(خطبة) التحذير من الزنا

خالد الشايع
1444/04/09 - 2022/11/03 16:48PM


           


الزنا والتحذير منه 10/4/1444

الحمد لله نحمده أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله عز وجل وراقبوه، وارعوا أوامره ونواهيه، فعمّا قريبٍ أنتم ملاقوه، فأعدوا رحمكم الله للقائه عملاً صالحاً، وقربةً إليه لعلكم تفلحون .

معاشر المؤمنين:

إنَّ هذا الدين متين، ولقد شرعه الله ليكون صالحاً لكل زمان ومكان، وإنَّ الناس كلما قوي تمسكهم به زادت رفعتهم، وقوي ضبط أمرهم، وكلما ابتعدوا عن هذا الدين، وقلّ تطبيقهم له، كلما تفكك أمرهم، وتفاقمت الشرور فيما بينهم، وهذا أمرٌ معلومٌ بالنظر إلى أحوال الناس، وأحوال المجتمعات وأحوال الدول والقارات .

أيها المؤمنون:

إنَّ من قبائح الأخلاق والعادات، تلك الفعلة الشنيعة التي قرن الله بينها وبين الشرك، وجاء التنفير عنها في الكتاب والسنة بأشد صور التنفير، وذلك لأنَّها فعلة تفسد القلب، وتضعف توحيده ولهذا كانت هذه الفعلة صفة بارزة في أهل الإشراك بالله .

ولقد أجمع العلماء قاطبة على عدّ هذه الخصلة في كبائر الذنوب، واختلفوا في أيهما أشد وأقبح، هي أم قتل النفس المعصومة؟

عباد الله: هل تصورتم تلك الفعلة الشنيعة، إنَّها جريمة الزنا!!

قال جل وعلا محذراً عنها: )ولا تقربوا الزنا إنَّه كان فاحشة وساء سبيلاً( .

وأمر سبحانه بإقامة الحد عليها، ونهى أن تأخذنا رأفة في تطبيق ذلك الحد .

)الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحدة منها مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله(.

وقرن سبحانه بين الزاني والشرك: )الزاني لا ينكح إلاَّ زانية أو مشركة …( .

وأخبر جل وعلا أنَّ الزناة يضاعف لهم العذاب يوم القيامة إن لم يتوبوا: )والذين لا يدعون مع الله إله آخر …( .

ولقد كان المصطفى e يبايع النساء إذا أسلمن على ألاَّ يزنين، وبايع بعض الرجال على ذلك، كل ذلك لما للزنا من عواقب وخيمةٍ على المرء والمجتمع .

فالزنا يورث خبث النفس، ولهذا سماهم الله في كتابه بذلك فقال: )الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات( .

كما أنَّ الزنا يورث فاعله قلة الحياء، ورفع الحشمة، فالزناة أقل الناس حياءً، ولا حشمة لهم، كما أنَّ الزنا يورث ظلمة في القلب، تعلو وجه الزناة، كما يبدو ذلك للناظرين .

كل ذلك بيّن واضح، ناهيك عمّا يجره الزناة على المجتمع من الويلات، من اختلاط للأنساب وضياع للمحرمية بين الناس، وذلك يؤدي إلى ضيق في الأرزاق، وخراب في الديار، وإيقاع الوحشة بين أبناء المجتمع .

كما أنَّ الزنا سببٌ مباشر في ظهور أمراض وبلايا لا يعلمها إلاَّ الله عز وجل، ومنها مرض فقد المناعة (وهو ما يسمى بالإيدز) الذي شاع في المجتمعات الفاجرة ، وتسرب إلى المجتمعات المسلمة هذه الأيام .

أخرج ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال e: ((ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلاَّ فش فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)) .

عباد الله يا من تعظمون حرمة الله عز وجل: إنَّ في زنا الزاني، جنايةٌ على ذريته بجلب العار والخزي لهم من ناحية، وتعريضهم ـ إلاَّ من رحم الله عز وجل ـ لمثل هذه الفعلة الشائنة من ناحية أخرى .

أيها المسلمون: إنَّ المتأمل في أحوال المجتمعات لا يستنكر وقوع تلك الفواحش علانية في بلاد الكفر، بل هو أمرٌ متوقع، ولكن مما يدمي القلب، ظهور ذلك جهاراً نهاراً في البلدان الإسلامية، حتى أصبحت مواقع فساد تشد إليها الرحال، من أقاصي البلدان ويتهافت عليها الشباب من كل صقع للفجور والبغاء .

وما ذاك إلاَّ علامةٌ من علامات قيام الساعة .

أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك t قال e: ((إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا)) .

فلنحذر عباد الله من هذه الفعلة الشنعاء ولنتخلص من جميع الوسائل المؤدية إليها، ولننكرها حتى نسلم من العذاب، فإنَّ ظهور الزنا، من علامات وقوع العذاب والعياذ بالله.

أخرج الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال e: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) .

فالحذر الحذر، والنجاة النجاة، قبل حلول النقم، )وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنَّ أخذه أليم شديد( .

اللهم حصن فروجنا، وطهر قلوبنا، واغفر ذنوبنا يا أرحم الراحمين .

الخطبة الثانية:

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، الحمد لله كاسي وجوه المتقين بنور الإيمان وهاديهم بفضل إلى صراط التقوى والإحسان .

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، شرع لخلقه ما فيه صلاحهم وبقاء دنياهم، ونهاهم عما فيه فسادهم وتفاقم الشر بينهم وهو الحكيم الخبير .

واشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، ونبيه وخليله تركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَّ هالك .

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد: أيها المؤمنون:

إنَّ عظيم العقوبة في الدنيا على الذنب، تنبئ بعظيم العقوبة في الآخرة، وكما تنبئ بعظيم غضب الله على فاعلها .

أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ص: ((يا أمة محمد والله ما من أحدٍ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وفي رواية: ولذلكم حرم الفواحش)) .

والزنا من أعظم الكبائر التي جاء الشرع بعقوبة فاعلها بأشد العذاب، ففي الدنيا: أخرج مسلم من حديث عبادة بن الصامت t قال صلى الله عليه وسلم: ((البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم)) .

ومن العقوبات كذلك: زوال الإيمان عن الزاني حال زناه .

أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة t قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)) .

وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) .

وأما عقوبة الآخرة:

فإنَّ الله عز وجل لا ينظر إليهم، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة t قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، وذكر منهم: شيخ زان)) .

كما أنَّ لهم عذابا شديدا في البرزخ حتى يبعث الناس .

أخرج البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب t أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ أتاني الليلة آتيان وإنَّهما ابتعاني وإنَّهما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما وإنّا أتينا على مثل التنور أسفله واسع وأعلاه ضيق فيه رجال ونساء عراة، وإنَّه يأتيهم لهب من أسفلهم، فإذا أتاهم ضوضو، فقلت سبحان الله ما هؤلاء وإنَّهم فسروه له في آخر الحديث بقولهم: ((وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فهم الزناة والزواني)) .

عباد الله: من لم يرتدع بهذا الوعيد، فلينزجر عن ذلك ستراً على أهله وذريته، فإنَّ الزنى دين مردود عاجلاً أو آجلاً .

إنَّ الزنى دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم .

فمن خان الناس في أعراضهم، خانوه في عرضه، ومن حفظ أعراض الناس، حفظ الله عرضه ولا يظلم ربك أحداً .

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغني .

اللهم استر على نساء المسلمين .

اللهم اهد شباب المسلمين .

اللهم فرج هم المهمومين .

اللهم وفق إمامنا لما تحبه وترضاه .

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .


       

المرفقات

1667571636_الزنا والتحذير منه.docx

المشاهدات 712 | التعليقات 0