خطبة الجمعة السادس من شهر الله المحرم لهذا العام 1446هـ عن صيام عاشوراء
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
الحَمدُ للهِ نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيرًا أمّا بَعْدُ (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) قَالَ الاِمَامُ ابنُ كثير رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ أيْ حَاسِبُوا أنفُسَكُمْ قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا وانظُرُوا ماذا ادَّخَرْتُمْ لأنفُسِكُمْ مِنَ الأعمالِ الصالحةِ ليومِ مَعَادِكُمْ وعَرْضِكُمْ على ربِّكُمْ ا.ه قَبْلَ أَيَّامٍ وَدْعنَا عامًا ماضيًا شَاهِدًا عَلَينَا واستقبلنا عامًا جديدًا وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ عَلَينَا الِاعْتِبَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ )) عِبَادَ اللَّهِ لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَدَّ فِي أَعْمَارِنَا حَتَّى بَلَغَنَا هَذَا الشَّهْرُ الْعَظِيمُ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ أَوَّلُ شُهُورِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ شَهْرٌ أَضَافَهُ ﷺ إِلَى اللهِ فَسَمَّاهُ شَهْرَ اللهِ الْمُحَرَّمَ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَأَحَدُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا (( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ))
وَقَدْ وَرَدَ الْفَضْلُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ صِيَامِ النَّافِلَةِ فِي شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ )
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : إِنَّمَا كَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلَ الصِّيَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ فَكَانَ اسْتِفْتَاحُهَا بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ صِيَامِ التَّطَوُّعِ فِيهِ عِبَادَ اللَّهِ وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَيَّامِ فِي شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ لمّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ ﷺ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ ﷺ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ ﷺ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ رواه البخاري وروى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رواه مسلم. وَيُوَافِقُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هَذَا العَامِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الْقَادِمِ فَاحْرِصُوا عَلَى صِيَامِهِ إِتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ وَاحْتِسَابًا لِلْأَجْرِ مِنْ رَبِّكُمْ فَفِي الحَدِيثِ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ ( صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءِ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ ) وَمُخَالَفَةً لِليَهُودِ اسْتَحَبَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ نَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَو يَومًا بَعْدَهُ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ العِلْمِ إِفْرَادُ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ بِالصَّوْمِ بَارَكَ اللهُ لِي ولَكُمْ فِي الكِتَابِ والسُّنَّةِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالحِكْمَةِ أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا أَمَّا بَعْدُ فَاتَقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَنَا وَأَمَدَّ فِي أَعْمَارِنَا حَتَّى أّدْرَكْنَا هَذَا العَامَ الهِجْرِي الجَدِيد بَعْدَ أَنِ انْطَوَتْ صَفَحَاتُ عَامٍ مَضَى وَانْقَضَى وَهُوَ يُذَكِّرُنَا بَأَنَّ الأَيَّامَ خَزَائِنُ الأَعْمَالِ وَمَرَاحِلُ الأَعْمَارِ وَيَدْفَعُنَا أَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا قَالَ الفُضِيلُ رَحِمَهُ اللهُ لِرَجُلٍ كَمْ أَتَتْ عَلَيكَ قَالَ سُتُونَ سَنَةً قَالَ فَأَنْتَ مِنْذُ سِتِينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِكَ يُوشِكُ أَنْ تَبْلُغ فَقَالَ الرَّجُلُ (( إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ )) فَقَالَ الفُضِيلُ أَتَعْرِفُ تَفْسِيرَ ذَلِكَ تَقُولُ أَنَا للهِ عَبْدٌ وَإِلَيهِ رَاجِعٌ فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ للهِ عَبْدٌ وَأَنَّهُ إِلَيهِ رَاجِعٌ فَلْيَعْلَمَ أَنَّهُ مَوقُوفٌ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَوقُوفٌ فَلْيَعْلَمَ أنه مسئول وَمَنْ عَلِمَ أنه مسئول فَلْيُعِدَ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا الحِيلَةُ قَالَ يَسِيرَةٌ قَالَ الرَّجُلُ مَا هِيَ قَالَ الفُضِيلُ تُحْسِنُ فِيمَا بَقِي يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأَتَ فِيمَا بَقِي أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِي فَاتَقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاستقبلُوا عَامَكُم الجَدِيدَ بتوبةٍ نصوحٍ فكُلُّ يومٍ يمضي من أعماركم فسيكونُ لكم أو عليكم شهيداً
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ (( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ))
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمْ اللهُ عَلَى نَبِيّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وَقَدْ قَالَ ﷺ ( مَنْ صَلَى عَلَيّ صَلَاةً صَلَى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا ) اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنْ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَعَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ تبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ ورَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمّ أعزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاَحْمِ حَوْزَةَ اَلْدِّيْنَ وَاَجْعَلْ بَلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَاْدِ اَلْمُسْلِمِيْنَ يَا رَبَ العَالَمِينَ اللَّهُمّ آمِنَّا فِي أَوطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَتَنَا وَوُلاَةَ أَمْرِنَا وَأَيِّدْهُم بِالحَقِّ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ وَلَمَّا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَام اللَّهمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتِنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ اللَّهمَّ اخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا وَبِالسَّعَادَةِ آجَالَنَا وَبَلِّغْنَا فِيمَا يُرْضِـيكَ آمَالَنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) عِبَاْدَ اَللهِ )) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (( فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون ))
المرفقات
1720695098_خطبة الجمعة الموافق 6من المحرم1446هـ عن فضل صيام يوم عاشوراء.pdf
1720695115_خطبة الجمعة الموافق 6من المحرم 1446هـ عن فضل صيام يوم عاشوراء.docx