خطبة الاستسقاء 1440/2/16هـ

بندر المقاطي
1440/02/16 - 2018/10/25 02:19AM

خُطبَةُ الاسْتِسْقَاءِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ، اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَمْنَعُ وَيَمْنَحُ، وَيَضَعُ وَيَرْفَعُ، لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْمُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَأَرْزَاقُنَا بِيَدِهِ، وَخَزَائِنُهُ لَا تَنْفَدُ، وَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَغَيْثُهُ سُبْحَانَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاسْتَغفِرُوهُ، فَتَقوَى اللهِ أَمَانٌ مِنَ الرَّزَايَا، وَسَلامَةٌ مِنَ البَلايَا، تَقوَى اللهِ عِصْمَةٌ مِنَ الفِتَنِ، وَنَجَاةٌ مِنَ الْمِحَنِ، فِيهَا تَفرِيجُ الهُمُومِ، وتَكَشُّفِ الغُمُومِ، )وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ(.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ خَلَقَكُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لِغَايَةٍ عُظمَى وَمَهَمَّةٍ كُبْرَى، أَلا وَهِيَ تَحقِيقُ العُبُودِيَّةِ لَهُ سُبْحَانَهُ، يَقُولُ U: )وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(، فَمَن الَّذِي خَلَقَكُم إِلا الله؟! وَمَن الَّذِي رَزَقَكُمْ إِلا الله؟! وَمَن الَّذِي يَكلَؤُكُمْ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ إِلا الله؟! وَمَنْ الَّذِي يَكشِفُ السُّوءَ إِلا الله؟! )أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ(.

فَإِيَّاكُمْ وَالغَفْلَةُ عَنْ سِرِّ خَلْقِ اللهِ لَكُمْ، فِي هَذِهِ الحَيَاةِ، )فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ(.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ U يُوَالِي نِعَمَهُ عَلَى عِبَادِهِ، لِتَكُونَ عَوناً لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيهِ، فَإِذا استَعَانُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعصِيَتِهِ، وَفَرَّطُوا فِي جَنبِهِ سُبحَانَهُ، وَأَضَاعُوا أَوَامِرَهُ، وَاستَهَانُوا بِنَواهِيهِ، وَاستَخَفُّوا بِحُرُمَاتِهِ، غَيّرَ عَليهِمْ حَالَهُمْ جَزَاءً وِفَاقاً، )وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ(، )إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ(.

فَلَمْ يُنْزِلِ اللهُ بَلاءً إِلا بِذُنُوبِ العِبَادِ وَتَقصِيرِهِمْ، وَإِعرَاضِهِمْ عَنْ رَبِّهِمْ وَإِقَبَالِهِم عَلَى شَهَوَاتِهِم، )ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(.

فَالذُّنُوبُ مَا حَلَّتْ فِي قُلُوبٍ إِلا أَظلَمَتهَا، وَلا فِي نُفُوسٍ إِلا أَفسَدَتْهَا، وَلا فِي دِيَارٍ إِلا أَهلَكَتهَا، وَلا فِي مُجتَمَعَاتٍ إِلا دَمَّرَتْهَا، يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَهَلْ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، شَرٌّ وَبَلاءٌ، إِلا وَسَبَبُهُ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي).

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ شَكَوتُمْ إِلى رَبِّكُم جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَتَأَخُّرَ المَطَرِ عَنْ بِلادِكُمْ وَأَوطَانِكُمْ، فَمَا أَحرَى ذَلِكَ أَنْ يَدفَعَكُمْ إِلى تَلَمُّسِ أَسبَابِهِ.

وَإِنَّ مِنْ أَسبَابِ مَنْعِ القَطرِ مِن السَّمَاءِ.. غَفلَةُ العِبَادِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَقَسوَةُ قُلُوبِهِمْ بِمَا رَانَ عَليهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، وَتَسَاهُلُهُمْ بِتَحقِيقِ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى، وَتَقصِيرِهُمْ فِي أَدَاءِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، يَقُولُ e: (لَمْ يَنقُصْ قَومٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ).

عِبَادَ اللهِ.. وَإِنَّ مِن الأَسبَابِ لِمَنْعِ القَطرِ، إِعرَاضَ كَثِيرٍ مِن النَّاسِ عَن التَّوبَةِ إِلى رَبِّهِمْ وَاستِغفَارِهِ، وَهُمَا مِنْ أَعظَمِ أَسبَابِ نُزُولِ الغَيثِ، )فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(.

أَيُّهَا المُؤمِنُونَ:

حَقِقُوا التَّوبَةَ إِلى اللهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، جَرِّدُوا القُلُوبَ مِنْ أَمراضِ الشَّهَواتِ وَالشُّبُهَاتِ، أَدُّوا زَكَاةَ أَموَالِكُمْ، وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُمْ، وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالمِيزَانَ، تَسَامَحُوا وَتَرَاحَمُوا، لا تَحَاسَدُوا وَلا تَبَاغَضُوا، صِلُوا الأَرحَامَ، وَبُّروا الوَالِدَينِ، وَأَحسِنُوا إِلى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَالأَرَامِلِ وَالأَيتَامِ، أَكثِرُوا مِن الصَّدَقَاتِ وَالإِنفَاقِ وَالجُودِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكُونُوا عَلَى الخَيرِ والمعرُوفِ مُتَعَاوِنِينَ، فَمَتَى عَلِمَ اللهُ إِخلاصَكُمْ وَصِدقَكُمْ، وَصِحَّةَ تَوبَتِكُمْ وَإِنَابَتِكُمْ وَإِلحَاحَكُمْ عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ، أَغَاثَ قُلُوبَكُمْ بِالإِنَابَةِ إِليهِ، وَبَلَدَكُمْ بِإِنزَالِ المَطَرِ عَليهِ، ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾.

نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، (3 مرات).

 

اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، يَا رَبَّ العَالمين.

اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.

اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، مَرِيعًا غَدَقًا، مُجَلَّلًا عَامًّا، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ، مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ، مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ.

اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ، يَاذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام.

اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللَّـهِ: تَوَجَّهُوا إِلى اللهِ U وَتَضَرَّعُوا إِلَيهِ، وَاقلِبُوا أَردِيَتَكُم اقتداءً بِسُنَّةِ نَبِيُّكُم e، وَادْعُوهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَأَيْقِنُوا بِالْإِجَابَةِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

الاستسقاء-4

الاستسقاء-4

المشاهدات 2903 | التعليقات 0