خطبة الإستسقاء 9-5-1443هـ
حسام الحجي
الْحَمْدُ للهِ الرَّحِيمِ الْغَفَّار، خَيْرُهُ مِدْرَارٌ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضَى الْمُخْتَار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَطْهَارِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ .
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ، فَبِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى تَحُلُّ الْبَرَكَاتُ وَتَنْزِلُ الرَّحَمَاتُ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
أَيُّهَا الْمُسْتَسْقُونَ: دَلَائِلُ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَآيَاتُ قُدْرَتِهِ كَثِيرَةٌ، لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَشَوَاهِدُ عَظَمَتِهِ لَا تُحَدُّ وَلَا تُسْتَقْصَى فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَوْلَادِ، فِي الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ، فِي الْكَوْنِ وَالْعِبَادِ، فِي الْحَيَاةِ وَالْبِلَادِ، أَإلَهٌ مَعَ اللهِ ؟.
لَكِنَّ الْقُلُوبَ عَنْ آيَاتِ اللهِ غَافِلَةٌ، وَالنُّفُوسُ عَنْ شَوَاهِدِ قُدْرَتِهِ لَاهِيَةٌ، وَالْعُقُولُ عَنْ دَلَائِلِ عَظَمَتِهِ شَارِدَةٌ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، فَأَيْنَ الْمُتَفَكِّرُونَ؟ وَأَيْنَ الْمُتَأَمِّلُونَ؟.
أَيُّهَا الْمُسْتَسْقُونَ: الْغَيْثُ نِعْمَةٌ عُظْمَى وَمِنَّةٌ كُبْرَى، رَسُولُ الرَّحَمَاتِ وَبَشَائِرُ الْخَيْرَاتِ وَبَهْجَةُ الْقُلُوبِ، أَغْلَى مَفْقُودٍ وَأَرْخَصُ مَوْجُودٍ، سِرُّ الْبَقَاءِ وَالْوُجُودِ، نِعْمَةٌ مِنْ اللهِ جَلِيلَةٌ وَهِبَةٌ مِنَ الْمَوْلَى جَمِيلَةٌ، فَيَا لَهُ مِنْ خَلْقٍ عَجِيبٍ، سُبْحَانَ مَنْ أَنْزَلَ الْمِيَاهَ وَرَوَى بِهَا الْأَجْسَادَ وَالْأَفْوَاهَ.
(وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا).
وَإِنَّهُ لَا يَقْدُرُ هَذِهِ النِّعْمَةَ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ حُرِمَهَا، واسألُوا أَهْلَ الْمَزَارِعِ وَالْمَوَاشِي فِي أَيِّ حَالَةٍ، مِنْ الضُّرِّ يَعِيشُونَ لِقِلَّةِ الْأَمْطَارِ؟ (قُل أَرَءيتُم إِن أَصبَحَ مَاؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ).
وَإنَّ لِلْغَيْثِ أَسْبَابًا جَالِبَةً وَأُخْرَى مَانِعَةً، هَلْ سَألْنَا أَنْفُسَنَا وَنَحْنُ فِي مَوَاسِمِ الْغَيْثِ هَلْ أَخَذْنَا بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ، أَمْ قَدْ نَكُونُ نَحْنُ بِأَفْعَالِنَا سَبَبًا فِي مَنْعِهِ؟ لِنُحَاسِبْ أَنْفُسَنَا أَلَمْ نُقَصِّرْ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى؟ مَا مِيزَانُ الصَّلَاةِ وَهِيَ ثَانِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالْفَارِقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ؟! لَقَدْ خَفَّ مِقْدَارُهَا، وَطَاشَ مِيزَانُهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، وَإِذَا سَأَلْتَ عَنِ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجِهَا أَفْزَعَكَ بُخْلُ بَعْضِ النَّاسِ وَتَقْصِيرُهُمْ فِي أَدَائِهَا، أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : [ لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ وَجَورِ السُّلطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنِ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ] .
لَقَدْ ظَهَرَتِ الْمُنْكَرَاتُ وَعَمَّتِ الْمُحَرَّمَاتُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ، سَادَتْ مَظَاهِرُ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورِ وَالِاخْتِلَاطِ، وَضَعُفَتِ الْغَيْرَةُ فِي النُّفُوسِ، وَقَلَّ التَّآمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّنَاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ، فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
(أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللهِ).
ارْفَعُوا قُلُوبَكُمْ إِلَى بَارِئِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى مَوْلَاكُمْ وَرَبِّكُمْ، وَالْهَجْوَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ -سُبْحَانَهُ - طَالِبِينَ الْغَيْثَ مِنْهُ، رَاجِينَ لِفَضْلِهِ، مُؤَمِّلِينَ لِكَرَمِهِ، مُلِحِّينَ عَلَيْهِ بِإِغَاثَةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَسَقْيِ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ غَيَّاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَرَاحِمُ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَمُجِيبُ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّين، وَجَابِرُ كَسْرِ الْمُنْكَسِرِينَ.
نَسْتَغْفِرُ اللهَ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ ، نَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ .
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا وَأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ يَا مُغِيثُ أَغِثْنَ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، فَلَا تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا وَأَرْوَاحَنَا بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِين، وَبِلَادَنَا بِالْخَيْرَاتِ وَالْأَمْطَارِ وَالْغَيْثِ الْعَمِيمِ يَا رَبَّ الْعَالَمَيْنَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا خَيْرَ مَا عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا عِنْدَنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مُرِيعًا سَحَّا غَدَقًا طَبَقًا عَامًا وَاسِعًا مُجَلِّلاً، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، عَاجِلاً غَيْرَ رَائِثٍ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ.
يَا أَكْرَمَ مَسْؤُول، وَيَا أَعْظَمَ مَأْمُولٍ، اللَّهُمَّ قَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، وَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ، لَا تَرُدَّنَا يَا مَوْلَانَا خَائِبِينَ، وَلَا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ، وَلَا مِنْ بَابِكَ مَطْرُودِينَ.
أَيُّهَا الْمُسْتَسْقُونَ: اعْزِمُوا عَلَى قَلْبِ حَالِكُمْ إِلَى الْحَالِ الَّتِي تُرْضِي رَبَّكُمْ ، وَاقْتَدُوْا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ بِقَلْبِ أَرْدِيَتِكُمْ، مُتَفَائِلِينَ رَاجِينَ فَضْلَ رَبٍّ كَرِيمٍ .
(سُبحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَـامٌ عَلَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبّ العَـالَمِينَ).