خُطْبَةُ التَّحِذيرِ مِنْ جَمَاعَةِ التَبْلِيغِ 6 جُمَادَى الأُولَى 1443هـ
محمد بن مبارك الشرافي
خُطْبَةُ التَّحِذيرِ مِنْ جَمَاعَةِ التَبْلِيغِ 6 جُمَادَى الأُولَى 1443هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي مَيَّزَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالتَّسْلِيمِ لأَدِلِّةِ الْقُرْآنِ الْمُبِين, وَآثَرَهُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّين، وَوَفَّقَ أَهْلَ الْحَقِّ لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَسَدَّدَهُمْ للتَّأَسِّي بِصَحْبِهِ الأَكْرَمِين، وَيَسَّرَ لَهُمُ اقْتِفَاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِين, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمْنَ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ: هِيَ الإحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ, مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَل. وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ, فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ (نَعَمْ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ (نَعَمْ, وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ (قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ (نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا! قَالَ (نَعَمْ: قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَكَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم الْفِتَنَ وَلِذَلِكَ سَأَلُوا عَنْهَا لِيَحْذَرُوا مِنْهَا.
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ الإسْلامِيَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقُ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فِرَقٍ شَتًّى, وَالذِي عَلَى الْحَقِّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ, وَهِيَ مَنْ تَمَسَّكَتْ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَكْمَلِ ... فَهَلْ نَحْنُ مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ ؟
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ, وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ (الْجَمَاعَةُ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ, مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَحْذِيرُ مِن الْبِدَعِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ, فعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ ... يَقُولُ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي أَوَاخِرِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً, فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَكَانَ مِمَّا قَالَ لهم (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ, فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ.
وَقَدْ وَقَعْتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ مَوْقِعَهَا فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم, وَلِذَلِكَ لَمْ تَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِدْعَةٌ حَتَّى لَقُوا رَبَّهَم ... بَلْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا وَإِنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ. فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً , وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً, حَتَّى تُحْيَى الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ. فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُحَذِّرُونَ مِن البِدْعَةِ, أَفَلا يَجْدُرُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَخَافَ مِن البِدْعِ عَلَى أَنْفُسِنَا وَيُحَذِّرَ بَعْضُنَا بَعْضًا؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنَ الْجَمَاعَاتِ الموجُوْدَةَ فِي السَّاحَةِ وَالَّتِي عِنْدَهَا أَخْطَاءٌ وَانْحِرَافَاتٌ فِي الْعَقِيْدَةِ وَالمنْهَجِ جَمَاعَةُ التَّبْلِيْغِ, وَهُمْ جَمَاعَة (الْأَحْبَابِ), وَقَدْ جَاءَنَا التَّوْجِيْهُ مِنَ الْجِهَاتِ المعْنِيَّةِ مِنَ الدَّوْلَةِ فِي وُجُوْبِ بَيَانِ التَّحْذِيْرِ مِنْهُمْ، وَتَوْضِيْحِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَخْطَاءٍ, وَالتَّأْكِيْدِ عَلَى أَنَّ الانْتِمَاءَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ مَمْنُوْعٌ فِي الممْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُوْدِيَّةِ, وَمَن انْتَسَبَ إِلَيْهِمْ أَوْ مَشَى مَعَهُمْ فَهُوَ مُخَالِفٌ. وَأَكَّدَ الْبَيَانُ الرَّسْمِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَبْوَابِ الْإِرْهَابِ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ خِلَافُ ذَلَكَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَقَبْلَ أَنْ نُبَيِّنَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ مُخَالَفَاتٍ، تَعَالَوا نَسْمَعُ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيْهِمْ, لِنَكُوْنَ عَلَى بَصِيْرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا.
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْفَتَاوَى الْمُجَلَّدِ 8 صَفْحَةَ 331 : جَمَاعَةُ التَّبْلِيغِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِصِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ, فَلا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ إِلَّا لِمَنْ لَدَيْهِ عِلْمٌ وَبِصيرةٌ بِالْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ التِي عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ حَتَّى يُرْشِدَهُمْ وَيَنْصَحَهُمْ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْعُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ : بَلَغَنِي عَنْ زُعَمَاءِ هَؤُلاءِ الْجَمَاعَةِ فِي الْأَقْطَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ خَارِجَ بِلَادِنَا أَنَّهُمْ عَلَى انْحِرَافٍ فِي الْعَقِيدَةِ, فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ التَّحْذِيرُ مِنْهُمْ وَالاقْتِصَارُ عَلَى الدَّعْوَةِ دَاخِلَ بِلَادِنَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِحٌ الْفُوزَانُ حَفِظَهُ اللهُ: الْخُرُوجُ فِي سَبِيلِ اللهِ لَيْسَ هُوَ الْخُرُوجُ الذِي يَعْنُونَهُ الآنَ، الْخُرُوجُ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ الْخُرُوجُ لِلْغَزْوِ، أَمَّا مَا يُسَمُّونَهُ الآنَ بِالْخُرُوجِ فَهَذَا بِدْعَةٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ, وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاسْتَمِعُوا بِقُلُوْبِكُمْ قَبْلَ آذَانِكُمْ مَا عِنْدَ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَخْطَاءٍ وَاضِحَةٍ, وَالْعَاقِلُ يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ مَتَى جَاءَتْهُ, فَمِنْ وذَلِكَ: (أَوَّلًا) عَدَمُ اهْتَمَامِهِمْ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ, فَغَالِبُ أَتْبَاعِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُمْ جَهْلٌ, وَبِالتَّالِي يَكُونُونَ عُرْضَةً لِلْوُقُوعِ فِي الْبِدَعِ, بَلْ يُصَرِّحُونَ وَيَقُولُونَ: لَسْنَا فِي حَاجَةِ الْعِلْمِ, بَلْ فِي حَاجَةِ الْإِيمَانِ.
وَنَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ ! وَهَلْ هُنَاكَ إِيمَانٌ بِدُونِ عِلْمٍ ؟ ثُمَّ هُمْ لا يَدْعُونَ لِحُضُورِ الدُّرُوسِ أَوِ الْمُحَاضَرَاتِ فِي الْغَالِبِ, وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ ضَابِطٌ لِتَوْجِيهِ الشَّبَابِ إِذَا اسْتَقَامَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَلُزُومِ الْعُلَمَاءِ الْمَوْثُوقِينَ, وَلِذَلِكَ تَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يَمْضِي السِّنِينَ فِي الْخُرُوجِ, وَلَكِنَّهُ صِفْرُ الْيَدَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ, حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لا يَسْتَطِيعُ خُطْبَةَ الْجُمْعَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ.
وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ المشَايِخِ مَعَ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ لِكَيْ يَجْعَلَ لِلْأَحْبَابِ مَنْهَجًا عِلْمِيًّا فِي التَّعْلِيْمِ ، بَدَلَ الاقْتِصَارَ عَلَى الْعَشْرِ السُّوَرِ وَرِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابِ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ، فَرَفَضُوا.
(ثَانِيًا) يَدُورُونَ فِي دَعْوَتِهِمْ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ [الصِّفَاتِ السِّتِّ], وَلَيْسَ عَلَى تَحْدِيدِهَا دَلِيلٌ, ثُمَّ هُمْ يُفَسِّرُونَهَا عَلَى غَيْرِ الوَجْهِ الصَّحِيح , كَمَا فسروا مَعْنَى (لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ), بأنه إِخْرَاجُ الْيَقِينِ الْفَاسِدِ عَلَى ذَاتِ الْأَشْيَاءِ وَإِدْخَالُ الْيَقِينِ الصَّحِيحِ عَلَى ذَاتِ اللهِ, وَهَذَا مَعْنَىً نَاقِصٌ.
(ثالثا) انْتِشَارُ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ إِنَّمَا سَمِعُوهَا مِنْ عُلَمَاءِ التَّبْلِيغِ الْهُنُودِ وَالْبَاكِسْتَانِيِّينَ, وَصَارُوا يُرَدِّدُونَهَا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِصِحَّتِهَا, وَلَوْ نَبَّهَهُمْ أَحَدٌ عَلَى ضَعْفِهَا غَضِبُوا عَلَيْهِ.
(رَابِعًا) رُبَّمَا مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الْإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ وَالْغُرُورِ وَيُؤَدِّي بِهِ ذَلِكَ إِلَى ازْدِرَاءِ غَيْرِهِ – بَلْ وَالتَّطَاوُلِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَوَصْفِهِمْ بِأَنَّهُمْ نَائِمُونَ – وَيَقُولُونَ: الْعَالَمُ كَالْبِئْرِ إِذَا أَرَدْتَ الْمَاءَ فَتَأْتِي إِلَيْهَا لِتَشْرَبَ, وَأَمَّا الدُّعَاةُ – يَعْنُونَ الْأَحْبَابَ – فَهُمْ كَالسَّحَابِ, يَسِيرُ إِلَى أَمَاكِنِ النَّاسِ لِيَسْقِيَهُمْ, وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَنْفِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ, وَتَزْكِيَةٌ لِلْجُهَّالِ, وَعِنْدَهُمْ عِبَارَاتٌ يَتَنَاقُلُونَهَا لِلتَّزْهِيدِ فِي الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ وَمِنْهَا: (الْجُهْدُ جُهْدُ الْأَقْدَامِ لا جُهْدُ الْأَقْلَامِ), وَيَقُولُونَ (الْعَالِمُ يَخْرُجُ سَنَةً لِيَذْهَبَ الْكِبْرُ مِنْهُ وَأَمَّا الْعَامِيُّ فَيَكْفِيهِ شَهْرَان), وَكُلُّ هَذَا ذَمٌّ لِلْعِلْمِ. ثُمَّ إِذَا زَارُوا الْعَالِمَ, فَلَيْسَ لِتَلَقِّي الْعِلْمَ وَإِنَّمَا لِلْبَرَكَةِ, أَوْ لَتَسْكِيتِهِ.
(خَامِسًا) اعْتِمَادُهُمْ كَثِيرًا عَلَى الْقِصَصِ وَالْمَنَامَاتِ, حَتَّى إِنَّ مُؤَسِّسَ الْجَمَاعَةِ (مُحَمَّد إِلْيَاس) إِنَّمَا قَامَ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّهُ – حَسْبَ زَعْمِهِ – جَاءَهُ آتٍ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ: إِنَّا سَنَسْتَخْدِمُكَ ... يَعْنِي فِي نَشْرِ الدِّينِ! فَهَلْ نَحْتَاجُ لِلْمَنَامَاتِ لِنَدْعُوَا إِلَى اللهِ.
(سَادِسًا) أَنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ النُّصْحَ – فِي الْغَالِبِ - وَيَكُونُ عِنْدَهُمْ حَسَاسِيَّةٌ مِنْهُ وَيُسَمُّونَ مَنْ يُنَاصِحُهُمْ بِكَثْرِةٍ: مُعَارِضًا لِلدَّعْوَةِ.
(سَابِعًا) يَأْخُذُونَ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مَا يُوَافِقُهُمْ وَيَتْرُكُونَ مَا يُعَارِضُ مَنْهَجَهُمْ, حَتَّى مِنْ نَفْسِ الْعَالِمِ الْوَاحِدِ (كَمَا حَصَلَ مِنْهُمْ فِي بَتْرِ كَلامِ شَيْخِنَا ابْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ), وَمِنْ نَقْلِهِمْ كَلامَ الشَّيْخِ ابْنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ, حِيْنَ كَانَ يُؤَيِّدَهُم, وَتَركُوا كَلامَهُ الْأَخِيرَ فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُمْ.
(ثَامِنًا) أَنَّ مِقْيَاسَ الصَّلَاحِ عِنْدَهُمْ الْخُرُوجُ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ, فالذِي لا يَخْرُجُ يُعْتَبَرُ نَاقِصًا مَهْمَا بَلَغَ فِي الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ وَنَفْعِ النَّاسِ.
(تَاسِعًا) رَبْطُهُمْ لِلنَّاسِ بِالْبَاكِسْتَانِ وَالْهِنْدِ وَإِذَا ذَكَرُوا الْعُلَمَاءَ فَالْمُرَادُ عُلُمَاءُ التَّبْلِيغِ, وَأَمَّا عُلَمُاءُ السُّنَّةِ فَلَيْسُوا بِعُلَمَاءَ يُرْبَطُ النَّاسُ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لا يَخْرُجُونَ, فَهُمْ كُسَالَى لَيْسُوا قُدْوَةً.
وَأَخِيْرًا فَاعْلَمُوا أَنَّ كَثِيْرًا مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مَعَهُمْ ثُمَّ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ أَخْطَاءٍ وَمُخَالَفَاتٍ، تَرَكَهُمْ وَاتَّجَهَ لِلْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَلَى الطَّرِيْقَةِ النَّبَوِيَّةِ لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالتَّحَزُّبِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا, اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا, اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
المرفقات
1638959598_خُطْبَةُ التَّحِذيرِ مِنْ جَمَاعَةِ التَبْلِيغِ 6 جُمَادَى الأُولَى 1443هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق