خطبة استسقاء
إبراهيم بن صالح العجلان
هل حديثٌ أحسن من الحديث عن الله - جل جلاله - وتقدَّست أسماؤه؟! وهل مجلسٌ أروع وأزكى من مجلسٍ يعظَّم فيه الخالِقُ سبحانه؟! وهل ثَمَّة علمٌ أشْرفُ منَ العلم بأسماء الله وصفاته؟!
نقف مع اسم عظيم من أسماء الله العظيم ، اسم نعت به سبحانه نفسه لمن سأل عنه وطلب منه
وكلنا خرجنا نطلب ونسأل ..... مع اسم الله القريب .
فهو - سبحانه - قريبٌ من عباده حقيقة ، كما يليق بجلاله وعظمته، ؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "هو العليُّ في دنوِّه، القريب في علوِّه".
هذا القُرْبُ الإلهي قد شمل كل مخلوق، ووسع كل مرْبوب؛ فهو - سبحانه - ، مطَّلع على أحوالهم، مشاهدٌ لحركاتهم وسكناتهم، لا يخْفى عليه شيءٌ مِن شأن خلقِه، سرُّهم عنده علانية، وغيْبُهم عنده شهادة؛ {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}
هو - جلَّ في عُلاه - قريبٌ من خلقه ومخلوقاته {يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}
يهدي خلقه في ظلمات البرِّ والبحر، ويرسل الرياح مبشرات، وينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته،
ملك السمع والأبصار والأفئِدة ، ويُرسل على عباده حَفَظة، كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون.
هذا هو القُرب العام، قُرْب العلْم والإحاطة، هذا القُرْب عامٌّ لكلِّ خلْق ومخلوق، من أنس وجان، ومسلمٍ وكافر.
وقربٌ آخر خاص، خصَّه الله لأوليائه وأصفيائه ، هذا القُرْب الخاص، يقْتضي الحِفْظ والتوفيق، والعناية والتسديد.
فالله تعالى قريبٌ من عبادِه المؤمنين، يسْمع شَكْوَاهم، ويجيب دعْواهم، يحفظهم بعنايتِه، ويكلؤهم برعايتِه.
"يا رسول الله! أقريبٌ ربُّنا فنناجيه؟ أم بعيدٌ فنناديه؟".
بهذه الكلمات يسألُ الصحابةُ رسولَهم - صلى الله عليه وسلم - ,,,, سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أجاب ، فأجاب الله من فوق سبع سموات، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
وكلما كان العبد منقادًا لأوامر الله، مستجيبًا لداعي الهُدى، ازْداد اللهُ قربًا منه وإليه؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم وغيره، يقول الله - عزَّ وجلَّ -: ((إذا تقرَّب عبدي مني شبرًا، تقرَّبْت منه ذراعًا، وإذا تقرَّب مني ذراعًا، تقرَّبْت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة)).
أما أسعد الناس حظاً بالقرب من الله فهم أهْل التوبة والاستغفار، والإنابة والافتقار؛ فهذا نبي الله صالح - عليه السلام - يدعو قومه ناصحًا وموجِّهًا: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}
وإذا أسدل الليلُ غُبْسه فهذا أوان القرب الإلهي : جاء عند التِّرمذي والنَّسائي والحاكم، وهو حديثٌ صحيح: ((أقرب ما يكون الربُّ من عبده في جوف الليل الآخر؛ فإنِ استطعْتَ أن تكون ممن يذْكُر الله في تلك الساعة، فكُنْ)).
عبادة السجود: السجودُ في الصلاة، سجود الشكر، سجود التِّلاوة موطن من مواطن القرب من الله كما صح بذلكم الخبر عن سيد البشر .
يا من خرجتم تطلبون الغيث تيقنوا أنكم تطلبون رباً قريباً ، يسمع دعاء الداعين ، ويرحم تضرعات المتضرعين ، ويحب ثناء المادحين .
فسبحان الله القريب المجيب .. سبحانه من إله رب كريم رحيم
سبحان من خلق الإنسان وقوَّمه، وبدأ الكون ونظَّمه، وصور النبات وجمَّله، وأوجد الحيوان وسخَّره، أنشأ السماء وبناها: ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾
أعطى ومنع، رفع ووضع، خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، أضحك وأبكى، أمات وأحيا، أسْعد وأشْقى، بديع السموات والأرض، مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا، ما خاب من دعاه، ما تعنَّى من رجاه، كل ما يجري في الكون فبنِعمه ومن نعمه؛ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾
عمَّ بِرُّه، واتَّصل خيرُه، وكمُل عطاؤه، وتمَّت نوافله، وعمَّت فواضله، وعزَّ سلطانه، وبَرَّ قَسَمُه، وجلَّ ثناؤه، وعظُم جاهه، وتقدَّست أسماؤه، فلا إله غيره.
في السماء مُلْكُه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر عظمته، وفي الجبال قوَّته، وفي الكون والخَلْق قدرته، وفي الشرائع حِكمته، وفي الجنة رحمته، وفي النار سطوته.
يعلم ما في الأرحام، وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت، ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون.
وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَسَامِعٌ لِلجَهْرِ وَالإِخْفَاتِ بِسَمْعِـهِ الوَاسِـعِ لِلأَصْوَاتِ
سبحانك من إلهٍ رب عظيم، رؤوف جواد كريم، ألْسِنتُنا سبَّحت في علاك، ورؤوسنا ما سجدتْ لأحد سواك، أنت ترانا ولا نراك، ولا نعبد إلا إيَّاك!
يَا مَنْ يَرَى مَـدَّ البَعُوضِ جَنَاحَهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيمِ الأَلْيَـلِ
وَيَرَى نِيَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَـا وَالمُخَّ فِي تِلْكَ العِظَامِ النُّحَّـلِ
وَيَرَى وَيَسْمَعُ حِسَّ مَا هُوَ دُونَهَا فِي قَاعِ بَحْـرٍ مُظْلِـمٍ مُتَهَـوِّلِ
امْنُنْ عَلينا بِتَـوْبَةٍ تَمْحُـو بِهَا مَا كَانَ مِنَّا فِي الزَّمَـانِ الأَوَّلِ
اللهم يا حي يا قيوم ، يا من بيده خزائن السموات والأرض ، يا من يصيب برحمته من يشاء من عباده ، يا من ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ...... دعـــــــــا ء
المشاهدات 5340 | التعليقات 6
شكر الله لكم ـ شيخ إبراهيم ـ هذه الكلمات المباركة والعبارات النيرة .
واسمح لي ـ أخي الكريم ـ بتساؤلين :
الأول :
قولكم ـ وفقكم الله ـ :
نقف مع اسم عظيم من أسماء الله العظيم ، اسم نعت به سبحانه نفسه لمن سأل عنه وطلب منه وكلنا خرجنا نطلب ونسأل ..... مع اسم الله القريب .
لا أدري ـ أخي الكريم ـ هل (القريب) اسم من أسماء الله ؟
نعلم أن أسماء الله ـ تعالى ـ توقيفية ، لا سبيل للعلم بها إلا النص ، ومن القواعد أن ثمة فرقًا بين الأسماء والصفات ، إذ باب الصفات أوسع ، وكل اسم من أسمائه الحسنى متضمن لصفة ، وليس كل صفة متضمنة لاسم .
فلو أفدتنا أو أفادنا من لديه علم من الإخوة ، هل (القريب) من أسماء الله أم هو صفة من صفاته فقط ؟
الثاني :
قولكم : في السماء مُلْكُه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر عظمته، وفي الجبال قوَّته، وفي الكون والخَلْق قدرته، وفي الشرائع حِكمته، وفي الجنة رحمته، وفي النار سطوته.
ما أدري عن شرعية هذه العبارات ، ولا سيما : ( في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه ) !! خاصة إذا علمنا أن أهل التعطيل ينكرون كون الله بذاته في السماء ويفسرون معناها أن في السماء ملكه وسلطانه ونحو ذلك ؟!
تساؤلان للاستفادة ، ولا أدعي علمًا في هذا المجال ، بل هما أمران استنكرتهما فسألت ، وقد يكون جهلي هو منشأ إنكاري ، والله المستعان .
حيال الله يا شيخ عبدالله .... وأثابك على جهودك الملموسة ,,, وأرى أن لله فتح عليك باب المنبر فزادك ربي علما وعملاً
أما السؤال الأول :
(( لا أدري ـ أخي الكريم ـ هل (القريب) اسم من أسماء الله ؟
نعلم أن أسماء الله ـ تعالى ـ توقيفية ، لا سبيل للعلم بها إلا النص ، ومن القواعد أن ثمة فرقًا بين الأسماء والصفات ، إذ باب الصفات أوسع ، وكل اسم من أسمائه الحسنى متضمن لصفة ، وليس كل صفة متضمنة لاسم .
فلو أفدتنا أو أفادنا من لديه علم من الإخوة ، هل (القريب) من أسماء الله أم هو صفة من صفاته فقط))
أعتقد هذا الاسم ورد صراحة في قوله ( إن ربي سميع قريب ) وقوله ( إن ربي قريب مجيب ) ..
وابن القيم أورد هذا الاسم في نونيته في مواضع منها :
ـ فيقول هل من سائل فأجيبه ... فأنا القريب أجيب من ناداني
وأيضاً في قوله :
ـ وهو القريب وقربه المختص بالد ... اعي وعابده على الإيمان
وقد نص على هذا الاسم علماء وباحثون ، وممن وقفت عليه :
ـ علوي السقاف في صفات الله
ـ محمد الحسن الددو في سلسة الأسماء والصفات
ـ سعيد بن وهف في أسماء لله الحسنى
ـ سلمان العودة في مع الله
ـ كاملة الكوراني في شرح القواعد المثلى لابن عثيمين
وأم السؤال الثاني
فلا شك يا شيخ أن هذا الوصف صحيح ... فالله ملكه في السماء وملكه في الأرض , والملك والسلطان معنيان متقاربان . ولا يعني ذلك نفي ذات الله عن أن تكون في السماء فالله في السماء ذاته وملكه , وذكر بعض الأفراد لا يعني نفي الغير .
ومنكم نستفيد
في الصحيحين وغيرهما : " فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع " وأنت ـ أخي الشيخ إبراهيم ـ أحلتني لا إلى مليء واحد فحسب ، بل إلى أعمدة ، فلعل الله أن ييسر لي الاطلاع على ما يمكنني لأستفيد ،، ولا حرمك الله أجر الدلالة على الخير .
وأما العبارة فليس نقدي إياها من باب أن ذكر بعض الأفراد ينفي غيرها ، ولكني استنكرت العبارة بناء على أنها من عبارات بعض من ضلوا .
وللفائدة فقد ورد مثل هذا الكلام أو قريبًا منه في حديث موضوع ، قال ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات) :
باب في الدعاء عشية عرفة
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك أنبأنا ابن المظفر أنبأنا العتيقي حدثنا ابن الدخيل حدثنا العقيلى حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي حدثنا عزرة بن قيس اليحمدى حدثتني أم الفيض مولاة عبدالملك بن مروان قالت : سمعت عبدالله بن مسعود يقول : ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفات بهذه الدعوات - وهى عشر كلمات - ألف مرة ، إلا لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أو مأثم : سبحان الذي في السماء عرشه ، سبحان الذى في الأرض موطئه ، سبحان الذى في البحر سبيله ، سبحان الذى في السماء سلطانه ، سبحان الذى في الجنة رحمته ، سبحان الذى في القبور قضاؤه ، سبحان الذى في الهواء روحه ، سبحان الذى رفع السماء ، سبحان الذى وضع الأرض ، سبحان الذى لا منجا ولا ملجا منه إلا إليه .
قالت أم الفيض : فقلت لعبد الله بن مسعود : عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت [ قال ] : نعم .
أنبأنا به ابن ناصر أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد حدثنا ابن أبى الفوارس حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن عبدالله بن رميثة حدثنا عبد السلام بن عمر الخشني حدثنا عرزة بن ثابت بن قيس فذكر نحوه .
هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعلى كل حال ـ أخي الكريم ـ فنحن نريد الفائدة ، وأن يكون في ملتقانا حراك علمي ونقاش هادف ، جزاك الله خيرًا وزادنا وإياك وجميع الإخوة علمًا ورزقنا فهمًا .
اليوم وبفضل الله نزلت أمطار متفرقة كما قرأنا في بعض المواقع المهتمة بذلك فعسى أن يكون ذلك إجابة من الله لعباده ونسأله ألا يحرمنا من فضله بسبب ذنوبنا وتقصيرنا .
إبراهيم بن صالح العجلان
للرفع .... بمناسبة صلاة الاستسقاء بعد غد
نسأل الله أن يعم بالبوابل الصيب الطيب بلادنا , وأن يملأ قلوبنا باليقين والتوكل
تعديل التعليق