خطبة : ( اعفوا واصفحوا يغفر الله لكم )
عبدالله البصري
1441/04/15 - 2019/12/12 14:26PM
اعفوا واصفحوا يغفر الله لكم 16 / 4 / 1441
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الإِنسَانُ اجتِمَاعِيٌّ بِطَبعِهِ وَفِطرَتِهِ ، يُحِبُّ الخُلطَةَ وَيَأنَسُ بِمَن حَولَهُ ، وَلا يَنفَكُّ في حَيَاتِهِ عَن عِلاقَاتٍ تَربِطُهُ بِالآخَرِينَ ، بَدءًا بِوَالِدَيهِ وَإِخوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ ، وَأَعمَامِهِ وَأَرحَامِهِ وَأَقَارِبِهِ ، ثم جِيرَانِهِ وَزُمَلائِهِ وَأَصدِقَائِهِ ، وَهَكَذَا تَتَّسِعُ دَوَائِرُ اتِّصَالِهِ بِالآخَرِينَ أَو تَضِيقُ ، وَتَقوَى صِلَتُهُ بِهِم أَو تَضعُفُ ؛ تَأَثُّرًا بِأَسبَابٍ مُختَلِفَةٍ وَدَوَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، غَيرَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَت عِلاقَةُ المَرءِ بِالنَّاسِ قَوِيَّةً طَيِّبَةً ، وَصِلاتُهُ بِمَن يَعرِفُهُم مَتِينَةً وَمُستَمِرَّةً ، وَقَلبُهُ قَابِلاً لاختِلافِ وُجهَاتِ النَّظَرِ ، وَصَدرُهُ مُتَّسِعًا لِقَبُولِ الرَّأيِ الآخَرِ وَتَحَمُّلِ مَا يَصدُرُ عَنِ الآخَرِينَ مِن خَطَأٍ ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى صِدقِ تَدَيُّنٍ وَكَمَالِ عَقلٍ ، وَمُنبِئًا عَن سَعَةِ أُفُقٍ وَحُسنٍ خُلُقٍ ، وَعَلامَةً عَلَى زَكَاءِ قَلبٍ وَصَفَاءِ نَفسٍ وَسَدَادِ رَأيٍ ، وَكُلَّمَا كَانَ سَرِيعًا إِلى صَرمِ العِلاقَاتِ لأَتفَهِ الأَسبَابِ ، مُبَادِرًا إِلى الهَجرِ عِندَ أَدنى اختِلافٍ أَوِ ارتِيَابٍ ، كَانَ ذَلِكَ مُؤَشِّرًا عَلَى هَشَاشَةِ تَدَيُّنِهِ وَضَعفِ عَقلِهِ ، وَضِيقِ أُفُقِهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ ، بَل وَفَسَادِ رَأيِهِ وَنَزَقِهِ وَحُمقِهِ .
وَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ النَّاسُ في زَمَانِنَا إِلى مَا صَارُوا إِلَيهِ وَفُتِنُوا بِالدُّنيَا ، وَشُغِلُوا بِالتَّنَافُسِ فِيهَا عَنِ التَّسَابُقِ إِلى مَا يُقَرِّبُهُم إِلى اللهِ ، خَفَّتِ العُقُولُ وَطَاشَتِ الأَلبَابُ ، وَضَاقَتِ الصُّدُورُ وَشَحَّتِ النُّفُوسُ ، وَانطَوَى كُلٌّ مِنهُم عَلَى نَفسِهِ ، وَصَارَ هَمُّهُ إِرضَاءَ نَزَوَاتِهَا وَتَحقِيقَ رَغَبَاتِهَا ، فَمَن كَانَ لَهُ عِندَهُ مَصلَحَةٌ عَاجِلَةٌ تَحَمَّلَهُ وَوَصَلَهُ ، وَمَن لم يَكُنْ لَهُ عِندَهُ مَصلَحَةٌ لم يُبَالِ بِهِ وَلم يَهتَمَّ لِقُربِهِ أَو بُعدِهِ ، وَلَو كَانَ مِن أَرحَامِهِ أَو مِمَّن تَجِبُ صِلَتُهُ وَالإِحسَانُ إِلَيهِ . أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – لَقَد ظَهَرَ في وَاقِعِنَا أَن تَرَى أَخًا لا يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ ، وَقَرِيبًا لا يُطِيقُ رُؤيَةَ قَرِيبِهِ ، وَرِجَالاً عَادَوا أَصهَارَهُم ، وَآخَرِينَ هَجَرُوا أَنسَابَهُم ، وَاثنَينِ إِذَا لَمَحَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ في طَرِيقٍ أَو جَمَعَهُ بِهِ مَجلِسٌ دُونَ عِلمِهِ ، تَخَلَّصَ مِنهُ مُسرِعًا وَصَدَّ عَنهُ ، وَقَد يَكُونَانِ مِن جَمَاعَةِ مَسجِدٍ أَو زَمِيلَي عَمَلٍ أَو رَفِيقَي مِهنَةٍ ، أَو كَانَت بَينَهُمَا صَدَاقَةٌ قَدِيمَةٌ وَمَوَدَّةٌ طَوِيلَةٌ ، ثم يَتَصَارَمَانِ وَيَتَهَاجَرَانِ وَيَتَدَابَرَانِ ، وَتَحدُثُ بَينَهُمَا وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ وَصَدٌّ وَقَطِيعَةٌ ، وَتَذهَبُ اللَّيَالي وَالأَيَّامُ ، وَتَتَعَاقَبُ السَّنَوَاتُ وَالأَعوَامُ ، وَتَتَصَرَّمُ الأَعمَارُ وَتَدنُو الآجَالُ ، وَالأَعمَالُ مَردُودَةٌ وَالحَسَنَاتُ غَيرُ مَقبُولَةٍ ، وَالصُّدُورُ ضَيِّقَةٌ وَالقُلُوبُ مَشحُونَةٌ ، وَالوُجُوهُ عَابِسَةٌ وَالأُنُوفُ وَارِمَةٌ ، فَإِلى اللهِ المُشتَكَى مِن قَسوَةِ القُلُوبِ وَاستِحكَامِ الغَفلَةِ !
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ مَا مِن مُسلِمٍ عَاقِلٍ حَصِيفٍ ، يَعرِفُ هَوَانَ الدُّنيَا وَسُرعَةَ زَوَالِهَا ، إِلاَّ وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَحيَا فِيهَا مَحبُوبًا مَقبُولاً ، وَأَن يُدعَى لَهُ وَيُثنَى عَلَيهِ بِخَيرٍ بَعدَ رَحِيلِهِ ، وَأَن تَدُومَ بَعدَ ذَلِكَ حَسَنَاتُهُ وَتَنقَطِعَ سَيِّئَاتُهُ ، وَإِنَّهُ لا سَبِيلَ لِذَلِكَ بَعدَ تَقوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ وَحُسنِ الصِّلَةِ بِهِ ، إِلاَّ بِالإِحسَانِ إِلى النَّاسِ وَكَسبِ قُلُوبِهِم ...
أَحسِنْ إِلى النَّاسِ تَستَعبِدْ قُلُوبَهُمُ
فَطَالَمَا استَعبَدَ الإِنسَانَ إِحسَانُ
وَإِنَّ مِن أَحسَنِ الإِحسَانِ وَأَجمَلِهِ وَأَسهَلِهِ ، أَن يَعِيشَ المُسلِمُ عَفُوًّا مُسَامِحًا ، غَضِيضَ الطَّرفِ عَنِ الزَّلاَّتِ ، مُتَذَكِّرًا لِلحَسَنَاتِ ، مُتَنَاسِيًا لِلسَّيِّئَاتِ ، رَفِيقًا رَقِيقًا ، حَلِيمًا رَحِيمًا ، جَامِعًا غَيرَ مُفَرِّقٍ ، مُؤَلِّفًا غَيرَ مُبَدِّدٍ ، مُحتَسِبًا كُلَّ مَا يَأتِيهِ أَو يَجتَنِبُهُ لِبَقَاءِ عِلاقَةٍ وَدَوَامِ تَوَاصُلٍ ، غَيرَ مُعَامِلِ لِلنَّاسِ بِالمِثلِ ، وَلا مُكَافِئًا لَهُم عَلَى مَا يَصنَعُونَ ، وَلا طَالِبًا مِنهُم فَوقَ مَا يُطِيقُونَ .
وَإِنَّهُ لا يُقَالُ إِنَّ عَلَى المَرءِ أَن يَكُونَ كَمَن لا كَبِدَ لَهُ وَلا إِحسَاسَ لَدَيهِ ، فَيَقبَلَ كُلَّ خَطَأٍ مَهمَا كَبُرَ ، وَيَتَحَمَّلَ كُلَّ مُخطِئٍ مَهمَا ثَقُلَ ، فَهَذَا قَد يَكُونُ صَعبًا أَو مُستَحِيلاً ، وَمَا مِن امرِئٍ إِلاَّ وَلَهُ قَلبٌ يَتَأَثَّرُ وَنَفسٌ تَشعُرُ ، وَصَدرٌ يَتَّسِعُ بِالإِكرَامِ وَيَضِيقُ بِالإِهانَةِ ، وَخَاطِرٌ يُجبَرُ بِالإِحسَانِ وَيُكسَرُ بِالعُدوَانِ ، وَلَكِنَّ المُوَفَّقَ مَن كَانَ سَرِيعَ الفَيءِ إِلى الحَقِّ إِذَا ذُكِّرَ بِهِ ، سَرِيعَ الرُّجُوعِ عَنِ البَاطِلِ إِذَا نُهِيَ عَنهُ ، سَرِيعَ التَّنَازُلِ عَنِ المُخطِئِ كَثِيرَ النِّسيَانِ لِلخَطَأِ ، يَمسَحُ المَاضِيَ لِيَطِيبَ لَهُ الحَاضِرُ ، وَيَتَجَاهَلُ الفَائِتَ لِيَجمُلَ لَهُ القَادِمُ ، وَيَمحُو مِن ذَاكِرَتِهِ كُلَّ مَوقِفٍ سَيِّئٍ ، لأَنَّهُ يَعلَمُ أَنَّ ما حَصَلَ فَقَد حَصَلَ وَانتَهَى ، وَأَنَّ الخَطَأَ لا يُعَالَجُ بِخَطَأٍ مِثلِهِ أَو أَكبَرَ مِنهُ ، وَلَكِنَّ المُتَعَيِّنَ حِينَئِذٍ أَن يُدرِكَ المُخطِئُ خَطَأَهُ فَيَعتَذِرَ ، وَأَن يَتَوَاضَعَ المُخطَأُ في حَقِّهِ فَيَقبَلَ العُذرَ وَيُبَادِرَ بِالعَفوِ ، وَبِذَلِكَ تَصفُو النُّفُوسُ وَتَطِيبُ الخَوَاطِرُ ، وَتَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ ، وَتَعُودُ الأُمُورُ إِلى سَابِقِ عَهدِهَا ، وَتُوأَدُ الفِتنَةُ في مَهدِهَا ، وَيَستَمِرُّ التَّوَاصُلُ وَيَدُومُ المَعرُوفُ والإِحسَانُ ، وَيَخسَأُ الشَّيطَانُ وَيَرضَى الرَّحمَنُ ، بِخِلافِ مَا لَوِ استَنكَفَ المُخطِئُ وَلم يَعتَذِرْ ، أَو بَادَرَ المُخطَأُ في حَقِّهِ بِاللَّومِ قَبلَ سَمَاعِ العُذرِ ، أَو سَمِعَ العُذرَ فَتَكَبَّرَ وَلَم يَقبَلْهُ ، ظَانًّا أَنَّ قَبُولَهُ إِهانَةٌ لَهُ ، أَو أَنَّهُ جُبنٌ مِنهُ وَضَعفٌ في شَخصِيَّتِهِ ، فَحِينَئِذٍ تَضِيقُ الصُّدُورُ وَتَغلِي القُلُوبُ ، وَتَتَّسِعُ الفَجَوَاتُ وَتَتَّقَطَّعُ الصِّلاتُ ، وَتَستَحكِمُ الشَّحنَاءُ وَتَدُومُ البَغضَاءُ ، وَذَلِكَ هُوَ عَينُ مَا يُرِيدُهُ الشَّيطَانُ وَيَسعَى إِلَيهِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَنْ يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ ، وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم " رَوَاهُ مُسلم .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِمَّا يُؤسَفُ لَهُ ، أَنَّ اعتِذَارَ المُخطِئِ وَقَبُولَ المُخطَأِ عَلَيهِ العُذرَ ، صَارَ ثَقِيلاً عَلَى نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَّا ، فَاستَمَرَّت بِذَلِكَ الخِلافَاتُ وَطَالَتِ النِّزَاعَاتُ ، حَتى تَحَوَّلَت إِلى قَضَايَا مُتَدَاخِلَةٍ ، أَضَاعَتِ الأَوقَاتَ وَبَدَّدَتِ الجُهُودَ ، وَخَرِبَت بها بُيُوتٌ وَتَشَتَّت أُسَرٌ ، وَقُطِّعَت أَرحَامٌ وَهُدِمَت صَدَاقَاتٌ ، وَأُرِيقَت دِمَاءٌ وَأُحدِثَت عَدَاوَاتٌ ، وَقَد كَانَ يَكفِي لِوَأدِ تِلكَ المَصَائِبِ في مَهدِهَا كَلِمَةُ اعتِذَارٍ صَادِقَةٌ ، وَعِبَارَةُ تَأَسُّفٍ في تَوَاضُعٍ وَرَغبَةٍ في الإِصلاحِ ، لَكِنَّ الاعتِذَارَ صَارَ ثَقِيلاً ، وَالسَّبَبُ في ذَلِكَ غَالِبًا هُوَ الخَلَلُ في التَّنشِئَةِ الاجتِمَاعِيَّةِ ، وَاجتِرَارُ التَّقَالِيدِ الجَاهِلِيَّةِ ، حَيثُ لا يَسمَعُ بَعضُنَا مِن بَعضٍ إِلاَّ اعتِدَادًا بِالنَّفسِ وَافتِخَارًا ، وَلا نَرَى إِلاَّ تَعَالِيًا عَلَى الآخَرِينَ وَاستِكبَارًا ، يُرَبَّى صِغَارُنَا عَلَى أَنَّ الاعتِذَارَ ضَعفٌ وَانسِحَابٌ ، وَأَنَّ العَفوَ ذِلٌّ وَهَزِيمَةٌ وَانكِسَارٌ ، وَأَنَّ الصَّفحَ إِهدَارٌ لِلكَرَامَةِ أَو تَقلِيلٌ مِنَ المَهَابَةِ ، وَأَنَّهُ لا يَتَنَازَلُ عَن حَقِّهِ إِلاَّ العَاجِزُ الضَّعِيفُ ، وَأَنَّ مَن لم يَكُنْ ذِئبًا أَكَلَتهُ الذِّئَابُ ، وَمَن لم يَرُدَّ الصَّاعَ بِصَاعَينِ استَضعَفَهُ النَّاسُ وَاحتَقَرُوهُ !
وَهَكَذَا يُصبِحُ النَّاسُ وَكَأَنَّهُم لم يُخلَقُوا لِعِبَادَةٍ ، وَلم يُدعَوا لِبَذلِ مَعرُوفٍ وَلا مَدِّ يَدٍ بِإِحسَانٍ ، وَإِنَّمَا خُلِقُوا لِلتَّنَافُسِ عَلَى الدُّنيَا وَطَردِ الحُطَامِ ، وَتَبَادُلِ العَدَاوَاتِ فِيهَا وَإِظهَارِ القُدرَةِ عَلَى الانتِقَامِ ... فَيَا للهِ ، كَيفَ يَكُونُ خَوفُ الشَّخصِ مِن تَأنِيبِ قَومِهِ أَو سُخرِيَتِهِم بِهِ لَو عَفَا ، مَانِعًا لَهُ مِن فِعلِ الخَيرِ ، وَحَائِلاً بَينَهُ وَبَينَ احتِسَابِ الأَجرِ ، وَيَا للهِ ، كَيفَ يُقَدَّمُ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَا عِندَ اللهِ مِنَ الأُجُورِ ، وَكَأَنَّنَا لم نَسمَعْ قَولَهُ – تَعَالى – في وَصفِ المُتَّقِينَ : " وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ " وَقَولَهُ – تَعَالى - : " فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ " وَقَولَهُ – تَعَالى - : " وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " وَقَولَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يَهجُر أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيانِ فيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الَّذي يَبدَأُ بِالسَّلامِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثٍ ، فَمَن هَجَرَ فَوقَ ثَلاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَولَهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَالخَمِيسِ ، فَيُغفَرُ لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَ بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا ، أَنظِرُوا هَذَينِ حتى يَصطَلِحَا " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
فهَيَّا يَا عِبَادَ اللهِ ، اُعفُوا وَاصفَحُوا ، وَتَجاوَزُوا وَسَامِحُوا ، وَاخرُجُوا مِن شِدَّةِ المُعاسَرَةِ إلى لِينِ المُعَاشَرَةِ ، وَصِلُوا حِبَالَ الأُخُوَّةِ ، وَمُدُّوا جُسُورَ المُوَدَّةِ ، وَاعتَذِرُوا إِذَا أَخطَأتُم ، وَاقبَلُوا العُذرَ إِذَا قُدِّمَ إِلَيكُم ، وَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ " وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعنَا وَهُم لا يَسمَعُونَ " وَادفَعُوا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ؛ فَقَد قَالَ رَبُّكُم - جَلَّ وَعَلا - " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ...
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَمَّا كَانَتِ الجَنَّةُ هِيَ دَارَ السَّلامِ ، جَعَلَ اللهُ مِن نَعيمِ أَهلِهَا خُلُوَّ صُدُورِهِم مِنَ الغِلِّ ، قَالَ – تَعَالى - : " وَنَزَعنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " وَمِن ثَمَّ كَانَ عَلَى مَن أَرَادَ أَن يَعِيشَ في دُنيَاهُ في جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ ، أَن يُجَاهِدَ نَفسَهُ صَادِقًا عَلَى نَزعِ مَا فِيهَا مِن غِلٍّ ، وَأَن يُدَرِّبَهَا عَلَى العَفوِ وَالصَّفحِ . وَلْيَعلَمِ العَاقِلُ أَنَّهُ وَإِن خُيِّلَ إِلَيهِ أَنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً في التَّشَفِي وَالانتِقَامِ مِمَّن أَخطَأَ في حَقِّهِ ، فَإِنَّهَا لَذَّةٌ شَيطَانِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ ، يَلحَقُهَا الذَّمُّ الدَّائِمُ وَالنَّدَمُ الطَّوِيلُ ، وَأَمَّا لَذَّةُ العَفوِ وَالمُسَامَحَةِ فَإِنَّهَا وَإِن لم تُستَطعَمْ عَاجِلاً وَفي حِينِهَا ، فَإِنَّهَا حَاصِلَةٌ وَلا بُدَّ ، مَحمُودَةُ العَاقِبَةِ وَلا شَكَّ ، فَإِلى مَتى المُكَابَرَةُ وَالمُغَالَطَةُ ؟ لِمَاذَا لا نَعمَلُ بما عَلِمنَا وَنُعَوِّدُ أَنفُسَنَا الخَيرَ ، فَإِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعلُّمِ وَالحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ " وَالخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ " وَمَا أَحوَجَ نُفُوسَنَا إِلى أَن تُكسَرَ فِيهَا حِدَّةُ العُجبِ وَالغُرُورِ ، وَأَن تُعَالَجَ مِن دَاءِ الكِبرِ وَالتَّعَالي !!! وَمَن نَصَحَ لِنَفسِهِ عَلِمَ أَنَّ حَظَّهَا مِنَ الكِبرِ هُوَ حَظُّهَا مِنَ الهَوَانِ وَالصَّغَارِ عِندَ اللهِ في هَذِهِ الدُّنيَا وَيَومَ القِيَامَةِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمشِ في الأَرضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ " وَقَالَ - تَعَالى - : " تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كَانَ في قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مَن تَعَظَّمَ في نَفسِهِ أَوِ اختَالَ في مِشيَتِهِ لَقِيَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهُوَ عَلَيهِ غَضبَانُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
المرفقات
واصفحوا-يغفر-الله-لكم
واصفحوا-يغفر-الله-لكم
واصفحوا-يغفر-الله-لكم-2
واصفحوا-يغفر-الله-لكم-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق