(خطبة) التحذير من محبطات العمل وثوابه
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( محبطات العمل الصالح وثوابه) 30/12/1443
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله جل وعلا ، فمن اتقاه وقاه ، ومن عمل صالحا فمن وافر كرمه أعطاه ، فتقوى الله زاد المؤمنين في الدنيا والآخرة ، وأهل التقوى هم أهل الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة .
عباد الله : إن العبد في هذه الحياة يعمل الصالحات ، ويخلص فيها لله جل وعلا ، ويحرص على جمع الحسنات ، وهذا شيء يغيظ الشيطان ، ولهذا يسعى الشيطان في صد العبد عن العمل الصالح ، فمتى عصاه المسلم وعمل الصالحات ، سعى عدو الله في إحباطها ، وقد يستغرب المسلم فيقول هل يحبط العمل بعد الفراغ منه ، وإخلاص النية فيه ؟
فنقول نعم يحبط ، وذلك بأمور حذرنا منها الشرع ، وسنعرض لأهمها بإذن الله :
فمن أخطر محبطات العمل ، الشرك بالله ، كما قال سبحانه ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ، ولتكونن من الخاسرين )
فالشرك يحبط العمل متى ما وقع فيه العبد ومات قبل أن يتوب منه ويعود للإسلام ، كما قال سبحانه ( ومن يرتدد منكم عند دينه فيمت وهو كافر ، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة)
فليحذر العبد من الشرك الذي خافه الأنبياء والرسل على أنفسهم وعلى ذرياتهم ، قال الخليل عليه السلام ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )
وأخبر جل وعلا أن الذنوب كلها تحت رحمة الله ، إذا مات العبد قبل التوبة منها ، إن شاء غفر لصاحبها وإن شاء عذبه ، إلا الشرك بالله ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء )
وقال الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] .
ومنها ترك صلاة العصر، أخرج الشيخان في صحيحيهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. واللفظ للبخاري، وقد ألحق بعض العلماء باقي الصلوات الخمس بالعصر في ذلك.
ومنها - إتيان العرافين والكهان والسحرة ، كما أخرج مسلم في صحيحه قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. وفي رواية ( فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .
ومنها كذلك ظلم الآخرين، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (أتدرون من المفلس - قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؛ فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة؛ ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا؛ وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
ومنها كذلك اقتناء الكلاب غير المأذون فيها شرعاً، فقد أخرج مسلم (1575) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ ) .
ومنها كذلك شرب الخمر ، فقد أخرج ابن ماجه (3377) في سننه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ .
فالحذر الحذر عباد الله مما يحبط العمل أو يحبط ثوابه ، فالأمر خطير ، اللهم فقهنا في الدين وأعذنا من محبطات الأعمال ، أقول قولي هذا ..........
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله جل وعلا ، ولا تستهينوا بالمعاصي ، فإن العبد يأتي الذنب يظنه صغيرا ، فيحبط عمله وهو لا يشعر ، فمن ذلك غير ما سبق ، قلة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع سنته بعد موته ، فقد ورد أن العمل يحبط برفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، قال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )
ومن محبطات الأعمال، انتهاك حرمات الله في الخلوة، أخرج ابن ماجه (4245) في سننه من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا . قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) .
ومما يحبط العمل كذلك ، المنُّ في الصدقة والعطية ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [البقرة:264].
فمن تصدق بصدقة ، أو أهدى هدية ثم من بها على صاحبها ، فقد أحبط عمله ، وتحمل وزرا ، فلأن لا تتصدق بشيء وتتكلم بكلام طيب مع الفقير ، خير من أن تعطيه ثم تمن عليه ، قال سبحانه ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى )
ومن محبطات الأعمال الرياء :
قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16].
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشرك، من عمِلَ عمَلًا أشركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه .
ومن محبطات العمل التألي على الله:
أخرج مسلم في صحيحه من حديث جُندَب بنِ عبدالله رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حدَّث ((أن رجلًا قال: والله لا يغفِرُ الله لفلانٍ، وإنَّ الله تعالى قال: من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفِرَ لفلانٍ، فإني قد غفرْتُ لفلانٍ، وأحبطْتُ عملَك)) ، معنى يتألَّى: يَحلِف
وغيرها من الأعمال كثير مما يستخف بها العبد وهي عند الله عظيمة ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ).
اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات
المرفقات
1659021454_محبطات العمل الصالح وثوابه.docx