خطبة استسقاء للمرحلة الابتدائية
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1437/01/14 - 2015/10/27 05:09AM
خطب استسقاء للمدارس (1)
للمرحلة الابتدائية
الخميس16/1/1437
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، الرَّزَّاقِ الْكَرِيمِ؛ خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّانَا بِالنِّعَمِ، أَوْجَدَنَا مِنْ أَبٍ مُسْلِمٍ، وَأُمٍّ مُسْلِمَةٍ، وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَنَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ هُوَ رَبُّنَا وَمَعْبُودُنَا؛ فَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا نُصَلِّي إِلَّا لَهُ، وَنُطِيعُ أَمْرَهُ، وَنَجْتَنِبُ نَهْيَهُ، وَنَتَعَلَّمُ دِينَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ رَحِيمًا بِالْأَطْفَالِ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيُمَازِحُهُمْ، وَيَسْأَلُ عَنْ أَحْوَالِهمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَيَخَافُ عَلَيْهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ؛ فَهُوَ أَبٌ لَنَا قَبْلَ آبَائِنَا، وَنُحِبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَنْفُسِنَا؛ لِأَنَّهُ دَلَّنَا عَلَى رَبِّنَا، وَعَلَّمَنَا دِينَنَا؛ فَسَهَّلَ لَنَا طَرِيقَ الْجَنَّةِ، وَبَعَّدَنَا عَنْ طَرِيقِ النَّارِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَبْنَاءَنَا الطُّلَّابَ: نَحْنُ الْبَشَرَ مُحْتَاجُونَ لِلَّـهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِنَا، وَمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أُمُورِنَا، وَحَاجَتُنَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِنَا إِلَى آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.. أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ وَلَدًا فِي مِثْلِ عُمْرِنَا مَاتَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ قَرِيبٌ يَرْعَاهُ، وَلَا أَحَدٌ يُطْعِمُهُ وَلَا يَعْتَنِي بِلِبَاسِهِ وَفِرَاشِهِ وَبَيْتِهِ فَمَاذَا يَكُونُ حَالُهُ؟ سَيَكُونُ مُشَرَّدًا جَائِعًا مُتَّسِخَ المَلَابِسِ..
إِنَّ وُجُودَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَوُجُودَ مَنْ يَرْعَانَا وَيَقُومُ عَلَيْنَا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا، وَالطَّعَامُ الَّذِي نَأْكُلُهُ وَالمَاءُ الَّذِي نَشْرَبُهُ وَنَتَنَظَّفُ بِهِ، وَاللِّبَاسُ الَّذِي نَلْبَسُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ نَسْتَخْدِمُهُ فِي حَيَاتِنَا فَهُوَ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي أَنْزَلَ المَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى ارْتَوَتِ الْأَرْضُ بِهِ، فَأَنْبَتَتِ الزَّرْعَ، فَحَصَدَ النَّاسُ الزَّرْعَ، وَصَنَعُوا مِنْهُ طَعَامَهُمْ، وَبِالمَاءِ سَقَوْا مَزَارِعَهُمْ، وَأَنْتَجُوا الْحُبُوبَ وَالْخَضَارَ وَالْفَوَاكِهَ، وَأَكَلَتِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ مِنَ الزَّرْعِ فَسَمِنَتْ وَتَوَالَدَتْ وَكَثُرَتْ، وَأَنْتَجَتِ الْحَلِيبَ وَالسَّمْنَ وَالْجُبْنَ، فَأَكَلَ النَّاسُ مِنْهُ، وَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَصَنَعُوا مِنْ أَصْوَافِهَا وَجُلُودِهَا المَلَابِسَ وَالْأَثَاثَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ المَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ؛ فَلَوْلَا المَاءُ مَاتَ النَّاسُ عَطَشًا وَجُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَا زَرْعَ وَأَكْلَ إِلَّا بِمَاءٍ يَسْقِيهِ، وَلمَاتَتْ إِبِلُهُمْ وَبَقَرُهُمْ وَغَنَمُهُمْ، وَلَما بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى الْأَرْضِ حَيًّا؛ وَلِذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: 30].
وَاللهُ تَعَالَى جَعَلَ المَاءَ الَّذِي أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ نَظِيفًا صَالِحًا لِلشُّرْبِ، وَلَوْ كَانَ مَالِحًا كَمَاءِ الْبَحْرِ مَا اسْتَطَعْنَا شُرْبَهُ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: 68 - 70]، وَمَعْنَىُ أُجَاجًا: أَيْ: مَالِحًا مُرًّا لَا نَسْتَطِيعُ شُرْبَهُ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى جَعْلِ المَاءِ مَالِحًا مُرًّا وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَرْحَمُنَا وَيُرِيدُنَا أَنْ نَشْرَبَ مَاءً نَظِيفًا حُلْوًا، وَأَنْ نَشْكُرَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَشُكْرُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ:
فَمِنْ شُكْرِهِ بِالْقَوْلِ: أَنْ نُكْثِرَ حَمْدَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاسْتِغْفَارَهُ، وَأَنْ نَذْكُرَهُ بِأَلْسُنِنَا دَائِمًا، وَنَقْرَأَ الْقُرْآنَ، وَنَحْفَظَ أَلْسِنَتَنَا عَنِ اللَّعْنِ وَالشَّتْمِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ ذَلِكَ مِنَّا، وَيُعَاقِبُنَا عَلَيْهِ.
وَمِنْ شُكْرِهِ سُبْحَانَهُ بِالْفِعْلِ: المُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، وَطَاعَةُ وَالِدِينَا وَأَسَاتِذَتِنَا، وَالْعَطْفُ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَإِطْعَامُ الْجَائِعِينَ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى المُحْتَاجِينَ، وَأَنْ يَحْتَرِمَ صَغِيرُنَا كَبِيرَنَا، وَأَنْ يَرْحَمَ كَبِيرُنَا صَغِيرَنَا، وَأَنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ مَعَ إِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَزُمَلَائِنَا وَجِيرَانِنَا، فَلَا نُؤْذِي مِنْهُمْ أَحَدًا لَا بِقَوْلٍ وَلَا بِفِعْلٍ، وَأَنْ نَتَخَلَّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ الْحَسَنَةِ كَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْكَلَامِ الطَّيِّبِ، وَأَنْ نَجْتَنِبَ الْأَخْلَاقَ السَّيِّئَةَ كَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكَلَامِ السَّيِّئِ.
فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّنَا وَيَرْضَى عَنَّا، وَيُنْزِلُ عَلَيْنَا المَطَرَ، وَيُنْبِتُ لَنَا الزَّرْعَ، وَيَرْزُقُنَا المَالَ الْكَثِيرَ، وَيَجْعَلُنَا نَعِيشُ فِي سَعَادَةٍ كَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7] يَعْنِي: إِذَا شَكَرْنَا نِعَمَهُ زَادَنَا نِعَمًا جَدِيدَةً أُخْرَى، وَإِذَا كَفَرْنَا نِعَمَهُ عَذَّبَنَا بِقِلَّةِ الْأَمْطَارِ، وَانْتِشَارِ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْنَاهَا إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَا أَنْ نُظْهِرَ ذُلَّنَا وَفَقْرَنَا وَحَاجَتَنَا لِلَّـهِ تَعَالَى، وَنُعْلِنَ تَوْبَتَنَا مِنْ ذُنُوبِنَا، وَنُعَاهِدَهُ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى أَوَامِرِ دِينِنَا، وَنَدْعُوَهُ أَنْ يُنْزِلَ المَطَرَ عَلَيْنَا، فَيَسْقِيَ أَرْضَنَا، وَيُنْبِتَ زَرْعَنَا، وَكُلُّنَا مُحْتَاجُونَ إِلَى المَاءِ وَالزَّرْعِ لِنَشْرَبَ وَنَأْكُلَ وَنَلْبَسَ، وَنَعِيشَ فِي سَعَادَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، فَأَمِّنُوا عَلَى دُعَائِي وَأَنْتُمْ خَاشِعُونَ خَاضِعُونَ لِلَّـهِ تَعَالَى:
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاءً تُحْيِي بِهِ أَرْضَنَا، وَتَسْقِي بِهِ زَرْعَنَا. اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا وَلَا تُعَذِّبْنَا بِالْعَطَشِ فَإِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ لَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِنَا وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا.. اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ فَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ أَطْفَالَنَا وَعَجَائِزَنَا وَبَهَائِمَنَا، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا رَحَمَاتِكَ، وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
حَوِّلُوا الْآنَ أَلْبِسَتَكُمْ تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُغَيِّرُ حَالَنَا، فَيُنْزِلُ عَلَيْنَا المَطَرَ، وَادْعُوهُ فِي سِرِّكُمْ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ بِخُشُوعٍ تُوقِنُونَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ سَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ.
بَارَكَ اللهُ تَعَالَى فِيكُمْ وَوَفَّقَكُمْ.
المرفقات
خطبة استسقاء للابتدائي.doc
خطبة استسقاء للابتدائي.doc
خطبة استسقاء للابتدائي مشكولة.doc
خطبة استسقاء للابتدائي مشكولة.doc
المشاهدات 7633 | التعليقات 4
رفعتها للمناسبة
ترفع للمناسبة
ترفع للمناسبة
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق