خطبة الأضحى .. {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ..

عبدالله محمد الطوالة
1441/12/08 - 2020/07/29 08:34AM
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الوهابِ المنانِ، الرحيمِ الرحمنِ، المدعُوِ بكلِّ لسانٍ، المرجُوِ للعفوِ والإحسانِ، سبحانهُ وبحمده، قَديرٌ لا يُعجزهُ شيءٌ، خَبيرٌ لا يَخفى عليهِ شَيءٌ، كَبيرٌ لا يتَعاظَمهُ شَيءٌ، رَحيمٌ وَسِعتْ رَحمتهُ كُلَّ شَيء، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ..
وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، رفيعُ الدرجاتِ، واسِعُ الرَّحماتِ، واهِبُ البركاتِ، مُجِيبُ الدَّعواتِ، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} ..
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، أصدَقُ النَّاسِ قَولاً، وأصَحُهم عَملاً، وأعدَلُهم حُكماً، وأقومُهُم مَنهجاً، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى ألهِ وصحبهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ..
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّه بُكْرَةً وَأَصِيلًا ..
أمَّا بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وأطِيعوهُ، وعَظِموهُ في هذا اليوم المباركِ وكبروهُ، واحمدوهُ على ما هداكم واشكُروه، واذكروه كثيراً وسبحوه ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
معاشر المؤمنين الكرام: يَومُكُمْ هذا يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ، رَفعَ اللهُ قدرَهُ، وأعلى ذِكرَهُ، وسمَّاهُ يَومَ الحجِّ الأكبر, يَوْمَ الْعَجِّ وَالثَّجِّ, يَوْمَ النَّحْرِ والذِّكر، يومَ العِيدِ السَّعيدِ, أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا، وقد وافقَ يومَ جُمعةٍ، فأصْبحا عِيدانِ في يومٍ واحدٍ، فهُما نُورٌ على نُور، وخَيرٌ على خَير ..
فاعرِفوا قدْرَ هذا اليومِ وعَظمَتِهُ، واستشعِروا برَكتَهُ وروعتَهُ، وتعرَضوا لنفحاتِ رَبِكُم ورحمتِه، وامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ من تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى وَإجْلَالهِ وهيبتِه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ثم اعلموا يا عباد الله: أنَّ العَيدَ شَعِيرةٌ مِنْ شَعائِرِ اللهِ المجيدَةِ، ومُناسبةٌ غَاليةٌ مِن المناسَباتِ السَّعِيدةِ، فأسْعدَ اللهُ أيامَكُم، وبَاركَ اللهُ أعيادَكُم، وأدَامُ اللهُ أفراحَكُم، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومِنكُم .. وبُشراكُم بإذنِ اللهِ بُشراكم، بُشراكُم بالأجرِ العظيمِ والدَّرجَاتِ العُلا .. ولمَ لا، فربُكُم جَلَّ وعَلا، مُحسنٌ كَريمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملا ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
مَعاشِرَ المؤمنينَ الكِرام: آدابُ النفسِ، وأخلاقياتُ التعامُلِ بين الناسِ، ونَوعِيةُ العَلاقاتِ التي تربِطُ الأفرادَ بَعضَهُم ببعضٍ، مِنْ أجَلِّ مَا وَهبَ اللهُ لعِبادِهِ مِن النِّعمِ .. كمَا يُمكنُ أنَّ تُعتَبرَ مِقْياساً لمستوى تَدَّيُنِ المجتمعِ ومدى حِرصِهِ على تَطبِيقِ تَعاليمِ الإسلامِ الخالدةِ، ودَليلٌ على رُقيِ المجتمعِ وجَمالِ أخلاقِه أو انحِطاطِه ..
والمتأمِلُ في طِباعِ النَّاسِ بصِفةٍ عامةٍ, يُمكِنَهُ أنْ يَلحظَ بوضوحٍ وجودَ خلَلٍ كَبيرٍ في الآدابِ العامةِ، وأنَّ هُناكَ نَقصاً واضِحاً في حُسنِ التَعامُلِ بين الناسِ ..
نعمْ يا عبادَ اللهِ: هُناكَ من يَسْهُلُ عَليهِ أنَّ يَقطَعَ رحِمهُ وأنَّ يَهجُرَ أقاربَهُ لأقلِّ خِلافٍ، وهُناكَ مَنْ يَعيشُ حَياةَ النَّكدِ والخِصامِ معَ أهلِه وأبنائهِ لضيقِ أخلاقهِ وسُوءِ طِباعهِ، وهُناكَ مَنْ هو في خِلافٍ دائمٍ مع جِيرانِهِ بسببِ سُوءِ مُعامَلتِه، وهُناكَ من هو جَافُّ الطبعِ، سِيءُ المعامَلة، عَابِسُ الوَجهِ، سَليطُ اللسانِ بسببٍ أو بدون سبب .. وقُل مِثلَ ذلك في مجتمعاتِ النِّساءِ، فالنِّساءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ ..
ولا شكَ أنَّ ذلك مُخالفةً صَريحةً لتوجيهاتِ القرآنِ الكريمِ وهَدْيُ السُنَّةِ المطهرةِ .. وإلَّا فأينَ هُم مِنْ قولِ اللهِ جَلَّ وعلا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وقوله سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .. والآية التي نقرأها في نهاية كُلِّ خُطبةٍ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .. وأينَ هُم من قولهِ : "أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا" .. وقولهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "إنَّ الرجلَ ليُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِهِ دَرجاتِ قَائِمِ الليلِ وصَائِمِ النَّهارِ"، وقولهِ : "إنَّكُم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعْهُم مِنكُم بَسطُ الوَجهِ وحُسنُ الخُلُقِ" .. وفي صحيح البخاري: "رحِمَ اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى"  ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
والأمرُ لا يَقتصِرُ على الأُجورِ الأخرويةِ فَقط، فالإنسانُ كَائنٌ اجتِماعِيٌ بطبعهِ، ولا يُمكِنهُ أنْ يَعِيشَ لوحدِه، ولا بُدَّ لهُ أنْ يَتعامَلَ معَ الآخرينِ، وبالتالي فَلا بُدَّ لهُ أنْ يَتعرَفَ على أفضلِ الطُرقِ والأساليبِ في بناءِ العلاقاتِ مَعهُم .. لكي يَنجَح في حيَاتهِ ويُحقِقَ أهدَافَهُ .. وقد أثبتت الدِّراسَاتُ أنَّ مَنْ يُحسِنُ التَعامُلَ معَ الآخَرِينَ، فإنَّهُ يُوفِرُ 85% مِنْ الجُهدِ للوصولِ إلى أهدَافِه .. وأنَّ العلاقاتِ الإيجابيةِ تُحسّنُ الإنتاجِيةِ بشكلٍ عَامٍ في العملِ وخارجَ العملِ .. وأنَّهُ كلَّما ازدَادت علاقاتُ الإنسانِ جَودةً, ازدادت حُظُوظهُ وفُرَصُ نَجاحِه ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ولمن يَرى صُعوبةً في تَغييرِ طِباعِه، وعَدمَ إمكَانِيةَ تَحسينِ سُلوكِه، ويَقولُ أنَّ الطبعَ يَغلُبُ التَطبُّعَ، نَقولُ أنَّ نَصوصَ القرآنِ والسنَّةِ ودلائِلُ الواقعِ تُؤكِدُ عَكسَ ذلك، وتُثبِتُ قُدرةَ الانسانِ أنْ يُزكِي نَفسهُ، ويُحسِّنَ طِباعهُ، ويُصلِحَ مِنْ سُلوكياتِه .. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، وقال : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. ولا يزالُ المربونَ والمصلِحون ودُورَ التربيةِ يُعالجونَ مَا اعْوجَ مِنْ اخلاقِ النَّاسِ، ويُصلِحُونَ مَا فَسدَ مِنْ طِباعِهم وسُلوكِياتِهم .. بل إنَّ الحيواناتِ المفترسةِ والبَهائِمَ العَجماءَ تَرتَقِي بسلُوكِياتِها مِنْ خِلالِ التربيةِ والتَّدريبِ، فكيفَ بمنْ خَلقَهُ اللهُ في أحسَنِ تَقويمٍ، ومَيزهُ بالعقلِ ورَجاحَةِ التَّفكِيرِ ..
والأمرُ في غايةِ الأهميةِ والخُطورةِ: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي : يا رسولَ اللهِ إنَّ فُلانَةَ تَقومُ الليلَ، وتَصُومُ النَّهارَ، وتَفعلُ وتُتصدَّقُ، وتُؤذِي جِيرانَها بلسَانِها، فقال رسول الله : لا خيرَ فِيها هيَ مِن أهلِ النَّارِ .. ومَنْ لمْ تُزكِّهِ عِبادتُه، ولم تُهذِّبُه ديانتُه، فهو المُفلِسُ الذي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ، ويأتي وقد شتَمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيأخُذَ هذا مِن حَسناتهِ، وهذا مِن حَسناتهِ، فإنْ فَنيتْ حَسناتُهُ قَبلَ أنْ يُقضَى ما عليهِ، أُخذَ مِن سيئاتِهم فَطُرِحت عليهِ، ثمَّ طُرحَ في النَّارِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
معاشِرَ المؤمنين الكرام: الأدبُ الجميلُ والخلق النَّبِيلُ: وسِيلةٌ إلى كُلِّ فضيلةٍ .. ومِفْتاحٌ لِكُلِّ نجاحٍ .. والبشَاشةُ مَصيدَةُ المودَّةِ، والبِرُ شَيءٌ هَينٌ، وَجهٌ طَلِيقٌ وكَلامٌ لَينُ .. وإذا كانَ العَاقِلُ يَختارُ أَفضلَ أَنواعِ الطَعامِ ليرتقِي بصحَتهِ .. فلِمَ لا يَختارُ أفضلَ الكلماتِ ليرتقِي بأخلاقهِ وتعامُلِهِ .. نعمْ يا عبادِ اللهِ: فآدابُ التعامل الراقي: مسلكٌ لطيفٌ، وأفعالٌ حميدةٌ، تجسِّدُ حُسنَ الخُلقِ، ورُقِيَ التَعامُلِ، ورَوعَةَ التَّصرُّفِ، وتجنُّبِ كُلِّ ما يُحرِجُ أو يجرَح المشاعر .. فمَن تحبَّبَ إلى الناسِ أحَبُّوه، ومَن تودَّدَ إليهم قَربوه، ومن أكرَمهُم وأحسَنَ مُعاملَتَهُم أكرمُوه .. والذَّوقُ والدَّمَاثَةُ وحُسنُ الخُلُقِ وجمالُ التَعامُلِ هي مُفرداتُ اللغةُ المُشتركَةِ بين أهلِ الرُّقيَ وأصحابُ السلوكِ المهذب .. والقلوبُ تميل بطبعِها لمن تَواضَعَ لها .. والناسُ وأنتم مِنهم، يُحبُّون ليِّنَ الجانِب، صَبوحَ الوجهِ، الذي يأسرُ الناسَ بأفعاله قبل أن يُخاطِبَهم بأقواله ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ولقد كان  يبدأُ مَن لقِيَهُ بالسلام، ويمُدُّ يَدهُ بالمُصافَحَةِ، ولا يَنزِعُ يدَهُ حتى يكونَ الرَّجلُ هو الذي يَنزِعُ، ولا يَصرِفُ وَجهَهُ حتى يَكونَ الرَّجلُ هوَ الذي يَصرِفُ وَجهَهُ .. وكان  لا يُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم .. فالابتسامة من سنن المرسلين، وهي صدقةٌ يؤجرُ المسلِمُ عليها، وسعادةٌ يَنالُهُ نَصِيبٌ مِنها، وسُلُوكٌ مُعدِي, يُقلِدَه غَيرُهُ فِيها، وأَرخَصُ الطرقِ وأسهلُها لتحسِينِ المظهَرِ وكَسبِ القُلوبِ .. والابتسامةُ فيها ما فيها من الذوقِ والأدبِ والإيناس، وحُسنُ الخلُقِ ورُقيُ الإحساس .. على أنها أقلُّ الهدايا ثمناً، واقربُها تَناولاً، واقلُّها تَكلُّفاً، واصدَقُها مَبعثاً ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
وممَّا يَدخُلُ في الآدابِ الرفيعةِ في التعامُلِ مع الآخرينَ: تَقدِيرُهُم واشعَارُهم بأهميّتِهم، ومُقابَلتُهم بحفَاوةٍ، ومُنادَاتِهم بأحَبِّ أسماءِهم، والعَملِ على كَسبِ قُلوبِهم ..
ومن الآدابِ الرفيعةِ في التَعامُلِ: العِنايَةُ في اختِيارِ الكلِماتِ المنَاسِبةِ، والانتباهِ لنبراتِ الصَوتِ ولُغةُ البَدنِ، فربَّما كانت طَريقةُ الكَلامِ أكثرَ تأثِيراً مِن الكَلامِ نَفسِه ..
ومِن الآدابِ أيضاً .. تَجاهُلِ مَا لا قِيمةَ لهُ، والتَّغافُلِ عمَّا يُمكِنُ التَّغافُلُ عنهُ .. فتسعَةُ أعْشارِ العَافِيةِ في التَّغَافُلِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ومن الآدابِ كذلك: عدمُ الانتِقادِ ما أمْكنَ، فإنَّ كانَ ولا بُدَّ، فليَكُنْ نَقداً غَيرَ مُباشِرٍ .. وذلكَ بنقدِ الفَعلِ وتجنُبِ الفَاعِلِ .. فمثلاً لا تقُل: تَصرُفُك هذا خَاطئٌ، وإنما قُل: ألا تَرى أنَّ هذا التَّصرُّفَ غَيرَ مُناسِبٍ، وأنَّ الأولى كذا وكذا ..
ومن الآدابِ الرَّفيعةِ في التَّعامُلِ أيضاً: رُؤيةُ الأشيَاءِ مِن وُجهَةِ نَظرِ الآخرِينَ، والاستِماعُ للرأيِ الآخرِ بإنصاتٍ وتَقدِيرٍ، وإنْ لمْ يَأخُذْ بالرأيِ ويَقتنِعَ بهِ ..
ومِن الآدابِ الرَّفِيعةِ كذلك: الاكثَارُ مِن استخدامِ كَلماتِ الذَّوقِ العَامِّ .. (من فضلك، لو سمحت، إذا تكرمت، عفواً، أرجوا المعذرة، شُكراً جزيلاً، جزاك الله خيراً ... ونحوها من الكلمات الجميلة) ..
ومن الآدابِ الرَّفِيعةِ في التَّعامُلِ تجنُّبِ الجِدالِ مّا أمْكن، فإنَّ أفضَلَ وَسيلةٍ لكَسبِ الجِدالِ هي أنَّ تَتجنَّبهُ ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمد عبدُ الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه واخوانه، وسلم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التقوى .. وإذا أردتم مِيزانَ عَدلٍ لا يَحِيفُ، ومَنهجَ إنصافٍ بلا تَطفِيفٍ: فأحِبُّوا لغيرِكُم ما تُحبُّونَ لأنفُسِكُم، واكرَهوا لغيرِكُم مَا تَكرهونَ لأنفُسِكُم، وأحْسِنوا كَمَا تُحبُّونَ أنْ يُحسَنَ إليكُم، وأدُّوا إلى الناسِ مَا تُحِبونَ أنْ يُؤدِّيهِ الناسُ إليكُم، وأمْنَعوا عَن الناسِ مَا تُحبونَ أنْ يَمنعَهُ الناسُ عَنكُم، وارْضَوا مِن الناسِ مَا تَرضَونَهُ لأنفُسِكُم، ولا تَقولوا لغيرِكُم مَا لا تُحبُّونَ أنْ يُقالَ لكُم، وافْعلوا الخيرَ معَ أهلِهِ ومعَ غيرِ أهلهِ؛ فإنْ لمْ يَكونوا مِن أهلِه، فكُونوا أنتم مِن أهلِه، ففي الحديث: لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبِّ لأخيهِ مَا يُحبِّهُ لنفسهِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أيها المؤمنون: ومن آدابِ التَّعامُلِ الَّراقِي: تَجنُبِ اللَّومِ والتَّأنِيبِ فهو مُرُّ المذَاقِ, ثَقِيلٌ على النَّفسِ، والناسُ تَكرهُ اللَّومَ والتَّوبِيخَ ولا يَتقبَّلونَهُ .. حتى ولو كانَ على سَبيلِ النُّصحِ والتَّوجِيهِ .. جَاء في الحديث الصحيح: "ما كان الرِفقُ في شيءٍ إلا زَانَهُ، وما نُزِعَ من شيءٍ إلا شَانَهُ" ..
ومن آدابِ التَّعامُلِ الرَّاقي أيضاً: التركيزُ على الحسناتِ والإيجابِياتِ، والتَّغافُلِ عن السيئاتِ والسلبياتِ، فالناسُ يَكرهونَ مَن يَنظُرُ إلى عُيوبهم ويَتركُ حَسناتِهم، قال : "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كرهَ منها خُلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم ..
ومَن آدابِ التَّعامُلِ الرَّاقِي كذلك: أنْ تَكونَ الأوامِرُ على صِيغةِ التَّخيِيرِ، لا على صِيغةِ الطَلبِ المبَاشِر ِ.. فالناسُ تَأنَفُ أنْ يُقالَ لها مُباشرةً: افعلْ كَذا .. أو لا تَفعلْ كَذا .. وإنما يَقبلُونَ أنْ يُقالَ لهم: من فضلِكَ هل مِنْ الممكِنِ أنْ تَفعلَ كذا .. أو إذا تكرمت هلَّا فَعلتَ كذا ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أحبتي في الله: من يَتأمَّلِ الأدَبَ النَّبويَ الرَّفيعَ يجِدْهُ عَجَباً، فعن مُعاذٌ رضي الله عنه، أنَّ النبي ، أخذَ بيده وقال: "يا مُعاذ واللهِ إني لأحِبُك، أوصِيكَ يا مُعاذ: لا تَدعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ أنْ تقول: اللهم أعني على ذِكركَ وشُكرِك وحُسنِ عِبادَتِك" .. أرأيتم يا عباد الله إلى صاحبِ الخُلُقِ العَظيمِ، كيف يأسِرُ القُلوبَ، يبدأُ كَلامهُ بتودُّدٍ، يُنادِيِ الشخصَ باسمه، يا مُعاذ، يُمسِكهُ بيدهِ بكُلِّ لُطفٍ وعَطفِ، يقولُ لهُ: "واللهِ إني لأحِبُّك"، ثمَّ يأمُرهُ بما فيهِ مَصلحتَهُ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أُخيَ المبارك: إذا أردت أن السلوكيات الإيجابية وتثبتها، فتَعوَّدْ أنْ تُثنيَ على التَّغيِيراتِ الجيِّدةِ ولو كانت صَغيرةً .. وتيَقنْ أنَّ كلماتٍ قَليلةٍ مِن الثَناءِ الصَادقِ، كَفيلَةٌ بإسعادِ مَن تُقَالُ لهُ يَوماً كَاملاً .. وتَذكَّرْ كيف أنَّ مِلعَقةً صَغيرةً مِنْ السُكرِ تَقلِبُ مَذاقَ الشاي رأسًا على عَقِب .. واعلَمْ أنَّ أنَاقةَ لِسانِك مِنْ ارتِقاءِ فِكرِكَ .. وأنَّ الأخلاقَ تأسِرُ القُلوبَ .. فمَا أَجملَ أنْ يَسيرَ الانسانُ بين الناسِ وعِطرُ أخلاقهِ يفوحُ مِنهُ، وأنْ يكونَ على الدَّوامِ مِغراساً للأمَلِ والتَّفاؤلِ، ينتقدُ في السْرِ، ويمدحُ في العَلانِيةِ، وإذا رأى من يَستحِقُ التقَدّيرَ أشْعِرُهُ بأهميتِه, وأدخلَ السُرورَ على قلبه، فلا يَعرِفُ الفَضلَ لذويِ الفضلِ إلا ذَوُوا الَفضلِ ..
ثم اعلمْ يا رعاك الله: أنَّ القسوةَ والعُنفُ، والغِلظةَ والشدَّة, أمورٌ يَقدِرُ عليها كُلُّ أحدٍ، أمَّا الحِلمُ والرِّفقُ, والصَفحُ والتَسامُح فليست إلا لذوي الإراداتِ القَويةِ، والمُروءاتِ العَاليةِ، والأخلاقِ الرَّفِيعةِ، جاء في الحديث: "ليس الشديد بالصُرعةِ، إنَّما الشَّدِيدُ من يَملكُ نَفسهُ عِندَ الغَضبِ" ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أيها الموفقون المباركون: إذا عُدتمْ بتوفيقِ اللهِ لبيوتِكُم وأهلِيكُم، فعُودوا بقلوبٍ صَافيةٍ نَقيةٍ، صِلوا من قَطعكُم، وأعطوا من حَرمكُم، وأحسِنوا لمن أساءَ إليكم .. فالعيد مُناسَبةٌ عَظيمةٌ تُظهِرُ فيه الأمّةُ جمالَ اجتماعِها، وروعةَ تواصُلِها، وقوةَ تلاحُمها ..
العيدُ يا رعاكم الله: دَرسٌ عَظيمٌ من دُروسِ التَّسامُحِ والتَّصافي، تَتناسَى فيهِ النفوسُ الكبيرةُ خِلافاتها .. ويَعيشُ الجمَيعُ, فَرحةَ الجمَيعِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أكثروا يا رَعاكم اللهُ من الدُّعاءِ لإخوانِكم المستضعفِينَ في مَشارقِ الأرضِ ومَغاربها؛ لتثبِتوا أنَّكم تَشعُرونَ بِهم حتى في العيد .. أعَادهُ اللهُ تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليُمنِ والإيمانِ، والسَّلامَةِ والإسلام، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومنكُم صالح الأعمال ..
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ ....} ..
المشاهدات 1816 | التعليقات 2

خطبة تكتب بماء الذهب مؤثرة 

وان كان فيها شيء من الاطالة تحتاج الى اختصار بعض مواضيعها

عيد واضاحي واعتقد ياشيخ الناس ماهي جالسة تنتظر الاطالة 


جزاك الله خيراً أخي تركي وبارك فيك .. لعلك أصبت في ملاحظتك .. وهذه محاولة للإختصار عسى أن تفي بالغرض ..
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الوهابِ المنانِ، الرحيمِ الرحمنِ، المدعُوِ بكلِّ لسانٍ، المرجُوِ للعفوِ والإحسانِ، سبحانهُ وبحمده، قَديرٌ لا يُعجزهُ شيءٌ، خَبيرٌ لا يَخفى عليهِ شَيءٌ، كَبيرٌ لا يتَعاظَمهُ شَيءٌ، رَحيمٌ وَسِعتْ رَحمتهُ كُلَّ شَيء، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ..
وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، رفيعُ الدرجاتِ، واسِعُ الرَّحماتِ، واهِبُ البركاتِ، مُجِيبُ الدَّعواتِ، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} ..
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، أصدَقُ النَّاسِ قَولاً، وأصَحُهم عَملاً، وأعدَلُهم حُكماً، وأقومُهُم مَنهجاً، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ، وعلى ألهِ وصحبهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدينِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً ..
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّه بُكْرَةً وَأَصِيلًا ..
أمَّا بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وأطِيعوهُ، وعَظِموهُ في هذا اليوم المباركِ وكبروهُ، واحمدوهُ على ما هداكم واشكُروه، واذكروه كثيراً وسبحوه ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
معاشر المؤمنين الكرام: يَومُكُمْ هذا يَومٌ عَظيمٌ مُبارَكٌ، رَفعَ اللهُ قدرَهُ، وأعلى ذِكرَهُ، وسمَّاهُ يَومَ الحجِّ الأكبر, يَوْمَ الْعَجِّ وَالثَّجِّ, يَوْمَ النَّحْرِ والذِّكر، يومَ العِيدِ السَّعيدِ, أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا، وقد وافقَ يومَ جُمعةٍ، فأصْبحا عِيدانِ في يومٍ واحدٍ، فهُما نُورٌ على نُور، وخَيرٌ على خَير ..
فاعرِفوا قدْرَ هذا اليومِ وعَظمَتِهُ، واستشعِروا برَكتَهُ وروعتَهُ، وتعرَضوا لنفحاتِ رَبِكُم ورحمتِه، وامْلَؤُوا قُلُوبَكُمْ من تَعْظِيمَ اللهِ تَعَالَى وَإجْلَالهِ وهيبتِه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ثم اعلموا يا عباد الله: أنَّ العَيدَ شَعِيرةٌ مِنْ شَعائِرِ اللهِ المجيدَةِ، ومُناسبةٌ غَاليةٌ مِن المناسَباتِ السَّعِيدةِ، فأسْعدَ اللهُ أيامَكُم، وبَاركَ اللهُ أعيادَكُم، وأدَامُ اللهُ أفراحَكُم، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومِنكُم .. وبُشراكُم بإذنِ اللهِ بُشراكم، بُشراكُم بالأجرِ العظيمِ والدَّرجَاتِ العُلا .. ولمَ لا، فربُكُم جَلَّ وعَلا، مُحسنٌ كَريمٌ، لا يُضيعُ أجرَ من أحسَنَ عَملا ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
مَعاشِرَ المؤمنينَ الكِرام: آدابُ النفسِ، وأخلاقياتُ التعامُلِ بين الناسِ، ونَوعِيةُ العَلاقاتِ التي تربِطُ الأفرادَ بَعضَهُم ببعضٍ، مِنْ أجَلِّ مَا وَهبَ اللهُ لعِبادِهِ مِن النِّعمِ .. كمَا يُمكنُ أنَّ تُعتَبرَ مِقْياساً لمستوى تَدَّيُنِ المجتمعِ ومدى حِرصِهِ على تَطبِيقِ تَعاليمِ الإسلامِ الخالدةِ، ودَليلٌ على رُقيِ المجتمعِ وجَمالِ أخلاقِه أو انحِطاطِه ..
والمتأمِلُ في طِباعِ النَّاسِ بصِفةٍ عامةٍ, يُمكِنَهُ أنْ يَلحظَ بوضوحٍ, وجودَ خلَلٍ كَبيرٍ في الآدابِ العامةِ، وأنَّ هُناكَ نَقصاً واضِحاً في حُسنِ التَعامُلِ بين الناسِ ..
نعمْ يا عبادَ اللهِ: هُناكَ من يَسْهُلُ عَليهِ أنَّ يَقطَعَ رحِمهُ, وأنَّ يَهجُرَ أقاربَهُ لأقلِّ خِلافٍ، وهُناكَ مَنْ يَعيشُ حَياةَ النَّكدِ والخِصامِ معَ أهلِه وأبنائهِ لضيقِ أخلاقهِ, وسُوءِ طِباعهِ، وهُناكَ مَنْ هو في خِلافٍ دائمٍ مع جِيرانِهِ بسببِ سُوءِ مُعامَلتِه، وهُناكَ من هو جَافُّ الطبعِ، سِيءُ المعامَلة، عَابِسُ الوَجهِ، سَليطُ اللسانِ بسببٍ أو بدون سبب .. وقُل مِثلَ ذلك في مجتمعاتِ النِّساءِ، فالنِّساءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ ..
ولا شكَ أنَّ ذلك مُخالفةً صَريحةً لتوجيهاتِ القرآنِ الكريمِ وهَدْيُ السُنَّةِ المطهرةِ .. وإلَّا فأينَ هُم مِنْ قولِ اللهِ جَلَّ وعلا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، وقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وقوله سبحانه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .. والآية التي نقرأها في نهاية كُلِّ خُطبةٍ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .. وأينَ هُم من قولهِ ﷺ: "أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلُقًا" .. وقولهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "إنَّ الرجلَ ليُدرِكُ بحُسنِ خُلُقِهِ دَرجاتِ قَائِمِ الليلِ وصَائِمِ النَّهارِ"، وفي صحيح البخاري: "رحِمَ اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى"  ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
والأمرُ لا يَقتصِرُ على الأُجورِ الأخرويةِ فَقط، فالإنسانُ كَائنٌ اجتِماعِيٌ بطبعهِ، ولا يُمكِنهُ أنْ يَعِيشَ لوحدِه، ولا بُدَّ لهُ أنْ يَتعامَلَ معَ الآخرينِ، وبالتالي فَلا بُدَّ لهُ أنْ يَتعرَفَ على أفضلِ الطُرقِ والأساليبِ في بناءِ العلاقاتِ مَعهُم .. لكي يَنجَح في حيَاتهِ ويُحقِقَ أهدَافَهُ .. وقد أثبتت الدِّراسَاتُ أنَّ مَنْ يُحسِنُ التَعامُلَ معَ الآخَرِينَ، فإنَّهُ يُوفِرُ 85% مِنْ الجُهدِ للوصولِ إلى أهدَافِه .. وأنَّهُ كلَّما ازدَادت علاقاتُ الإنسانِ جَودةً, ازدادت حُظُوظهُ وفُرَصُ نَجاحِه ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
والأمرُ في غايةِ الأهميةِ والخُطورةِ: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي ﷺ: يا رسولَ اللهِ إنَّ فُلانَةَ تَقومُ الليلَ، وتَصُومُ النَّهارَ، وتَفعلُ وتُتصدَّقُ، وتُؤذِي جِيرانَها بلسَانِها، فقال رسول الله ﷺ: "لا خيرَ فِيها هيَ مِن أهلِ النَّارِ" .. ومَنْ لمْ تُزكِّهِ عِبادتُه، ولم تُهذِّبُه ديانتُه، فهو المُفلِسُ الذي يأخُذَ هذا مِن حَسناتهِ، وهذا مِن حَسناتهِ، فإنْ فَنيتْ حَسناتُهُ قَبلَ أنْ يُقضَى ما عليهِ، أُخذَ مِن سيئاتِهم فَطُرِحت عليهِ، ثمَّ طُرحَ في النَّارِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
معاشِرَ المؤمنين الكرام: الأدبُ الجميلُ والخلق النَّبِيلُ: وسِيلةٌ إلى كُلِّ فضيلةٍ .. ومِفْتاحٌ لِكُلِّ نجاحٍ .. والبشَاشةُ مَصيدَةُ المودَّةِ، والبِرُ شَيءٌ هَينٌ، وَجهٌ طَلِيقٌ وكَلامٌ لَينُ .. وإذا كانَ العَاقِلُ يَختارُ أَفضلَ أَنواعِ الطَعامِ ليرتقِي بصحَتهِ .. فلِمَ لا يَختارُ أفضلَ الكلماتِ ليرتقِي بأخلاقهِ وتعامُلِهِ .. نعمْ يا عبادِ اللهِ: فآدابُ التعامل الراقي: مسلكٌ لطيفٌ، وأفعالٌ حميدةٌ، تجسِّدُ حُسنَ الخُلقِ، ورُقِيَ التَعامُلِ، ورَوعَةَ التَّصرُّفِ، وتجنُّبِ كُلِّ ما يُحرِجُ أو يجرَح المشاعر .. فمَن تحبَّبَ إلى الناسِ أحَبُّوه، ومَن تودَّدَ إليهم قَربوه، ومن أكرَمهُم وأحسَنَ مُعاملَتَهُم أكرمُوه .. والذَّوقُ والدَّمَاثَةُ وحُسنُ الخُلُقِ وجمالُ التَعامُلِ هي مُفرداتُ اللغةُ المُشتركَةِ بين أهلِ الرُّقيَ وأصحابُ السلوكِ المهذب .. والقلوبُ تميل بطبعِها لمن تَواضَعَ لها .. والناسُ وأنتم مِنهم، يُحبُّون ليِّنَ الجانِب، صَبوحَ الوجهِ، الذي يأسِرُ الناسَ بأفعالِه قبلَ أن يُخاطِبَهم بأقواله ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
ولقد كان ﷺ يبدأُ مَن لقِيَهُ بالسلام، ويمُدُّ يَدهُ بالمُصافَحَةِ، ولا يَنزِعُ يدَهُ حتى يكونَ الرَّجلُ هو الذي يَنزِعُ، ولا يَصرِفُ وَجهَهُ حتى يَكونَ الرَّجلُ هوَ الذي يَصرِفُ وَجهَهُ .. وكان ﷺ لا يُحَدِّث حديثاً إلا تبَسَّم .. فالابتسامةُ من سُننِ المرسلين، وهي صدقةٌ يؤجرُ المسلِمُ عليها، وسعادةٌ يَنالُهُ نَصِيبٌ مِنها، وسُلُوكٌ مُعدِي, يُقلِدَه غَيرُهُ فِيها، وأَرخَصُ الطرقِ وأسهلُها لتحسِينِ المظهَرِ وكَسبِ القُلوبِ .. والابتسامةُ فيها ما فيها من الذوقِ والأدبِ والإيناس، وحُسنُ الخلُقِ ورُقيُ الإحساس .. على أنها أقلُّ الهدايا ثمناً، واقربُها تَناولاً، واقلُّها تَكلُّفاً، واصدَقُها مَبعثاً ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
وممَّا يَدخُلُ في الآدابِ الرفيعةِ في التعامُلِ مع الآخرينَ: تَقدِيرُهُم واشعَارُهم بأهميّتِهم، ومُقابَلتُهم بحفَاوةٍ، ومُنادَاتِهم بأحَبِّ أسماءِهم، والعِنايَةُ في اختِيارِ الكلِماتِ المنَاسِبةِ، والانتباهِ لنبراتِ الصَوتِ ولُغةُ البَدنِ، فربَّما كانت طَريقةُ الكَلامِ أكثرَ تأثِيراً مِن الكَلامِ نَفسِه ..
ومن الآدابِ الرَّفيعةِ في التَّعامُلِ أيضاً: رُؤيةُ الأشيَاءِ مِن وُجهَةِ نَظرِ الآخرِينَ، والاستِماعُ للرأيِ الآخرِ بإنصاتٍ وتَقدِيرٍ، وإنْ لمْ يَأخُذْ بالرأيِ ويَقتنِعَ بهِ .. وتجنُّبِ الجِدالِ مّا أمْكن، فإنَّ أفضَلَ وَسيلةٍ لكَسبِ الجِدالِ هي أنَّ تَتجنَّبهُ .. وتَجاهُلِ مَا لا قِيمةَ لهُ، والتَّغافُلِ عمَّا يُمكِنُ التَّغافُلُ عنهُ .. فتسعَةُ أعْشارِ العَافِيةِ في التَّغَافُلِ ..
ومِن الآدابِ الرَّفِيعةِ كذلك: الاكثَارُ مِن استخدامِ كَلماتِ الذَّوقِ العَامِّ .. (من فضلك، لو سمحت، إذا تكرمت، عفواً، أرجوا المعذرة، شُكراً جزيلاً، جزاك الله خيراً ... ونحوها من الكلمات الجميلة) .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمد عبدُ الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه واخوانه، وسلم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التقوى .. وإذا أردتم مِيزانَ عَدلٍ لا يَحِيفُ، ومَنهجَ إنصافٍ بلا تَطفِيفٍ: فأحِبُّوا لغيرِكُم ما تُحبُّونَ لأنفُسِكُم، واكرَهوا لغيرِكُم مَا تَكرهونَ لأنفُسِكُم، وأحْسِنوا كَمَا تُحبُّونَ أنْ يُحسَنَ إليكُم، وأدُّوا إلى الناسِ مَا تُحِبونَ أنْ يُؤدِّيهِ الناسُ إليكُم، وأمْنَعوا عَن الناسِ مَا تُحبونَ أنْ يَمنعَهُ الناسُ عَنكُم، وارْضَوا مِن الناسِ مَا تَرضَونَهُ لأنفُسِكُم، ولا تَقولوا لغيرِكُم مَا لا تُحبُّونَ أنْ يُقالَ لكُم، وافْعلوا الخيرَ معَ أهلِهِ ومعَ غيرِ أهلهِ؛ فإنْ لمْ يَكونوا مِن أهلِه، فكُونوا أنتم مِن أهلِه، ففي الحديث: "لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحبِّ لأخيهِ مَا يُحبِّهُ لنفسهِ" ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أحبتي في الله: من يَتأمَّلِ الأدَبَ النَّبويَ الرَّفيعَ يجِدْهُ عَجَباً، فعن مُعاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه، أنَّ النبي ﷺ ، أخذَ بيده وقال: "يا مُعاذ واللهِ إني لأحِبُك، أوصِيكَ يا مُعاذ: لا تَدعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ أنْ تقول: اللهم أعني على ذِكركَ وشُكرِك وحُسنِ عِبادَتِك" .. أرأيتم يا عباد الله إلى صاحبِ الخُلُقِ العَظيمِ، كيف يأسِرُ القُلوبَ، يبدأُ كَلامهُ بتودُّدٍ، يُنادِيِ الشخصَ باسمه، "يا مُعاذ"، يُمسِكهُ بيدهِ بكُلِّ لُطفٍ وعَطفِ، يقولُ لهُ: "واللهِ إني لأحِبُّك" .. ثمَّ يأمُرهُ بما فيهِ مَصلحتَهُ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أُخيَ المبارك: إذا أردت أن تُعزِّزَ السلوكياتِ الإيجابيةِ وتُثَبِتَها، فتَعوَّدْ أنْ تُثنيَ على التَّغيِيراتِ الجيِّدةِ ولو كانت صَغيرةً .. وتيَقنْ أنَّ كلماتٍ قَليلةٍ مِن الثَناءِ الصَادقِ، كَفيلَةٌ بإسعادِ مَن تُقَالُ لهُ يَوماً كَاملاً .. وتَذكَّرْ كيف أنَّ مِلعَقةً صَغيرةً مِنْ السُكرِ تَقلِبُ مَذاقَ الشاي رأسًا على عَقِب .. واعلَمْ أنَّ أنَاقةَ لِسانِك مِنْ ارتِقاءِ فِكرِكَ .. وأنَّ الأخلاقَ تأسِرُ القُلوبَ .. فمَا أَجملَ أنْ يَسيرَ الانسانُ بين الناسِ وعِطرُ أخلاقهِ يفوحُ مِنهُ، وأنْ يكونَ على الدَّوامِ مِغراساً للأمَلِ والتَّفاؤلِ، ينتقدُ في السْرِ، ويمدحُ في العَلانِيةِ، وإذا رأى من يَستحِقُ التقَدّيرَ أشْعِرُهُ بأهميتِه, وأدخلَ السُرورَ على قلبه، فلا يَعرِفُ الفَضلَ لذويِ الفضلِ إلا ذَوُوا الَفضلِ ... ثم اعلمْ يا رعاكَ الله: أنَّ القسوةَ والعُنفُ، والغِلظةَ والشدَّة, أمورٌ يَقدِرُ عليها كُلُّ أحدٍ، أمَّا الحِلمُ والرِّفقُ, والصَفحُ والتَسامُح فليست إلا لذوي الإراداتِ القَويةِ، والمُروءاتِ العَاليةِ، والأخلاقِ الرَّفِيعةِ، جاء في الحديث: "ليس الشديد بالصُرعةِ، إنَّما الشَّدِيدُ من يَملكُ نَفسهُ عِندَ الغَضبِ" ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أيها الموفقون المباركون: إذا عُدتمْ بتوفيقِ اللهِ لبيوتِكُم وأهلِيكُم، فعُودوا بقلوبٍ صَافيةٍ نَقيةٍ، صِلوا من قَطعكُم، وأعطوا من حَرمكُم، وأحسِنوا لمن أساءَ إليكم .. فالعيد مُناسَبةٌ عَظيمةٌ تُظهِرُ فيهِ الأمّةُ جمالَ اجتماعِهَا، وروعَةَ تواصُلِها، وقوةَ تلاحُمها ..
العيدُ يا رعاكم الله: دَرسٌ عَظيمٌ من دُروسِ التَّسامُحِ والتَّصافي، تَتناسَى فيهِ النفوسُ الكبيرةُ خِلافاتِها .. ويَعيشُ الجمَيعُ, فَرحةَ الجمَيعِ ..
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ .. اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، وللهِ الحمدُ ..
أكثروا يا رَعاكم اللهُ من الدُّعاءِ لإخوانِكم المستضعفِينَ في مَشارقِ الأرضِ ومَغاربها؛ لتثبِتوا أنَّكم تَشعُرونَ بِهم حتى في العيد .. أعَادهُ اللهُ تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليُمنِ والإيمانِ، والسَّلامَةِ والإسلام، وتَقبلَ اللهُ منَّا ومنكُم صالح الأعمال ..
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ ....} ..