خطبة الجمعة القادمة :كيف نحتفل بمولد سول الله صلى الله عليه وسلم
الشيخ السيد مراد سلامة
الحمد لله الذي أطلع للإسلام في شهر ربيع الأول سعده، ونظم فيه للهدى عقده، حيث أبرز للوجود نبيه وعبده، وأفض عليه من الكمالات مالا يمكن لحاسب أن يعده، وحلاه بالرسالة فبذل في أدائها جهده، أضاء الوجود بالدعوة إلى الله وحده، أحمده أن جعل أمتنا [ آخر الأمم ] وخير أمة، وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمّة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله للعالمين رحمة، [ فدعا إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكِلْمَة، فكشف الله به الغمّة، ومحا بنور سنته الظلمة ] صلى الله عليه، صلاة تكون لنا [ طريقا إلى الجنة ]، وسلم تسليما كثيرا على آله وصحبه0أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بسنة الحبيب –صلى الله عليه وسلم-، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
أما بعد:
حديثنا عن حبيب القلوب خليل علام الغيوب، من حجبت أنواره أنوار الشمس والقمر
حديثنا عن شمس الحقائق و ضياها، ولفظ الرسالة ومعناها، ومرآة العلوم و مجلاها، اصطفاه الله من بحر لا يخاف كدره، و من شجر لا يَخْلُف ثمره ،فغسل به من الكفر جوها مسودة، والأن به للتقى قلوبا مشتدة، و جعله للدين ظَهِيرا و ظَهْرا ،وللحق ظَهِيرة و ظُهرا، فكف به كف الظلم، ورفع به لواء السلم ،و زين به سماء العلم ،-صلى الله عليه وسلم
فيا أحباب رسول – صلى الله عليه وسلم – كل عام أنتم بخير فقد هل علينا هلال شهر ربيع الأول هلال مولد خير البرية وسيد البشرية ورحمة الإنسانية ونور رب البرية – محمد صلى الله عليه وسلم-
واختلفت الأشربة والمذاهب في كيفية الاحتفال فهذا يحتفل بأنواع الطعام والشراب واكل الحلوى وأخر بحلقات الذكر وثالث بالخطب الرنانة و الأشعار المزدانة و كل هذه الاحتفالات احتفالات جوفاء لا تليق بمكانة الحبيب النبي – صلى الله عليه وسلم – لذا كان لزاما واجل مسمى أن نصحح المسار ونوضح السبيل القويم و النهج المستبين للاحتفال بسيد الأولين و الأخرين
أولا: نحتفل بمولد سول الله-صلى الله عليه وسلم-بالشكر لله عز وجل – على مولد الهدى وسراج الدجى
فمن أعظم النعم وأغلاها نعمة الرسالة المحمدية – فمولده هو مولد أمة الرحمة وأمة الهداية ولولا الله تعالى ثم نبيه – صلى الله عليه وسلم-لكنا نعبد الأصنام والأوثان لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -هو المنقذ الذي أنقذنا من الضلالة وأخرجنا من لجة الغواية
بعث محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً ، فإذ كل شيء فيه في غير محله ، فمن أساسه ومتاعه ما تكسر ، ومنه ما التوى وانعطف ، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكاناً آخر ، ومنه ما تكدس وتكوم .
نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته ،رآه يسجد للحجر والشجر والنهر ، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر .
رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم ، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله ، قد أصبح فيه الذئب راعياً والخصم الجائر قاضياً ، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظيا ، والصالح محروماً شقياً لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف ، ولا أعرف من المنكر ،ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية ، وتسوقها إلى هوة الهلاك .
رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان ، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار ، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد .
رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله ، يأكلون أموال الناس بالباطل ، ويصدون عن سبيل الله .
رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع ، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه ، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه ، ويجرح به أولاده وإخوانه . ([1])
لذا واجب علينا أن نشكر الله تعالى على تلك النعمة التي امتن بها علينا في غير ما آية من كتابه الكريم فقال رب العالمين {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [آل عمران: 164]
ولقد وصف الله تعالى النبي – صلى الله عليه وسلم بصفات أكد فيها هذه المنة
الوصف الأول: أنه من أنفسهم أي من جنس العرب أو من جنس بني أدم
الوصف الثاني: قوله: يتلوا عليهم آياته
الوصف الثالث والرابع: قوله -تعالى -: ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
و قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]
ثانيا: نحتفل برسول الله –صلى الله عليه وسلم-بالاقتداء به
ومن أجل صور الاحتفال بسيد الرجال – صلى الله عليه وسلم-أن نقتدي به في أحواله و أفعاله، لا كما نرى من هجر لسنته و اقتداء بعدائه و محاربة سنته
عباد الله: قفوا أمام مرآة السنة المحمدية ليرى كل واحد منا حاله مع حبيبه و مصطفاه ألم يقل الله تعالى لنا في كتابه العزيز { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21]
ولكن كيف نقتدي به؟
يكون الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-بالسير خلفه صلى الله عليه وسلم-قال الجنيد بن محمد -قدس الله روحه -الطرق كلها سدودة إلا طريق من اقتفى آثار النبي فإن الله عز و جل يقول وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك وقال بعض العارفين كل عمل بلا متابعة فهو عيش النفس([2]) (2 )
وإليكم طرق الاقتداء بسيد الأصفياء
1- نقتدي به في صدقه – صلى الله عليه وسلم-أن نكون صادقين مع الله صادقين مع رسوله – صلى الله عليه وسلم –صادقين مع انفسنا صادقين مع الناس، فنبينا –صلى الله عليه وسلم –هو الصادق الأمين عن عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا». ([3]) أخرجه البخاري
وأخبر أن المؤمن قد يقع في المعاصي والآثام لكنه لا يكذب أبداً كيف لا وهو الذي قال فيه تعالى وفي إتباعه ومن اقتدى به { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (الزمر:33).
- صبره صلى الله عليه وسلم : فهو إمام الصابرين في كل مناحي الحياة صبر على الدعوة صبر على الأذى صبر على أقدار الله تعالى فقد صبر صلى الله عليه وسلم صبرا لم ير من قبل لان الله تعالى قال له {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (النحل الآية : 127 ).
فالواجب علينا أن نصبر و نصابر اقتداء بالرسول – صلى الله عليه وسلم- و تنفيذا لأمره جل جلاله حيث ،قال الله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتوا الكتابَ مِنْ قبلكم وَمِنَ الذين أَشْرَكُوا أَذىً كثيراً وإن تَصْبِرُوا وتتقوا فإن ذلك مِنْ عَزْمِ الأُمور} [آل عمران: 186] وقال الله تعالى: {وَدَّ كثير من أهل الكتاب لو يَرُدُّونكم مِنْ بَعْدِ إِيمانكم كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أنفسهم مِنْ بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفَحُوا حتى يأتيَ الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 109]
3-أن نقتدي به في جوده و سخائه-صلى الله عليه وسلم-فقد كان نبيكم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر و الفاقة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَعْطَاهُ قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِشِيَاءٍ كَثِيرَةٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ مِنْ شِيَاءِ الصَّدَقَةِ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ " ([4]) أخرجه مسلم
3-الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته: فهو إمام العابدين و سيد الذاكرين من غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و على الرغم من ذلك يصلي حتى تتورم قدماه عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟» ([5]) أخرجه مسلم
4- أن نقتدي به في شجاعته – فقد كان نبيكم صلى الله عليه و سلم اشجع الناس كانت تفر الكماة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف كالجبل الذي لا يتزحزح
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ , عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ» , ([6])
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْبَرَاءِ، فَقَالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ، وَحُسَّرٌ إِلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ بِرِشْقٍ مِنْ نَبْلٍ كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَانْكَشَفُوا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ يَقُودُ بِهِ بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، اللهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ»، قَالَ الْبَرَاءُ: «كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» }([7])
5- نقتدي به صلى الله عليه وسلم- في نصرة المظلومين و قضاء حوائج المحتاجين
و لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم-ملاذ الخائفين و المظلومين فما رأى مظلوما إلا نصره و لا خائفا إلا امن روعه ولا محتاجا إلا قضى حاجته ولا غارما إلا قضى دينه –صلى الله عليه وسلم-
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي، وكان واعية، قال: قدم رجل من إرَاشٍ- قال ابن هشام: ويقال: إرَاشَةَ- بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل، فمطله بأثمانها. فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ناحية المسجد جالس، فقال: يا معشر قريش، من رجل يؤد بنى على أبي الحكم بن هشام، فإني رجل غريب، ابن سبيل، وقد غلبني على حقي؟: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس- لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهم يهزؤن به؛ لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه، فإنه يؤديك عليه.
فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال:
يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبنى على حق لى قبله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه، يرحمك الله، قال: انطلق إليه، وقام معه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما رأوه قام معه، قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه، فانظر ماذا يصنع.
قال: وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى جاءه، فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: محمد، فاخرج إلي، فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم،
لا تبرح حتى أعطيه الذي له، قال: فدخل، فخرج إليه بحقه، فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال للإراشي:
الحق بشأنك، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرا، فقد والله أخذ لي حقي.
قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك! ماذا رأيت؟ قال:
عجبا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعط هذا حقه، فقال: نعم، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه فدخل فخرج إليه بحقه، فأعطاه إياه. قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك! ما لك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط! قال: ويحكم، والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي، وسمعت صوته، فملئت رعبا، ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل، ما رأيت مثل هامته، ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلنى. ([8])
ثالثا: نحتفل برسول الله بمحبته
و ليس الحب كلمة تقال باللسان أو قصيدة تلقى أو مقالات تكتب بل محبته ترجمة حرفية فورية لتعاليمه -صلى الله عليه وسلم-قال الله - تعالى- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32]
وها هو صلى الله عليه وسلم-يبن حقيقة حبه ففي الصحيحين عن أنس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين وقال مسلم من أهله وماله والناس أجمعين"([9])
اعلموا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض أوجبه الله تعالى على كل مسلم ومسلمة، فقد قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [ التوبة: 10 ].
وتأملوا كيف كانوا يحبونه صلى الله عليه وسلم-
ومن حبهم له صلى الله عليه وسلم تفضيلهم إياه على أهليهم وذويهم بل أيضاً على أنفسهم؛ وهذا ما أمر الله به المسلمين جميعاً،
أخرج الطبراني عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: "لما كان يوم أُحد خاض أهل المدينة خيضة وقالوا: قُتِل محمد، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار محرمة فاستقبلت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها لا أدري أيهم، استقبلت بهم أولاً، فلما مرَّت على أحدهم قالت: "من هذا؟ "قالوا: "أبوك، أخوك، زوجك، ابنك"، تقول: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "يقولون: "أمامك"، حتى دُفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سلمت من عطب" ([10])
ولم يكن خوفهم من فراقه يقتصر على الدنيا بل تعداه إلى خشيتهم من فراقه في الآخرة، أخرج الطبراني عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي , وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي , وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي , وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ , وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعَتْ مَعَ النَّبِيِّينَ , وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ , فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] ([11])
وفي صحيح البخاري، عن قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا، خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ([12])
رابعا: نحتفل برسول الله بالذود عن شخصيته –صلى الله عليه و سلم-
في زمن أصبح الإسلام و رسوله –صلى الله عليه و سلم- موضعا للاتهام و الاستهزاء سواء من اليهود و النصارى أو من العلمانيين من امته واجب علينا اذا اردنا أن نحتفل به- صلى الله عليه وسلم- أن نذود عنه و عن سنته لان ذلك من الإيمان به قال الله تعالى
{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157]
وانظروا كيف كان أبناء الصحابة يذودون عن حبيبهم – صلى الله عليه وسلم-
عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَقَالَ: لِي أَحَدُهُمَا يَا عَمَّ: هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ: نَعَمْ وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَشْتِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سِوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَزُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ: مِثْلَهَا فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِمَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ أَوْ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: لَهُمَا أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِي عَنْهُ فَابْتَدَرَاهُ بِأَسْيَافِهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا أَسْيَافَكُمَا فَقَالَا: لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَهُمَا مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ اللَّذَانِ، ضَرَبَا أَبَا جَهْلٍ) ([13])
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجلال والإكرام، شرع الشرائع وأحكم الأحكام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ما تعاقبت الشهور والأيام، وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد :
خامس: نحتفل برسول الله بالصلاة عليه:
فمن احب شيئا اكثر من ذكره و الحديث عنه فما بالك اذا كان ذلك المحبوب هو من أخرجك من الظلمات الى النور ؟
فما بالك اذا كان ذلك المحبوب هو شفيعك يوم القيامة؟ كيف يكون حالك ؟
عَن الطُّفَيْل ابْن أُبَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي قَالَ مَا شِئْتَ قُلْتُ الرُّبُعَ قَالَ مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ قُلْتُ النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ قُلْتُ الثُّلُثَيْنِ قَالَ مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ([14])
ذم من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: " وَأَظُنُّهُ قَالَ: أَوْ أَحَدُهُمَا "» ([15])
[1] - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص: 96)
[2] - طريق الهجرتين (ص: 21)
[3] - أخرجه البخاري (5/2261 ، رقم 5743) ، ومسلم (4/2012 ، رقم 2607)
[4] - أخرجه : مسلم 7/74 ( 2312 ) ( 57 ) .
[5] - أخرجه مسلم 81 - (2820)
[6] - مسند أحمد ط الرسالة (2/ 454)وأخرجه النسائي (8639) ، وأبو يعلى (302)
[7] - صحيح مسلم (3/ 1401)
[8] - الروض الأنف ت الوكيل (3/ 371) عيون الأثر (1/ 132) سيرة ابن هشام (1/ 390)
[9] - ومسلم (1/49) وابن ماجة (67)
[10] --(حلية الأولياء: 2/377).
[11] - ( مجمع الزوائد: 7/10). الصحيحة: 2933 , فقه السيرة: ص 199
[12] - صحيح البخاري (3/ 194)
[13] - أخرجه البخاري (3141) و (3964) ، ومسلم (1752) ، وأبو يعلى (866) ، والطحاوي 3/227 -228، وابن حبان (4840)
[14] - أخرجه أحمد (5/136 ، رقم 21279) ، وعبد بن حميد (ص 89 ، رقم 170) ، والترمذى (4/636 ، رقم 2457)
[15] - أخرجه : الترمذي (3545) ، وقال : (( حديث حسن غريب )) . .
المرفقات
نحتفل-بمولد-سول-الله
نحتفل-بمولد-سول-الله