خطبة استسقاء للمدارس
عبدالله البصري
1436/01/23 - 2014/11/16 16:53PM
الحَمدُ للهِ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الخَلقِ أَجمعِينَ ، كَانَ أَعلَمَ النَّاسِ بِرَبِّهِ وَأَتقَاهُم لَهُ ، وأَعظَمَهُم بِهِ يِقَينًا وَأَبلَغَهُم عَلَيهِ تَوَكُّلاً ، وَأَبَرَّهُم قَلبًا وَأَصلَحَهُم قَالَبًا ، دَعَا اللهَ بِالسُّقيَا فَنَزَلَ المَطَرُ أُسبُوعًا كَامِلاً ، ثم دَعَاهُ فَأَصحَتِ السَّمَاءُ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، المَطَرُ نِعمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ ، وَهِبَةٌ مِن هِبَاتِهِ الوَاسِعَةِ ، وَهُوَ أَصلُ الحَيَاةِ وَجِماعُ الرِّزقِ وَالبَرَكَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَفي السَّمَاء رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ " يَنزِلُ المَطَرُ فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً ، وَتُخرِجُ أَزوَاجًا مِن نَبَاتٍ شَتَّى ، وَتَمتَلِئُ الآبَارُ وَتَجرِي الأَنهَارُ ، وَيَشرَبُ النَّاسُ وَيَرتَوُونَ ، وَيَزرَعُونَ وَيَرعَونَ أَنعَامَهُم ، وَتَتَنَوَّعُ الثَّمَرَاتُ وَتَكثُرُ الخَيرَاتُ وَتُفتَحُ البَرَكَاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَجعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لأُولي الأَلبَابِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبنَا المَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقنَا الأَرضَ شَقًّا . فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضبًا . وَزَيتُونًا وَنَخلاً . وَحَدَائِقَ غُلبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُم "
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، قَد نَغفَلُ كَثِيرًا عَن أَهمِيَّةِ المَطَرِ ، وَنَنسَى ضَرُورَةَ نَزُولِهِ عَلَينَا ؛ لأَنَّ المَاءَ العَذبَ صَارَ يَصِلُ إِلَينَا في بُيُوتِنَا دُونَ عَنَاءٍ ، عَن طَرِيقِ مَشرُوعَاتِ المِيَاهِ أَوِ الشَّاحِنَاتِ الَّتي تَنقُلُهُ إِلينَا ، فَتَمتَلِئُ بِهِ خَزَّانَاتُنَا ، ثم لا نَحتَاجُ في تَحصِيلِهِ وَتَوفِيرِهِ في أَيَّةِ سَاعَةٍ مِن لَيلٍ أَو نَهَارٍ ، إِلاَّ إِلى فَتحِ الصُّنبُورِ ، فَيَتَدَفَّقُ المَاءُ إِلَينَا عَذبًا نَقِيًّا ، وَنَنسَى بَعدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لا غِنى لَنَا عَنِ الغَيثِ بِأَيَّةِ حَالٍ ، إِذْ عَلَيهِ تَقُومُ حَيَاتُنَا في جَوَانِبَ أُخرَى مُهِمَّةٍ ، فَالزُّرُوعُ وَالأَشجَارُ المُثمِرَةُ لا تَنمُو إِلاَّ بِنُزُولِهِ ، وَالخَضرَاوَاتُ وَالفَوَاكِهُ اللَّذِيذَةُ لا تَكثُرُ وَيَرخَصُ ثَمَنُهَا إِلاَّ بِكَثرَتِهِ ، وَالأَنعَامُ وَالدَّوَابُّ لا تَسمَنُ إِلاَّ بِبَرَكَتِهِ ، وَتَصَوَّرُوا رَعَاكُمُ اللهُ لَو أَنَّ الغَيثَ لم يَنزِلْ ، فَجَفَّتِ الآبَارُ وَتَوَقَّفَتِ الأَنهارُ ، وَلم يَبقَ إِلاَّ المَاءُ الَّذِي يُحَلَّى مِنَ البِحَارِ ، وَلا يَكَادُ يَكفِي لِسُقيَا النَّاسِ في المُدُنِ ، تَصَوَّرُوا لَو أَنَّ هَذَا المَاءَ استُخدِمَ في رَيِّ المَزرُوعَاتِ وَسَقيِ المَوَاشِي ، فَمَا الَّذِي سَيَحدُثُ ؟! إِنَّهُ سَيَتَوَقَّفُ عَنِ المَنَازِلِ أَو يَشِحُّ كَثِيرًا ، وَسَيُحرَمُ مِنهُ مَن هُم في أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيهِ ، وَلَوِ اقتُصِرَ بِهِ عَلَى النَّاسِ ، فَسَتَمُوتُ المَوَاشِي وَتَيبَسُ الأَشجَارُ ، وَسَتَقِلُّ اللُّحُومُ وَتَفسُدُ الثِّمَارُ ، وَسَتَرتَفِعُ الأَسعَارُ ، وَسَيكُونُ النَّاسُ في بَلاءِ عَظِيمٍ ، فَالحَمدُ للهِ الَّذِي يُنَزِّلُ هَذَا المَطَرَ بِقَدَرٍ ، وَيُصَرِّفُهُ كَيفَ يَشَاءُ بِحَسَبِ حَاجَةِ العِبَادِ وَالبِلادِ ، الحَمدُ للهِ حَمدًا كَثِيرًا ، وَالشُّكرُ لَهُ شُكرًا دَائِمًا ، لا يَكفِي أَن نَقُولَ ذَلِكَ بِأَلسِنَتِنَا ، بَينَمَا القُلُوبُ لاهِيَةٌ غَافِلَةٌ ، وَالجَوَارِحُ مَشغُولَةٌ في المَعَاصِي وَمَا لا يُحِبُّهُ اللهُ وَلا يَرضَاهُ ، نَعَم ، إِنَّ الشُّكرَ لا بُدَّ أَن يَكُونَ بِالقَلبِ اعتِرَافًا بِالنِّعمَةِ ، وَإِقرَارًا بِأَنَّهَا مِن عِندِ اللهِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ابتَدَأَنَا بها ، وَهُوَ الَّذِي يُقِرُّهَا فِينَا ، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَنزَعَهَا مِنَّا وَيُحَوِّلَهَا إِلى غَيرِنَا ، وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ بِكَثرَةِ الحَمدِ وَالثَّنَاءِ ، وَدَوَامِ الشُّكرِ وَالذِّكرِ ، وَيَكُونُ بِبَقِيَّةِ الجَوَارِحِ ، بِتَسخِيرِهَا فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، وَعَدَمِ استِعمَالِهَا فِيمَا يُسخِطُهُ وَيَأبَاهُ ، نُطِيِّبُ أَلسِنَتَنَا وَنَقرَأُ القُرآنَ ، وَنَذكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ الأَحيَانِ ، وَنَنصَحُ وَنَأمُرُ بِالمُعرُوفِ وَنَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَنَحفَظُهَا مِنَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ وَقَولِ الزُّورِ ، وَنَجتَنِبُ اللَّعنَ وَالسَّبَّ وِالشَّتمَ ، وَالاستِهزَاءَ وَالهَمزَ وَاللَّمزَ ، وَلا نَشتَغِلُ بالغِنَاءِ وَتَردِيدِ الفُحشِ وَالخَنَا ، وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ الجَوَارِحِ ، فَاليَدُ الشَّاكِرَةُ تَبذُلُ وَتُنفِقُ ، وَتَكتُبُ مَا يَنفَعُ وَتُعطِي ، وَالرِّجلُ الشَّاكِرَةُ تَمشِي إِلى المَسَاجِدِ لأَدَاءِ الصَّلاةِ ، أَو لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَو زِيَارَةِ المَرِيضِ ، أَو لِلدَّعوَةِ إِلى اللهِ أَو طَلَبِ العِلمِ وَالرِّزقِ ، وَالعَينُ الشَّاكِرَةُ لا تَنظُرُ إِلاَّ فِيمَا أَحَلَّهُ اللهُ ، وَالأُذُنُ الشَّاكِرَةُ لا تَسمَعُ إِلاَّ المُبَاحَ وَالجَمِيلَ مِنَ القَولِ ، وَأَمَّا أَن تَضرِبَ اليَدُ أَو تَسفِكَ دَمًا حَرَامًا ، أَو تَسرِقَ أَو يَأخُذَ صَاحِبُهَا مَا لا يَحِلُّ لَهُ ، أَو تَكتُبَ كَلامًا قَبِيحًا في وَرَقَةٍ أَو في جَوَّالٍ أَو عَلَى جِدَارٍ ، أَو تَمشِيَ الرِّجلُ إِلى مَكَانٍ تُفعَلُ فِيهِ الفَوَاحِشُ أَو يُعصَى فِيهِ اللهُ ، أَو تَنظُرَ العَينُ إِلى المَشَاهِدِ المُحَرَّمَةِ وَمَقَاطِعِ الفَاحِشَةِ ، أَو تَستَمِعَ الأُذُنُ إِلى الغِنَاءِ وَالخَنَا ، فَمَا شَكَرَ اللهَ ـ سُبحَانَهُ ـ حَقَّ الشُّكرِ مَن فَعَلَ ذَلِكَ .
