خطبة الإعراض عن الله منقولة ومعدلة

عبدالرحمن بن محمد التميمي
1438/06/11 - 2017/03/10 06:43AM
الإعراض عن الله 1161438
الحمد لله المتصف بالجلال والجمال والكمال، المنزه عن النظراء والأشباه والأمثال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار التائبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،واتقوا الله لعلكم ترحمون
معاشر المسلمين: الإعراض عن الله تعالى هو أصل كل بلاء، وأساس كل شقاء، فالضلال يمر من بريده، والغواية تأتي عبر طريقه، هو ديدن الكافرين، وخلق من أخلاق المنافقين.
إذا عشعش في القلب أفسد على العبد دنياه، وأوبق عليه أُخراه.
إنه إعراض يكون بالبعد عن دين الله، أو بالاعتراض على أحكام الإسلام، إعراض يثمر الاستنكاف عن شريعة السماء، أو بالأُفوك عن هدايات القرآن، والصدود عن الناصحين الواعظين بالقرآن.
إننا لو تأملنا آيات الذكر الحكيم لوجدناها مليئة بالآيات المحذرة من الإعراض عن الله تعالى وعن دينه، وعن الصدود عن سبيله، وعن الاعتراض على شريعته.
فرفع العافية، وإبدال النعم نقماً عقوبات معجلة لمن أعرض عن ذكر ربه، ونسي ما قدمت يداه.
فهل أصاب قوم سبأ ما أصابهم بعد أن كانوا في آية من النعيم، إلا بعد إعراضهم وبعدهم (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).
وحين اختار كفار مكة سبيل الإعراض عن الدعوة المحمدية، وتولوا عنها، أمر الله نبيه أن ينذرهم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)
هذه العقوبات الإلهية على أهل الإعراض ليس شرطاً أن تكون حسية كالصواعق والقصف، والمسخ والقذف، بل إنَّ عقوبات الملك الجبار على أهل الإدبار قد تكون معنوية، بأن يطمس الله على قلوبهم فلا تهتدي لحق، ولا ينفعها ذكر يقول الله سبحانه مبيناً حال قلوب أهل الإعراض، وعقوبته بهم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)
إنها قلوب بسبب الإعراض مريضة، لا تهتدي بهدي القرآن، ولا تستشفي بشفائه،
مضغ تنقبض وتضيق، وتنفر نفرة عجيبة من مواعظ وأوامر القرآن (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)؟!
معرضون بسبب الأكِنَّة التي طمست قلوبهم، ولولاها لتأثروا بوعيد القرآن ووعده، وآياته وعِبَره.
عباد الله :
المعرضون عن الله تعالى يجتمع عليهم الشقاء والحسرة والبلاء في دنياهم قبل أُخراهم، فهل شقاء أعظم وأشد، من إعراض الله عن العبد،ففِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُذَكِّرُ النَّاسَ، فَأَعْرَضَ عَنِ التَّذْكِيرِ، وَوَلَّى مُدْبِرًا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ: "وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وأما عذاب الآخرة لبعض أهل الإعراض، فهو الشقاء والنكال، والحسرة والوبال، إنه الوزر العظيم الذي حذّر منه المولى بقوله: (وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا *مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا) وَالذِّكْرُ هُنَا هُوَ القُرْآنُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ تَعَالَى.
ويا لتعاسة أهل الإعراض أيضاً من غدهم ومنقلبهم، فقد توعدهم الملك الجبار بالانتقام (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "إِيَّاكُمْ وَالإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ فَقَدِ اغْتَرَّ أَكْبَرَ الغِرَّةِ وَأَعْوَزَ أَشَدَّ العَوَزِ".
نسأل تعالى أن يرزقنا الإذعان لشريعته، والقبول لأمره ونهيه، ونعوذ بالله من مناكفة شرعه، أو الاستدراك على شيء من دينه (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.....


الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اجتبى، أما بعد:
قد يتقلب المرء في ظلمات الإعراض وهو لا يشعر، فتراه يعارض نصاً شرعياً ولا يذعن له؛ اتباعاً لهواه، ثم يجادل بالباطل ليرد به الحق.هؤلاء المعرضون عن النصوص ليفتشوا عن صدورهم، فلربما فسدت قلوبهم وارتكسوا في الآثام وهم لا يشعرون، ربما انغمسوا في النفاق وتنقلوا بين شُعَبه وهم لا يدركون.
عباد الله: كم من أقوام أعرضوا عن شريعة الله فكانوا بها من الجاهلين، فأصبحت أوامر الدين وتشريعاته غريبة عليهم، فجرّهم ذلك إلى الطعن في الدين، والاستهزاء بالشرع!!
كم من أُناس أعرضوا عن دين الله وتعلم الشرع والعقيدة، فقادهم ذلك إلى الإلحاد في أسماء الله وصفاته، والتهكم بعقيدة أهل السنة في هذا الباب!!
كم من أقوام أعرضوا عن علم الشريعة ونور الوحيين، وخلت قراءاتهم وكتاباتهم منها، وتعلقوا وفتنوا بأقوال فلاسفة هالكين، فإذا استشهدوا فبهم، وإذا استدلوا فبكلامهم، فقادهم ذلك إلى انحراف في المفاهيم، وخلل في مسلمات الدين!!
عباد الله: إنَّ المُتَتَبِّعُ لِأَحْوَالِ المُنَاكِفِينَ لِلشَّرِيعَةِ ليَرى بعين البصر والبصيرة أَنَّ بِدَايَاتِ هَذَا الزَّيْغِ الَّذِي أَصَابَهُمْ كَانَ إِعْرَاضًا عَنْ بَعْضِ أَحْكَامِ اللهِ تَعَالَى، تَطَوَّرَ إِلَى اعْتِرَاضٍ عَلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ اسْتِمَاتَةٍ فِي رَدِّهَا، مَعَ اتِّبَاعِ المُتَشَابِهِ مِنَ النُّصُوصِ، إِلَى أَنْ وَصَلَ بِهِمْ إِعْرَاضُهُمْ إِلَى الزَّيْغِ وَالضَّلالِ، وَالاسْتِهَانَةِ بِاللهِ تَعَالَى، وَرَفْضِ شَرِيعَتِهِ؛ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
فالله الله عباد الله في تعظيم شرع الله، والاستمساك بأوامر الله، وملء القلوب من هذه المعاني، والحذر كل الحذر من الاعتراض على أحكام الشرع، أو كراهة شيء منها، فتبعة ذلك حبوط الأعمال وشقاء ليس بعده شقاء (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[/size][/font][/color][/size][/b][/b]
المشاهدات 1013 | التعليقات 0