خطبة استسقاء

مبارك العشوان
1437/01/14 - 2015/10/27 08:20AM
الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه، ونستهديه.
ونستغفره تعالى ونتوبُ إليه، فإنه يُحبُّ التوابين، ويغفرُ ذنوبَ المذنبين: { غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }.
والصلاة والسلام على نبينا محمد، كَانَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: ( سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ) رواه مسلم.
كان صلى الله عليه وسلم يُكثرُ التوبة والاستغفارَ، ويحُثُّ عليهما يقولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) رواه البخاري. ويقول ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: إنْ كنَّا لنعُدُّ لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم في المجلسِ الواحِدِ مئة مرةِ: ( رَبِّ اغفِر لي وتُب علىَّ، إنَك أنتَ التَّوابُ الرحيم ) أخرجه أبو داود
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم.
بالتوبةِ والاستغفارِ يُضاعِفُ اللهُ الأجورَ، ويغفرُ الذنوبَ، ويسترُ العيوبَ، ويكشفُ السوءَ والكروبَ.
عباد الله: إنَّ مِن أعظمِ الكُروبِ، يومَ أن تَقِلَّ الأمطارُ، وتُجْدِبَ الديارُ، وتَغُورَ مياهُ الأرض؛ فبالماءِ حياةُ المخلوقات، وبفقده تُفقد الحياة، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ }.
أيها الناس: وقد قلَّتِ الأمطارُ في ديارنا فعلينا أن نُراجعَ أنفسنا فاللهُ تعالى لا يظلمُ الناسَ شيئا ولكنَّ الناسَ أنفُسهم يظلمون، الله تعالى لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم، إنِ استقامَ الناسُ على دين ربهم أصلحَ لهم دُنياهم وأُخراهم؛ كما في قوله سبحانه :{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } 96 الأعراف
أمَّا إن أعرضَ الناسُ عن ربهم، وتَجَرَؤُوا على حُرُمَاتِه وتعرضوا لغضبه، أصابهم في الدنيا من العقوبات ما أصابهم من الضيق والضَّنْكِ والشدة، وهم متوعدون في الآخرةِ بأشدَّ من ذلك فخسروا الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }.
إياكم أيها الناس أن تتعرضوا لغضبِ الجبار جلَّ جلاله؛ بإقامتكم على معاصيه، فإن فعلتم فلا تأمنوا مَكرَهُ جلَّ وعلا، فإنه لا يأمنُ مكرَ اللَّه إِلا الْقومُ الْخاسرون، إن تعرضتم لغضبِ اللهِ فلا تأمنوا أمراضاً تظهرُ فيكم، وأوبئة تنتشرُ في بلادكم تفتك بِصِحَّتِكُم وبأنفسكم، لا تأمنوا عند ذلك محقاً في أرزاقكم، وفساداً في زروعكم: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41
لا تستغربوا عند ذلك قحطاً في دياركم، وجدباً في أرضكم.
أيها الناس: اشكروا نعمَ اللهِ يزدكم، ولا تكفروها فيحِلَّ العقاب بكم كما حَلَّ بمن كان قبلكم: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }112 النحل
قال ابنُ القيم رحمه الله: وَمِنْ تأثِـيرِ المعاصي في الأرض: ما يَحِلُّ بها من الخسفِ والزلازلِ ويَمْحَقُ بركتَها.
بالمعاصي تزول النعم، وبالتقوى تُدرَكُ وتُحفظ: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }
أيها الناس: اجتمعنا هنا؛ ندعو أرحمَ الراحمين، الغنيَ الكريم نشتكي إليهِ سبحانه قلة الأمطارِ على بلادنا، فهو تعالى القوي ونحن الضعفاء، هو الغنيُّ ونحن الفقراء، فلْنرفعْ أيدينا إلى ربنا وَنُلِحَّ عليه في دعائِنا بقلوبٍ حاضرة أن يَسقِيَنَا، فهو تعالى يكشفُ الضُّرَ: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } النمل 62 وهو تعالى حييٌ كريمٌ يستحي من عبده إذا رفعَ يديه إليه أن يَرُدَهُما صِفْرًا خائبتين، أكثروا من الاستغفار، فقد قال نوح عليه السلام لقومه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا }10 ــ 12 نوح
اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا نستغفرك إنكَ كنت غفارا، فأرسلِ السماءَ علينا مدرارا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث و لا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا، سَحَّاً طبقا، عاجلا غير آجل، تسقي به العباد، وتغيث به البلاد، وتجعله بلاغا للحاضر والباد برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم سُقيا رحمة لا سقيا عذابٍ، اللهم اسقِ عبادَك وبلادَكَ، اللهم انشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم أنْبِتْ لنا الزرعَ، وأدِرَّ لنا الضرعَ، وأنزل علينا من بركاتِ السماء، واجعل ما أنزلتهُ قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا بما فعل السفهاء منا
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المشاهدات 1301 | التعليقات 0