خطبة : ( اختموا شهر الخير بخير ما تجدون )
عبدالله البصري
اختموا شهر الخير بخير ما تجدون 28/ 9/ 1443
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَيَّامٌ مَعدُودَاتٌ وَلَيَالٍ نَيِّراتٌ ، ذَهَبَت وَتَصَرَّمَت وَكَأَنَّمَا هِيَ سَاعَاتٌ ، وَهَكَذَا ارتَحَلَت خَيرُ لَيَالي العَامِ وَوَلَّى شَهرُ رَمَضَانَ ، صَامَ مَن صَامَ وَقَامَ مَن قَامَ ، وَأَنفَقَ مَن أَنفَقَ وَتَصَدَّقَ مَن تَصَدَّقَ ، وَفَطَّرَ الصَّائِمِينَ مَن فَطَّرَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ مَن أَطعَمَ ، وَتَلا كِتَابَ اللهِ مَن تَلاهُ وَاعتَمَرَ مَنِ اعتَمَرَ ، فَيَا لَهُ مِن مَوسِمٍ مَا أَعظَمَ أَثَرَهُ عَلَى القُلُوبِ زِيَادَةً في الإِيمانِ وَتَحقِيقًا لِلتَّقوَى " يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، شَهرُ رَمَضَانَ وَإِن هُوَ انقَضَى وَانتَهَى ، فَسَيَعُودُ حَتمًا أَعوَامًا عَدِيدَةً وَأَزمِنَةً مَدِيدَةً ، وَسَيَصُومُهُ المُسلِمُونَ وَيَقُومُونَهُ إِلى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيها ، وَلَكِنَّهُ يَومًا مَا سَيَعُودُ وَأَحَدُنَا غَيرُ مَوجُودٍ ، نَعَم وَاللهِ ، لَيَأتِيَنَّ رَمَضَانُ عَلَى أَحَدِنَا يَومًا وَهُوَ في قَبرِهِ مَرهُونٌ بِعَمَلِهِ ، لا يَستَطِيعُ زِيَادَةً في حَسَنَاتِهِ وَلا نَقصًا مِن سَيِّئَاتِهِ ، وَهَا أَنتُم تَرَونَ الَّذِينَ حَولَكُم مِنَ الأَقَارِبِ وَالإخوَانِ وَالجِيرَانِ ، يَتَناقَصُونَ سَنَةً بَعدَ سَنَةٍ وَيَرحَلُونَ عَامًا بَعدَ عَامٍ ، وَتَخلُو بُيُوتُهُم مِنهُم وَيَنتَقِلُونَ عَن مَسَاكِنِهِم ، قَدِ استَدبَرُوا دَارَ العَمَلِ واستَقبَلُوا دَارَ الجَزَاءِ ، وَلم يَبقَ لأَحَدِهِم مِمَّا يَرجُوهُ لِنَجَاتِهِ ، إِلاَّ مَا يَكُونُ مِن صَدَقَةٍ لَهُ جَارِيَةٍ ، أَو عِلمٍ نَشَرَهُ يُنتَفَعُ بِهِ ، أَو دَعوَةٍ صَالِحَةٍ مِن وَلَدٍ أَو مُحِبٍّ .
أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد وَلَّى رَمَضَانُ هَذَا العَامَ بِمَا أَودَعنَاهُ فِيهِ ، وَسَيَجِدُ كُلٌّ مَا عَمِلَهُ عِندَ رَبِّهِ يَومَ يَلقَاهُ ، وَاللهُ وَحدَهُ يَعلَمُ مَن مِنَّا سَيُدرِكُ رَمَضَانَ القَادِمَ أَو مَا بَعدَهُ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَن نَنتَبِهَ لأَنفُسِنَا وَنُشَمِّرَ فِيمَا بَينَ أَيدِينَا مِن مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ، وَأَن نَغتَنِمَ أَسوَاقِ التَّزَوُّدِ مِن أَعمَالِ الآخِرَةِ ، فَإِنَّ للهِ تَعَالى أَوقَاتًا تَتَنَزَّلُ فِيهَا الرَّحمَةُ ، وَيُرجَى فِيهَا العَفوُ وَالمَغفِرَةُ ، وَتُكتَسَبُ الحَسَنَاتُ وَتُكَفَّرُ السَّيِّئَاتُ ، وَتُرفَعُ الدَّرَجَاتُ وَتُقَالُ العَثَرَاتُ ، فَبَينَ أَيدِينَا سِتُّ شَوَّالٍ ، الَّتِي مَن صَامَهَا بَعدَ صِيَامِهِ رَمَضَانَ ، فَكَأَنَّمِا صَامَ الدَّهرَ كُلَّهُ ، وَبَينَ أَيدِينَا يَومُ عَرَفَةَ ، الَّذِي يُكَفِّرُ صِيَامَهُ سَنَتَينِ ، وَيَومُ عَاشُورَاءَ ، الَّذِي يُكَفِّرُ صِيَامُهُ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ ، وَثَلاثَةُ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ ، صَومُهَا يَعدِلُ صِيَامَ الدَّهرِ وَيُذهِبُ وَحَرَ الصَّدرِ ، وَخَيرُ الصِّيَامِ لِمَن أَطَاقَهُ صِيَامُ دَاوُدَ ، يَصُومُ يَومًا وَيُفطِرُ يَومًا .
وَبَينَ أَيدِينَا في كُلِّ يَومٍ الوُضُوءُ وَالصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، نَهرٌ جَارٍ يَغسِلُ الذُّنُوبَ وَيُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ وَيَرفَعُ الدَّرَجَاتِ ، وَصَلاةُ الجُمعَةِ الَّتي هِيَ مِنَ المُكَفِّرَاتِ ، وَالسُّنَنُ الرَّوَاتِبُ الَّتي يُبنَى بِهَا لِلعَبدِ بَيتٌ في الجَنَّةِ . وَكِتَابُ اللهِ في أَيدِينَا كُلَّ وَقتٍ وَحِينٍ ، كُلُّ حَرفٍ مِنهُ بِحَسَنَةٍ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا ، وَقِيَامُ اللَّيلِ مَشرُوعٌ في كُلِّ لَيلَةٍ عَلَى مَدَى العَامِ ، وَاللهُ تَعَالى يَنزِلُ كُلَّ يَومٍ في الثُّلُثِ الآخِرِ مِنَ اللَّيلِ فَيُنَادِي : هَل مِن سَائِلٍ فَيُعطَى ؟! هَل مِن دَاعٍ فَيُستَجَابَ لَهُ ؟! هَل مِن مُستَغفِرٍ فَيُغفَرَ لَهُ ؟! فَاللهَ اللهَ بِالتَّقَرُّبِ إِلى اللهِ والإِحسَانِ في كُلِّ حِينٍ ، وَلا يَكُنْ شَهرُ رَمَضَانَ هُوَ آخِرَ العَهدِ بِالطَّاعَةِ وَالإِحسَانِ ، فَالحَيَاةُ كُلُّهَا مَوسِمُ عِبَادَةٍ ، وَمَا دَامَتِ الرُّوحُ في الجَسَدِ فَبَابُ التَّعَبُّدِ مَفتُوحٌ ، قَالَ سُبحَانَهُ : " وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ " وَقَالَ تَعَالى : " مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثم إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ "
اللَّهُمَّ اختِمْ لَنَا شَهرَ رَمَضَانَ بِذَنبٍ مَغفُورٍ ، وَعَمَلٍ مُتَقَبَّلٍ مَبرُورٍ ، وَتِجَارَةٍ رَابِحَةٍ لا تَبُورُ ، وَاكتُبْ لَنَا الخَيرَ في جَمِيعِ الأُمُورِ ، إِنَّكَ غَفُورٌ شَكُورٌ ...
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَتُوبُوا إلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَا زَالَ في رَمَضَانَ بِقِيَّةٌ لاغتِنَامِ الخَيرِ وَاكتِسَابِ الأَجرِ ، وَكَم في البَقِيَّةِ البَاقِيَةِ مِنهُ مِنَ الفُرَصِ لِلتَّعَبُّدِ والتَّقَرُّبِ ، إِمَّا بِرَكعَةٍ في خُشُوعٍ ، أَو سَجدَةٍ وَدُمُوعٍ ، أَو دَعوَةٍ صَادِقَةٍ ، أَو قِراءَةِ جُزءٍ مِن كِتابِ اللهِ أَو صَفحَةٍ أَو آيَةٍ ، أَو بَذلِ صَدَقَةٍ لِوَجهِ اللهِ خَالِصَةٍ ، أَو إِعَانَةِ مُحتَاجِ أَو تَفرِيجِ كُربَةِ مَكرُوبٍ .
وَبَقِيَ مِمَّا يُختَمُ بِهِ رَمَضَانُ التَّكبِيرُ ، وَهُوَ يُشرَعُ مِن غُرُوبِ الشَّمسِ لَيلَةَ العِيدِ إِلى صَلاةِ العِيدِ . وَبَقِيَت زَكَاةُ الفِطرِ ، وَهِيَ صَاعٌ مِن بُرٍّ أَو تَمرٍ أَو شَعِيرٍ ، أَو أَرُزٍّ أَو غَيرِهِ مِمَّا هُوَ مِن قُوتِ البَلَدِ ، وَتَجِبُ بِغُرُوبِ شَمسِ لَيلَةِ العِيدِ ، وَأَفضَلُ وَقتٍ لإِخرَاجِهَا بَعدَ فَجرِ يَومِ العِيدِ قَبلَ صلاةِ العِيدِ ، وَيَجُوزُ قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ .
وَخِتامُ رَمَضَانَ هُوَ العِيدُ ، فَوَسِّعُوا عَلَى أَهلِيكُم وَأَبنَائِكُم فِيهِ ، وَافرَحُوا وَأَشِيعُوا الفَرَحَ ، وَاحرِصُوا عَلَى الاغتِسَالِ فِيهِ وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ بِأَجمَلِ المَلابِسِ في حُدُودِ المَشرُوعٍ ، وَاشهَدُوا صَلاةَ العِيدِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّعَائِرِ العَظِيمَةِ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ يُسَنُّ أَكلُ تَمَرَاتٍ قَبلَ الخُرُوجِ لِلصَّلاةِ ، في الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطرِ صَاعًا مِن تَمرٍ أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ , عَلَى العَبدِ وَالحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنثَى وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسلِمِينَ , وَأَمَرَ بِهَا أَن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاةِ . وَعَن أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَت : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخرِجَهُنَّ في الفِطرِ وَالأَضحَى ، العَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَعتَزِلنَ الصَّلاةَ وَيَشهَدنَ الخَيرَ وَدَعوَةَ المُسلِمِينَ . قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِحدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلبَابٌ . قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُختُهَا مِن جِلبَابِهَا . وَعِندَ البُخَارِيِّ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَغدُو يَومَ الفِطرِ حَتى يَأكُلَ تَمَرَاتٍ ، وَيَأكُلُهُنَّ وِترًا...
المرفقات
1651155897_اختموا شهر الخير بخير ما تجدون.pdf
1651155904_اختموا شهر الخير بخير ما تجدون.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق