( خطبة) الإحسان إلى البنات

خالد الشايع
1444/06/19 - 2023/01/12 17:02PM

                الخطبة الأولى (الإحسان إلى البنات) 19/6/1444

إن الحمد لله ( خطبة الحاجة )

أما بعد فيا أيها الناس : إن من نعم الله على المرء أن يهب له من النعم ما يكون طريقا موصلا إلى الجنة ، مبعدا له عن النار ، فتكون نعمة وفي نفس الأمر لها ثواب عظيم إن قام بحقها ، ومن تلك النعم ، هبة من الله يهبها العبد ، ويطلب منه رعايتها وصونها ، ويرتب عليها الثواب الكبير ، فهي نعمة اشتملت على أجور 

أولها: يُحْجب عن النار، فلا يدخلها.                                

ثانيها: يحشر يوم الفزع الأكبر مع المصطفى  صلى الله عليه وسلم

ثالثاً: تجب له الجنة، بل ويكون فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم

 فما أعظم هذا الأجر، وما أجلّ هذا الثواب، الذي لا يحرمه إلا محروم  .     

وهذا الجزاء العظيم أيها المؤمنون مقيد بشروط، لابد للحصول عليه من تأدية شروطه وتكمل جوانبه.

فما هو هذا العمل، وما هي شروطه؟

هذا العمل أيها المؤمنون:

هو رعاية البنات، والقيام عليهن وعلى مصالحهن، وحفظهن بصونهن مما يخدش كرامتهن ، وهذا شأن ديننا مع المرأة يكرمها ويصونها ويحفظها ويرغب الرجال في الجنة وعظيم الثواب، إن هم قاموا على رعايتها وحفظها.

معاشر المسلمين :  لعلنا نستعرض شيئا من النصوص الواردة في ذلك ثم نستخلص الفوائد منها : أخرج البخاري ومسلم   من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مرفوعا: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنّ له ستراً من النار)).      وأخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه مرفوعا (((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار)).                                            وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس قال، قال رسول الله : ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه)) وأخرج أحمد في مسنده من حديث جابر مرفوعا : ((من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال بعض القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين))

وأخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي سعيد مرفوعا: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات أو أخوات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة)).

وفي رواية عن أنس قال: قال رسول الله : ((من كان له أختان أو ابنتان فأحسن إليهن ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة، وفرق بين إصبعيه)).  

عباد الله لنستخلص شيئا من فوائد هذه النصوص :   قوله : ((من ابتلي من هذه البنات بشيء))، فسماهن بلية، قال القرطبي في تفسيره سماهن بلاءً لما ينشأ عنهن من العار أحياناً.                 

وهي كذلك بلاء لأنها إن لم تقم بحقها انقلبت في حقك بدل النعمة نقمة أخروية . فهي تصان ويحافظ عليها أكثر من الذكر ، وذلك لضعفها ، ووجوب سترها ، وخشية العار من قبلها ، ولأن في صلاحها صلاحا للمجتمع عظيما ، وفي فسادها فساد للمجتمع عظيم ، ولأن العناية بها تحتاج إلى شيء من التعب والجهد .

قوله : ((فأحسن إليهن)).يؤخذ منه أن الإحسان إلى البنات إحساناً يوافق الشرع، هو الشرط الجامع والقيد الأكبر.        

قوله : ((يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن)). قال الحافظ: وهذه الألفاظ يجمعها لفظ الإحسان.        

قوله ( آواهن ) الإيواء يشمل عدة جوانب: أولها: إيواء البنات إلى أم صالحة تقية عفيفة تصونهن وتحفظهن وتكون قدوة لهن.    ولهذا دوت نصيحة المصطفى في زمن الصحابة في بيان المرأة التي تصلح لأن تكون معينة لك على نيل أجر إيواء البنات وهو ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)).                                               ثانيها: إيواؤها في خدرها،  وليس المقصود حبسها ولكن  بتعليمها أمور دينها والأخلاق الفاضلة والآداب الإسلامية إضافة إلى  أن تقر في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة أو حاجة أو قربة أو طاعة كقوله ((يشهدن الخير ودعوة المسلمين)). وهذا معنى قوله تعالى: وقرن في بيوتكن فأمر النساء بالقرار في البيت، فهو أستر لهن وأحفظ لحياتهن.                                 وتأملوا رحمكم الله كيف أضاف الله عز وجل البيوت إلى النساء في ثلاثة مواضع من كتابه مع أنها تابعة لأوليائهن، فقال تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن . وقال: لا تخرجوهن من بيوتهن وقال: وقرن في بيوتكن فنسبة إليها لمداومتها على البقاء وقلة الخروج منه ، فاحرص على تربية بناتك على القرار في البيوت، وعليك بالحزم فإنه أنفع لدينهن وأعز لك في الدنيا والآخرة. ثالثها: الإيواء إلى بيت عامر بالذكر والطاعة والعمل الصالح، فبعض النساء لا يخرجن من البيت؟! ولكن بيوتهن عامرة بشياطين الإنس والجن، بيوت لا يحتجب فيها النساء من الرجال الأجانب، فأولاد العم والعمة وكذا الخال، والخالة من الطوافين الولاجين، لا غطاء ولا حجاب ، والسائق والخادم، كأنه من غير ذوي الإربة من الرجال يدخل على نساء الدار دون حجاب، فدار كهذه لا تصلح أن تكون مأوى للبنت المسلمة التي يراد منها أن تكون سترا من النار ، بل هي دار تهان فيها المرأة وتكون سلعة بين العابثين وبعض النساء لا يخرجن من البيوت، ولكن بيوتهن عامرة بأجهزة الفساد، وقنوات الغنا والخنا  فتتعلم الحرام وتشاهده وتسمعه، وتفتن في دينها وتضل وتفسد، أكثر مما لو كانت خراجة ولاجة .                           

فهل هذا إيواء يا عباد الله؟!              

 إن الإيواء الحقيقي يكون في خدر ساتر يحافظ على عرضك ويصونه.

اللهم استر على نسائنا ونساء المسلمين ، أقول قولي .......

                 الخطبة الثانية              

الحمد لله رب العالمين ، ...

أما بعد فيا أيها الناس : ومما يستفاد من جملة تلك الأحاديث التي أتينا عليها في الخطبة الأولى :  قوله: ((من عال جاريتين حتى تبلغا))    قال النووي رحمه الله: عالهما قام عليهما بالمؤونة والتربية.                       ويفسره أيضاً قوله : ((وكساهن من جدته)).فيه أن كفاية المرأة حاجاتها الضرورية من طعام ولباس ومؤنة من الواجبات ومن أعظم القربات التي يشتغل بها الرجال. فيكفيهن هذه الأمور، فلا يحتجن إلى الخروج من الدار للعمل والكسب؟! يكفيهن هذه الضرورات فلا يفكرن في المعصية والانحراف؟ّ!   يكفيهن، ولم يقل يطغيهن، كما يفعل بعض الآباء – هداهم الله – فيبالغ في توفير طلبات ابنته، كلما اشتهت اشترى لها، من غير التبين في الطلب هل هو مصلح لها أم مفسد ؟وإن عدم رد طلبات البنت باستمرار وهي في بيت أبيها  مفسد لها فما أن تنتقل هذه الفتاة إلى دار زوجها، وتفقد ذلك الدلال إلا وتنشز على بعلها ، نعم لا بأس من تلبية طلباتها ولكن في حدود الشرع بحيث لا تطغى ، وتنغمس في الكماليات ، فليس من شرط تحقق الثواب في التربية أن تسرف في النفقة عليها ، فبعض النفقات قد تكون عاملَ إفساد ،  وعلى النقيض ، نجد من الرجال من يقصر على النساء في تلبية ضروراتهن ، فيضجر بتلبية حاجاتها وكفايتها، والقَوامُ هو المطلوب والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً .                         قوله  ( وبرحمهن )  الرحمة الحقيقية بالبنات  تتمثل في أمرين:               الأول: رحمتهن، ببذل الجهد والعمل الجاد على تجنيبهن النار . وذلك بتربيتهن على شعائر الإسلام وإقام الصلاة والحجاب والستر والعفاف. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة .  فالرجل الذي يعطف على بناته ويدللهن ويحسن إليهن مادياً ومعنوياً ثم هو لا يأمرهن بصلاة أو صيام ولا ستر أو حجاب هذا في الحقيقة لم يرحمهن بل زج بهن إلى الضرر المحقق لأنه لم ينصح لهن ولم يأخذ بأيديهن وفيحجزهن ويبعدنهن عند النّار.                                                                            النوع الثاني من الرحمة: رحمة غرائزهم ومشاعرهن فمن الآباء من لا يرحم مشاعر بناته ولا يراعي غرائزهن فيُدخلُ في بيته ما يثير الشهوات ويحرك المشاعر ، من مجلات هابطة وقنوات ساقطة، فترى الفتاة مناظر تحرك الجبال، فتقع في صراع داخلي بين شهوتها وغريزتها وبين دينها وحيائها وخوفها من ربها      ولربما تكون العواقب وخيمة .أعاذنا الله وإياكم من ذلك .                           فاتقوا الله معاشر المؤمنين وأحسنوا إلى بناتكم، واعلموا أنّ الأجر العظيم الذي استمعتم إليه مقيد بهذه القيود الثقال وهي يسيرة لمن يسرها الله عليها    اللهم وفقنا لهداك ، وأعنا على أداء الأمانة التي كلفتنا بها على الوجه الذي يرضيك عنا اللهم أغفر لنا خطأنا وهزلنا وجدنا وعمدنا اللهم استر على نساء المسلمين.........    اللهم انج المسضعفين من المؤمنين .......... سبحان ربك رب العزة عما يصفون

 

المرفقات

1673532160_خطبة الإحسان إلى البنات.docx

المشاهدات 859 | التعليقات 0