خطبة الإستسقاء ليوم الخميس

يوسف العوض
1444/04/21 - 2022/11/15 06:21AM

الحمدُ للهِ رب العالَمِين، الرحمنِ الرحيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، والحَمْدُ للهِ مُغِيثِ المُسْتَغِيثِينَ، ومُجِيبُ المُضْطَرِّينَ، ومُسْبِغُ النِّعَمِ عَلى العِبادِ أَجْمَعِينَ، لا إله إلا اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ وَيَحْكُمُ ما يُريدُ، لا إلهَ إلا اللهُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ، لا إلهَ إلا اللهُ الواسِعُ المَجِيدُ، لا إلهَ إلا اللهُ الذي عَمَّ بِفَضْلِهِ وإِحْسانِهِ جَمِيعَ العَبِيدِ، وشَمَلَ بِحِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ القَريبَ والبَعِيدَ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ له، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرسولُه, صَلى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، أَمَّا بَعْدُ:

أيُّها المُؤمنونَ: جاءَ في صحيحِ الجامعِ مِنْ حَديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنه ، قَالَ: " أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ   وَسَلَّمَ، فَقَالَ:

يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم"

أيُّها المُؤمنونَ: فِي هَذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خَمسٌ إذا ابتُليتُم بهنَّ"، أي: ظَهَرتْ وتَفَشَّتْ، وهذه النواهي الخَمسُ تَشمَلُ جَميعَ المُسلِمينَ، وخُصَّ النِّداءُ بالمُهاجِرينَ بما يقعُ عليهم من مُشتمَلاتِ الدَّعوةِ، وتَرسيخِها فيهم، وما يتولَّوْنَه من بعدِه من الولايةِ على المُسلِمينَ، وأُطلِقَ الابتلاءُ على المُنكَراتِ كما سيأتي في هذا الحديثِ لِمَا يَتحقَّقُ من أَثَرِ ارتكابِها غَضَبٌ وسَخَطٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، ولعلَّ تَحقيقَ هذا الأَثَرِ سَبَبٌ في تَركِ تلك المُنكَراتِ، "وأعوذُ باللهِ أنْ تُدرِكُوهنَّ"، وهذا من بابِ الدُّعاءِ لهم من الوُقوعِ في الشَّرِّ والمهالِكِ، ثم بيَّن لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الخَمسَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأُولى: "لم تظهَرِ الفاحِشَةُ في قومٍ قَطُّ حتى يُعلِنوا بها، إلَّا فَشا فيهم الطاعون"، أي: إذا ظَهَرَ فيهم الزِّنا وجاهَروا به، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعاقِبُهم بفُشوِّ الطاعونِ وانتشارِه، وهو مرضٌ ووَباءٌ عامٌّ يَكثُرُ بسَبَبِه الموتُ، "والأوجاعُ التي لم تكُنْ مَضَتْ في أسلافِهم الذين مَضَوْا"، أي: أنَّ تلك الأمراضَ وأوجاعَها لم تكُنْ ظَهَرتْ من قبلُ في الأُمَمِ السابِقَةِ، وهذا إشارةٌ أنَّها علامةٌ ظاهِرَةٌ ومُحقَّقةٌ لجريمةِ تَفشِّي الزِّنا.

وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الثانيَةِ: "ولم يَنقُصوا المِكيالَ والميزانَ "، ونقصُ المِكيالِ والميزانِ هي سَرِقةُ ما يُكالُ ويُوزَنُ عندَ البيعِ والشِّراءِ، "إلَّا أُخِذوا بالسِّنينَ"، أي: أصابَهم اللهُ بالقَحْطِ، والجَفافِ، وعَدَمِ نُزولِ المَطَرِ، وقِلَّةِ الماء، "وشِدَّةِ المَؤُونَةِ"، أي: الغَلاءِ وقِلَّةِ الزادِ والقوتِ، "وجَورِ السُّلطانِ عليهم"، أي: ظُلمِ الوُلاةِ لهم.

وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الثالِثَةِ: "ولم يَمنَعوا زَكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القَطْرَ من السَّماءِ"، أي: مَنَعَ اللهُ عنهم المَطَرَ، "ولولا البَهائِمُ لم يُمطَروا"، أي: ولولا وُجودُ البهائِمِ ما نَزَلَ عليهم المَطَرُ من السَّماءِ؛ لأنَّهم لا يستَحِقونَه، وهذا دليلٌ على شِدَّةِ غَضَبِ اللهِ عليهم؛ لأنَّه ما رَزَقَهم إلَّا من أجلِ البهائِمِ، وكأنَّ البهائِمَ تكونُ عندَ اللهِ أفضَلَ منهم، إذا فعَلوا هذه الأعمالَ.

وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرابِعَةِ: "، ولم يَنقُضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه "، أي: إذا أخَلُّوا بالعُهودِ والمَواثيقِ التي أخَذَها اللهُ ورسولُه عليهم من الوَفاءِ لكُلِّ ذي عهدٍ وميثاقٍ، "إلَّا سلَّط اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم"، أي: استَولَوْا على بعضِ ما عندَهم من الأموالِ، والمُمتلَكاتِ، والبُلدانِ.

ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخامِسَةِ: "وما لم تَحكُمْ أئِمَّتُهم بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ ويتخَيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ"، أي: إذا امتَنَعَ الأئِمَّةُ عن الحُكمِ بما جاءَ في كِتابِ اللهِ كُلِّيةً، أو اختاروا بعضَ ما فيه مما لهم فيه مَصلحةٌ، فطبَّقوه وأمَروا به، وامتَنَعوا وعطَّلوا بقيَّةَ أحكامِه، فكانوا كمَن يُؤمِنون ببعضِ الكِتابِ ويَترُكون بعضَه، "إلَّا جَعَلَ اللهُ بأسَهم بينهم"، أي: جَعَلَ اللهُ بعضَهم أعداءً لبعضٍ؛ لأنَّه صار أمرُهم على الدُّنيا؛ فنُزِعَ من قُلوبِهم الخيرُ، وحَلَّتْ عليهم عُقوبةُ رَبِّ العالَمين سُبحانَه.

وتلك العُقوباتُ إنَّما تكونُ لمُرتَكِبِها في الدُّنيا، ويَبقى له عذابُ الآخِرَةِ ما لم يَتُبْ وينخَلِعْ عن هذه المُنكَراتِ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، وأَرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرارا، وأَمْدِدْنا بِأَمْوالٍ وبَنِينَ، واجْعَلْ لَنا جَنَّاتٍ، واجْعَلْ لَنا أَنْهارا.

اللهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ بِأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إله إلا أنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَه كُفُوًا أَحَد.

اللَّهُم إنَّا نَسْألُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدُ لا إِلهَ إلا أَنْتَ المَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمواتِ والأَرْضِ، يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إله إلا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَراءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، واجُعَلْ ما أَنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغًا إلى حِينٍ.

اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نافِعًا غَيْرَ ضارٍّ، عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ.

اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهائِمَكَ وانْشُرْ رَحْمَتَكَ, وأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.

اللهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنا مِن السماءِ ماءً مُبارَكًا، تُغِيثُ بِهِ العِبادَ والبِلادَ، وتَعُمُّ بِهِ الحاضِرَ والباد.

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ الغَيْثَ والرَّحْمَةَ

اللَّهُمَ يا غافِرَ الذَنْبِ، ويا قابِلَ التَّوْبِ. يا مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه وَيَعْفُو عَن السَّيِّئاتِ

مَدَدْنا إلَيْكَ أيْدِيَنا، وتَوَجَّهْنا إلَيْكَ بِقُلُوبِنا، تائِبِينَ، ذَلِيلِينَ، طامِعِينَ في فَضْلِكِ ورَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ، فلا تَرُدَّنا خائِبِينِ

اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللَّهُمَّ أَغِثْنا، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد .

المرفقات

1668482462_استسقاء.pdf

المشاهدات 552 | التعليقات 0