إِنَّ مِن تَمَامِ رَحمَةِ رَبِّنَا بِنَا أَن أَخبَرَنَا بما تَتَوسَّعُ بِهِ أَرزَاقُنَا أَو تَضِيقُ ، وَمَا تَصلُحُ بِهِ المَعَايِشُ أَو تَفسُدُ ، وَمَا تَقَرُّ بِهِ النِّعَمُ أَو تَفِرُّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " نَعَم ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى وَالشُّكرِ وَالاستِقَامَةِ ، تُفتَحُ البَرَكَاتُ وَتَحصُلُ الزِّيَادَةُ ، وَبِالكُفرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ ، يَشتَدُّ العَذَابُ وَتَعظُمُ المَصَائِبُ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " فَلْنُؤمِنْ بِهِ إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَلْنَتَّقِهِ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَلْنَشكُرْهُ وَلْنَحذَرْ كُفرَ نِعمَتِهِ ، لِنَعُدْ إِلى وَاقِعِنَا وَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا ، وَلْنُفَتِّشْ عَمَّا تَشتَمِلُ عَلَيهِ دَوَاخِلُنَا ، وَلْنُصَحِّحِ المَسَارَ وَلْنُكثِرِ الاستِغفَارَ ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ وَالإِدبَارَ ، إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ مُذنِبٌ مُتَجَاوِزٌ ، وَكُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، وَالأَوبَةَ الأَوبَةَ ، لِنَقُلْ كَمَا قَالَ الأَبَوَانِ : " رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَلْنَقتَدِ بِالأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ ، فَهَذَا نُوحٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَهُودٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَد أَمَرَ ـ تَعَالى ـ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ أمرًا عَامًّا فَقَالَ : " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وقال ـ تعالى ـ : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ "
لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ غِيَاثُ المُستَغِيثِينَ وَرَاحِمُ المُستَضعَفِينَ ، وَمُجِيبُ المُضطَرِّينَ وَجَابِرُ المُنكَسِرِينَ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ . نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، أَنتَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ ، أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ وَلا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ . اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا وَأَغِثْنا ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلقٌ مِن خَلقِكَ ، فَلا تَمنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضلَكَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا وَأَروَاحَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ ، وَبِلادَنَا بِالخَيرَاتِ وَالأَمطَارِ وَالغَيثِ العَمِيمِ ، اللَّهُمَّ لا تَحرِمْنا خَيرَ مَا عِندَكَ بِسُوءِ ما عِندَنَا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا ، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا سَحًّا غَدقًا طَبَقًا عَامًّا وَاسِعًا مُجَلِّلاً ، نَافِعًا غَيرَ ضَارٍّ ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ سُقيَا رَحمَةٍ لا سُقيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ . اللَّهُمَّ اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانشُرْ رَحمَتَكَ ، وَأَحيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُبَارَكًا ، تُحيِي بِهِ البَلادَ ، وَتَسقِي بِهِ العِبَادَ ، وَتَجعَلُهُ بَلاغًا لِلحَاضِرِ وَالبَادِ . اللَّهُمَّ أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَهُ قُوَّةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلاغًا إِلى حِينٍ . اللَّهُمَّ أَنبِتْ لَنَا الزَّرعَ ، وَأَدِرَّ الضَّرعَ ، وَاسقِنَا مِن بَرَكَاتِكَ ، وَأَنزِلْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخرِجْ لَنَا مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ . اللهم أخرج في أرضنا زينتَها ، وأتمم فيها حلَّتها . اللَّهُمَّ إِنَّ بِالعِبَادِ وَالبِلادِ مِن اللَّأوَاءِ وَالجَهدِ وَالضَّنكِ مَا لا نَشكُوهُ إِلاَّ إِلَيكَ . اللَّهُمَّ فَارفَعِ الجَهدَ وَالقَحطَ وَالجَفَافَ عَن بِلادِنَا ، وَاكشِفْ عَنَّا مِنَ الضُّرِّ مَا لا يَكشِفُهُ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ ارحَمِ الشُّيُوخَ الرُّكَّعَ وَالبَهَائِمَ الرُّتَّعَ وَالأَطفَالَ الرُّضَّعَ ، اللَّهُمَّ أَسبِغِ النِّعَمَ وَادفَعِ النِّقَمَ . اللَّهُمَّ يَا أَكرَمَ مَسؤُولٍ وَيَا أَعظَمَ مَأمُولٍ ، قَد دَعَونَاكَ كَمَا أَمَرتَنَا ، فَاستَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدتَنَا ، وَلا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ ، وَلا مِن رَحمَتِكَ مَحرُومِينَ ، وَلا عَن بَابِكَ مَطرُودِينَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، لَقَد كَانَ مِن سُنَّةِ نَبِيِّكُم بَعدَمَا يَستَغِيثُ رَبَّهُ أَن يَقلِبَ رِدَاءَهُ ، فَاقلُبُوا أَردِيَتَكُمُ اقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَتَفَاؤُلاً أَن يَقلِبَ اللهُ حَالَكُم مِنَ الشِّدَّةِ إِلى الرَّخَاءِ وَمِنَ القَحطِ إِلى الغَيثِ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ شِعَارًا وَعَهدًا تَأخُذُونَهُ عَلَى أَنفُسِكُم بِتَغيِيرِ لِبَاسِكُمُ البَاطِنِ إِلى لِبَاسِ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى بَدَلاً مِن لِبَاسِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي " سُبحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ . وَالحَمدُ للهِ رَبّ العَـالمِينَ "
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، المَطَرُ نِعمَةٌ مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ ، وَهِبَةٌ مِن هِبَاتِهِ الوَاسِعَةِ ، وَهُوَ أَصلُ الحَيَاةِ وَجِماعُ الرِّزقِ وَالبَرَكَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَفي السَّمَاء رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ " يَنزِلُ المَطَرُ فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً ، وَتُخرِجُ أَزوَاجًا مِن نَبَاتٍ شَتَّى ، وَتَمتَلِئُ الآبَارُ وَتَجرِي الأَنهَارُ ، وَيَشرَبُ النَّاسُ وَيَرتَوُونَ ، وَيَزرَعُونَ وَيَرعَونَ أَنعَامَهُم ، وَتَتَنَوَّعُ الثَّمَرَاتُ وَتَكثُرُ الخَيرَاتُ وَتُفتَحُ البَرَكَاتُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَأَنبَتَت مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَلَم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَجعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لأُولي الأَلبَابِ " وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبنَا المَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقنَا الأَرضَ شَقًّا . فَأَنبَتنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضبًا . وَزَيتُونًا وَنَخلاً . وَحَدَائِقَ غُلبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُم "
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، قَد نَغفَلُ كَثِيرًا عَن أَهمِيَّةِ المَطَرِ ، وَنَنسَى ضَرُورَةَ نَزُولِهِ عَلَينَا ؛ لأَنَّ المَاءَ العَذبَ صَارَ يَصِلُ إِلَينَا في بُيُوتِنَا دُونَ عَنَاءٍ ، عَن طَرِيقِ مَشرُوعَاتِ المِيَاهِ أَوِ الشَّاحِنَاتِ الَّتي تَنقُلُهُ إِلينَا ، فَتَمتَلِئُ بِهِ خَزَّانَاتُنَا ، ثم لا نَحتَاجُ في تَحصِيلِهِ وَتَوفِيرِهِ في أَيَّةِ سَاعَةٍ مِن لَيلٍ أَو نَهَارٍ ، إِلاَّ إِلى فَتحِ الصُّنبُورِ ، فَيَتَدَفَّقُ المَاءُ إِلَينَا عَذبًا نَقِيًّا ، وَنَنسَى بَعدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لا غِنى لَنَا عَنِ الغَيثِ بِأَيَّةِ حَالٍ ، إِذْ عَلَيهِ تَقُومُ حَيَاتُنَا في جَوَانِبَ أُخرَى مُهِمَّةٍ ، فَالزُّرُوعُ وَالأَشجَارُ المُثمِرَةُ لا تَنمُو إِلاَّ بِنُزُولِهِ ، وَالخَضرَاوَاتُ وَالفَوَاكِهُ اللَّذِيذَةُ لا تَكثُرُ وَيَرخَصُ ثَمَنُهَا إِلاَّ بِكَثرَتِهِ ، وَالأَنعَامُ وَالدَّوَابُّ لا تَسمَنُ إِلاَّ بِبَرَكَتِهِ ، وَتَصَوَّرُوا رَعَاكُمُ اللهُ لَو أَنَّ الغَيثَ لم يَنزِلْ ، فَجَفَّتِ الآبَارُ وَتَوَقَّفَتِ الأَنهارُ ، وَلم يَبقَ إِلاَّ المَاءُ الَّذِي يُحَلَّى مِنَ البِحَارِ ، وَلا يَكَادُ يَكفِي لِسُقيَا النَّاسِ في المُدُنِ ، تَصَوَّرُوا لَو أَنَّ هَذَا المَاءَ استُخدِمَ في رَيِّ المَزرُوعَاتِ وَسَقيِ المَوَاشِي ، فَمَا الَّذِي سَيَحدُثُ ؟! إِنَّهُ سَيَتَوَقَّفُ عَنِ المَنَازِلِ أَو يَشِحُّ كَثِيرًا ، وَسَيُحرَمُ مِنهُ مَن هُم في أَمَسِّ الحَاجَةِ إِلَيهِ ، وَلَوِ اقتُصِرَ بِهِ عَلَى النَّاسِ ، فَسَتَمُوتُ المَوَاشِي وَتَيبَسُ الأَشجَارُ ، وَسَتَقِلُّ اللُّحُومُ وَتَفسُدُ الثِّمَارُ ، وَسَتَرتَفِعُ الأَسعَارُ ، وَسَيكُونُ النَّاسُ في بَلاءِ عَظِيمٍ ، فَالحَمدُ للهِ الَّذِي يُنَزِّلُ هَذَا المَطَرَ بِقَدَرٍ ، وَيُصَرِّفُهُ كَيفَ يَشَاءُ بِحَسَبِ حَاجَةِ العِبَادِ وَالبِلادِ ، الحَمدُ للهِ حَمدًا كَثِيرًا ، وَالشُّكرُ لَهُ شُكرًا دَائِمًا ، لا يَكفِي أَن نَقُولَ ذَلِكَ بِأَلسِنَتِنَا ، بَينَمَا القُلُوبُ لاهِيَةٌ غَافِلَةٌ ، وَالجَوَارِحُ مَشغُولَةٌ في المَعَاصِي وَمَا لا يُحِبُّهُ اللهُ وَلا يَرضَاهُ ، نَعَم ، إِنَّ الشُّكرَ لا بُدَّ أَن يَكُونَ بِالقَلبِ اعتِرَافًا بِالنِّعمَةِ ، وَإِقرَارًا بِأَنَّهَا مِن عِندِ اللهِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ابتَدَأَنَا بها ، وَهُوَ الَّذِي يُقِرُّهَا فِينَا ، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَنزَعَهَا مِنَّا وَيُحَوِّلَهَا إِلى غَيرِنَا ، وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ بِكَثرَةِ الحَمدِ وَالثَّنَاءِ ، وَدَوَامِ الشُّكرِ وَالذِّكرِ ، وَيَكُونُ بِبَقِيَّةِ الجَوَارِحِ ، بِتَسخِيرِهَا فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ ، وَعَدَمِ استِعمَالِهَا فِيمَا يُسخِطُهُ وَيَأبَاهُ ، نُطِيِّبُ أَلسِنَتَنَا وَنَقرَأُ القُرآنَ ، وَنَذكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ الأَحيَانِ ، وَنَنصَحُ وَنَأمُرُ بِالمُعرُوفِ وَنَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَنَحفَظُهَا مِنَ الغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ وَقَولِ الزُّورِ ، وَنَجتَنِبُ اللَّعنَ وَالسَّبَّ وِالشَّتمَ ، وَالاستِهزَاءَ وَالهَمزَ وَاللَّمزَ ، وَلا نَشتَغِلُ بالغِنَاءِ وَتَردِيدِ الفُحشِ وَالخَنَا ، وَعَلَى هَذَا بَقِيَّةُ الجَوَارِحِ ، فَاليَدُ الشَّاكِرَةُ تَبذُلُ وَتُنفِقُ ، وَتَكتُبُ مَا يَنفَعُ وَتُعطِي ، وَالرِّجلُ الشَّاكِرَةُ تَمشِي إِلى المَسَاجِدِ لأَدَاءِ الصَّلاةِ ، أَو لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَو زِيَارَةِ المَرِيضِ ، أَو لِلدَّعوَةِ إِلى اللهِ أَو طَلَبِ العِلمِ وَالرِّزقِ ، وَالعَينُ الشَّاكِرَةُ لا تَنظُرُ إِلاَّ فِيمَا أَحَلَّهُ اللهُ ، وَالأُذُنُ الشَّاكِرَةُ لا تَسمَعُ إِلاَّ المُبَاحَ وَالجَمِيلَ مِنَ القَولِ ، وَأَمَّا أَن تَضرِبَ اليَدُ أَو تَسفِكَ دَمًا حَرَامًا ، أَو تَسرِقَ أَو يَأخُذَ صَاحِبُهَا مَا لا يَحِلُّ لَهُ ، أَو تَكتُبَ كَلامًا قَبِيحًا في وَرَقَةٍ أَو في جَوَّالٍ أَو عَلَى جِدَارٍ ، أَو تَمشِيَ الرِّجلُ إِلى مَكَانٍ تُفعَلُ فِيهِ الفَوَاحِشُ أَو يُعصَى فِيهِ اللهُ ، أَو تَنظُرَ العَينُ إِلى المَشَاهِدِ المُحَرَّمَةِ وَمَقَاطِعِ الفَاحِشَةِ ، أَو تَستَمِعَ الأُذُنُ إِلى الغِنَاءِ وَالخَنَا ، فَمَا شَكَرَ اللهَ ـ سُبحَانَهُ ـ حَقَّ الشُّكرِ مَن فَعَلَ ذَلِكَ .
إِنَّ مِن تَمَامِ رَحمَةِ رَبِّنَا بِنَا أَن أَخبَرَنَا بما تَتَوسَّعُ بِهِ أَرزَاقُنَا أَو تَضِيقُ ، وَمَا تَصلُحُ بِهِ المَعَايِشُ أَو تَفسُدُ ، وَمَا تَقَرُّ بِهِ النِّعَمُ أَو تَفِرُّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بما كَانُوا يَكسِبُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَلَّوِ استَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسقَينَاهُم مَاءً غَدَقًا " نَعَم ـ أَيُّهَا الإِخوَةُ ـ بِالإِيمَانِ وَالتَّقوَى وَالشُّكرِ وَالاستِقَامَةِ ، تُفتَحُ البَرَكَاتُ وَتَحصُلُ الزِّيَادَةُ ، وَبِالكُفرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ ، يَشتَدُّ العَذَابُ وَتَعظُمُ المَصَائِبُ " ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ " فَلْنُؤمِنْ بِهِ إِيمَانَ الصَّادِقِينَ ، وَلْنَتَّقِهِ حَقَّ تَقوَاهُ ، وَلْنَشكُرْهُ وَلْنَحذَرْ كُفرَ نِعمَتِهِ ، لِنَعُدْ إِلى وَاقِعِنَا وَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا ، وَلْنُفَتِّشْ عَمَّا تَشتَمِلُ عَلَيهِ دَوَاخِلُنَا ، وَلْنُصَحِّحِ المَسَارَ وَلْنُكثِرِ الاستِغفَارَ ، وَلْنَحذَرِ الإِصرَارَ وَالإِدبَارَ ، إِنَّهُ مَا مِنَّا مِن أَحَدٍ إِلاَّ وَهُوَ مُذنِبٌ مُتَجَاوِزٌ ، وَكُلُّ بَني آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ، فَالتَّوبَةَ التَّوبَةَ ، وَالأَوبَةَ الأَوبَةَ ، لِنَقُلْ كَمَا قَالَ الأَبَوَانِ : " رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لم تَغفِرْ لَنَا وَتَرحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ " وَلْنَقتَدِ بِالأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ ، فَهَذَا نُوحٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا . وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا " وَهُودٌ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ يَقُولُ : " وَيَا قَومِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا وَيَزِدْكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم وَلا تَتَوَلَّوا مُجرِمِينَ " وَقَد أَمَرَ ـ تَعَالى ـ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ أمرًا عَامًّا فَقَالَ : " وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وقال ـ تعالى ـ : " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ "
لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ غِيَاثُ المُستَغِيثِينَ وَرَاحِمُ المُستَضعَفِينَ ، وَمُجِيبُ المُضطَرِّينَ وَجَابِرُ المُنكَسِرِينَ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرشِ الكَرِيمِ . نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهَ ، نَستَغفِرُ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ . اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ ، أَنتَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ ، أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ وَلا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ . اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا ، اللَّهُمَّ اسقِنَا وَأَغِثْنا ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلقٌ مِن خَلقِكَ ، فَلا تَمنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضلَكَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا وَأَروَاحَنَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ ، وَبِلادَنَا بِالخَيرَاتِ وَالأَمطَارِ وَالغَيثِ العَمِيمِ ، اللَّهُمَّ لا تَحرِمْنا خَيرَ مَا عِندَكَ بِسُوءِ ما عِندَنَا . اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنتَ غَفَّارًا ، فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا سَحًّا غَدقًا طَبَقًا عَامًّا وَاسِعًا مُجَلِّلاً ، نَافِعًا غَيرَ ضَارٍّ ، عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ سُقيَا رَحمَةٍ لا سُقيَا عَذَابٍ وَلا بَلاءٍ وَلا هَدمٍ وَلا غَرَقٍ . اللَّهُمَّ اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانشُرْ رَحمَتَكَ ، وَأَحيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنا غَيثًا مُبَارَكًا ، تُحيِي بِهِ البَلادَ ، وَتَسقِي بِهِ العِبَادَ ، وَتَجعَلُهُ بَلاغًا لِلحَاضِرِ وَالبَادِ . اللَّهُمَّ أَنزِلْ عَلَينَا الغَيثَ ، وَاجعَلْ مَا أَنزَلتَهُ قُوَّةً لَنَا عَلَى طَاعَتِكَ وَبَلاغًا إِلى حِينٍ . اللَّهُمَّ أَنبِتْ لَنَا الزَّرعَ ، وَأَدِرَّ الضَّرعَ ، وَاسقِنَا مِن بَرَكَاتِكَ ، وَأَنزِلْ عَلَينَا مِن بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخرِجْ لَنَا مِن بَرَكَاتِ الأَرضِ . اللهم أخرج في أرضنا زينتَها ، وأتمم فيها حلَّتها . اللَّهُمَّ إِنَّ بِالعِبَادِ وَالبِلادِ مِن اللَّأوَاءِ وَالجَهدِ وَالضَّنكِ مَا لا نَشكُوهُ إِلاَّ إِلَيكَ . اللَّهُمَّ فَارفَعِ الجَهدَ وَالقَحطَ وَالجَفَافَ عَن بِلادِنَا ، وَاكشِفْ عَنَّا مِنَ الضُّرِّ مَا لا يَكشِفُهُ غَيرُكَ . اللَّهُمَّ ارحَمِ الشُّيُوخَ الرُّكَّعَ وَالبَهَائِمَ الرُّتَّعَ وَالأَطفَالَ الرُّضَّعَ ، اللَّهُمَّ أَسبِغِ النِّعَمَ وَادفَعِ النِّقَمَ . اللَّهُمَّ يَا أَكرَمَ مَسؤُولٍ وَيَا أَعظَمَ مَأمُولٍ ، قَد دَعَونَاكَ كَمَا أَمَرتَنَا ، فَاستَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدتَنَا ، وَلا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ ، وَلا مِن رَحمَتِكَ مَحرُومِينَ ، وَلا عَن بَابِكَ مَطرُودِينَ .
أَيُّهَا الإِخوَةُ ، لَقَد كَانَ مِن سُنَّةِ نَبِيِّكُم بَعدَمَا يَستَغِيثُ رَبَّهُ أَن يَقلِبَ رِدَاءَهُ ، فَاقلُبُوا أَردِيَتَكُمُ اقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَتَفَاؤُلاً أَن يَقلِبَ اللهُ حَالَكُم مِنَ الشِّدَّةِ إِلى الرَّخَاءِ وَمِنَ القَحطِ إِلى الغَيثِ ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ شِعَارًا وَعَهدًا تَأخُذُونَهُ عَلَى أَنفُسِكُم بِتَغيِيرِ لِبَاسِكُمُ البَاطِنِ إِلى لِبَاسِ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى بَدَلاً مِن لِبَاسِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي " سُبحَـانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ . وَالحَمدُ للهِ رَبّ العَـالمِينَ "
المرفقات
استسقاء للمدارس.doc
استسقاء للمدارس.doc
استسقاء للمدارس.pdf
استسقاء للمدارس.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق