خطبة إنَّه الصديقِ رضي الله عنه ( مشكلة )

الخطبة الأولى : إنَّه الصديقِ رضي الله عنه

إنَّ الحمد للَّـه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّـه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّـه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّـه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أمَّا بعد:  فأوصيكم ... فالتَّقوى سعادةٌ في الأولى، وزادٌ في الأخرى.

عن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ صَعِدَ أُحُدًا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ . خ.

اليومَ نقفُ مع أحدِ العظماءِ بل هو عظيمُ الإسلام، كان معظَّماً في الجاهلية والإسلام، محبباً مألوفاً لعقلِه وعلمِه وإحسانِه، أكملُ الصحابةِ وأفضلُهم وأسبقُهم إلى الخيرات على الإطلاقِ، إنه: عبدُ اللَّـهِ بنُ عثمانَ القرشيِّ ، أبو بكر الصديقُ t، حَبِيبُ النَّبِيِّ ﷺ وَرَفِيقُهُ ، دُعي إلى الإسلامِ فما كَبَا ولا نَبَا، فكانَ أولَ من آمنَ من الرجالِ، أجمعتِ الأمةُ على تسميتِه بالصديقِ، قال ﷺ «إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلِيكُمْ جَمِيعاً، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكَرٍ: صَدَقْتَ» خ .

عباد الله: أبو بكرٍ t، له المواقفُ الرفيعةُ والأيادي الكريمةُ، رجلٌ عظيمُ القدرِ، رفيعُ المنزلةٍ، كان حازماً رحيماً حليماً كريماً، نافحَ عن دينهِ ونصرَ رسولَه ﷺ، أوَّلُ الخلفاءِ الراشدين، وأوَّلُ العشرةِ المبشرين بالجنةِ، شديدُ الحياءِ، كثيرُ الورع، غنيٌ بمالِه وجاهِه وأخلاقِه، لم يشرب الخمرَ قطُ لسلامةِ فطرتِه ، ولم يعبدْ صنماً في حياته لكمالِ عقلهِ، ولم تُؤْثَرْ عنه كَذْبةٌ قطُ لكمالِ أخلاقهِ ، كان صِدِّيقاً صَدَوقاً، أوَّلُ من دعا إلى اللَّـه؛ فأسلم على يديهِ خمسةٌ من العشرةِ: عثمانُ، وطلحةُ، وسعدُ، والزبيرُ، وابنُ عوفٍ y .

وهو أوَّلُ من أوذي بعد رسولِ اللَّـه ﷺ حتى خرجَ مهاجراً إلى الحبشةِ، وحثوا الترابَ على رأسِه.

عاش في ذَروةِ سنامِ الصحبةِ وأعلى مراتبِها، صحبَ النَّبيَ ﷺ من حين بَعْثِهِ اللَّـه إلى أن ماتَ، كَمُلَ في الصحبةِ كمالاً لم يَشْركْهُ فيه غيرُه ، فهاجرَ وحدَه مع النَّبيِ ﷺ ؛ و كان ﷺ يزوره في بيته أولَ النهارِ وآخرَه ويأنسُ به ، ويقول: أَخي وصاحبي، ويقول «نعِمَ الرجلُ أبو بكر» الترمذي.

مالُه مباركٌ وإنفاقُه أفضلُ من إنفاقِ غيره ، واسى الرسولَ بنفسِه ومالِه وأغدقَ مالَه لرسولِ اللَّـهِ ﷺ لنصرةِ الإسلامِ :"إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ» خ.

ويقول: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطْ ما نفعَني مَالُ أَبِي بَكْرٍ» ويقول: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا كَافَيْنَاهُ عَلَيْهَا مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَداً يُكَافِئُهُ اللَّـهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ» رواهما الترمذي .

يقول عمرُt: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكِرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَبْقَيْتَ لَأَهْلِكَ؟ فَقُلْتُ: مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَـهُمُ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ عُمَرُ: لَا أَسَابِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً» أبو داود.

 عباد الله: الصِّدِّيق t شريفُ النفسِ سامي الروحِ، إذا سقط سوطُه من يده لا يقولُ لأحدٍ ناولني إياه، ويقول: «إِنَّ خَلِيلِي ﷺ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً» أحمد.

أرجحُ الأمةِ إيماناً، وأكملُهم يقيناً ، لو وزن إيمانُه بإيمانِ هذه الأمةِ ليس فيها رسولُ اللَّـهِ ﷺ لَرَجَحَ بهم.

«شَبَّهَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالنَّبِيَّيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فِي لِينِهِ فِي جَانِبِ اللَّـهِ» م.

أعلمُ الصحابةِ والأمةِ وأذكاهُم، كان يَقضي ويُفْتِي بحضرةِ النَّبيِ ﷺ ويُقِرُّه، قال أبو سعيدٍ t: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا».

لم تختلفِ الأمةُ في عصرهِ في مسألةٍ إلا فَصَلَها، بيَّن لهم موتَ النبيِّ ﷺ، وثَبَّتهم على الإيمانِ بعدَ موته، وبيَّن لهم موضعَ دفنِه وميراثَه، استخلفَه رسولُ اللَّـه ﷺ على الصَّلاةِ ، واستعملَه على أوَّلِ حَجَّةٍ حُجَّتْ من المدينة، قال شيخ الإسلام: «لم يحفظْ له قولٌ يخالف فيه نصّاً، ولا يعرفُ له مسألةٌ من الشريعة غَلِط فيها، ثم الأقوالُ التي خُولفَ فيها الصِّديقُ بعد موتِه قولُه فيها أرجحُ من قولِ من خالفَه بعد موته».

الصديق t: حياتُه كلُها للَّـه، لم يفارق المدينةَ إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً، أزهدُ الصحابةِ في الحياةِ، ما جمعه من مالٍ أنفقَه في سبيل اللَّـهِ، تقول عائشةُ t : «لما مات ما تركَ ديناراً ولا درهماً».

أمينٌ في الأمةِ، ومن كُتَّاب الوحيِ ، أشجعُ الناس، لم يكن بعد رسولِ اللَّـه ﷺ أشجعَ منه، يقول عن نفسِه: «ما دخلَ قلبي رُعْبٌ بعد ليلةِ الغارِ، فإن النبي ﷺ لَـمَّا رأى حزْني قال: لَا عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِهَذَا الأَمْرِ بِالتَّمَامِ» .

إخوة الإيمان: في دهشةِ العقولِ بموتِ النَّبيِ ﷺ ، صدعَ الصديقُ بكلماتٍ مؤثرةٍ في ثباتٍ وربَاطةِ جأشٍ، فقال: «من كانَ يعبدُ محمداً فإنَّ محمداً قد مات، ومن كان يعبدُ اللَّـهَ فإنَّ اللَّـه حيٌ لا يموتُ» ، يقول أنسٌ: «خطبنا أبو بكرٍ وكنَّا كالثعالبِ، فما زال يُشَجِّعُنا حتى صرنا كالأسودِ».

قادَ الأمةَ بعد رسولـِها بعدلٍ وحكمةٍ وسؤددٍ، وأقامَ الإسلام، وجمعَ القرآن، وقاتلَ المرتدين.

أَسَدُّ الصحابةِ رأياً وأكملُهم عقلاً، كان النَّبيُ ﷺ إذا استشارَ أصحابَه أولُ من يتكلمُ أبو بكرٍ في الشورى، وكان عمرُ يراجعُه في عهدِ النبوة؛ لكمالِ عقلِه ورجاحةِ رأيِه.

ليس في الصحابةِ من أسلم أبوهُ وأمُّهُ وأولادُه وأولادُ أولادِه وأدركوا النَّبيَ ﷺ سواه «فهم أهلُ بيتِ إيمانٍ ليس فيهم منافقٌ، ولا يُعرف هذا لغيرِ بيت أبي بكرٍ" ومن هذا البيتِ العامرِ بالإيمانِ خرجتْ عائشةُ رضي الله عنها، أحبُّ النساءِ إلى رسولِ اللـهِ ﷺ .

إخوة الإيمان: أبو بكرٍ tكان صوَّاماً قوَّاماً منفقاً مجاهداً، إذا قرأ القرآنَ لا يملك دمْعَه ولم يُسْمَعِ الناسَ قرأتَه من البكاءِ، سبَّاقٌ إلى البرِّ والخيراتِ، في يومٍ واحدٍ أصبحَ صائماً وتبعَ جَنازةً وعادَ مريضاً وأطعمَ مسكيناً، ولا اجتمعت في امريءٍ إلا دخلَ الجنَّة.

ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا لصاحبِ رسولِ اللَّـه حقَّه، وأنزلوه منزلته رضي اللَّـه عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلامِ خيرَ الجزاءِ .

(مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) . بارك الله ..

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله ...أما بعد:

عباد الله: أثنى الله على الصديقِ t فقال "وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى  وَمَا لأِحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى  إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى  وَلَسَوْفَ يَرْضَى ".

 ومما زادَه شرفاً أن الرسولَ ﷺ أحبَّهُ حُبّاً جمّاً ، قال عمرو بنُ العاص t: «قلت يا رسول اللَّـه، أيُّ الناسِ أحبُ إليك؟ قال: عائشةُ، قلت: من الرجالِ؟ قال: أبوها، قلتُ: ثم من؟ قال عمرُ» خ. أفلا نُحبُّ من أحبَّ الحبيبُ ﷺ ؟

وكما أحبَّه الرسولُ فقد أحبَّه الصحابةُ وأَجلُّوه، يقول عمرُ t: لَا أَسْمَعُ بِأَحَدٍ فَضَّلَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ إِلَّا جَلَدْتُهُ أَرْبَعِينَ" ابن أبي شيبة ، ويقول ابنُ عمرَ: «كُنَّا زمنَ النِّبيِ ﷺ لا نَعْدِلُ بأبي بكرٍ أحداً» خ.

إنه الصديقُ : أوَّلُ من يدخلُ الجَنَّـةَ من هذه الأمةِ بعد نبيِها ،بل ويدعى في الجنةِ من أبوابِها الثمانية .

عباد الله: أَمْرُ آخرِ هذه الأمةِ لا يَصلُحُ إلا بما صلَحَ به أولُـها، وأصحابُ النَّبيِ ﷺ هم خيرُ الخلقِ بعد رسول اللَّـه ﷺ، ومعرفةُ أحوالهِم وأخلاقِهم وسيرِهم تُضيءُ الطريقَ أمامَ المؤمنِ الذي يريدُ أن يعيشَ أُسوةَ محمدٍ ﷺ، وأخبارُهم دواءٌ للقلوب، وجِلاءٌ للألبابِ من الدنسِ والعيوب، مثالٌ يحتذى، ونبراسٌ يُقتدى؛ لِيَعْرِفَ المتأخرُ للمتقدمِ فضلَه، ويسعى على دربِه ونهجِه .

فلازم الصِّدقَ في حديثِك تكن من الصِّديقين، وأنفقْ من مالِك ابتغاءَ وجه اللَّـهِ تُكَفَّرُ عنك الذُّنوبَ، وأحسنْ إلى الخلقِ فبالإحسانِ إليهم تنجلي الهمومُ والكروب، اجعل حياتَك كلَّها للَّـهِ تكن أسعدَ خلقِ اللَّـه، وأكثرْ من الصيامِ والصَّلاةِ وإطعامِ المساكينِ وعيادةِ المرضى واتباعِ الجنائزِ تُدعى من أبوابها في الجنانِ، وأَجِلَّ صحابةَ رسولِ اللَّـه ﷺ فإجلالُك أياهُم من محبَّتِك لنبيِّك، وأَحِبَّهم تحشرُ معهم، فتلك صفاتُ الصِّديقينَ؛ فاتصف بها لتلحق بهم ...ثم صلوا ...

المرفقات

1645425283_خطبة_إنه_الصديق_رضي_الله_عنه_نوااف.doc

1645425283_خطبة_إنه_الصديق_رضي_الله_عنه_نوااف.pdf

المشاهدات 1642 | التعليقات 0