(خطبة) التحذير من خصلة البخل

خالد الشايع
1445/08/12 - 2024/02/22 16:28PM

                 

الخطبة الأولى    التحذير من خصلة البخل   13/8/1445     

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله : (الآيات)

 أما بعد فيا معاشر المسلمين : لا يزال المرء ممتدحا بخيار خصاله وأخلاقه ، مذموما بشرار فعاله وأخلاقه .

وإن أصحاب النفوس الأبية لا ترضى بالدون حتى تبلغ معالي الأمور وتتربع على عرشها .

ولقد خلق الله تعالى أخلاقا ذميمة ، وحذر الناس منها ابتلاء لهم أيصبرون وكان ربك بصيرا .

ومامن خصلة ذميمة ترفع عنها الناس  في الجاهلية إلا وجاء الإسلام محذرا منها ، ولا خصلة خير إلا وجاء مؤكدا  عليها ، فخصال الخير ممتدحة في الإسلام وفي الجاهلية ، وخصال الشر مذمومة في الإسلام وفي الجاهلية ، هذا في الجملة وقد يند عنها صفات لنظرة أخرى .

أخرج أحمد  في مسنده من طريق أبي صالح عن بعض أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  قال جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله إن لفلان في حائطي نخلة فمره فليبعها أو ليهبها فأتى الرجل فقال له النبي  صلى الله عليه وسلم  افعل و لك بها نخلة في الجنة فأباه فقال النبي  صلى الله عليه وسلم  هذا أبخل الناس ، وأخرج الطبراني في الكبير من طريق أبي القين أنه مر بالنبي  صلى الله عليه وسلم  ومعه شيء من تمر فأهوى النبي  صلى الله عليه وسلم  ليأخذ منه قبضة لينثرها بين يدي أصحابه فضم طرف ردائه إلى بطنه وإلى صدره فقال له النبي  صلى الله عليه وسلم  زادك الله شحا .

من هذه الأحاديث أيها المسلمون يتبين لنا خصلة ذميمة ينفر منها أصحاب الفطر السليمة :إنها خصلة البخل أعاذنا الله وإياكم منها .

فالبخل أيها المسلمون : خصلة سوء تجر إلى خصال سيئة كثيرة .

إن البخل طريق مظلم يقع فيه البخيل فلا يسير على هدى بل يتخبط حتى يهوي في الموبقات ومهاوي الهلاك .

فالبخل يؤدي بصاحبه إلى الشح ، والشح أعظم من البخل ،  فهو البخل مع الحرص الشديد والطمع بما في أيدي الناس كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء .

قال ابن القيم رحمه الله: والفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه ، والشح كامن في النفس فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره وذلك هو المفلح ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون . أهـ 

 أيها الناس : الشح هو المهلك للعبد بل للأمم كما أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إياكم و الشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا و أمرهم بالقطيعة فقطعوا و أمرهم بالفجور ففجروا)  . ‌

ولنعلم عباد الله : أن البخل دركات  كما أن الجود والسخاء على درجات :.

قال ابن قدامة : أشد درجات البخل : أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه ، فكم ممن بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى ، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل ، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة ، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث شاء . أهـ

معاشر المؤمنين : إن البخيل لا يبخل إلا على نفسه ، فهو حارم لنفسه من الخيرات والمسرات ، طاعة لهواه وما تمليه عليه نفسه من سوء الظن بالله تعالى .( ها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله ، فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء )

( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)

لقد كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  يتعوذ من البخل وهو أكرم الخلق: أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضى الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم إني أعوذ بك من العجز و الكسل و الجبن و البخل و الهرم و أعوذ بك من عذاب القبر و أعوذ بك من عذاب النار و أعوذ بك من فتنة المحيا و الممات ).

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عمر قال صلى الله عليه وآله وسلم ( إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش أو يبخلوني و لست بباخل ) . ‌

بل لقد عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم  البخل أدوى الداء أخرج الحاكم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( و أي داء أدوى من البخل  ؟)  .

 ‌عباد الله :كما أسلفنا أن البخل دركات وهو كذلك أنواع فليس البخل محصورا على البخل بالمال بل البخل أيضا يكون بالنفس كالجبان في أرض الوغى حمىً عن الدين ونشر للإسلام .

ويكون كذلك بالبخل عن الطاعة ، كالذي يبخل بالسلام   أخرج ابن حبان من قول أبي هريرة ( و أبخل الناس من بخل بالسلام  ). ‌

وكذلك من يبخل بالصلاة على النبي عند ورود ذكره أخرج الترمذي في جامعه من حديث علي رضى الله عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي صلى الله عليه وسلم ) .

معاشر المسلمين :البخل داء عضال ، بل هو شر الأدواء خصوصا إذا تمكن من القلب، أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : (شر ما في رجل شح هالع و جبن خالع ).

و لو لم يكن في البراءة من الشح إلا الفلاح لكان لزاما على المرء أن يسعى إليه جاهدا .قال تعالى ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) كان عبد الرحمن بن عوف   يطوف بالبيت وليس له دأب إلا هذه الدعوة رب قني شح نفسي رب قني شح نفسي ، فقيل له أما تدعو بغير هذه الدعوة فقال إذا وقيت شح نفسي فقد أفلحت .

قال ابن القيم رحمه الله : والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله وقريب من الجنة وبعيد من النار والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار فجود الرجل يحببه إلى أضداده وبخله يبغضه إلى أولاده   ويظهر عيب المرء في الناس بخله******* ويستره عنهم جميعا سخاؤه 

               تغط بأثواب السخاء فإنني أرى ******كل عيب فالسخاء غطاؤه  

              إذا قل مال المرء قل صديقه ****** وضاقت عليه أرضه وسماؤه.

اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شح نفوسنا أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

 

 

 

               الخطبة الثانية

الحمد لله وحده وهو للحمد أهله جل سبحانه عن الشبيه والمثيل ، وهو السميع البصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أكرم خلق الله وأجودهم وأسخاهم صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الكرام الميامين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد أيها المؤمنون : فرق بين السخاء والتبذير ، فإن  حد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة، والبخل عكس ذلك .

قال ابن القيم رحمه الله : وللسخاء حد  فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا .

عباد الله : لقد فطرت النفس على محبة المال قال تعالى ( وإنه لحب الخير لشديد) وقال ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ) وقال( وتحبون المال حبا جما ) ولكن السخي الكريم هو الذي يعصي نفسه ويأطرها على الكرم أطرا .

قال طلحة بن عبيد الله : إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء لكننا نتصبر .

وآمرة بالبخل قلت لها اقصري************فليس إلى ما تأمرين سبيل

أرى الناس خلانَ الجود ولا أرى *********بخيلا له في العالمين خليل

وإني رأيت البخل يزري بأهله **********فأكرمت نفسي أن يقال بخيل

ومن خير حالات الفتى لو علمته ******إذا نال شيئا أن يكون ينيل

عباد الله : إن البخل عدو الصلاح ، قال حبيش بن مبشر جلست إلى أحمدَ بن حنبل ويحيى بن معين  والناس متوافرون ، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا .

أخرج النسائي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب عبد أبدا)  . ‌

وقال الشعبي : لا أدري أيهما أبعد غورا في نار جهنم البخل أو الكذب.

أيها المؤمنون : إن البخيل خازن لماله وحارس له حتى يتقاضاه منه الورثة رغما عن أنفه . وإنن أكرم الناس للذي ينفق ماله في سبيل الله ابتغاء ماعند الله ، نافعا لإخوانه المسلمين من الفقراء والمحاويج صدقة وقرضا حسنا ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( أفضل الصدقة أن تصدق و أنت صحيح شحيح تأمل الغنى و تخشى الفقر و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت  :  لفلان كذا و لفلان كذا ألا و قد كان لفلان كذا ) .

فلنعلم أنه ليس لنا من أموالنا إلا ما أنفقنا في هذه الدنيا وما سواه فللورثة ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( يقول العبد  :  مالي مالي و إن له من ماله ثلاثا  :  ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى و ما سوى ذلك فهو ذاهب و تاركه للناس ) . ‌ إن من تدبر هذا عمل لآخرته وقدم لنفسه قبل فوات الأوان ، فما أسرع نسيانك يا ابن آدم بعد موتك فإن باكيك سرعان ما يسلوا وكأنك لم تخلق .

ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم  المسلم بكتابة وصيته قبل الموت  أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا و وصيته مكتوبة عنده)  .

عباد الله : كم جمع الإنسان من الأموال وهو يؤمل أن يعمل بها ويبني بها ويفاخر بها ، واخترمته المنية قبل ذلك .

قال الحسن البصري : إن أعظم الحسرات غدا أن يرى أحدكم ماله في ميزان غيره أو تدرون كيف ذاكم رجل آتاه الله مالا وأمره بإنفاقه في صنوف حقوق الله فبخل به فورثه هذا الوارث فهو يراه في ميزان غيره فيالها عثرة لا تقال وتوبة لا تنال .

معاشر المسلمين : ليس المقصود من البخل بخلك على نفسك في المأكل والمشرب ، وإن كان ذلك مذموما ، وإنما المقصود الأعظم هو بخلك عن نفسك في عمل الصالحات وإنفاق الأموال في مرضات الرب سبحانه وتعالى، فالله الله في مشاريع الخير وجهات البر والوقوف في سبيل الله ، فما كنت ترجو أن تلقاه غدا في ميزان حسناتك ، فادفعه اليوم أمامك ، قال جل وعلا ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) .وقال ( وما تقدموا من خير تجدوه عند الله )

تمتع بمالك قبل الممات ******وإلا فلا مال  إن أنت  متا

شقيت به ثم خلفته****** لغيرك بعدا وسحقا ومقتا

فجاد عليك بزور البكا******وجدت له بالذي قد جمعتا

اللهم قنا شح أنفسنا ............

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا..

اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان .......

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ....

ربنا اغفر لنا ولإخواننا     ..... سبحان ربك رب .......

 

المرفقات

1708608486_التحذير من خصلة البخل.doc

المشاهدات 485 | التعليقات 0