خطبة: الاعتبار بالحوادث والغبار للشيخ عبيد الطوياوي

جرادي جرادي
1433/04/30 - 2012/03/23 03:10AM
الاعتبار بالحوادث والغبار

الحمد لله الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، كاشف البلاء ومزيل الهموم ، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، وأشكره على نعمه ، والنعم بشكر الله تدوم .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، اجتباه واصطفاه وأعطاه ما يروم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه - حازوا أشرف العلوم - والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان والسحاب المركوم ، وسلم تسليمًا كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لنا ولمن كان قبلنا ، فهو القائل سبحانه : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ ﴾ فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
المتغيرات الكونية ، وتتابع الحوادث ، وتنوع الكوارث ، أمر ملاحظ وملموس في هذه الأيام ، بل وبكثرة ، فما تمر بنا فترة من الزمن إلا ونسمع بكارثة ، وتقع بيننا حادثة ، يهتز لهما المجتمع بل والأمة بأسرها ، أما المتغيرات الكونية فلا أحد يستطيع أن ينكر ذلك ، فالبرد الشديد ، والرياح السريعة ، وإثارة الأتربة ، والغبار الكثيف ، والسيول الجارفة ، التي كنا نسمع بها ، صارت تقع في مجتمعنا ، وتصيب بعض أفراد أمتنا ، وقد ذكر الراصدون ، وتحدث الإحصائيون ـ أيها الأخوة ـ عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض وتتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر .. حتى قالوا: إن الزلازل في السنوات القليلة الماضية أكثر منها أربع مرات مما لم يحصل مثله سوى مرة واحدة طوال عشرين سنة أو أكثر في أوائل القرن الماضي ، ويقولون : إنه كلما تقدمت السنوات زادت عدد الزلازل والغير وأنواع الكوارث والمثلات.
أيها الأخوة المؤمنون :
يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ فلله U جنود لا يعلمها إلا هو سبحانه ، وكما قال U : ﴿ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ فالأمواج العاتية، والمياه الطاغية، والخسوف المهلكة، والزلازل المدمرة، والأوبية المميتة، الله U وحده هو المتصرف بها ، وهو سبحانه القادر عليها ، يرسلها على من يشاء من عباده ، ولا يستطيع كائن من كان ردها ، أو التصدي لها ، أو حتى السيطرة عليها ، يقول U عن الذين كذبوا نبيهم موسى ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ بني إسرائيل : ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴾ فالجرادة والقملة والضفدعة ، بإرادته سبحانه تكون مصدر شقاء وإزعاج ، ووسيلة عذاب ، عجز عن التصدي لها فرعون الذي زعم بين قومه بأنه ربهم الأعلى .
فحري بنا ـ أيها الأخوة ـ أن تكون لنا هذه المتغيرات ، وتلك الحوادث والكوارث ، عبرة وموعظة ، لنعود إلى ربنا ، ونعمل بديننا ، ونحاسب أنفسنا .
إن أكثرنا في غفلة ، صرنا نفرح بالمتغيرات من أجل الإجازات ، وترك أعمالنا ، بل منا ـ من جهله وضعف إيمانه ـ من ينسبها إلى الطبيعة ، ولذلك مهما وقع من آيات الله ، لا يتحرك به ساكن ، فلنتق الله ـ أحبتي في الله ، يقول U : ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ ويقول سبحانه: ﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ، وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾.
أيها الأخوة :
إن الله U كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ يقول ابن سعدي في تفسيره ، المقصود منها التخويف والترهيب ليرتدعوا عن ما هم عليه . والنبي e قال في الكسوف والخسوف : (( إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده )) فيكفي غفلة ـ أيها الأخوة ـ فكل ما يحدث من آيات الله U فيه تذكير للغافلين وإنذار للظالمين وعبرة للمؤمنين ، وللنظر إلى هدي نبينا محمد e وخوفه من ربه مع أن الله سبحانه قد جعله أمنةً لأصحابه ، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾، ومع هذا كان إذا هبت الريح الشديدة رؤي ذلك في وجهه e وعندما ينعقد الغيم في السماء ويكون السحاب ركاما يرى - عليه الصلاة والسلام - يقبل ويدبر ويدخل البيت ويخرج ، فتقول له عائشة -رضي الله عنها- : ما بك يارسول الله ؟ فيقول : (( ما يؤمنني أن يكون عذابًا ؟ إن قومًا رأوا ذلك فقالوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ )) حتى إذا نزل المطر سُرِّي عنه e .
فلنتق الله ـ عباد الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ، فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴾.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها المسلمون :
اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ بأن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم . فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط ، وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شرًّا أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة . بهذا جاءت الأخبار عن نبينا محمد e فالاعتبار - عباد الله - بآيات الله والرضا ببلائه لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب والفرار من قدر الله إلى قدر الله ؛ فينبغي العناية بما يوجه به ولاة الأمر والمسئولون من الحذر والحيطة والالتزام بالتعليمات والتوجيهات الوقائية محافظةً - بإذن الله - على الأنفس والأهل والأموال والممتلكات ثقةً بالله - سبحانه وتعالى - واعتمادا عليه وإيمانا بأقداره ..
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله - واصبروا واعتبروا ، وخذوا حذركم ، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير، وأكثروا من الاستغفار . أكثروا من الاستغفار والرجوع وإظهار الندم والتوبة . وقد زلزلت الكوفة في زمن عبد الله بن مسعود t فقال : ياأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه ؛ فهو - سبحانه- يبعث النذر والآيات ليرجع العباد إلى ربهم وحتى لا يؤخذوا على غرة، فحاسبوا أنفسكم - رحمكم الله - وارجعوا إلى ربكم وأكثروا من الاستغفار: ﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وعليكم بالتضرع إلى الله والدعاء والإحسان إلى الخلق والصدقة ، فقد قال U في أقوام مضوا : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.
لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.. اللهم ارفع عن الغلا والوبا والربا والزنى والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد .. يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، والرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك نعيما لا ينفذ ، وقرة عين لا تنقطع ، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراءٍ مضرةٍ ولا فتنةٍ مضلة.. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين لا ضالين ولا مضلين اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ، ونسألك قلوبًا سليمة وألسنةً صادقة ، ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم
اللهم اشف مرضانا. وارحم موتانا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
عباد الله :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .


منقولة من موقع روضة الخطب المنبرية
http://www.islamek.net/play-1042.html
***دعواتكم لي في ظهر الغيب***
المرفقات

132.doc

المشاهدات 2602 | التعليقات 0