(خطبة) التحذير من الظلم في المواريث
خالد الشايع
( الظلم في المواريث) 3/6/1446
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله وراقبوه، واعلموا أن الله مطلع عليكم لا تخفى عليه منكم خافية، فالسر عنده علانية، الليل عنده ضوء، يعلم السر وأخفى، فتعاملوا مع ربكم بالإحسان، والخوف من الديان، فإياكم وتجاوز ما حده ربكم لكم، وإياكم والمجاهرة بالمعاصي، والحذر الحذر من ظلم الناس، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
معاشر المؤمنين: تحصل الخصومات بين الناس، وكل يدعي الحق له، وقد يطول الأمر ويكبر، حتى يفجر البعض في الخصومة، فيحلف كذبا، ويشهد زورا، ليأكل حق أخيه بغير حق.
والظلم ظلمات يوم القيامة، والله لا يحب الظالمين.
قال الذهبي: "الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلماً، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء"، وقد عده من الكبائر، وقد وردت النصوص التي تذم الظلم: قال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً) [الكهف:59]. وقال: (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران من الآية:57]. وقال: (أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ) [الشورى من الآية:45]، قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى:42].
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) وفي مسلم: “اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة”.
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين"
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات-، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"
ولا يجوز لمسلم أن يقر الظالم على ظلمه فضلا عن أن يرضى بذلك، وقال أبو ثور بن يزيد: "الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه". وكان يزيد بن حاتم يقول: "ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك". وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام". وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء من الآية:48]، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.
وقيل: "من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه"، ويقال: "من طال عدوانه زال سلطانه". قال عمر رضي الله عنه: "واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة". وقال عليٌّ رضي الله عنه: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى"،
اللهم إنا نعوذ بك أن نظلم أو نظلم يا رب العالمين
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ...........
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: إن من أنواع الظلم، الظلم في قسمة المواريث، فإن قسمة المواريث قد تولاها الله فقسمها في كتابه، ولم يجعلها للناس، أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة الباهلي قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، ولما بين الله قسمة الميراث في القرآن قال بعدها (فريضة من الله)
وإن من الملاحظ وقوعَ الظلم في قسمة المواريث، فيظلم بعض الورثة بعضا، فتجد الرجال يأكلون حق النساء، وربما العم أو الولي يأكل حق اليتامى، وكذلك الأخ الكبير يسرق من التركة، والوكيل يعبث في التركة ويخفي عن الورثة شيئا منها، أو يستخدم التركة في مصالحه الخاصة ولو كان في نيته أن يردها، وربما تاجر بها، والحيل في هذا الباب كثيرة جدا.
وللأسف المحاكم مليئة بالقضايا في الاختلاف في قسمة المواريث، وأكل الحقوق، ألا فلنتق الله عز وجل، ولنعلم أن أكل أموال اليتامى من كبائر الذنوب، قال سبحانه (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم (اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ).
ومن وقع في ظلم فليراجع نفسه، فالرجوع من الخطأ، ورد الحقوق لأهلها، من شروط قبول التوبة، وهو خير من التمادي في الباطل، وكم هي الحياة التي ستتمتع بهذه النقود فيها، عشر سنين أو عشرين او مائة، ثم ماذا، الحساب، والذنب الذي لا يغفر لك، بل لا بد من أخذ الجزاء، لأن حقوق الناس لا تسقط إلا بمسامحتهم لك، ومن الذي سيسمح لك يوم القيامة.
ألا فليتق الله أقوام يأكلون أموال اليتامى والنساء والأطفال بغير حق، ولنبادر بالتوبة جميعا من كل ذنوبنا، فلن يضيع شيء من عملك، ولا يظلم ربك أحدا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ..
المرفقات
1735829517_الظلم في المواريث وقسمتها.docx