتلئ قلوبكم بالإيمان واليقين، وتعظيم الله تعالى، والتسليم، فتفكروا فيما يجري في الأرض من أحداث ومقادير، في ضخامتها، وكثرتها، وتنوعها، في البر والبحر، على الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ثم قارنوا ذلك بقول الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59].
عباد الله ان عل الانسان أن يعلق نظره بالله وقدره والاطمئنان إلى مشيئة الله النافذة وقدرته الغالبة وأن الله سبحانه أعلم بما يصلحه، وأحكم بما ينفعه، وأرحم به من نفسه، وأن الله لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير.
وذلك مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان))

اعترض ابن الراوندي، الذكي المشهور، في القرن الثالث الهجري، اعترض على قضاء الله وقدره، وعطل حكمته، واستنكف عن قسمته ورزقه، فقد جاع يوما واشتد جوعه، فجلس على الجسر، وقد أمضَّه الجوع، فمرت خيل مزينة بالحرير والديباج، فقال: لمن هذه؟ فقالوا لعلي بن بلتق، غلام الخليفة، فمر به رجل، فرآه وعليه أثر الضر فرمى إليه رغيفين، فأخذهما ورمى بهما وقال: هذه الأشياء لعلي بن بلتق وهذان لي؟ فنسي هذا الجاهل الأحمق، أنه بما يقول ويعترض ويفعل، أهل لهذه المجاعة. قال الذهبي ـ رحمه الله ـ: فلعن الله الذكاء بلا إيمان ورضي الله عن البلادة مع التقوى
عباد الله قال الله ماأَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11].. وفي قراءة: {يهدأ قلبه}..

قال علقمة: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قِبل الله فيسلم ويرضى، ومن رضي عن الله رضي الله عنه، والرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين وقرة عيون المشتاقين.. "
.]).

عباد الله القضاء والقدر لا يرده عقل ولا تنفع له مبادرة ولا يوقفه مال ولا حيلة كما جاء في الأثار (إذا أراد الله أن يمضي في قوم قضاءه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى يمضي فيه قضائه وقدره)
وذا أراد قبض عبد في بلدة ليس هو فيها جعل له فيها حاجة
بل قال السلف وضع اليد على الخد عند اهل السنة والجماعة بقضاء وقدر
فالدنيا هكذا فاقبلوها كما أرادها خالقها الدار التي ليس فيها هم ولا غم ولا نصب هي الجنة أما الدنيا قال الله{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}وقال جل شأنه{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ].
ولقد أحسن من قال:
صـغـيرٌ يشتـهـي الكِبـرا*وشـيـخٌ ودَّ لـو صَـغُـرا
وربُّ الـمـال فـي تـعـبٍ*وفـي تعـبٍ مـن افـتقـرا
وخـالٍ يـبـتـغـي عـمـلا *وذو عـمـلٍ بـه ضَـجُـرا

فـهل حـاروا مع الأقـدار*أم هم عـارضـوا القـدرا
وهـم لـو أمـــنـوا بــالله*رزاقـــــا ومُــــقــتــدرا
لما لاقوا الذي لاقــــوه*لا هَـــــــــمًّا ولا كَـــدرا
كم نسمع بأمور مدهشة؟؟ وكم نرى من حوادث غريبة؟؟ نذهل منها، ونعجب من وقوعها، ونتسأل كيف حدث هذا؟؟ ولما وقع ذاك؟؟ فإذا أمنَّا بالقدر ذهب عنا الذهول، وعلمنا عِظَم قدرة الله تعالى مُصرِّف الأمور،
قال بن عباس: إذا جاء القدر حال دون البصر.
نعم إذا جاء القدر عمي البصر، قال الحسن البصري رحمه الله: أن الله خلق خلقا فخلقهم بقدر، وقسَّم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية بقدر.عباد الله مكنوا هذه العقيدة من قلوبكم ورسخوها في صدوركم ، وسلكوا فيها مسلك أهل السنة والجماعة دون إفراط ولا تفريط.

الخطبة الثانية
عباد الله انما يقع اليوم هو ابتلاء وتمحيص وسنن الله في عباده
وقبل هذا وذاك هو قضاء وقدر لا ندري كيف ولا متى سينتهي
عباد الله مما يندى له الجبين وتبكي له المقل ويتفطر له القلب أن ترى مسلما يزعم انه رضي بالله ربا وباالاسلام دينا لكنه متشائم متذمر
لاعن للدهر متسخط على الرب يقع في الكفر ولا يدري اليأس في الدين كفر لان الله يقول {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}
وقال النبي(صلى الله عليه وسلم ){عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابه سراء شكر وكان خيرا له وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك الا للمؤمن}

لن تقر النفوس وتهداء الاعصاب إلا إذا خالطها الإيمان بالله، والتسليم له، والرضا بقضائه وقدره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا" رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه" رواه الترمذي.

النفس المؤمنة راضية مطمئنة لعدل الله وحكمته ورحمته ويقول عمر : (والله لا أبالي على خير أصبحت أم على شر لأني لا أعلم ما هو الخير لي ولا ما هو الشر لي).
وعندما مات ولد للفضيل بن عياض رحمه الله: ضحك، فقيل له: أتضحك وقد مات ولدك؟ فقال: ألا أرضى بما رضيه الله لي.
وأبشروا عباد الله بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت، حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم، استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله ـ تعالى ـ، لا ينال ما عنده إلا بطاعته" أخرجه ابن حبان وأبو نعيم في الحلية.
أيها المسلمون، إن الإيمان بالقضاء والقدر، يثمر السعادة والطمانينة وهذا ما ذكره الله في قوله: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا) [التوبة:51]

ما أحوجنا إلى الإيمان بالقدر، والتسليم لأقضية الله تعالى فينا! في زمن مَخوف مرعب، تعصف أحداثه ومفاجآته بالدول والشعوب والأمم، فلابد من الاستسلام لاقدار الله فينا
و ذلك أن الإيمان بالقدر يمثل حقيقة الإيمان.
قال ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: "لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، يَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَلَئِنْ أَعَضُّ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تُطْفَأَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِأَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ: لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ" رواه البيهقي وصححه.

فَلْنُرَسِّخ الإيمان بالقدر في قلوبنا، وقلوب مَن هم تحت أيدينا، ولْنَغْرِسْ هذا الأصل المتين من الدين في قلوب الناس؛ حتى يواجهوا هذه الاحداث بإيمان لا يتزعزع، ويقين راسخ لا يتضعضع، ويقابلوا ألم المقدور بالرضا والقبول؛ رجاء ثواب الله تعالى؛ فإن الدنيا إن ضاع شيء منها على المؤمن فلقد أبقى الله تعالى له أكثر مما ضاع، والعوض عنده سبحانه، وإن فقد الدنيا كلها فلا يفقد معها دينه الذي به صلاح آخرته، وفيها دوام معيشته: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:83].

هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداه محمد بن عبد الله رسول الله ومصطفاه، اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اجعلْنا من المؤمنين بك، المتوكِّلين عليك، الراضين بقضائك، المؤمنين بقَدَرك، الداعين لدينك، الشاكرين لنِعَمك؛ إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير،
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين.

للَّهمَّ بعلمِكَ الغيبَ وقُدرتِكَ على الخَلقِ، أحينَا إذا كانتِ الحيَاةُ خَيراً لنا، وتوَفَّنا إذا كانتِ الوَفاةُ خيراً لنا، ونسألُكَ خشيَتَك في الغيبِ والشهادة، ونسألكَ كَلِمة الحَقِّ في الغضبِ والرِّضا، ونَسألكَ القصدَ في الفقرِ والغنى، ونَسألكَ نَعيماً لا ينفدُ، ونسألكَ قُرَّةَ عينٍ لا تنقطِعُ، ونسألك الرِّضا بعدَ القضاءِ، ونسألك بردَ العيشِ بعدَ الموتِ، ونسألكَ لذةَ النَّظرِ إلى وَجهِكَ الكريمِ، ونسألكَ الشَّوقَ إلى لِقائِكَ، في غيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين.

اللهم آمنا في أوطاننا واصلح احوالنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم واصرف عنهم شرارهم،
، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان يارب العالمين.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين وفك أسر المأسورين واقض الدين عن المدينين واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولجميع المسلمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، والحمد لله رب العالمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
(773027648)
المشاهدات 1412 | التعليقات 0