خطبة : ( إنه كان صادق الوعد )
عبدالله البصري
1435/07/10 - 2014/05/09 08:02AM
إنه كان صادق الوعد 10 / 7 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعِبَادِهِ خَيرًا ، أَلزَمَهُم طَرِيقَ المُهتَدِينَ ، وَوَفَّقَهُم لاقتِفَاءِ آثَارِ الصَّالِحِينَ ، وَحَبَّبَ إِلَيهِمُ الاستِقَامَةَ عَلَى كُلِّ وَصفٍ جَمِيلٍ ، وَالصَّبرَ عَلَى كُلِّ خُلُقٍ نَبِيلٍ ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِم غَيرَ ذَلِكَ ، وَكَلَهُم إِلى أَنفُسِهِمُ الضَّعِيفَةِ ، وَحَبَّبَ إِلى كُلٍّ مِنهُم الانفِرَادَ بِرَأيِهِ ، وَأَلبَسَهُ الإِعجَابَ بما هُوَ عَلَيهِ ، دُونَ تَميِيزٍ لِمَا يَنفَعُهُ وَيَسُرُّهُ ، مِمَّا يَسُوءُهُ وَيَضُرُّهُ ، أَلا وَإِنَّ خَيرَ مَنِ اقتَدَت بِهِمُ الأُمَمُ وَتَأَسَّت بِأَخلاقِهِم ، مَن أُمِرَ نَبِيُّنَا بِالاقتِدَاءِ بِهَديِهِم مِن أَنبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ ، حَيثُ قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ لَهُ بَعدَ أَن ذَكَرَ جَمعًا مِنهُم : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِهْ "
وَقَد جُبِلَ أُولَئِكَ المُصطَفَونَ الأَخيَاَر عَلَى أَكمَلِ الأَخلاقِ وَأَعظَمِ الصِّفَاتِ ، وَالَّتِي هِيَ غَايَةُ مَا يُمكِنُ أَن يَكُونَ عَلَيهِ البَشَرُ ، أَلا وَإِنَّ مِن أَعظَمِ الصِّفَاتِ وَأَجَلِّهَا ، مَا امتَدَحَ اللهُ بِهِ أَبَا العَرَبِ إِسمَاعِيلَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ في حَقِّهِ : " وَاذكُرْ في الكِتَابِ إِسمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا "
أَجَل ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ كَانَ إِسمَاعِيلُ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ صَادِقَ الوَعدِ ، حتى وَهُوَ غُلامٌ وقَبلَ أَن يَكُونَ رَسُولاً نَبِيًّا ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ لأَبِيهِ : " سَتَجِدُني إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " صَبَرَ وَلم يَجزَعْ ، وَمَكَّنَ أَبَاهُ مِن رَقَبَتِهِ استِعدَادًا لِلذَّبحِ وَلَم يَهرُبْ ، فَفَدَاهُ اللهُ بِكَبشٍ عَظِيمٍ ؛ لأَنَّهُ ـ تَعَالى ـ يُحِبُّ هَذِهِ الصِّفَةَ العَظِيمَةَ ، وبها مَدَحَ نَفسَهُ فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَن يُخلِفَ اللهُ وَعدَهُ "
وَقَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " وَعدَ اللهِ لا يُخلِفُ اللهُ وَعدَهُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَعْدَ اللهِ لا يُخلِفُ اللهُ المِيعَادَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ اللهَ لَا يُخلِفُ المِيعَادَ "
وَقَد وَرِثَ العَرَبُ هَذِهِ الصِّفَةَ الجَمِيلَةَ مِن أَبِيهِم إِسمَاعِيلَ ـ عَلَيهِ السَّلامُ ـ وَصَارُوا يَتَمَدَّحُونَ بِهَا وَيَذُمُّونَ بِضِدِّهَا ، وَنُقِلَ فِيهِ عَنهُم مِن عَجَائِبِ الوَقَائِعِ وَغَرَائِبِ البَدَائِعِ ، مَا يُطرِبُ السَّامِعَ وَيُشَنِّفُ المَسَامِعَ ، حَتى كَانَ مِن أَمثَالِهِم أَن قَالُوا : أَنجَزَ حُرُّ مَا وَعَدَ ، وَحتى قَالَ شَاعِرُهُم :
لا تَقُولَنَّ إِذَا مَا لم تُرِدْ *** أَن يَتِمَّ الوَعدُ في شَيءٍ نَعَمْ
حَسَنٌ قَولُ نَعَمْ مِن بَعدِ لا *** وَقَبِيحٌ قَولُ لا بَعْدَ نَعَمْ
إِنَّ لا بَعدَ نَعَمْ فاحِشَةٌ *** فَبِلا فَابدَأْ إِذَا خِفتَ النَّدَمْ
وَإِذَا قُلتَ نَعَمْ فَاصبِرْ لَهَا *** بِنَجَاحِ الوَعدِ إِنَّ الخُلفَ ذَمّ
وَقَالَ آخَرُ :
إِذَا قُلتَ في شَيءٍ نَعَمْ فَأَتِمَّهُ *** فَإِنَّ نَعَمْ دَينٌ عَلَى الحُرِّ وَاجِبُ
وَإِلاَّ فقُلْ : لا تَستَرِحْ وتَرِحْ بها *** لِكَيلا يَقُولَ النَّاسُ إِنَّكَ كَاذِبُ
وَقَالَ شَاعِرٌ مِنهُم :
لَئِن جُمِعَ الآفَاتُ فَالبُخلُ شَرُّهَا *** وَشَرٌّ مِنَ البُخلِ المَوَاعِيدُ وَالمَطْلُ
وَلا خَيرَ في وَعدٍ إِذَا كَانَ كَاذِبًا *** وَلا خَيرَ في قَولٍ إِذَا لم يَكُنْ فِعلُ
وَقَد كَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَصدَقَ الخَلقِ بِالوَعدِ وَأَوفَاهُم بِالعَهدِ ، لم يُعرَفْ في النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ أَوفى مِنهُ ذِمَّةً وَلا أَبَرَّ عَهدًا ، حَرِصَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى غَرسِ ذَلِكَ في نُفُوسِ أَصحَابِهِ وَتَعمِيقِهِ في حَيَاتِهِم ، وَجَعَلَ إِخلافَ الوَعدِ نَوعًا مِن أَنوَاعِ الكَذِبِ وَعَلامَةً مِن عَلامَاتِ النِّفَاقِ ، فَفَي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَعَتني أُمِّي يَومًا وَرَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَاعِدٌ في بَيتِنَا ، فَقَالَت : تَعَالَ أُعطِكَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا أَرَدتِ أَن تُعطِيهِ ؟ " فَقَالَت : أُعطِيهِ تَمرًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا إِنَّكِ لَو لم تُعطِهِ شَيئًا كُتِبَت عَلَيكِ كَذْبَةٌ "
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَلِعِظَمِ أَمرِ الوَفَاءِ بِالوَعدِ في نُفُوسِ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ مِن بَعدِهِ ، فَقَد نَادَى أَبُو بَكرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ بَعدَ وَفَاتِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : مَن كَانَ لَهُ عِندَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ عِدَةٌ أَو دَينٌ فَلْيَأتِنَا ، فَجَاءَهُ جَابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ فَقَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَحَثَى لي حَثيَةً فَعَدَدتُهَا ، فَإِذَا هِيَ خَمسُ مِئَةٍ ، فَقَالَ لي : خُذْ مِثلَيهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَبِصِدقِ الوَعدِ وَالوَفَاءِ بِالعَهدِ ، امتَدَحَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ ، فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ . الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ اللهِ وَلا يَنقُضُونَ المِيثَاقَ "
وَقَالَ : " وَالمُوفُونَ بِعَهدِهِم إِذَا عَاهَدُوا " إِلى قَولِهِ : " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ هُم لأمَانَاتِهِم وَعَهدِهِم رَاعُونَ "
وَقَالَ : " مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً "
أَلا فَاتَّقُوا اللهُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَخَلَّقُوا بِأَخلاقِ الإِسلامِ وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِهِ ، وَزَكُّوا النُّفُوسَ بِالتَّمَسُّكِ بِمَبَادِئِهِ وَأُصُولِهِ ، وَكُونُوا صَادِقِينَ مَعَ رَبِّكُم وَمَعَ أَنفُسِكُم وَمَعَ مَن حَولَكم ، وَأَوفُوا بِعُقُودِكُم وَاصدُقُوا في وُعُودِكُم ، وَإِيَّاكُم وَإخلافَ المَوَاعِيدِ وَنَقضَ العُهُودِ ، فَإِنَّهَا عَادَةُ الضَّالِّينَ اليَهُودِ ، الَّذِينَ هُم شَرُّ أُمَّةٍ عُرِفَت في الأَرضِ بِغَدرِهَا وَخِيَانِتِهَا ، وَفَسَادِهَا وَتَنَصُّلِهَا مِن وَاجِبَاتِهَا ، مِمَّا أَورَثَهَا اللَّعنَةَ وَقَسوَةَ القُلُوبِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ فيهم : " أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُم بَل أَكثَرُهُم لَا يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ تعالى ـ عَنهُم : " فَبِمَا نَقضِهِم مِيثَاقَهُم لَعَنَّاهُم وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ "
وَقَد أَمَرَكُم رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَقَالَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَوفُوا بِعَهدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمَانَ بَعدَ تَوكِيدِهَا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَأَوفُوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كَانَ مَسؤُولاً "
إِنَّ المُسلِمَ يَكفِيهِ في هَذِهِ الحَيَاةِ أَن يَكُونَ صَادِقًا في قَولِهِ وَفِعلِهِ ، وَمَعَ رَبِّهِ وَمُجتَمَعِهِ وَمَن حَولَهُ ؛ لِيَنَالَ تَوفِيقَ اللهِ وَرَحمَتَهُ ، وَيَفُوزَ بِرِضوَانِهِ وَجَنَّتِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى : " قَالَ اللهُ هَذَا يَومُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدقُهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن شَرِّ مَا بُلِيَت بِهِ الأُمَّةُ اليَومَ ، أَفرَادًا وَمُؤَسَّسَاتٍ وَكِبَارًا وَصِغَارًا ، أَن قَلَّ فِيهَا الصِّدقُ ، وَكَثُرَ الكَذِبُ وَإِخلافُ الوَعدِ ، وَصَارَ المَرءُ لا يَتَوَرَّعُ أَن يَتَكَلَّمَ بما يَعرِفُ مِن نَفسِهِ أَنَّهُ لَن يَعمَلَهُ ، وَظَهَرَ الكَذِبُ مِن صِغَارِ المَسؤُولِينَ عَلَى كِبَارِهِم ، وَصَارُوا يُرُونَهُم بِبَعضِ خِطَطِهِم وَمَا يَرفَعُونَهُ لَهُم مِن تَقَارِيرَ ، أَنَّهُم فَعَلُوا وَأَنجَزُوا ، وَسَيَفعَلُونَ وَسَيُنجِزُونَ ، وَهُم في الحَقِيقَةِ مُقَصِّرُونَ كَاذِبُونَ ، يَعلَمُونَ مِن أَنفُسِهِم وَوَاقِعِهِم أَنَّهُم لا يَقدِرُونَ عَلَى بَعضِ مَا يَقُولُونَ وَيَدَّعُونَ ، وَكَم مِن مُدِيرٍ أَو مَسؤُولٍ التَزَمَ أَمَامَ وَلِيِّ الأَمرِ عَلَنًا أَو ضِمنًا ، وَقَد يَقِفُ وَيُخَاطِبُ النَّاسَ أَو يَتَكَلَّمُ في الإِذَاعَاتِ عَن أَعمَالِهِ ، أو يُصدِرُ البَيَانَاتِ في الصُّحُفِ عَن مُنجَزَاتِهِ ، ثم لا يَجِدُ النَّاسُ شَيئًا مِن ذَلِكَ في الوَاقِعِ ، وَلا يُرَى إِلاَّ غَافِلاً عَن رَعِيَّتِهِ ، مُقَصِّرًا في مَسؤُولِيَّتَهُ ، مُهمِلاً لأَمَانَتِهِ .
وَتَرَى المُوَظَّفَ المُؤتَمَنَ عَلَى مَصَالِحِ النَّاسِ ، المُوكَلَ إِلَيهِ قَضَاءُ حَاجَاتِهِم وَتَسيِيرُ شُؤُونِهِم ، يَلتَزِمُ أَمَامَ المُرَاجِعِينَ وَأَصحَابِ المُعَامَلاتِ بِمَوعِدٍ لإِنجَازِهَا ، ثم إِذَا جَاؤُوا إِلَيهِ ، وَقَد يَكُونُ فِيهِم مَن حَضَرَ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ ، تَخَلَّفَ عَن مَوعِدِهِ ، وَرُبَّمَا تَغَيَّبَ وَلم يَحضُرْ ، وَرُبَّمَا غَضِبَ مِنهُم وَصَرَفَهُم عَن وَجهِهِ ، وَتَرَاهُ في سَائِرِ أَيَّامِهِ لا يَتَقَيَّدُ بِوَقتِ اجتِمَاعِهِ في مُؤَسَّسَتِهِ أَو مَدرَسَتِهِ ، وَقَد يَخرُجُ قَبلَ إِنهَاءِ أَعمَالِهِ وَوَاجِبَاتِهِ ، فَقَلَّ بِذَلِكَ الإِنتَاجُ ، وَفَتُرَتِ العَزَائِمُ ، وَهَبَطَتِ الهِمَمُ ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِن مَقتِ اللهِ لِمَن قَالَ وَلَم يَفعَلْ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفعَلُونَ . كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفعَلُونَ "
وَأَمَّا مَظَاهِرُ إِخلافِ الوَعدِ في سُلُوكِ الأَفرَادِ وَتَعَامُلِهِم مَعَ بَعضِهِم ، وَعَدَمِ تَقدِيرِهِم لِلمَوَاعِيدِ وَالوَفَاءِ بِالعُقُودِ ، فَحَدِّثْ وَلا حَرَجَ ، فَكَم مِن عُقُودٍ تُبرَمُ شَفَهِيًّا أَو كِتَابِيًّا لِبَيعٍ سِلعَةٍ أَو شِرَائِهَا ، أَو إِصلاحِ آلَةٍ أَو تَنفِيذٍ مَشرُوعٍ ، ثم لا يُلتَزَمُ بِمَا فِيهَا ، إِمَّا مِن قِبَلِ أَحَدِ الطَّرَفَينِ أَو مِنهُمَا كِليهِمَا ، فَتَضِيعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حُقُوقٌ وَتُهدَرُ أَموَالٌ ، وَتَتَأَخَّرُ مَشرُوعَاتٌ وَأَعمَالٌ ، وَتضَعُفُ الثِّقَةُ بَينَ أَفرَادِ المُجتَمَعِ وَيَقِلُّ التَّعَاوُنُ وَيُنسَى الفَضلُ ، وَيَتَعَلَّمُ الأَبنَاءُ مِنَ الآبَاءِ الكَذِبَ وَإِخلافَ الوَعدِ ، وَيَرِثُ الصِّغَارُ مِنَ الكِبَارِ السُّلُوكَ المَشِينَ ، وَلَو أَنَّ الجَمِيعَ تَعَامَلُوا بِصِدقٍ لَكَانَ خَيرًا لَهُم . فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ . وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ .
المرفقات
إنه كان صادق الوعد.doc
إنه كان صادق الوعد.doc
إنه كان صادق الوعد.pdf
إنه كان صادق الوعد.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق