خطبة الجمعة القادمة واجب الشباب في بناء الحضارة والدفاع عن الوطن

الخطبة القادمة واجب الشباب في بناء الحضارة والدفاع عن الوطن

الشباب عماد النهضات، وهم أهل العزائم والشجاعة والإقدام والتضحيات. وقد كانوا حَمَلة الدعوة الإسلامية الأولى وأنصار الحق. فإن عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من الشباب، حين كذّبه معظم شيوخ مكة ، فالشباب هو وقت القوة والقدرة فينبغي للإنسان أن يغتنم شبابه قبل الهرم كما نصحنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن هذه القدرات تضمحل بعد ذلك بمرور الوقت ، أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير في الجزء الأول حديث رقم (1077) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ , شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ "

ألا واعلموا عباد الله أنّ الجنة أهلها شباب، فلا مكان للعجائز وكبار السن في الجنة! فليس لهم مكان، الكلّ هناك يكونون شابًّا ما بين سبط إلى الهرم، ورد في [الشمائل]، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، قَالَتْ: [دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي عَجُوزٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ]، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ؟!" فَقُلْتُ: [مِنْ خَالَاتِي]، فَقَالَتْ: [يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ]، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ! إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ"، فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: "أَخْبِرُوهَا؛ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ [الواقعة: 35- 37]. فأهل الجنة أَبْنَاءُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سنة، أخرج البيهقي بسند حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء السادس حديث رقم (2512) عن المقدام بن معدي كرب أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ سَقْطًا ، وَلاَ هَرِمًا ، وَإِنَّمَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ، إِلاَّ بُعِثَ ابْنَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، كَانَ عَلَى مِسْحَةِ آدَمَ ، وَصُورَةِ يُوسُفَ ، وَقَلْبِ أَيُّوبَ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عُظِّمُوا وَفخِّمُوا كَالجِبَال) في سنن الترمذي بسند صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير في الجزء الثاني حديث رقم (3116 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، قَالَ ( الجَنَّةُ بناؤها لبنةٌ مِنْ فِضَّةِ ولَبنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ومِلاطُها المِسْكُ الأذْفَرُ وَحَصَباؤها اللُّؤلُؤ والياقُوتُ وتُرْبَتُها الزَّعْفرانُ مَنْ يَدْخُلُها يَنْعَمُ لا يَيأَسُ وَيَخْلُدُ لا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيابُهُمْ ولا يَفْنَى شَبابُهُمْ )

الشباب والهمة في العبادة 

الشباب هو القوة الروحية والقوة البدنية، وهو فترة القدرة على إنجاز جسام المهام، أخي الشاب، هذه القوة اجعلها في طاعة الله، هذه الحيوية والنشاط اجعلها في الدعوة لله، أما سمعت عن ذاك الشيخ الكبير؛ ورقة بن نوفل وهو يقول لرسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بداية هذا الدين، يقول: " يا ليتني كنت فيها جذعاً أي شاباً فتياً قوياً يا ليتني كنت حياً حين يخرجك قومك، لئن أدركني هذا اليوم لأنصرنك نصراً مؤزراً"، فأين قوتكم؟ إن لم تستثمروها في طاعة الله، وأين فتوتكم؟ إن لم تجعلوها فيما يرضي الله أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )

اغتنموا شبابكم في طاعة الله كحال هذه الفتاة الشابة ابنة منيبه عابدة البصرة قال أبو عياش: كانت امرأة بالبصرة متعبدة يقال لها منيبة، وكان لها ابنة أشد عبادة منها، فكان الحسن ربما سمع وتعجب من عبادتها على صغر سنها فهي في ريعان شبابها ، فبينا الحسن ذات يوم جالس إذ أتاه آت فقال: أما علمت أن الجارية قد نزل بها الموت، فوثب الحسن فدخل عليها، فلما نظرت الجارية إليه بكت، فقال لها: ما يبكيك يا صغيرتي؟ قالت له: يا أبا سعيد! التراب يحثى على شبابي ولم أشبع من طاعة ربي، يا أبا سعيد! انظر إلى والدتي وهي تقول لوالدي: احفر لابنتي قبراً واسعاً، وكفنها بكفن حسن، والله يا أبا سعيد! لو كنت أجهز إلى مكة لطال بكائي، فكيف وأنا أجهز إلى ظلمة القبور ووحشتها، وبيت الظلمة والدود .

عبد الله بن عمرو بن العاص في شبابه وهمته في العبادة  كانت عنده قوة الشباب فكان يستغل هذه القوة في متابعة الصيام والقيام فطلب النبي منه أن يرفق بنفسه في العبادة فكان يقول للنبي أن أطيق أكثر من ذلك ، لم يضيع صحته وشبابه كما يفعل شبابنا اليوم في المسكرات والمخدرات  في صحيح مسلم قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بَلَغَنِي أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَلاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَلِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَظًّا صُمْ وَأَفْطِرْ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ « فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا ». فَكَانَ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي أَخَذْتُ بِالرُّخْصَةِ ).وفي رواية أخرى لمسلم  عن عبد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَهِكَتْ _ أي ضعف بصرها _ لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ ». قُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ « فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى » وعندما أخذه حماس الشباب في قراءة القرآن كاملاً كل ليلة، فلما علم بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال له مشفقاً عليه: "إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ ، وَأَنْ تَمَلَّ ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ , فَقُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ , قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ , قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي , فَأَبَى. "(أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح).

أيها الشباب لا تستغلوا قوتكم وشبابكم في معصية الله كحال هذا الشاب الذي كانت عنده قوة الشباب فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم ليرخص له الزنا  أخرج الإمام أحمد بسند صححه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء الأول حديث رقم ( 370 )عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ . مَهْ . فَقَالَ: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا " . قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ " قَالَ: لَا . وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ " قَالَ: لَا . وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ " قَالَ: لَا . وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ " قَالَ: لَا . وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ " . قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " قَالَ: لَا . وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ . قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ " . قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ  : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ “

اغتنام عمر الشباب قبل عروض المشاغل أيها الشباب إن العوارض كثيرة، والأشغال متعددة، وتتزاحم الهموم، وينشغل التفكير، ويتكدر صفاء الذهن بمشكلات الحياة الكثيرة، ولذلك لا بد من اغتنام عمر الشباب قبل عروض المشاغل ، إن لم تصلى لله في شبابك فمتي تصلى حين تخور قواك وتتجمد مفاصلك ،إن لم ينكسر صلبك بين يدي ربك في ظلمات الليالي وأنت شاب فمتي تقوم بين يديه حين تشيب وتتكأ على عصا ، إن لم تصوم لله في شبابك فمتى تصوم حين تنشغل بالأمراض التي تنهك جسدك عند الهرم والكبر ،فالإنسان لا يدري ماذا تخبئ له الأيام، وبعض الناس قد انشغل بمرض سنوات طويلة، أقعده وآلمه، وصرفه عن سعيه ونشاطه، ولا يظنن الشاب أن الأمر سيستمر على ما هو عليه:

                أترجو أن تكون وأنت شيخ *** كما قد كنت أيام الشباب

                لقد كذبتك نفسك ليس ثوب *** دريس كالجديد من الثياب

اغتنمْ الطاعةَ حالَ قُدْرَتِكَ قبلَ هُجُومِ عَجْزِ الكِبَرِ عليكَ ، فَتَنْدَمَ على ما فَرَّطْتَ في جَنْبِ الله واعلم أنك مسؤول بين يدي ربك عن شبابك فيما أبليته  ، أخرج الترمذي بسند صححه الألباني في الجزء الثالث حديث رقم (946) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال : « لا تزول قدمَا ابنِ آدمَ يومَ القيامة من عند ربه ، حتى يُسألَ عن خمس : عن عمُره فيما أفناه ؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم ؟ »

دور الشباب في الدِّفاعِ عن الوطنِ وحمايتهِ

لَقَدْ فَطَرَ اللهُ تَعالَي خَلْقَهُ عَلي حُبِ أوْطَانهم وبلادِهم فَحُبُ الأوطانِ منْ الإيمانِ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى ذَاكِرًا الأَوْطَانَ وَمَوَاقِعَهَا فِي القُلُوبِ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ فَسَوَّى بينَ قَتْلِ أَنْفُسِهِم والخُرُوجِ مِن دِيَارِهِم، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لو كَتَبَ على عِبَادِهِ الأَوَامِرَ الشَّاقَّةَ على النُّفُوسِ مِن قَتْلِ النُّفُوسِ، والخُرُوجِ مِن الدِّيَارِ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا القَلِيلُ مِنْهُم والنَّادِرُ ، وَنَسَبَ اللهُ الدِّيَارَ إلى مُلَّاكِهَا: قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ في الصحيحين عَن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَت، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهم الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ دِيَارِنَا». فَدَعَا أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِن رَحْمَتِهِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِن أَرْضِهِ وَأَنْ يُبْعِدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَهُ عَن وَطَنِهِ ، والدفاع عن الأوطان واجب شرعي في حق الجميع ويأتي النصر على أيدي الشباب حيثُ يكونُ الشبابُ أوّلَ من يقدِّمونَ أنفسهم فِداءً للوطنِ، ويفدونه بكلَّ غالٍ ونفيسٍ ، ونضرب علي ذلك مثالا من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وهو

 سعد بن خيثمة بن الحارث ، ولما أراد المسلمون النفور إلى بدر ، وأرادوا الجهاد في سبيل الله؛ فما كان من أبيه خيثمة إلا أن قال لابنه: يا بني! تعلم أنه ليس مع النساء من يحميهن، وأريد أن تبقى معهن. ورأى هذا الشاب أن هذه فرصة لا تتعوض للجهاد في سبيل الله، قال: والله يا أبتاه! لا أجلس مع هؤلاء النساء. للنساء رب يحميهن، والله! ما في الدنيا شيء تطمع به نفسي دون الجنة، والله! لو كان غير الجنة -يا أبتاه- لآثرتك به، ولكنها الجنة، والله لا أوثر بها أحداً، ثم ذهب الشاب، وترك الشيخ الكبير مع هؤلاء النساء، ذهب يطلب ما عند الله، فاستشهد في سبيل الله -بإذن الله نحسبه شهيداً، ولا نزكي على الله أحداً- يقول أبوه بعد ذلك: والله! لقد كان سعد أعقل مني، أواه أواه! لقد فاز بها دوني، والله! لقد رأيته البارحة في المنام: يسرح في أنهار الجنة وثمارها، ويقول: أبتاه! الْحقْ بنا فإنَّا قد وجدنا ما وعد ربنا حقَّا. روي بن حبان في صحيحة بسند حسن عن أبي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ "

وهذا حبّ النبي  صلى الله عليه وسلم  ((أسامة بن زيد))  رضي الله عنه  كما في صحيح مسلم وغيره ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش وعمرة 18 سنة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم  فجعله أبو بكر الصديق  رضي الله عنه  قائداً للجيش كذلك فاستمر وغزى الروم وانتصر فلله العجب شاب في هذه السن يقود جيش ويقاتل الروم وينتصر إن العجب لا ينتهي وكيف لا ؟! فقد تعجب بعض الصحابة رضي الله عنهم" حتى طلبوا من الرسول  صلى الله عليه وسلم أن يولي من هو اكبر منة سناً فغضب النبي  صلى الله عليه وسلم  وخطب الناس وقال: " ما بال أقوام يقدحون في أن وليت أسامة على الجيش وأيم الله أن كان للإمرة لخليق وانه لمن أحب الناس إليّ فاستوصوا به خيراً فانه من خياركم" .. ولذلك سمي بعد ذلك حب النبي  صلى الله عليه وسلم  وفي هذه الصورة المشرقة إشارة واضحة تدل على كيف كان النبي  صلى الله عليه وسلم  ينظر للشباب ويبني فيهم الثقة في أنفسهم. فترفعوا عن سفاسف الأمور وتطلعوا إلى معاليها !! في صحيح مسلم (6418 )- عن ابن عمر صلى الله عليه وسلم  أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « إِنْ تَطْعَنُوا فِى إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِى إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ. وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَىَّ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ ».

شاب مجاهد يموت جنباً فتغسله الملائكة بماء المزن في صحاف الفضة إنه حنظلة بن أبي عامر ، اشتُهر ولُقِّبَ في كتب السيرة النبوية بـ (غسيل الملائكة)، لأنّ الملائكة هي التي غسّلته، حيث تزوّج حنظلة من جميلة بنت عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وكان زواجه منها في الليلة التي صبيحتها غزوة أحد، وقد استأذن حنظلة النبي صلى الله عليه وسلم بالمبيت عندها، فأذن له بذلك، وعندما صلّى الصبح أراد الخروج لرؤية النبي، ولكن جميلة لزمته، وبقي معها وأجنب، وعندما سمع المنادي ينادي للجهاد خرج دون أن يغتسل ، وقد عُدّ هذا الأمر باباً لتكريمه نال حنظلة من الشرف و الكرامة مالم ينله غيره رضي الله عنه وذلك حين سمع منادي حي على الجهاد يوم غزوة أُحد صبيحة عرسه فخرج وهو جُنب لم يغتسل فقاتل وقتل شهيداً ، حيث قتل على يد شداد بن الأسود و أبي سفيان اللذان اشتركا في قتله ، في سنن البيهقي بسند صحيح عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ صَاحِبَكُمْ تَغْسِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ يَعْنِى حَنْظَلَةَ فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ ». فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لِذَلِكَ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ » و لما علم رسول الله بمقتله قال: ( إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة ) قال أبو أسيد الساعدي : فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء ، وقد ذكر السهيليّ عن الواقديّ وغيره أنّ حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه عندما عُثر عليه في القتلى، وُجد رأسه يقطر بالماء، ولم يكن الماء على مقربة منه، وفي هذا إشارة وتصديقاً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن صاحبكم تغسله الملائكة).

دور الشباب في التقدم العلمي وفي نهضة الأمة عليما وثقافيا وفكريا

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، وما آتى الله عز وجل عبداً علماً إلا شاباً والخير كله في الشباب ، ثم تلا هذت الآية: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60] وقد أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]. وقال تعالى: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ [الكهف: 10] وقال جل شأنه: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ ﴾ [الكهف: 13] ، يقول ابن شهاب الزهري رحمه الله مُحدِّثًا الشباب: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل؛ دعا الفتيان واستشارهم يبتغى حدة عقولهم"

حكى المسعودي في شرح المقامات: أن المهدي العباسي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة وإياس يتقدمهم، فقال المهدي: أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم إن المهدي التفت إليه وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد لما ولاه النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم أبو بكر وعمر، فقال المهدي: تقدم بارك الله فيك. فالشباب هم روح الأمة، وهم حملة الراية، ولن تقوم للأمة قائمة إلا على أكتاف الشباب الذين يريدون ما عند الله والدار الآخرة.

الإمام البخاري رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع. يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فبدأت أجمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة من ماله) والبخاري رحمه الله كان يتمثل بهذين البيتين:

               اغتنمْ في الفراغِ فضلَ ركوعٍ *** فعسى أن يكونَ موتُك بغتة
             كم صحيحٍ رأيتَ من غير سُقمٍ *** ذهبتْ نفسهُ الصحيحةُ فلتة

وفعلاً فقد توفي البخاري رحمه الله بالسكتة وموت الفجأة، مثلما كان يقول في هذين البيتين، ولكن أي شيء خَلّف البخاري؟ ماذا ترك محمد بن إسماعيل رحمة الله عليه؟ ترك هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ومنه ينهل الواردون، ويأتي المتعطشون للعلم، ويُستدل بأحاديثه في الخطب، والدروس، والمواعظ، فكم جاء لأبي عبد الله في قبره من حسنة، والله يعلم شأنَ عباده..

الإمام الشافعي -رحمه الله- فقد كان يكتب على الألواح، ويتنقل بين العلماء بهمة عالية بحثًا عن العلم، وقد حباه الله بإمكانيات هائلة، حتى إنه حفظ الموطأ وهو في العاشرة من عمره، وليس ذلك فحسب بل إنه جلس على كرسي الفتيا وهو في الثانية عشرة من عمره، فانتشر مذهبه وذاع صيته في العالم الإسلامي أجمع، فهو أول من أصَّل علم أصول الفقه.

دور الشباب في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام

ها هو مصعب بن عمير رضي الله عنه " كان من أنعم غلامان مكة وأجودهم حلة مع أبويه فترك كل ذلك ؛فما لبث أن صار أول سفير في الإسلام، رحل إلى المدينة داعية ومعلماً لأهلها, حمل الراية، في غزوة أحد وقتل قتالا ما سمع الدهر بمثله، فضرب ثمانين ضربة وهو متمسكا بعلم المسلمين !

قتيبة بن مسلم الباهلي القائد العربي المجاهد فاتح بلاد ما وراء النهر وهي تشمل جزءا كبيرا من أفغانستان وروسيا ذلك القائد المسلم الذي حارب بلا هوادة ليرفع اسم الإسلام عاليا يوم كانت الجيوش العربية الإسلامية تمثل كيانا واحدا متحدا لا متفرقا تنطلق باسمه تحت راية لا الله إلا الله محمد رسول الله وحدها فتنصاع لهيبتها الجبال والبحار وقد أسهم هذا الفتى بفخر في نشر نور الإسلام ، وحين كان يهم بفتح بلاد الصين فأقسم والله لأطأن أرضكم ولأقيدن أعناق ملوككم ولآخذن منكم الجزية ولأطأن بأقدام فرسي أرض مملكة الصين قال ابن كثير في البداية والنهاية وفي سنة ست وتسعين فتح قتيبة بن مسلم رحمه الله تعالى كاشغر من أرض الصين وبعث إلى ملك الصين يتوعده ويقسم بالله أن لا يرجع حتى يطأ بلاده ويختم ملوكهم وأشرافهم ويأخذ منهم الجزية أو يدخلوا في الإسلام فكانت بينهما مراسلات تم بعدها الاتفاق على إرسال مجموعة من أشرافهم وأبناء ملوكهم إلى قتيبة ومعهم الأموال الطائلة وصحافا واسعة من ذهب فيها تراب من أرض الملك الصيني ليطأها قتيبة بقدميه حتى يبر يمينه وأرسلوا رساله هذا تراب الصين في صحائف الذهب يطأها قتيبة وهاهم أبناء ملوكنا ضع عليهم وسم المسلمين والجزية ستأتيك في كل عام ولا تأتي إلى بلادنا .

ما وهنا ما وهنا ? نحن أحفاد المثنى
في طريق المجد سرنا? اسألوا التاريخ عنا
مجدنا ذات السلاسل ... عِزنا أسوار تُستر
  واسألوا قصر المدائن ? إذ به القعقاع كبر
لا نبالي لو أردنا... خلع هامات الجبال
في سبيل الله سرنا... عبر ساحات القتال
أيها التاريخ عدنا... قد رجعنا من جديد
بالدماء قد كتبنا... صفحة المجد التليد
اسألوا جند الصليب ... اسألوا جند التتار
هل يئسنا من قتال... أو كُسرنا من حصار
واذكروا فتحًا بمكة... بعد صبر وانتظار
طارق في وادي لَكة... خاض أمواج البحار
اسألوا ذات الصواري... اسألوا عنا الصحاري
نحن طلاب المعالي... نحن رهبان الليالي

وممَّا يدل على أن العاقبة ستكون للأمة المحمدية على أيدي شبابها إن شاء الله ما أخرجه الإمام أحمد والدارمي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولًا؟ أقسطنطينية أو رُوميَّة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينةُ هِرقْل تفتح أولًا، يعني القسطنطينية" وتمت البشارة الأولى في عهد محمد الفاتح رحمه الله ففتح القسطنطينية التي عجز المسلمون الأوائل عن فتحها وكان عمره خمس وعشرون عامًا، وها نحن ننتظر  البشارة الثانية إن شاء الله تعالى أسأل الله تعالى أن يمكن لدينه وأن يفتح له قلوب الناس ، هذا وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير صل الله عليه وسلم .

 

المشاهدات 1854 | التعليقات 0