خطبة استسقاء
عبدالله البصري
1436/01/23 - 2014/11/16 15:08PM
الحَمدُ للهِ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الخَلقِ أَجمعِينَ ، كَانَ أَعلَمَ النَّاسِ بِرَبِّهِ وَأَتقَاهُم لَهُ ، وأَعظَمَهُم بِهِ يِقَينًا وَأَبلَغَهُم عَلَيهِ تَوَكُّلاً ، وَأَبَرَّهُم قَلبًا وَأَصلَحَهُم قَالَبًا ، دَعَا اللهَ بِالسُّقيَا فَنَزَلَ المَطَرُ أُسبُوعًا كَامِلاً ، ثم دَعَاهُ مُستَصحِيًا فَأَصحَتِ السَّمَاءُ . في الصَّحِيحَينِ عَن أَنسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَومَ الجُمُعَةِ مِن بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنبَرِ ، وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَائِمٌ يَخطُبُ ، فَاستَقبَلَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَائِمًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلَكَتِ المَوَاشِي وَانقَطَعَتِ السُّبُلُ ، فَادعُ اللهَ يُغِيثُنَا . قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَدَيهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ اسقِنَا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا . قَالَ أَنَسٌ : وَلا وَاللهِ مَا نَرَى في السَّمَاءِ مِن سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ وَلا شيئًا ، وَمَا بَينَنَا وَبَينَ سَلْعٍ مِن بَيتٍ وَلا دَارٍ . قَالَ : فَطَلَعَت مِن وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثلُ التُّرسِ ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انتَشَرَت ثم أَمطَرَت . قَالَ : وَاللهِ مَا رَأَينَا الشَّمسَ سِتًّا ، ثم دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذَلِكَ البَابِ في الجُمُعَةِ المُقبِلَةِ وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَائِمٌ يَخطُبُ فَاستَقبَلَهُ قَائمًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلَكَتِ الأَموَالُ وَانقَطَعَتِ السُّبُلُ ، فَادعُ اللهَ يُمسِكُها . قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَدَيهِ ثم قَالَ : " اللَّهُمَّ حَوَالَينَا وَلا عَلَينَا ، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالظِّرَابِ وَالأَودِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ " قَالَ : فَانقَطَعَت وَخَرَجنَا نَمشِي في الشَّمسِ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، المَطَرُ نِعمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ ، وَهِبَةٌ مِن هِبَاتِهِ الوَاسِعَةِ ، وَهُوَ أَصلُ الحَيَاةِ وَجِماعُ الرِّزقِ وَالبَرَكَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ " يَنزِلُ المَطَرُ فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً ، وَتُخرِجُ أَزوَاجًا مِن نَبَاتٍ شَتَّى ، وَتَمتَلِئُ الآبَارُ وَتَجرِي الأَنهَارُ ، وَيَشرَبُ النَّاسُ وَيَرتَوُونَ ، وَيَزرَعُونَ وَيَرعَونَ أَنعَامَهُم ، وَتَتَنَوَّعُ الثَّمَرَاتُ وَتَكثُرُ الخَيرَاتُ ، وَتُفتَحُ عَلَيهِمُ البَرَكَاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَجعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لأُولِي الأَلبَابِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبنَا المَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقنَا الأَرضَ شَقًّا . فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضبًا . وَزَيتُونًا وَنَخلاً . وَحَدَائِقَ غُلبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُم "
وَالمَطَرُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ يَنزِلُ بِقَدَرٍ وَمِيزَانٍ ، وَيُصَرِّفُهُ اللهُ كَمَا يَشَاءُ بِحِكمَتِهِ ، وَلَو زَادَ لَكَانَ عَذَابًا ، إِمَّا بِإِهلاكِ مَا أَمَامَهُ ، وَإِمَّا لأَنَّ النَّاسَ يَبطُرُونَ وَيَبغُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَإِن مِن شَيءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعلُومٍ . وَأَرسَلنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسقَينَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُم لَهُ بِخَازِنِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسكَنَّاهُ في الأَرضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ المَطَرَ يَنزِلُ مَوزُونًا بِقَدَرٍ مَعلُومٍ ، وَلَو دَامَ النَّاسُ عَلَى حَمدِ المُنعِمِ وَشُكرِهِ ، لَزَادَهُمُ ـ سُبحَانَهُ ـ مِن فَضلِهِ ، وَلَتَوَالى عَلَيهِمُ الغَيثُ وَلم يَتَأَخَّرْ عَن وَقتِهِ وَإِبَّانِهِ ، وَلَكِنَّهُم إِذَا تَوَالى عَلَيهِمُ الخَيرُ وَرَأَوا أَنَّهُم قَدِ استَغنَوا ، نَسُوا وَكَفَرُوا ، أَو طَغَوا وَتَكَبَّرُوا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ أَن يَبتَلِيَهُم بِتَأخِيرِ الأَمطَارِ ، فَيَضَعُفَ تَدَفُّقُ الأَنهَارِ ، وَتَغُورَ المِيَاهُ في الآبَارُ ، وَتَغبَرَّ الأَرضُ وَيَمُوتَ الزَّرعُ ، وَتَجِفَّ المَرَاعِي وَيَيبَسَ الضَّرعُ ، وَقَد تَهلكُ المَوَاشِي فَيَقنَطُ النَّاسُ وَتَضِيقُ صُدُورُهُم ، وَيُحِسُّونَ أَنَّهُم قَدِ ابتَعَدُوا عَن رَبِّهِم ، فَيَعُودُونَ إِليهِ وَيَتُوبُونَ ، وَيَستَغفِرُونَهُ وَيَستَرحِمُونَ ، فَيُسقَونَ حِينَئِذٍ وَيُغَاثُونَ ، وَتَنتَشِرَ الرَّحمَةُ وَيَتَّسِعَ الرِّزقُ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى وَالشُّكرِ وَالاستِقَامَةِ ، تُفتَحُ البَرَكَاتُ وَتَحصُلُ الزِّيَادَةُ ، وَبِالكُفرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ ، يَشتَدُّ العَذَابُ وَتَعظُمُ المَصَائِبُ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " وَإِنَّ مِن تَمَامِ رَحمَتِهِ ـ تَعَالى ـ بِنَا أَن أَخبَرَنَا بما تَتَوسَّعُ بِهِ أَرزَاقُنَا أَو تَضِيقُ ، وَمَا تَصلُحُ بِهِ المَعَايِشُ أَو تَفسُدُ ، وَمَا تَقَرُّ بِهِ النِّعَمُ أَو تَفِرُّ ، فَلْنُؤمِنْ بِهِ إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَلْنَتَّقِهِ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَلْنَشكُرْهُ وَلْنَحذَرْ كُفرَ نِعمَتِهِ ، لِنَعُدْ إِلى وَاقِعِنَا وَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا ، وَلْنُفَتِّشْ عَمَّا تَشتَمِلُ عَلَيهِ دَوَاخِلُنَا ، وَلْنُصَحِّحِ المَسَارَ وَلْنُكثِرِ الاستِغفَارَ ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ وَالإِدبَارَ ، إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ مُذنِبٌ مُتَجَاوِزٌ ، وَكُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، وَالأَوبَةَ الأَوبَةَ ، لِنَقُلْ كَمَا قَالَ الأَبَوَانِ : " رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَلْنَقتَدِ بِالأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ ، فَهَذَا نُوحٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَهُودٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَد أَمَرَ ـ تَعَالى ـ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ أمرًا عَامًّا فَقَالَ : " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وَقَالَ : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " وَقَد حَصَلَ الجَدبُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ، فَخَرَجَ وَصَلَّى وَدَعَا ، عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : شَكَا النَّاسُ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قُحُوطَ المَطَرِ ، فَأَمَرَ بِمِنبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ في المُصَلَّى ، وَوَعَدَ النَّاسَ يَومًا يَخرُجُونَ فِيهِ . قَالَت عَائِشَةُ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمسِ ، فَقَعَدَ عَلَى المِنبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ثم قَالَ : " إِنَّكُم شَكَوتُم جَدبَ دِيَارِكُم وَاستِئخَارَ المَطَرِ عَن إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنكُم ، وَقَد أَمَرَكُم اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَن تَدعُوهُ وَوَعَدَكُم أَن يَستَجِيبَ لَكُم " ثم قَالَ : " الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ . مَلِكِ يَومِ الدِّينِ . لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ . أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلى حِينٍ " ثم رَفَعَ يَدَيهِ فَلَم يَترُكِ الرَّفعَ حَتى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيهِ ، ثم حَوَّلَ إِلى النَّاسِ ظَهرَهُ وَقَلَبَ أَو حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيهِ ثم أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكعَتَينِ ، فَأَنشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَت وَبَرَقَت ـ ثم أَمطَرَت بِإِذنِ اللهِ ، فَلم يَأتِ مَسجِدَهُ حَتى سَالَتِ السُّيُولُ ، فَلَمَّا رَأَى سُرعَتَهُم إِلى الكِنِّ ضَحِكَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَتى بَدَت نَوَاجِذُهُ فَقَالَ : " أَشهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَهَا أَنتُم قَد خَرَجتُم اقتِدَاءً بِنَبِيِّكُم وَطَمَعًا فِيمَا عِندَ رَبِّكُم ، فَتُوبُوا إِلَيهِ وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِهِ ، اُدعُوهُ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَأَحسِنُوا يُحسِنِ اللهُ إِلَيكُم ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَموَالِكُم وَتَصَدَّقُوا ، وَأَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم .
لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ غِيَاثُ المُستَغِيثِينَ وَرَاحِمُ المُستَضعَفِينَ ، وَمُجِيبُ المُضطَرِّينَ وَجَابِرُ المُنكَسِرِينَ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ . نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، أَنتَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ ، أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ وَلا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ . اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا وَأَغِثْنا ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلقٌ مِن خَلقِكَ ، فَلا تَمنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضلَكَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا وَأَروَاحَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ ، وَبِلادَنَا بِالخَيرَاتِ وَالأَمطَارِ وَالغَيثِ العَمِيمِ ، اللَّهُمَّ لا تَحرِمْنا خَيرَ مَا عِندَكَ بِسُوءِ ما عِندَنَا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا ، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا سَحًّا غَدقًا طَبَقًا عَامًّا وَاسِعًا مُجَلِّلاً ، نَافِعًا غَيرَ ضَارٍّ ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ سُقيَا رَحمَةٍ لا سُقيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ . اللَّهُمَّ اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانشُرْ رَحمَتَكَ ، وَأَحيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُبَارَكًا ، تُحيِي بِهِ البَلادَ ، وَتَسقِي بِهِ العِبَادَ ، وَتَجعَلُهُ بَلاغًا لِلحَاضِرِ وَالبَادِ . اللَّهُمَّ أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَهُ قُوَّةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلاغًا إِلى حِينٍ . اللَّهُمَّ أَنبِتْ لَنَا الزَّرعَ ، وَأَدِرَّ الضَّرعَ ، وَاسقِنَا مِن بَرَكَاتِكَ ، وَأَنزِلْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخرِجْ لَنَا مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ . اللهم أخرج في أرضنا زينتَها ، وأتمم فيها حلَّتها . اللَّهُمَّ إِنَّ بِالعِبَادِ وَالبِلادِ مِن اللَّأوَاءِ وَالجَهدِ وَالضَّنكِ مَا لا نَشكُوهُ إِلاَّ إِلَيكَ . اللَّهُمَّ فَارفَعِ الجَهدَ وَالقَحطَ وَالجَفَافَ عَن بِلادِنَا ، وَاكشِفْ عَنَّا مِنَ الضُّرِّ مَا لا يَكشِفُهُ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ ارحَمِ الشُّيُوخَ الرُّكَّعَ وَالبَهَائِمَ الرُّتَّعَ وَالأَطفَالَ الرُّضَّعَ ، اللَّهُمَّ أَسبِغِ النِّعَمَ وَادفَعِ النِّقَمَ . اللَّهُمَّ يَا أَكرَمَ مَسؤُولٍ وَيَا أَعظَمَ مَأمُولٍ ، قَد دَعَونَاكَ كَمَا أَمَرتَنَا ، فَاستَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدتَنَا ، وَلا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ ، وَلا مِن رَحمَتِكَ مَحرُومِينَ ، وَلا عَن بَابِكَ مَطرُودِينَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، لَقَد كَانَ مِن سُنَّةِ نَبِيِّكُم بَعدَمَا يَستَغِيثُ رَبَّهُ أَن يَقلِبَ رِدَاءَهُ ، فَاقلُبُوا أَردِيَتَكُمُ اقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَتَفَاؤُلاً أَن يَقلِبَ اللهُ حَالَكُم مِنَ الشِّدَّةِ إِلى الرَّخَاءِ وَمِنَ القَحطِ إِلى الغَيثِ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ شِعَارًا وَعَهدًا تَأخُذُونَهُ عَلَى أَنفُسِكُم بِتَغيِيرِ لِبَاسِكُمُ البَاطِنِ إِلى لِبَاسِ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى بَدَلاً مِن لِبَاسِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي " سُبحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ . وَالحَمدُ للهِ رَبّ العَـالمِينَ "
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، المَطَرُ نِعمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ ، وَهِبَةٌ مِن هِبَاتِهِ الوَاسِعَةِ ، وَهُوَ أَصلُ الحَيَاةِ وَجِماعُ الرِّزقِ وَالبَرَكَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَفي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ " يَنزِلُ المَطَرُ فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً ، وَتُخرِجُ أَزوَاجًا مِن نَبَاتٍ شَتَّى ، وَتَمتَلِئُ الآبَارُ وَتَجرِي الأَنهَارُ ، وَيَشرَبُ النَّاسُ وَيَرتَوُونَ ، وَيَزرَعُونَ وَيَرعَونَ أَنعَامَهُم ، وَتَتَنَوَّعُ الثَّمَرَاتُ وَتَكثُرُ الخَيرَاتُ ، وَتُفتَحُ عَلَيهِمُ البَرَكَاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَجعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لأُولِي الأَلبَابِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبنَا المَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقنَا الأَرضَ شَقًّا . فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضبًا . وَزَيتُونًا وَنَخلاً . وَحَدَائِقَ غُلبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُم "
وَالمَطَرُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ يَنزِلُ بِقَدَرٍ وَمِيزَانٍ ، وَيُصَرِّفُهُ اللهُ كَمَا يَشَاءُ بِحِكمَتِهِ ، وَلَو زَادَ لَكَانَ عَذَابًا ، إِمَّا بِإِهلاكِ مَا أَمَامَهُ ، وَإِمَّا لأَنَّ النَّاسَ يَبطُرُونَ وَيَبغُونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَإِن مِن شَيءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعلُومٍ . وَأَرسَلنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسقَينَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُم لَهُ بِخَازِنِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسكَنَّاهُ في الأَرضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو بَسَطَ اللهُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوا في الأَرضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ المَطَرَ يَنزِلُ مَوزُونًا بِقَدَرٍ مَعلُومٍ ، وَلَو دَامَ النَّاسُ عَلَى حَمدِ المُنعِمِ وَشُكرِهِ ، لَزَادَهُمُ ـ سُبحَانَهُ ـ مِن فَضلِهِ ، وَلَتَوَالى عَلَيهِمُ الغَيثُ وَلم يَتَأَخَّرْ عَن وَقتِهِ وَإِبَّانِهِ ، وَلَكِنَّهُم إِذَا تَوَالى عَلَيهِمُ الخَيرُ وَرَأَوا أَنَّهُم قَدِ استَغنَوا ، نَسُوا وَكَفَرُوا ، أَو طَغَوا وَتَكَبَّرُوا ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ أَن يَبتَلِيَهُم بِتَأخِيرِ الأَمطَارِ ، فَيَضَعُفَ تَدَفُّقُ الأَنهَارِ ، وَتَغُورَ المِيَاهُ في الآبَارُ ، وَتَغبَرَّ الأَرضُ وَيَمُوتَ الزَّرعُ ، وَتَجِفَّ المَرَاعِي وَيَيبَسَ الضَّرعُ ، وَقَد تَهلكُ المَوَاشِي فَيَقنَطُ النَّاسُ وَتَضِيقُ صُدُورُهُم ، وَيُحِسُّونَ أَنَّهُم قَدِ ابتَعَدُوا عَن رَبِّهِم ، فَيَعُودُونَ إِليهِ وَيَتُوبُونَ ، وَيَستَغفِرُونَهُ وَيَستَرحِمُونَ ، فَيُسقَونَ حِينَئِذٍ وَيُغَاثُونَ ، وَتَنتَشِرَ الرَّحمَةُ وَيَتَّسِعَ الرِّزقُ . قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى وَالشُّكرِ وَالاستِقَامَةِ ، تُفتَحُ البَرَكَاتُ وَتَحصُلُ الزِّيَادَةُ ، وَبِالكُفرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ ، يَشتَدُّ العَذَابُ وَتَعظُمُ المَصَائِبُ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " وَإِنَّ مِن تَمَامِ رَحمَتِهِ ـ تَعَالى ـ بِنَا أَن أَخبَرَنَا بما تَتَوسَّعُ بِهِ أَرزَاقُنَا أَو تَضِيقُ ، وَمَا تَصلُحُ بِهِ المَعَايِشُ أَو تَفسُدُ ، وَمَا تَقَرُّ بِهِ النِّعَمُ أَو تَفِرُّ ، فَلْنُؤمِنْ بِهِ إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَلْنَتَّقِهِ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَلْنَشكُرْهُ وَلْنَحذَرْ كُفرَ نِعمَتِهِ ، لِنَعُدْ إِلى وَاقِعِنَا وَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا ، وَلْنُفَتِّشْ عَمَّا تَشتَمِلُ عَلَيهِ دَوَاخِلُنَا ، وَلْنُصَحِّحِ المَسَارَ وَلْنُكثِرِ الاستِغفَارَ ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ وَالإِدبَارَ ، إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ مُذنِبٌ مُتَجَاوِزٌ ، وَكُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، وَالأَوبَةَ الأَوبَةَ ، لِنَقُلْ كَمَا قَالَ الأَبَوَانِ : " رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَلْنَقتَدِ بِالأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ ، فَهَذَا نُوحٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَهُودٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَد أَمَرَ ـ تَعَالى ـ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ أمرًا عَامًّا فَقَالَ : " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وَقَالَ : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ " وَقَد حَصَلَ الجَدبُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ ، فَخَرَجَ وَصَلَّى وَدَعَا ، عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : شَكَا النَّاسُ إِلى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قُحُوطَ المَطَرِ ، فَأَمَرَ بِمِنبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ في المُصَلَّى ، وَوَعَدَ النَّاسَ يَومًا يَخرُجُونَ فِيهِ . قَالَت عَائِشَةُ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمسِ ، فَقَعَدَ عَلَى المِنبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ثم قَالَ : " إِنَّكُم شَكَوتُم جَدبَ دِيَارِكُم وَاستِئخَارَ المَطَرِ عَن إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنكُم ، وَقَد أَمَرَكُم اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَن تَدعُوهُ وَوَعَدَكُم أَن يَستَجِيبَ لَكُم " ثم قَالَ : " الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ . الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ . مَلِكِ يَومِ الدِّينِ . لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ . أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاغًا إِلى حِينٍ " ثم رَفَعَ يَدَيهِ فَلَم يَترُكِ الرَّفعَ حَتى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيهِ ، ثم حَوَّلَ إِلى النَّاسِ ظَهرَهُ وَقَلَبَ أَو حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيهِ ثم أَقبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكعَتَينِ ، فَأَنشَأَ اللهُ سَحَابَةً فَرَعَدَت وَبَرَقَت ـ ثم أَمطَرَت بِإِذنِ اللهِ ، فَلم يَأتِ مَسجِدَهُ حَتى سَالَتِ السُّيُولُ ، فَلَمَّا رَأَى سُرعَتَهُم إِلى الكِنِّ ضَحِكَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَتى بَدَت نَوَاجِذُهُ فَقَالَ : " أَشهَدُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَهَا أَنتُم قَد خَرَجتُم اقتِدَاءً بِنَبِيِّكُم وَطَمَعًا فِيمَا عِندَ رَبِّكُم ، فَتُوبُوا إِلَيهِ وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِهِ ، اُدعُوهُ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ ، وَأَحسِنُوا يُحسِنِ اللهُ إِلَيكُم ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَموَالِكُم وَتَصَدَّقُوا ، وَأَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم .
لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ غِيَاثُ المُستَغِيثِينَ وَرَاحِمُ المُستَضعَفِينَ ، وَمُجِيبُ المُضطَرِّينَ وَجَابِرُ المُنكَسِرِينَ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ . نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، أَنتَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ ، أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ وَلا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ . اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا وَأَغِثْنا ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلقٌ مِن خَلقِكَ ، فَلا تَمنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضلَكَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا وَأَروَاحَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ ، وَبِلادَنَا بِالخَيرَاتِ وَالأَمطَارِ وَالغَيثِ العَمِيمِ ، اللَّهُمَّ لا تَحرِمْنا خَيرَ مَا عِندَكَ بِسُوءِ ما عِندَنَا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا ، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا سَحًّا غَدقًا طَبَقًا عَامًّا وَاسِعًا مُجَلِّلاً ، نَافِعًا غَيرَ ضَارٍّ ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ سُقيَا رَحمَةٍ لا سُقيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ . اللَّهُمَّ اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانشُرْ رَحمَتَكَ ، وَأَحيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُبَارَكًا ، تُحيِي بِهِ البَلادَ ، وَتَسقِي بِهِ العِبَادَ ، وَتَجعَلُهُ بَلاغًا لِلحَاضِرِ وَالبَادِ . اللَّهُمَّ أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَهُ قُوَّةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلاغًا إِلى حِينٍ . اللَّهُمَّ أَنبِتْ لَنَا الزَّرعَ ، وَأَدِرَّ الضَّرعَ ، وَاسقِنَا مِن بَرَكَاتِكَ ، وَأَنزِلْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخرِجْ لَنَا مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ . اللهم أخرج في أرضنا زينتَها ، وأتمم فيها حلَّتها . اللَّهُمَّ إِنَّ بِالعِبَادِ وَالبِلادِ مِن اللَّأوَاءِ وَالجَهدِ وَالضَّنكِ مَا لا نَشكُوهُ إِلاَّ إِلَيكَ . اللَّهُمَّ فَارفَعِ الجَهدَ وَالقَحطَ وَالجَفَافَ عَن بِلادِنَا ، وَاكشِفْ عَنَّا مِنَ الضُّرِّ مَا لا يَكشِفُهُ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ ارحَمِ الشُّيُوخَ الرُّكَّعَ وَالبَهَائِمَ الرُّتَّعَ وَالأَطفَالَ الرُّضَّعَ ، اللَّهُمَّ أَسبِغِ النِّعَمَ وَادفَعِ النِّقَمَ . اللَّهُمَّ يَا أَكرَمَ مَسؤُولٍ وَيَا أَعظَمَ مَأمُولٍ ، قَد دَعَونَاكَ كَمَا أَمَرتَنَا ، فَاستَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدتَنَا ، وَلا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ ، وَلا مِن رَحمَتِكَ مَحرُومِينَ ، وَلا عَن بَابِكَ مَطرُودِينَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، لَقَد كَانَ مِن سُنَّةِ نَبِيِّكُم بَعدَمَا يَستَغِيثُ رَبَّهُ أَن يَقلِبَ رِدَاءَهُ ، فَاقلُبُوا أَردِيَتَكُمُ اقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَتَفَاؤُلاً أَن يَقلِبَ اللهُ حَالَكُم مِنَ الشِّدَّةِ إِلى الرَّخَاءِ وَمِنَ القَحطِ إِلى الغَيثِ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ شِعَارًا وَعَهدًا تَأخُذُونَهُ عَلَى أَنفُسِكُم بِتَغيِيرِ لِبَاسِكُمُ البَاطِنِ إِلى لِبَاسِ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى بَدَلاً مِن لِبَاسِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي " سُبحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ . وَالحَمدُ للهِ رَبّ العَـالمِينَ "
المرفقات
587.doc
588.doc
خطبة استسقاء.doc
خطبة استسقاء.doc
خطبة استسقاء.pdf
خطبة استسقاء.pdf
المشاهدات 4677 | التعليقات 6
للرفع
...
جزاك الله خيراً
.
.....
جزاك الله خيراً
.
جزاك الله خيرا ونفع بعلمك
جزاك الله خيراً.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق