خطبة : ( التحذير من المولد )
عبدالله البصري
الخطبة الولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ "
أَيُّها المُسلِمُونَ ، لِلنَّاسِ على بَعضِهِم حُقُوقٌ يَجِبُ أَن تُوفى ، وَإِنَّ أَعظَمَ الخَلقِ عَلى غَيرِهِ مِنَ المَخلُوقِينَ حَقًّا ، مَن أَخرَجَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَهَدَاهُم بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، وَأَرشَدَهُم بِهِ مِنَ الغِوَايَةِ ، وَأَنقَذَهُم بِهِ مِن النَّارِ إِلى الجَنَّةِ ، إِنَّهُ الرَّحمَةُ المُهدَاةُ وَالنِّعمَةُ المُسدَاةُ ، رَسُولُنَا وَنَبِيُّنَا مُحَمَّد بنُ عَبدِاللهِ ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ المُرسِلِينَ ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ أَجمَعِينَ " لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ " " مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " وَعَن ثَوبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّهُ سَيَكُونُ في أُمَّتي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُم يَزعُمُ أَنَّهُ نَبيُّ اللَّهِ ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبيَّ بَعدِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَلا وَإِنَّ أَعظَمَ حُقُوقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ مَحَبَّتُهُ وَتَوقِيرُهُ ، وَإِجلالُهُ وَتَعظِيمُهُ ، مَحَبَّتُهُ المَحَبَّةَ القَلبِيَّةَ الصَّادِقَةَ ، وَتَوقِيرُهُ التَّوقِيرَ الحَقِيقِيَّ ، وَإِجلالُهُ الإِجلالَ الصَّادِقَ ، وَتَعظِيمُهُ التَّعظِيمَ اللاَّئِقَ ، بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ ، وَالسَّيرِ عَلَى مَنهَجِهِ وَالتَّحَاكُمِ إِلى شَرِيعَتِهِ ، وَالرِّضِا بِهَا وَالتَّسلِيمِ لها ، وَالاقتَدَاءِ بِهِ وَالاهتِدَاءِ بِهَديِهِ ، وَعَدَمِ مُخَالَفَةِ سُنَّتِهِ وَتَركِ طَرِيقَتِهِ ، قَالَ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " وقَالَ تَعَالى : " إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وعَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحرِ يَقُولُ : " لِتَأخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم ، فَإِنِّي لَا أَدرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ حَجَّةً أُخرَى " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
غَيرَ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ أَن نَعلَمَهُ عِلمَ اليَقِينِ ، أَنَّ مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَابِعَةٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَفَرعٌ مِنهَا ، فَلا يَجُوزُ أَن تُقَدَّمَ عَلَيهَا بَل وَلا أَن تُسَاوِيَهَا ، وَإِلاَّ كَانَت شِركًا بِاللهِ ، قَالَ تَعَالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ " وَإِنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الخَلَلُ في هَذَا الأَصلِ العَظِيمِ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ضَيَّعَ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ طَرِيقَهُم ، وَجَانَبُوا الصَّوَابَ في مَحَبَّتِهِم ، بَل وَوَصَلُوا إِلى مَا يَعلَمُ كُلُّ مَن لَدَيهِ أَدنَى عَقلٍ أَنَّهُ لَيسَ مِنَ المَحَبَّةِ في شَيءٍ ، لأَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ مُخَالَفَةٌ لِهَديِهِ وَابتَدَاعٌ في شَرعِهِ ، وَمُجَانَبَةٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَوُقُوعٌ فِيمَا نَهَى عَنهُ وَحَذَّرَ مِنهُ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " لا تُطرُونِي كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى ابنَ مَريَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبدُهُ فَقُولُوا : عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . فَهَا هُوَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَأمُرُهُم أَن يَصِفُوهُ بِصِفَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ ، وَيَقُولُوا عَنهُ مَا لا شَكَّ فِيهِ شَرعًا وَلا عَقلاً ، وَيَنهَاهُم عَنِ التَّزَيُّدِ في وَصفِهِ وَيُحَذِّرُهُم مِنَ الغُلُوِّ فِيهِ ، لَكِنَّ مَنِ استَجرَاهُمُ الشَّيطَانُ وَأَغوَاهُم ، أَبَوا إِلاَّ أَن يُخَالِفُوا أَمرَهُ وَيَقَعُوا فِيمَا نَهَى عَنهُ ، بِإِقَامَةِ مَا لا أَصلَ لَهُ في دِينِ اللهِ ، وَلا ذِكرَ لَهُ في كِتابِهِ وَلا في سُنَّتِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَلَم يَفعَلْهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَلا التَّابِعُونَ لهُم بِإِحسَانٍ ، وَذَلِكَ بِمَا سَمَّوهُ بِالمَولِدِ النَّبَوِيِّ ، وَهُوَ في حَقِيقَتِهِ بِدعَةٌ مُختَرَعَةٌ ، وَضَلالَةٌ مُحَدَثَةٌ ، وَتَقلِيدٌ لِلكُفَّارِ وَعُبَّادِ الصَّلِيبِ ، وَتَوَسُّلٌ شِركِيٌّ وَرَقصٌ وَطَرَبٌ ، وَضَربُ طَبلٍ وَغِنَاءٌ وَصَخَبٌ ، وَتَبَرُّجٌ وَاختِلاطٌ بَينَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، أسَّسَهُ الرَّافِضَةُ العُبَيدِيُّونَ ، المُسَمَّونَ زُورًا بِالفَاطِمِيِّينَ ، وَبَدَؤُوا بِهِ حِينَ استَولَوا عَلَى مِصرَ في القَرنِ الرَّابِعِ ، ثُمَّ انتَشَرَ شَيئًا فَشَيئًا في بِلادِ المُسلِمَينَ ، حَتى لم يَسلَمْ مِنهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِمَّن بَقُوا عَلَى الإِسلامِ النَّقِيِّ وَالسُّنَّةِ الوَاضِحَةِ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّها المُسلِمُونَ ، وَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنَ البِدَعِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ وَكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيكُم مَا حُمِّلْتُم وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن فَضلِ اللهِ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ مَا وُفِّقَ إِلَيهِ عُلَمَاؤُهَا وَوُلاتُهَا وَأَهلُهَا مِنِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَنَبذِ البِدعَةِ ، غَيرَ أَنَّ الانفِتَاحَ الإِعلامِيَّ وَانتِشَارَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ في أَيدِي النَّاسِ ، قَد أَطلَعَهُم عَلَى مَا يَقَعُ مِن بِدَعٍ وَمُحدَثَاتٍ وَشُرُورٍ في بِلادٍ أُخرَى ، وَمِن ذَلِكَ بِدعَةُ المَولِدِ النَّبَوِيِّ ، الَّتي أَخَذَهَا بَعضُ المُسلِمِينَ عَن جَهلٍ أَو هَوًى في النُّفُوسِ مِنَ النَّصَارَى ، إِذْ رَأَوهُم يُقِيمُونَ عِيدًا لِمِيلادِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ ، فَقَلَّدُوهُم في ذَلِكَ زَاعِمِينَ أَنَّهُ مَا دَامَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَفضَلَ مِن عِيسَى عَلَيهِمَا السَّلامُ ، فَنَحنُ أَحَقُّ أَن نُقِيمَ عِيدًا ليَومِ وِلادَتِهِ ، وَبِئسَ الصُّنعُ مَا صَنَعَهُ النَّصَارَى ، وَبِئسَ التَّقلِيدُ تَقلِيدُهُم ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنهُم " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَغيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَتَّبِعْ وَلا نَبتَدِعْ ؛ فَإِنَّ النَّجَاةَ في اتِّبَاعِ السُّنَّةِ ، وَالحَذَرِ مِنَ البِدَعِ وَالمُحدَثَاتِ ، لا في أَن يَبِيتَ النَّاسُ في حَفَلاتِ غُلُوٍّ في رَسُولِ اللهِ ، ثم يُصبِحُونَ هَاجِرِينَ لِمَنهجِهِ مُعرِضِينَ عَن سُنَّتِهِ ، عَنِ العِربَاضِ بنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٍ " رَوَاهُ أبوداود التَّرمِذِيُّ وابن ماجه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي .
هَذَا وَاعلَمُوا أَنَّ مِن حُقُوقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَن نُصَلِّيَ عَلَيهِ كُلَّمَا ذُكِرَ " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيهِ بِهَا عَشرًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
المرفقات
1665051675_التحذير من بدعة المولد.docx
1665051682_التحذير من بدعة المولد.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق