(خطبة) الإحسان وفضله
خالد الشايع
الخطبة الأولى (الإحسان) 26/2/1446
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.........
أما بعد أيها الناس : إتقوا الله جل وعلا وقابلوا إحسانه بالإحسان واحذروا مقابلته بالإساءة بالجحود والكفران .
معاشر المسلمين : الإحسان ضد الإساءة ومن صفات المؤمنين أنهم يقابلون الإساءة بالإحسان ( ويدرأون بالحسنة السيئة ) والله جل وعلا يحسن إلى خلقه ويكلأهم بحفظه ، والإحسان أعلى مراتب الدين .
والإحسان عباد الله يأتي على معان كثيرة ويعمها في التعريف أنه المعاملةُ بالحسنى ممن لا يلزمه إلى من هو أهل لها .
أيها المؤمنون : إن الإحسانَ عملٌ عظيم فهو المصلح لجميع الأمور ومن ذلك نهوضُ المجتمعاتِ وصلاحُها وذلك أن الإحسان يقتضي من المسلم أن يتقن عمله على أكمل وجه لأنه يعلم أن الله مطلع عليه وبهذا تنهض الأمم لصلاح شوؤنها .
قال ابن القيم : ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الإحسان وهي لب الإيمان وروحه وكماله وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل فجميعها منطوية فيها وكل ما قيل من أول الكتاب إلى ههنا فهو من الإحسان فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق وهو أن تعبد الله كأنك تراه أهـ
معاشر المؤمنين : لقد بشر الله المحسنين بقوله ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) قال ابن عباس رضي الله عنه والمفسرون هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد إلا الجنة وقد روى عن النبي أنه قرأ (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ثم قال هل تدورن ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة وفي الحديث (أن تعبد الله كأنك تراه) إشارةٌ إلى كمالِ الحضور مع الله عز وجل ومراقبتِه الجامعةِ لخشيته ومحبته ومعرفته والإنابة إليه والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان أهـ
عباد الله : إن للإحسان فضل عظيم فمن ذلك أن الله أمر عباد به في أكثر من أية فأمر بالإحسان بالوالدين( وبالوالدين إحسانا) وأمر بالإحسان في أداء الدية ( وأداء إليه بإحسان) وأمر بالإحسان في رد التحية )وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) وأمر بالإحسان في مال اليتم )وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) وأمر بالإحسان في القول ( وقولوا للناس حسنا )وأمر بالإحسان في مجادلة أهل الكتاب ()وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا ) بل أمر بالإحسان في كل شيء كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث شداد بن أوس قال r ( إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة و ليحد أحدكم شفرته و ليرح ذبيحته )
أيها الناس : لو لم يكن في الإحسان إلا أن الله يحب أهله قال تعالى( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) وإذا أحب الله العبد فلا تسل عما يأتيه من العطايا وما يدفع عنه من المكروهات والبلايا ، ومن فضل الإحسان أن صاحبه في معية الله ( وإن الله لمع المحسنين) ومن فضل الإحسان أن صاحبه قريب من رحمة الله ()إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ومن فضل الإحسان أن صاحبه في مأمن يوم القيامة من الخوف والحزن ()بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ومن فضل الإحسان التمكين لصاحبه في الأرض ()وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ومن فوائد الإحسان أنه إذا اقترن مع إسلام الوجه لله أثمر لصاحبه الاستمساكَ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي التي يرجى معها خيري الدنيا والآخرة (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى )
اللهم ارزقنا الإحسان في كل شيء ، واجعلنا من أحبابك المقبولين يارب العالمين
أقول قولي .....
الخطبة الثاني
الحمد لله رب العالمين
أما بعد فيا أيها المؤمنون : إن الإحسان هو حقيقة الدين وهو منزلة عظيمة لا يبلغها إلا الخلص ممن وفقه الله لذلك .
عباد الله لا يزال الحديث موصولا عن فضل الإحسان ، ومن فضل الإحسان أن الله تعالى يقبل بقلوب العباد على المحسن محبةً ومهابة ، لأن المحسنَ محبوبٌ لله تعالى كما قال تعالى ( واحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ومن أحبه الله حببه إلى خلقه وكتب له القبول في الأرض كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال r ( إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه فيحبُه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض و إذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض .
قال المناوي :
( ثم يوضع له القبول في ) أهل ( الأرض ) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداءً اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالاً لمكانهم . قال بعضهم : وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له. أهـ
ومن فضل الإحسان أن صاحبه تضاعف له حسناته أكثر من غيره حتى قال بعض أهل العلم إن مضاعفة الحسنات تكون الحسنة بعشر أمثالها إلا المحسنون يضاعف لهم إلى سبعمائة ضعف ويستدل لهذا القول بما أخرجه البخاري تعليقا والنسائي مسندا من حديث أبي سعيد الخدري قال r ( إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها و كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها ) ومن فضل الإحسان أن الله يكفر للعبد ما أزلفه في الجاهلية كما مر ذكره في الحديث الأنف ، ومن أساء بعد إسلامه أخذ بالأول والآخر كما أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود أن رجلا قال للنبي r أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية فقال : من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية و من أساء في الإسلام أخذ بالأول و الآخر)
أيها الناس : إن الإحسان سهل لمن طبق شروطه وقد لخص لنا ذلك ابن القيم رحمه الله بقوله : إحسان القصد يكون بثلاثة أشياء أحدها تهذيبُه علما ، بأن يجعله تابعا للعلم على مقتضاه ، مهذبا به منقى من شوائب الحظوظ ، فلا يقصد إلا ما يجوز في العلم ، و العلم هو اتباع الأمر والشرع ، والثاني إبرامه عزما ، و الإبرام الإحكام والقوة، أي يقارنه عزم يمضيه ولا يصحبه فتور وتوان يضعفه ويوهنه ، الثالث تصفيته حالا أي يكون حال صاحبه صافيا من الأكدار والشوائب التي تدل على كدر قصده فإن الحال مظهر القصد وثمرته وهو أيضا مادته وباعثه فكل منهما ينفعل عن الآخر فصفاؤه وتخليصه من تمام صفاء الآخر وتخليصه أهـ
اللهم اجعلنا ممن يعبدك كأنه يراك ، واجعلنا من المحسنين
اللهم أعنا على تدارك مافات من الأوقات والأعمار يا رب العالمين
اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا ، وجنبنا الفتن ما ظهر منها ومابطن .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين .....
اللهم أنج المستضعفين من ......
سبحان ربك رب ......
المرفقات
1724941923_الإحسان.doc