خطبة الجمعة
فهد موفي الودعاني
1432/12/06 - 2011/11/02 09:44AM
خُطْبَةُ الجُمعَةِ 8/12/1432هـ
للشيخ محمد بن مبارك الشرافي
أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ, وَاسْتَعِدُّوا لِلِقَائِهِ , وَتَزَوَّدُوا مِن دُنْيَاكُمْ لِأُخْرَاكُمْ , وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَيَّامَ وَالَّلَيَاليَ ظُرُوفٌ لِمَا أَوْدَعْتُم فِيهَا (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) إِنَّ الْيَومَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ , وَغَدَاً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ .
أَمَّةَ الإِسْلَامَ : إِنَّ الشِّعَارَ الذِي يَنْبَغِي إِظْهَارُهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الفَاضِلِةِ هُوَ قَوْلُ : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ ! وَيَتَمَيَّزُ الحُجَّاجُ والْمُعْتَمِرُونَ بِقَوْلِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ !
إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ الذِي نَحْنُ فِيهِ : هُوَ ثَامِنُ أَيَّامِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ , وَهُوَ أَوَّلُ أَيَّامِ الحَجِّ , وَيُسَمَّى : يَوْمَ التَّرْوِيَةِ , وَغَدَاً يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ , وَالْيَومُ الذِي بَعْدَهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الْأَكْبَرِ , ثُمَّ يَومُ القَرِّ وَهُوَ الْيَومُ الحَادِي عَشَر , وَسُمِّيَ بِيَومِ الْقَرِّ لأَنَّ الحُجَّاجَ يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنَى ! ثُمَّ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي وَهُوَ ثَالِثُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَآَخِرُ أَيَّامِ الْحَجِّ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ يَوْمَانِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ وَتَنْقَضِي الْأَيَّامُ الْعَشْرُ الفَاضِلَةُ ! وَلَكِنْ بَعْدَهَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ أُخْرَى هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ! فَهَيَّا فَلْنَجِدَّ وَلْنَجْتَهِدْ وَلْنَسْأَلْ رَبَّنَا الْإِعَانَةَ وَالقَبَولَ .
إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمٌ فَاضِلٌ جِدَّاً , حَتَّى قِيلَ : إِنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ , وَقَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِالْحَثِّ عَلَى عَمَلَيْنِ فِيهِ :
الْأَوَّلُ : الإِكْثَارُ مِنْ قَوْلِ [لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] طُوَالَ هَذَا الْيَوْمِ , سَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ حَاجَّاً أَمْ لا قَالَ النَّبِيُّ r (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواهُ الترمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
الْعَمَلُ الثَّانِي : الصَّوْمُ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ , وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَمَّا الحَاجُّ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمَ عَرَفَةَ , حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَ rكَانَ مُفْطِرَاً فِي عَرَفَةَ حِينَ حَجَّ , فعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها قَالَتْ : شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فالحَاجُّ إِذَنْ لا يَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ , لأَنَّ خَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ إِنَّ الحَاجَّ مُحْتَاجٌ للْفِطْرِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْيَومِ , وَالصَّومُ يُضْعِفُهُ عَنْ ذَلِكَ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَأَمَّا يَومُ عِيدِ الأَضْحَى فِإنَّهُ يُشْرَعُ فِيهِ لِغَيْرِ الحَاجِّ عِبَادَتَانِ عَظِيمَتَانِ , الأُولَى : صَلَاةُ العِيدِ , وَالثَّانِيَةُ : ذَبْحُ الأَضَاحِي
فَأَمَّا صَلَاةُ العِيدِ : فَهِيَ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مُرَدِّدِينَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ !
وَصَلاةُ العِيدِ وَاجِبَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَي العُلَمَاءِ , وَهِيَ سُنَّةٌ في حَقِّ النِّسَاءِ , لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ اَلْعَوَاتِقَ , وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ , يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ اَلْمُسْلِمِينَ , وَيَعْتَزِلُ اَلْحُيَّضُ اَلْمُصَلَّى . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَمَنْ تَرَكَ صَلاةَ العِيدِ مِنَ الرِّجَالِ البَالِغِينَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ فَهُوَ آَثِمٌ . وَالقَوْلُ بِوُجُوبِ صَلاةِ العِيدِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ الشَّيْخَيْنِ ابْنِ بَازٍ وابْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُمُ اللهُ أَجْمَعِينَ .
وَمِنْ سُنَنِ العِيدِ: التَّكْبِيرُ , والاغْتِسَالُ , وَلُبْسُ أَحْسِنِ الثِّيَابِ , والتَّطَيِّبُ , وَالذَّهَابُ مِنْ طِرِيقٍ إِلَى الْمُصَلَّى وَالعَوْدَةُ مِنْ طَرِيقٍ آَخَرَ , واصْطِحَابُ الأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ حَتَّى الحُيَّضِ وَالْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ , والاسْتَمَاعُ إِلَى خُطْبَةِ العِيدِ , وَالتَّهْنِئَةُ بِالعِيدِ بِقَوْلِ : تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ , أَوْ غَيْرِهَا مِنْ العِبَارَاتِ الْمُبَاحَةِ , فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوا يَومَ العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ [قَالَ الحَافِظُ فِي فَتْحِ البَارِي: إِسْنَادُهُ حُسُنٌ]
وَمِنَ السُّنَنِ الخَاصَّةِ بِعِيدِ الأَضْحَى أَنْ لا يَأْكُلَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ مُصَلَّاهُ , فَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَخْرُجُ يَوْمَ اَلْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ , وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ اَلْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) رَوَاهُ وَاَلتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والأَلْبَانِي
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ فَهِيَ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَمِنْ هَدْيِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ r , وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا , لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وقَالَ الأَلْبَانِيُّ ( حَسَنٌ )
وَمَعْنَى (سَعَةٌ) أَيْ اسْتِطَاعَةٌ , وَعَلَيْهِ فَمَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ أَوْ كَانَ دَخْلُهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَحَاجِةِ مَنْ يَعُولُ , فَلا يُضَحِّي , لِأَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ وَسَدَادُ الدَيْنِ وَاجِبٌ , فَلْيُنْتَبِه لِهَذَا !
ثُمَّ إِنَّ الأُضْحِيَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ مُسْتَقِلٌ , سَوَاءً كَانَ مُنْعَزِلاً كَالْبَيْتِ الْمُسْتَقِلِّ أَمْ مُتَّحِداً مَعَ غَيْرِهِ كَمَنْ يَسْكُنُونَ الشُّقَقَ ! أَمَّا مَنْ كَانَ يَعِيشُ مَعَ غَيْرِهِ لَكِنْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍ فَلَا يُطَالَبُ بِأُضْحِيةٍ ! فَمَثَلاً لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُتَزَوِجَاً لَكِنْ يَعِيشُ مَعَ أَبِيهِ وَمَأْكَلُهُمْ جَمِيعٌ وَمَكَانُ الطَّبْخِ مُتَّحِدٌ فَيَكْفِي أَنْ يُضَحِّيَ الأَبُ عَنِ الجَمِيعِ , أَمَّا لَوْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَطْبَخِهِ فَيُقَالُ لَهُ : ضَحِّ إِنْ كُنْتُ قَادِرِاً !
واعْلَمُوا أَنَّ السُنَّةَ فِي الأُضْحِيَةِ : أَنْ تَكُونَ عَن الحَيِّ , فَيُضَحِّي الرَّجُلُ عَن نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ والأَمْوَاتِ فَيَشْمَلُهُم الأَجْرُ , وَأَمَّا الأُضْحِيَةُ عَن المَيِّتِ فَلَهَا ثَلاثَةُ أَحْوَالٍ :
الحَالُ الأُولَى : أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً , بِمَعْنَى أَنَّ المَيَّتَ تَرَكَ مَالاً وَقَالَ : ضَحُّوا عَنِّي مِن هَذَا المَالِ , فَهُنَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ الوَصِيَّةُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَ الَوصِيَّةَ , حَتَّى تَنْفَدَ هَذِهِ الدَرَاهِمُ .
الحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَدْخُلَ المَيِّتُ تَبَعَاً , بِمَعْنَى أَنَّ الحَيَّ يَذْبَحُ عَنْ نَفْسِهِ وَيُدْخِلُ المَيِّتَ مَعَهُ , فَيَذْبَحُ أُضْحِيَتَهُ وَيَنْوِي أَجْرَهَا لِنَفْسِهِ وَلأَهْلِ بَيْتِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِن الأَمْوَاتِ , فَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُفْعَلُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَـَّا ذَبَحَ أُضْحِيَتَهُ قَالَ (بِاسْم اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ) فَقَوْلُهُ r [وَآلِ مُحَمَّدٍ] يَدْخُلُ فِيهِ آلُهُ الأَمْوَاتُ كَحَمْزَةَ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
الحَالُ الثَالِثَةُ : أَنْ يُضَحَّي عَن المَيِّتِ اسْتِقْلَالَاً , مِنْ دُونِ وَصِيَّةٍ , فَهَذِهِ خِلَافُ الأَفْضَلِ , لأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ بِهَا السُّنَّةُ , وَلِأَنَّ مِن أَهْلِ العِلْمِ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا لا تَصِحُّ , فَالأَحْوَطُ للإِنْسَانِ أَنْ لا يَفْعَلَ ذَلِكَ , لَكِنَّهُ لُوْ فَعَلَ فِإِنَّهَا تَصِحُّ إِنْ شَاءَ اللهُ !
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الأُضْحِيَةَ لا تَصِحُّ إِلا بِالشُّرُوطِ التَّالِيَةِ :
الأَوَّلُ : أَنْ تَكُونَ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَهِي : الِإبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ .
الثَّانِي : أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعَاً وَهِيَ : سِتَّةُ أَشْهُرٍ للضَّأْنِ , وَسَنَةٌ للْمَعْزِ , وَسَنَتَانِ للْبَقَرِ , وَخَمْسُ سِنِينَ للإِبِلِ , فَلَا يُجْزِئُ مَا دُونَ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِن العُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ , وَهِيَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ اَلْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اَللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَقَالَ ( أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي اَلضَّحَايَا : اَلْعَوْرَاءُ اَلْبَيِّنُ عَوَرُهَا , وَالْمَرِيضَةُ اَلْبَيِّنُ مَرَضُهَا , وَالْعَرْجَاءُ اَلْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ اَلَّتِي لَا تُنْقِي) رَوَاهُ اَلْخَمْسَة ُ وَصَحَّحَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّان
فَالعَوَرُ الْبَيِّنُ : هُوَ الذِي تَنْخَسِفُ بِهِ الْعَيْنُ ، أَوْ تَبْرُزُ حَتَّى تَكُونَ كَالزِّرِّ ، أَوْ تَبْيَضُّ ابْيِضَاضَاً يَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى عَوَرِهَا .
وَالمَرَضُ الْبَيِّنُ : هُوَ الذِي تَظْهَرُ أَعْرَاضُهُ عَلَى البَهِيمَةِ كَالحُمَّى الَّتِي تُقْعِدُهَا عَن الْمَرْعَى , وَتَمْنَعُ شَهيَّتَهَا ، أَوِ الجَرَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْسِدِ لِلَحْمِهَا أَوْ الْمُؤَثِّرِ فِي صِحِّتِهَا .
وَأَمَّا الْعَرَجُ الْبَيُّنُ : فُهُوَ الذِي يَمْنَعُ البَهِيمَةَ مِن مُسَايَرَةِ السَّلِيمِةِ فِي مَمْشَاهَا ,,, وَأَمَّا العَجَفُ فَهُوَ : الهُزَالُ وَهُوَ الضَّعْفُ الْمُزِيلُ للْمُخِّ .
فَهَذِهَ العُيُوبُ الأَرْبَعَةُ مَانِعَةٌ مِن إِجْزَاءِ الأُضْحِيَةِ ، وَيُلْحَقُ بِهَا مَا كَانَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَّدَّ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ يُضَحِّىَ بِهَا فِي الوَقْتِ الْمَحْدَّدِ شَرْعَاً , وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آَخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَهُوُ الْيَومُ الثَّالِثُ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ ، فَتَكُونُ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةً : يَوْمُ العِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ فَرَاغِ صَلاةِ العِيدِ ، أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الثَّالِثِ عَشَرَ لمْ تَصِحَّ أُضْحِيَتُهُ , لَكِنْ لَو حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِثْلُ أَنْ تَهْرُبَ الأُضْحِيَةُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فَلَمْ يَجِدْهَا إِلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الوَقْتِ ، أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَذْبَحُهَا فَيَنْسَى الوَكِيلُ حَتَّى يَخْرُجَ الوَقْتُ , فَإِنَّهُ يَذْبَحُهَا وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الوَقْتِ لأَنَّهُ مَعْذُورٌ .
وَيَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ لَيْلَاً أَوْ نَهَارَاً ، وَالذَّبْحُ فِي النَّهَارِ أَوْلَى ، وَكُلُ يَومٍ أَفْضَلُ مِمَّا يَلِيِهِ , لِمَا فِيهِ مِن الْمُبَادَرَةِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ , وَيَوْمُ العِيدِ بَعْدَ الخُطْبَتَيْنِ أَفْضَلُ لأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ التِي هِيَ أَفْضُلُ أَيَّامِ السَّنَةِ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : اذْبَحُوا أَضَاِحيكُمْ طَيَّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ , رَاضِيَةً بِهَا قُلُوبُكُمْ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ تَتَقَرَّبُونَ إِلى رِبِّكِمْ وَتَقْتَدُونَ بِنَبِيِّكُمْ مَحَمَّدٍ وَأَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ .
أَسْأَلُ اللهَ عزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعِيدَ هَذِهِ الأَيَّامَ عَلَيْنَا أَعْوَاماً عَدِيدَةُ وَأَعْمَاراً مَدِيدَةً وَنَحْنُ وَالْمُسْلِمُونَ بِأَحْسَنِ حَالٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا , اللّهُمَّ أعَزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ وَالكَافِرِينَ , اللّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الحَقِّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , اللّهُمَّ وَفِّقْ مَنَ قَصَدَ بَيتَكَ لِحَجٍ مَبْرُورٍ وَسَعْيٍ مَشْكُورٍ , اللّهُمَّ جَنِّبْ الحُجَّاجَ الفِتَنَ وَالزَّلَلَ , اللّهُمَّ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ فَعَلَيْكَ بِهِ , اللّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ أَعَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُحُورِهِمْ , اللّهُمَّ وَفِّقْ رِجَالَ أَمْنِنَا لِلتَصَدِّي لِكُلِّ غَادِرٍ وَخَائِنٍ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلالِ , وَمِنْ عُبَّادِ الْمَشَاهِدِ وَالقُبُورِ , اللّهُمَّ احْفَظْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَوَفِّقْهُمْ لِرَضَاكَ وَاهْدِهُمْ بِهُدَاكَ , وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْحَقِّ يَاحَيُّ يَاقَيُّومُ . اللّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ , وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
المرفقات
خُطْبَةُ الجُمعَةِ.doc
خُطْبَةُ الجُمعَةِ.doc
2خُطْبَةُ الجُمعَةِ.doc
2خُطْبَةُ الجُمعَةِ.doc
المشاهدات 3240 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بك
ابومها ابومها
خطبة جميلة بارك الله فيك
تعديل التعليق