خطبة استسقاء مختصرة

أ.د. صالح بن فريح البهلال
1442/04/02 - 2020/11/17 07:32AM

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله؛ فالتقوى جِلاء القلوب وصقالهُا، وشفاؤها إذا غشيها اعتلالها.

عباد الله: الماء نعمةٌ عظمَى، ومنّة من الله كبرى، هو أغلى مفقود، وأرخص موجود، فإذا تدفّق الماء تفتّق النماء والعطاء، وجاء الخير والهناء والصفاء، فتحيا الأرضُ وتربو، وتخضرّ الحدائقُ بذلك وتنمو، ويزهر النبات، وتأتي الخيرات والبركات.

 فسبحان من سوّاه، وسبحان من خلقه وأجراه، وسبحان من أوجد هذه المياه، وروّى بها الأجساد والأفواه،[وَلَقَد صَرَّفنَاهُ بَينَهُم لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا].

وإنّه لا يَقدر هذه النعمةَ قدرَها إلاّ من حُرِمها، فانظروا يا عباد الله ماذا لو انقطعت الامطار، وجفت الآبار، وحبِسَ عنا الماء وغار، هل تصلُح لَنا حال؟! وهل يَقرّ لنا قَرارٌ؟!  [قُل أَرَءيتُم إِن أَصبَحَ مَاؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ] نعوذ بالله برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته.

وإن مِن حِكمته ـ سبحانه ـ أنه لا يُديمَ عبادهُ على حال وَاحدَة، بل يبتليهم بالسّرّاء والضّرّاء، ويتعاهَدُهم بالشّدّة والرّخاء، امتحاناً منه وابتلاءً [وَنَبلُوكُم بِالشَّرّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ].

وإن مِن ابتلاءِ الله لعبادِه حَبسَ القطرِ عنهم، وإننا يا عباد الله إذا اتقينا الله حقا، وآمنا به صدقاً جاءتنا الخيرات تترى؛ كما قال سبحانه: [وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا] وقال: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ].

ولنكثر من التوبة والاستغفار؛ فإنها السبيل لنزول الأمطار، كما قال - سبحانه على لسان نبيه هودٍ - عليه السلام ـ: [وَياقَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاء عَلَيكُم مّدرَارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُم]. وكما قال ـ سبحانه ـ على لسان نبيه نوح ـ عليه السلام ـ [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا].

وقد استسقى عمر ـ رضي الله عنه ـ فلم يزِد على الاستغفارِ، فقيل له في ذلك فقال: (لقد طلبتُ الغيث بمجاديحِ السماء التي يُستَنزَل بها المطر).

ولنعلم يا عباد الله أن كل واحد منا مسؤول عن نفسه، فليحذر أن ينزل على الأمة بلاءٌ بسببه، فقد يكون فجور بعض الناس سبباً في حصول الجدب، وحلول الجفاف والقحط، ويدل على هذا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (والعبد الفاجر يستريح منه ـ أي بموته ـ العباد والبلاد والشجر والدواب).

ولنحسن الظن بربنا؛ فقد قال ـ سبحانه ـ في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيراً فله، وإن ظن شراً فله).

العطايا من فضل ربنا تُرتَقَب، وهو ـ سبحانه ـ المرجوُّ لكشف الكُرَب، خزائنه ملأى، وهو أوسع من أعطى، فكم دفع من محن، وكم وهب من منح، مواهبه جليلة، وعطاياه عظيمة جزيلة، فأبشِروا وأمِّلوا، ولا تقنَطوا من رحمته ولا تيأسوا [وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ].

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقناً غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً طبقاً سحاً مجللاً، عاماً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، تحي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا بلاء ولا غرق. اللهم اسق عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا بركاتك، واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع بذنوبنا فضلك.

ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ أنه يسن في مثل هذا الموطن أن تقلبوا أرديتكم، اقتداءً بفعل نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ  وتفاؤلاً بأن الله يحول القحطَ إلى الخِصْب، والشدةَ إلى الرخاء.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المشاهدات 1144 | التعليقات 0